… وأذِنَ الله بتأويل الأحرف النورانية

… وأذِنَ الله بتأويل الأحرف النورانية :

قال عز وجل :

{ اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُتَشَـاـبهاً مَثانِيَ تَقشَعِرُ مِنْهُ جُلوُدُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلوُدُهُمْ وَقُلوُبُهُمْ إلىَ ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَىَ اللهِ يَهْدِي بهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فمَا لهُ مِنْ هَادٍ . سورة الزمرالآية 23 } .

        وقبل أن نتشرف بأخذ ما يهمنا من هذه الآية الكريمة ، ينبغي أن نذكر في رأس هذا الموضوع ، تهديده ووعيده في قوله عز شأنه :

       { إنَّ الّذينَ يَكْتُمُونَ مَا أنْزَلْنَا مِنْ البَيِّنَـاـت ِ والهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّـاـهُ للنَّاسِ في الكِتَـاـبِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللآَّعِنُونَ . سورة البقرة الآية 159} .

        من ما أنزل الله من البينات والهدى ، هذه الأحرف النورانية ، من مثل ( كهيعص  حمعسق ) ، وقد  بيّن  بعض  وجوهـها  للنـاس كما ذكرنا آنفاً ، تحت عنوان ( وقفة قصيرة مع الكمبيوتر)( انظر في كتابنا ( العقل الإسلامي ) تحت عنوان : ( الأحرف النورانية وقفة   مع الكمبيوتر . ) ،   كما بيّن لنا سبحانه عن النبي (ص) وعن الأئمة الأطهار عليهم السلام أن ( كهيعص  وحمعسق ) من أسمائه الحسنى ، لمّا أوصلوها إلينا في الرقى (جمع رقية وهي التعويذة . ) بعد تلاوة الحمد والإخلاص ، هكذا : كهيعص كفايتنا حمعسق حمايتنا  وسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (وسيكفيكهم ….. سورة البقرة الآية 137 )  . وما أسرع ما يشفى من أثر ذلك الطفل البريء ، أو المؤمن الموقن المتوكل على الله .

        لذلك تبين لنا أن الأحرف النورانية ، هي رموز مثان متشابهة مع أوائلها وأصولها الحقيقية ، وذلك كتشابه الرموز مع حقائقها الأرضية في الرؤى الأربع في سورة يوسف .

        أو كتشابه الرموز الباطنية مع تأويلاتها الظاهرية  في الوقائع الأربع في قصة موسى مع العالم  (ع) .

        وعلى هذا الأساس  نرتب على المقارنة بين الأحرف النورانية  والرؤى الأربع في سورة يوسف (ع) ثم الوقائع الأربع في قصة موسى مع العالم عليهما السلام ، ثلاث حالات :

الأولى         : مع الأحرف النورانية :  تشابه  الرموز  التي  معنا  في الأرض وهي مثانٍ ، مع حقائقها في اللوح المحفوظ ، وهي أصول أوليه . 

الثانية :       مع الرؤى الأربع : تشابه الرموز في عالم  الملكوت(دراسة حول الرؤيا ، أو  ( ما يراه النائم )) مع حقائقها في عالم الناسوت .

 الرؤيا اثنتان  : إما من الله سبحانه ، وإما من الشيطان لعنه الله  .

أولاً : فَأما التي من الله تبارك  وتعالى  ، فتكون لعباده الذين يتولاهم  ويتولونه فتقع في مصاديق قوله  سبحانه : { هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارىءُ المُصَوِّرُ لهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىَ  يُسَبِّحُ لهُ مَا فِي السَمَـاـوَاتِ والأرْضِِ  وَهُوَ العَزيزُ الحَكِيمُ . سورة الحشر  الآيـة 24 } .

           وعلى هذا الأساس  تكون الرؤيا من منطلقين . منطلق عالم الملكوت ومنطلق عالم الناسوت أي الحياة الدنيا .

          فإذا أراد سبحانه للرؤيا أن تكون صادقة قابلة التحـقق ، أي التأويل  ، أدخل روح صاحبها ونفسه عالم الملكوت فيرى ويسمع ويفهم ويتكلم بالمفاهيم واللغة الملكوتية ، فإذا خرج بشيء واضح متماسك منتظم من هذا العالم الملكوتي ، لزمه التأويل ، كل إلى لغته الناسوتية .

وتتعلق الرؤيا الملكوتية  بالأحداث الكبرى  ، فيما يختص بالفرد أو بالمجموع . من النوع الأول : رؤيا يوسف (ع) ومن الثاني رؤيا ملك مصر  . ( أنظر سورة يوسف ) .

          وأما إذا أراد سبحانـه لعبـده ، بشارةً أو إنذاراً أو توجيهـاً أو تحذيراً ، أو عقوبةً رادعة ، أو امتحاناً يسبر له فيه أغوار نفسه ويطلعه على مكامن الضعف والقوة فيها ، أو مرحلة الوصول صعوداً أو نزولاً … إلى آخر  ما يحتاج  إليه عابد الله في عقله ونفسه وبدنه من تربية وتعليم  وتهذيب وترقية ورفع درجات ، كذلك في أهله ومتعلقاته . فإنه سبحانه وتبارك وتعالى يتفضل ويتكرم عليه خَلْقاً وَبَرْءاً وتصويراً بما يشاء له الحمد وحده .

ثانياً :      وأما التي من الشيطان ، فليس  هي باختيار الشيطان واستقلاليته ، ومعاذ الله أن يكون له ذلك وهو الضعيف الكيد . وإنما الله سبحانه يُوَظِّفَهُ لِقَلقَلَة إنسان ٍ ما وإزاغته ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم سورة الصف الآية 5 )  أو لإعانته علَّه يستفيق ويرجع إلى ربه الحليم الكريم  ، أو يجعله له  قريناً مؤقتاً ، حيث أنه إذا تاب  يتوب الله عليه . وإما قريناً دائماً ، إذا كان من أهل الطغيان والبغي والعناد والضلالة . وذلك في قوله عز وجل :

{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْر ِ الرَّحْمـَاـن ِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَـاناً فَهُوَ لَهُ قَرينٌ . سورة الزخرف الآية 36 } .

         وفيما يخيِّله الشيطان للإنسان أو يوسوس به ، أشياء وصور  ومرهقات ، يستحيل تفسيرها أو تأويلها إلا في ضوء هذه الآية الكريمة ، التي فيها يجعل سبحانه الشيطان قريناً  للإنسان عندما يعشو عن ذكر ربه تبارك وتعالى عما يشركون .

          وحتى  في هذا لا يكون الشيطان  صاداً للإنسان عن الهداية والسداد والرشاد والرجوع أو اللجوء إلى ربه الكريم .

يقول سبحانه :

        { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَروُا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفوُا أنَحْنُ صَدَدْنَـاـكُمْ عَنِ الهُدَى بَعْدَ إذْ جَاءَكُمْ  بَلْ كُنْتُم مُجْرمِيَن . سورة سبأ  الآية 32 } .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الذين استكبروا إبليس وقبيله ، يعرفون  ويعترفون أن الإنسان الذي يصطادونه  أو يجعلهم الله سبحانه له قرناء  إنما  كان  مجرماً مستأهلاً لتسلط الشيطان عليه . على أن الحقيقة  هي أن الله عز وجل يَرْكُمُ الخبيث على بعضه ، وهو كذلك يأمر الشيطان  أن يشارك الإنسان في نفسه ومتعلقاته ، ما دام هذا الإنسان  كالشيطان في سفالته  وظلمه ، أو كبريائه  وكفره ، أو  حسده  ولؤمه ، إلى آخر ما هنالك  من صفات شيطانية يبغضها الله تبارك وتعالى . فيقيِّض هؤلاء لهؤلاء طرداً وعكساً  ، حيث أن لفظة ، الشيطان ، تشمل كذلك أنواعاً من الناس هم في كتاب الله وفي حكم الله شياطين ، قوله تعالى :

        { وكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِ نَبي ٍ عَدُواً  شَيَـاطِينَ الجِنِّ  والإنْسِ يُوحي بَعْضُهُم لِبَعْض ٍ زُخْرُفَ القَوْل ِ غُروراً  وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوه فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرون َ.سورة الأنعام الآية 112}.

          وذلك في قوله تبارك وتعالى وجل وعز شأنه ،  مخاطباً إبليس لعنه الله :

        { واسْتَفْزِزْ مَنْ استَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ وَشَاركْهُمْ في الأمْوالِ والأولَـاـدِ وعِدْهُمْ ومَا يَعِدْهُمْ الشَّيْطَـاـنُ إلا غُرُوراً } . سورة الإسراء الآية 64 } .

موقف علم النفس من الرؤى في النوم :

          الحقيقة أن علم النفس ، حتى السبعينات من هذا القرن كانت معظم مدارسه متفقة على أن الغرائز والإنفعالات هي التي تقود الإنسان . وقد قرر ذلك وبحماس شديد ، أكثر منظـري علـم النفـس مـن هـوبـز ( HOBBES)  ( في الثلث الأول من القرن السابع عشر ) الذي كان يزعم أن الخوف من الموت هو سيد الغرائز التي تقود الإنسان إلى مالتوس (MALTHUS ) الذي زعم أنها  غريزة الجوع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

          وبعد هوبز بثلاثمائة عام ، يبدأ  فرويد  (FREUD )  دراساته للإنسان مفترضاً أن لا وجود إلا للمادة وفي رأسها الدوافع الجنسية .  ومهما يكن الأمر ، فإن النظرة السابقة لسبعينات هذا القرن ، والتي امتدت أكثرمن أربعمائة سنة ، كانت متشابهة في إنكارها للقيم الروحية والغيبية ، والتي نستطيع أن نقول وبدون أية مبالغة أنها طبعت  حضارة أهل الأرض بشكل عميق ، ولا سيما الغرب ( أوروبا وأمريكا ) . وحتى  الكثيرين من أهل الشرق  الذين أخذتهم  صرعات الثورة  المادية  بجميع أشكالها ، ما كان منها حقاً ، وهو قليل ، وما كان باطلاً وهو الطاغي على القيم الأصيلة  والتعاليم الأخلاقية لجميع الأديان المنزلة .

          ومع نهاية فرويد مصاباً بالسرطان في حلقه ، لم تنته الموجة التي شوهت الفكر الحضاري ، أفقياً وعمودياً . فقد ظهر في العشرينات من القرن العشرين ، تطور بلغ الدرجة القصوى من النظر السلبي لإنسانية الإنسان ، عنيت به المذهب السلوكي ، الذي كان مؤسسه وأبرز دعاته جون  ب. واتسون JOHN B. WATSON) الذي حاز على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1903. والذي كان يضع  نظرياته في علم النفس المتعلق بالإنسان ، من خلال تجارب واسعة النطاق يجريها مع الجرذان والعصافير  والقرود .  ( أنظر عالم المعرفة رقم 134 ـ كتاب العلم في منظوره الجديد ) .

          وما دام الأمر كذلك  في مزاعم هذه المدارس ، وخلال أكثر من أربعمائة  عام ، فقد كانت الرؤيا في المنام  ، خاضعة في فهمها  إلى هذه المزاعم ، مما كان يخلخل  الفكر والأخلاق ، ويجعل الإنسان يشك في نفسه  وسلوكه وأخلاقه وجميع قيمه النبيلة .

          ولكي نفهم الغرض من هذا العرض لمزاعم علم النفس العالمي اليوم ، ونظرته ( للرؤى ) في جملة مواضيعه ، فيكفي  أن نشير ، إلى  أنهم   يفسرون  كل  رؤيا  وكل رمز ، تفسيراً جنسياً ، حتى ربطاً وتشبيهاً بأعضاء يستقبح التصريح بها  عند العقلاء   والأخلاقييــن (مدرسة فرويد ) أو  تفسيراً ذاتياً مرتبطاً بحدود الإنسان وإفرازات مـا أسموه بالعقل الباطن ، تحت تأثير غرائزه وسلوكه الغريزي بشكل عام .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي ذلك كما هو واضح ، إنكار للقيم الروحية ، وإلغاء  كلي لإنسانية الإنسان ، بدليل تركيزهم  على دراسته نفسياً وسلوكياً ، تماماً كما تدرس حيوانات  المختبرات من الجرذان والقرود . وينبغي هنا القول ، أنه ما زال يشاركهم في هذا الجانب من النظرة الحيوانية للإنسان  ، بعض المتمسكين ، لتاريخه ،  بمقولة أرسطو : الإنسان حيوان ناطق …

      وليس غريباً إذا أدت هذه الإنحرافات الفظيعة عن الحق والحقيقة ، إلى تمزيق  نفسي واجتماعي لمرضى العيادات النفسية ، حيث جعلوهم  يصنِّفون أنفسهم تصنيفاً بهيمياً ينتهي بهم إلى اليأس والقنوط من أن يحيوا حياة إنسانية ،  مميزة بالعقل  والقيم والمناقب ، والروحانيات  والدين والأخلاق ، والحب الواعي ، والسعادة الحقيقية ، مما  يستحيل على الحيوان أن يتوصل إلى أقل  القليل منه ، ما دامت تقوده غرائزه التي خلقت فيه منظمة لحياته  تنظيماً هو أقرب إلى نظام الآلة منه إلى إنسانية  الإنسان ، الذي أكرمه  الله سبحانه وسخر له ما في السماوات وما في الأرض  تفضلاً منه وتكرماً .

  الثالثة :     مع قصة موسى مع العالم (ع) : تشابه الباطنـي     وهو ( مَثْنَى ) مع الظاهري الأرضي كذلك  ، وهـو إرادة الله التي وقع عليها قضاؤه  سبحانه وتعالـى عما يشركون .

               وقوله تعالى ( من بعد ما بيَّناه ) ، لا يعني كُلِّيةَ البيان ، بل يعني بعضه ، كما يعني أنه سبحانه إنما يريد بيان هذا الأمر بالتدريج  وليس عند جهة واحدة (1)  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)     المقصود  ، تبيانه  سبحانه للأحرف النورانية ، أنه ليس كليا ولا دفعيا ، وإنما  هو كما نستكشف حسب الوقائع : معلومات أولية عن النبي (ص) والأئمة (ع) ، ثم إشارات  في بعض الكتب الموثوقة ، وهي إشارات رقمية ضمن مربعات ، وضعت لتكون تعاويذ وتمائم لأهل الإيمان . كل مجموعة أرقام  منها تبدأ بـ  18  وبعدها مباشرة  وعلى موازاتها  19 ، ومعروف عند قلة نادرة من العلماء  أن الرقم 18 يعني (أعوذ بالله من الشيطان ) ومعروف  عند أكثر العلماء  أن الرقم 19 يعني ( بسم الله الرحمـاـن الرحيم ) أما بقية الأرقام بعد الـ 18 و الـ 19 وعلى موازاتها  فلها علاقة بسور القرآن المجيد . وبعد هذه الإشارات تأتي  حكاية الدكتور رشاد خليفة  المبعوث لتمثيل مصر في الأمم المتحدة ، وما تعرض له  أثناء ترجمة القرآن الكريم ، عند توقفه لترجمة  أول سورة البقرة ( بسم الله الرحمـاـن الرحيم ا لـم ) وحيرته يومذاك  ثم عرضه على الكمبيوتر هذه الحروف وشبيهاتها والسور المتعلقة بها ، وكونه حصل على معلومات مدهشة ومذهلة عن البناء الرقمي للقرآن الكريم نشر يومذاك في أكثر من صحيفة ومجلة على مستوى العالم الإسلامي.

          وصحيح أن أكثر الأمور يبينها سبحانه للناس في الكتاب ، بشكل دفعي ، سواء في كتابه الذي هو القرآن المجيد  أو كتابه الذي هو الكون ، أو في الإثنين معاً وكلاهما كتاب الله .  إلا أن بعض الأمور الكبيرة ، بيَّنها  سبحانه  بشكل تدريجي . ومنها على سبيل المثال  إبراز حق آل بيت النبي  عليهم السلام ، ومقاماتهم  عند الله ،  وما يجب أن تكون عند

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الناس ، ثم أمره سبحانه بطاعتهم وتوليهم بعد الله  ورسوله (ص) . وسنرى ذلك إن شاء الله مفصلاً  في مكان لاحق من هذا البحث .

          وكذلك تبيانه سبحانه لأشراط الساعة ، وهو تبيان تدريجي يواكب تطور هذه الأشراط  وتناميها في الخارج ، أرضاً وسماءً وربطاً  بكتابه  المجيد .

        ولأنه سبحانه يلعن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيَّنه للناس ، ولأنه تبارك وتعالى تفضل علينا بعلم ما تعنيه ، أو بعض ما تعنيه هذه الأحرف ، فلذلك ومن باب أداء الأمانة من جهة ، والخوف من الوقوع في المعصية الكبيرة، التي هي كتمان ما علَّمنا الله بعدما بَيَّنَهُ للناس ، قررنا بإذنه تعالى ، الكتابة في هذا الموضوع ، وإبداء ما علمنا سبحانه من أسراره عن طريق العلم اللدني والإستنتاج والإستقراء في كتابه الكريم .

        أما لماذا لم يذع  رسول الله محمد (ص ) ، هذا السر ، ولا سيما أنه آتاه منها ، أي من الأحرف النورانية ( السبع المثاني) ، وكذلك لماذا لم يظهر ذلك الإمام علي كرم الله وجهه، بعدما جعله الله باب مدينة علم رسول الله (ص) وكذلك الأئمة من بعدهما ؟ فذلك لأن الله عـز وجـل ” قد جعل لكل شيء قدرا “(1) في الزمان والمكان والأشخاص ولأن تأويل ما بدا ويبدو مغلقاً  من القرآن ، ينبغي أن يؤول قبل قيام الساعة ـ إلاّ ما كان متعلقاً بيوم الحشر ثم بوعد الله ووعيده ـ  ولأن هذه الأحرف كغيرها من المغلقات والأسرار  القرآنية ، آن أوان تأويلها  مرتبطاً بالضرورة بالثورة العلمية  التي تكتسح الأعراف والبدع والتقاليد التي لا تثبت لمنطق العلم ولا لمنطق العقل ، ومرتبطاً  بالضرورة ، بإرهاصات يقظة هذه الأمة ، بعد أن عاقبها الله عز وجل ، فأسقطها من شاهق المجد والعلم ، والعزة والقوة ، إلى الدرك الأسفل من الجهل والحيرة والذلة والمسكنة ، والتبعية لمجرمي الأرض وطواغيتها . وأخيراً لأن الله سبحانه بّين للناس في الكتاب الذي هو الكون  من وجه والذي هو القرآن

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)       الآية 3 في سورة الطلاق  :  ” قد جعل الله لكل شيء قدرا ” .

من وجه آخر ، ما بيّنـه عن هذه الأحرف  وعن  بقية المغلقات

والأسرار القرآنية (1) ، لذلك كله ، لعله عز وجل ، لم يشأ إظهارها زمن محمد (ص) ومن أتى بعده من الأئمة والراسخين في العلم ،  وقد كان لكل منهم شأنه ومكانته عند الله والناس ، ودوره في مجالي التبليغ والتأويل ، بقدر ما قيض لهم الله وقدّر وقضى .

        وهكذا يتحقق وعده سبحانه شيئاً فشيئاً ، بما يلقي على الناس الحجج الدامغة والبراهين الساطعة ، قوله تعالى :

{ سَنُرِيهِمْ آيـا ـتنا في الآفَاقِ وفي أنْفُسِهمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحقُّ  …  سورة  فصلت الآية  53 } .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)       أنظر أشراط الساعة في كتاب ( العقل الإسلامي ) .