ومزق الله الاتحاد السوفياتي : نصف العلم الجهنّمي

فإلى متى النصف الآخر ..

 

       { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ } ( سورة غافر ، الآية  21) .

        أما نحن المسلمين في أقطار الدنيا ، فهل من فائدة أن نقول  بعد كل كشف من كشوفهم ، كنا نعلم هذا ، وفي قرآننا المجيد ذاك ، وفي إخبار نبينا صلى الله عليه وآله وأئمتنا نبأ ذلك ؟! .

        لا ريب أن معارفنا وعلومنا الأصيلة ، تفتح أمام عقولنا المسلمة لله ، أبواباً فيها الضوءُ وفيها اليقين ُ ، مما يجعلُ النفسَ في عافية ٍ ، فتشعر ُ بالطمأنينةِ إلى المصير ، إنطلاقاً مِنْ الثقةِ الكاملةِ بأنَّ وعْدَ اللهِ حَق :      

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ .. }(سورة لقمان ، الآية 33) .

وصحيـح  أن  قوماً  صبّـوا  كل  اهتمامهم  على  عمارة  الدنيا  ،  وبنوا   لذلك المشاريع والمصانع وهم أهل ظلم وبطش وطغيان ، كأهل مدنية اليوم ، أنذرهم الله بقوله عز شأنه :

       { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } (سورة الشعراء ، الآية 129) .

       ولما لم يرعووا ولم يقلعوا عن طغيانهم  وكفرهم ، أرسل عليهم عذاباً استأصلهم من جذورهم  ، وجعل مدنهم ومدنيتهم قاعاً صفصفاً ..

        ولكن ذلك يجب أن يكون حافزاً للمسلمين على تطهير أنفسهم ، وتطهيركل الأرض ، وبنائها في مرضاة الله تبارك وتعالى :

       { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } (سورة الروم ، الآية 32) .

       فإن الله عز وجل لتشريف عباده المؤمنين ولتزكيتهم لا يرضى لهم حتى السكنى في منازل أهل الجور والفساد والطغيان . فهو سبحانه في سياق إنذار للناس يوم يأتيهم العذاب يقول عز شأنه :

       { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } (سورة إبراهيم ، الآية 45) .

       وللقيام بمهمة تطهير الأرض وإصلاحها ، يجب الأخذ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن  ، حتى إذا لم ينفع ذلك كله ، قضى الله للمسلمين إصلاح الأرض وعمارتها على انقاض الذين ظلموا أنفسهم والمستبدين والحاقدين على شهادة أن لا إله إلاّ الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا الوعد بمنزلة القضاء المبرم ، لمصلحة المجاهدين في سبيل الله ، وذلك في قوله عز وجل :

        { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ  } (سورة المائدة  ، الآية 54 ) .

        وقوله تبارك وتعالى :

       { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا } (سورة فاطر ، الآية 39) .

       وطبعاً المقصود بالكافرين هنا جميع أنواع ودرجات الكفرة حكاماً ومحكومين ، مضافاً إليهم  كفرة المسلمين ، بين مرتد ومنافق ، وجانح ومنحرف ، ومحازب لغير الله رب العالمين :

       { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (سورة الأحقاف ، الآية 19) .

 

*     *     *

        قد يبدو هذا الأمر ، وكأنه حلم بعيد المنال ، ولكن نظرة عبر المعادلات الإلهية ، أقلها في تاريخ ما بعد الإسلام ، تثبت حقيقة ما نعتقد ونقول . فقد اجتمع أهل الأرض قاطبة على محاربة دين الله الذي أَرْسَلَ به محمداً صلى الله عليه وآله ، وما تركوا وسيلة فكرية ولا مالية ولا عسكرية ، إلاّ شنوا بها حملات غزو شرسة على الدين الحنيف . فماذا كانت النتيجة ؟ كانت أن سقط الفكر الغنوصي في فارس بعد أن حكمها دهراً ، وحاول دهاته وفلاسفته بأمضى أقلامهم أن يجرحوا وجه الإسلام الوليد ، فتحطمت الأقلام ، وأصبحت الغنوصية والمانوية والمذاهب الإثنيَّة كأنها لم تحكم في الدهر ، وغدت نسياً منسيّاً . ومع ركيزة تلك الحضـارة  سقطـت عسكريتهـا الضخمـة ، التي كانـت تحكـم أكثـر من نصـف العـالم .  والعجيـب في الإسـلام الوليـد أنـه استطـاع أن يمضـي قدمـاً دون أن يعلـق  بأذيـالـه شـيء مـن الشـرك التي حملتـه  تلك  الفلسفـات إلى اليهـوديـة والنصرانية  ، فأزالتهما عن مبدأ التوحيد الإلهي ، وأسقطتهما بتعدد الآلهة ، فضلاً عن القدرية  والجرح في عدل الله ، وكذلك  الكذب عليه سبحانه ، وتحريف الكلم عن مواضعه .

         كذلك كان وقوع الإسلام بين فكي كماشة اليهودية والنصرانية ، حتى تخلوا عن البقية الباقية من دينهم السماوي ، بسبب الحقد والحسد ، الذي يأكل الدين كما تأكل النار الحطب . فكان لهم  من الله الوعيد بالخزي والهلكة ، وللذين اتبعوا قرآنه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وأوليائه عليهم السلام  الذين قال فيهم سبحانه :

        { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا }(سورة الأحزاب  ، الآية 23).

       كان وعده بإكرامهم في الدارين ، وإدراجهم في سلسلة الأنبياء والأولياء ، والشهداء والصديقين . يستفاد ذلك كله من الهجمات الفكرية والعسكرية ، إلى الهجمات النفسية والحصارات الإقتصادية ، عبر التاريخ على الإسلام . ثم اطمئنان المسلمين رغم ذلك كله إلى النصر من قوله عز وجل :

       { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (سورة التوبة ، الآية 32 ) .

       فبناء على هذا يجب على المسلمين أن يوقنوا بالنصر المحتوم ، والمتوقع قريباً بإذن الله المجيد ، بناء على امتلاء الأرض بالكفر والضلالة ، وتفرد المسلمين بالتمسك بالدين الحنيف ، وكذلك  تفردهم بأنهم أصحاب الدين الوحيد في الأرض  الذي يملك كتاباً سماويّاً صرفاً ، ولم  يحرّف ولم يعدّل ولم يبدّل ، ولعل ذلك ـ إضافة إلى فكر التوحيد ـ أهم ركيزة حضارية ، من شأنها أن تحفظ الحضارة المبنية على أساسها في  رضى خالق  الكـون وحاكمـه . فتجنبنا سخطه وغضبه ، المتمثل عادة بالقصف والخسـف والإغراق والحريـق والدمـار ، وأحياناً بالإبادة .

        وهكذا ومن هنا البداية ..

        فنحن اليوم في صراع  مع أعتى الدول المعادية للإسلام . أمَّـا الأخذُ بأسباب القوة الظاهرية ، من بأس وإقدام ، وتنظيم وتدريب ، وحصر أهداف ، واعتماد سياسة حكيمة ، تهادن هذا لتتفرغ لذلك ، حتى إذا كسرت شوكة الأعتى ، عادت للأدنى خطراً . كما وعلينا وضع الخطط ، فضلاً عن التسليح ، واحترام السلاح والذخيرة . ومعرفة أن المراد بها دفع الأعداء وقتلهم . إضافة إلى اختيار قياديين مخلصين ، لا يغيرهم بريق المنصب ولا إغراء المال ، ولا يعميهم حب الأهل والعشيرة ، والمزاحمة على القيادة والمكاسب ، والتعبد لذواتهم والإغترار بها ، إلى آخر ما هنالك من الصفات الذميمة التي إذا اجتمعت على قياديٍّ ، عرَّضته لحالات أبشعها الجبن والإنكفاء ، والسقوط في حبالات الشياطين . أقول أما الأخذُ بأسباب القوة الظاهرية هذه ، امرٌ تلزمه كلُّ الشعوب : القوية والضعيفة . والقاعدة العامة المنطقية ، هي أن ينتصر القوي على الضعيف ، ولكن كثيراً ما يحصل في التاريخ أن تنعكس القاعدة ، يعني أن يسقط المنطق لمصلحة الضعفاء ، هذا في ظاهر الأمور .

 

*   *   *

أما وقد اصطدمت الفلسفة المادية بهذه الظاهرة ، فكان لزاماً عليها أن تخرجها إخراجاً مادياً . وعزَّز موقفها هذا ، انتصارُ فيتنام الرائع على أميركا ، مع الفارق الهائل بين ضعف الأولى وفقرها ، وقوة الثانية وغناها . وهو انتصار أشبه  ما يكون بانتصار ديك على ثور هائج .

من هنا اعتناق الشعوب ، النظرية المادية ، منذ الثورة البلشفية 1917 م التي تعززت بعدها بالثورة الصينية ، وبثورات شرق أوروبا ، ثم ثورة فيدل كاسترو الكوبية في قلب أميركا الجنوبية . ثم بالإنقلاب الأثيوبي . ويجب أن نلاحظ هنا ، في سلسلة الثورات هذه ، أنها كلها نجحت تحت شعار  ” كفاح  الشعوب المسلح في سبيل الحرية   ..  والدين ـ  كما قال

زعيم الثورة البلشفية لينين ـ أفيون الشعوب ” .

         وبينما الناس في الشرق والغرب مشدوهون بهذه الشعارات ، مسحورون أمام بنايتها الشامخة على أساس النظرية المادية ، إذا بهذه البناية تنهار فجأة ،  أمام إبراق وإرعاد حملتهما صيحة الله …. أكبر . وشعار ” الجهاد في سبيل الله ” وشعار ” إحدى الحسنين : النصر أو الشهادة ” .

       

        وهكذا أصبحت صرخة التوحيد ، حيثما انطلقت من فم الخميني وأفواه ملايين الثوار، تهدم عرشاً هنا ، وتصرع دولاً عظمى هناك ، وانشلت الآلة الحربية ، وتحطمت طائرات الغزو بصاعقة  مثل صاعقة عاد وثمود .  ووجهوا  الأقمار الصناعية ، فركعت على حدود الثورة من خشية الله ، ولعلها أسلمت وحسن إسلامها  . فعقولها الألكترونية  وهي تحلل المعلومات انقلبت لمصلحة الثورة ، إذ إن الألكترون هو أصلاً وفصلاً من عباد الله .

         لنا ان نبتسم  … ولكنه الجد وليس الهزل ، فعقل النملة ليس أفضل  كفاءة ، وإن كانت الحياة الظاهرية هي الفارق ، فالسّر أعمق من ذلك :

        {.. وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..}(سورة الإسراء  ، الآية 44) .

             وقوله عز وجل عن سليمان عندما سمع كلام النملة :

        { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ  .. } ( سورة النمل ، الآية 19) .