وقضى الله للمسلمين … بالنصر المبين :
قال تبارك وتعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ …} . [ 23 : الإسراء ] . وقال عزَّ شأنه : { وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . [ 20 : غافر ] . { … سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } . { 35 : مريم } .
قال العباس رضي الله عنه : شهدت مع رسول الله (ص) يوم حنين ، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ولم نفارقه ، وهو على بغلة له بيضاء . فلما التقى المسلمون والكفار ولىَّ المسلمون مدبرين . فطفق رسول الله (ص) يركض بغلته قِبَلَ الكفار . قال عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) أكفُّها ، إرادة أن لا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله (ص) ، فقال عليه الصلاة والسلام : ناد أصحاب السَّمُرَة(1) ( وكان رجلاً صيِّتاً )(2) فقلت بأعلى صوتي : يا أصحاب السمرة ، قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك ، يا لبيك … وأقبلوا يقتتلون مع الكفار، وكان النداء : يا للأنصار . وأشرف رسول الله (ص) ينظر إلى قتالهم قائلاً:
الآن حمي الوطيس ، ثم أخذ حصيات من الأرض فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال: إنهزموا ورب محمّد(3) .
وقذف الله في قلوب المشركين الرعب ، فانهزموا لا يلوي واحد منهم على
أحد ، واتبع المسلمون أقفاءَهم يقتلون ويأسرون ، فما رجع الناس إلاَّ والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله (ص) .
وروى ابن إسحاق وابن سعد ، بسند صحيح أن رسول الله (ص) التفت فرأى أم سليم بنت ملحان ، وكانت مع زوجها أبي طلحة ، فقال لها رسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية .
(2) أي أن العباس كان ذا صوت جهوري .
(3) رواه مسلم وروى نحوه باختصار البخاري أيضاً، وترويه بتفصيل كل كتب السيرة.
(ص) : أم سليم ! … قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله (ص) ، أقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك : ـ وكان معها خنجر ـ فقال لها أبو طلحة : ما هذا الخنجر معك يا أم سليم : قالت خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به .
وفرَّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه حتى وصلوا إلى الطائف ، فامتنعوا بحصنها وقد تركوا وراءَهم مغانم كثيرة .
وأمر رسول الله (ص) بالمغانم فحبست في الجعرانة ، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري ، واتجه (ص) بمن معه إلى الطائف فحاصروها ، وأخذت ثقيف تقذف المسلمين من حصونها بالنبال ، فقتل بذلك ناس منهم ، وظل رسول الله (ص) في حصاره للطائف بضعة عشر يوماً ، وقيل بضعة وعشرين يوماً . ثم بدا له أن يرتحل . روى عبد الله بن عمرو أنه (ص) أعلن في أصحابه : إنا قافلون إن شاء الله . فقال بعض أصحابه : نرجع ولم نفتتحه ؟ . فقال لهم :أغدوا على القتال ـ أي فقاتلوا إن شئتم ـ فغدوا عليه ، فأصابهم جراح ، فقال لهم رسول الله (ص) : إنَّا قافلون غداً ، فأعجبهم ذلك ، فضحك رسول الله(1) (ص) .
وقال بعض الصحابة لرسول الله (ص) : يا رسول الله أدع الله على ثقيف ، فقال : اللهم إهد ثقيفاً وائت بهم(2) .
قلت : وقد هدى الله ثقيفاً بعد ذلك بقليل ، فقد جاء وفدهم إلى رسول الله (ص) بالمدينة لإعلان إسلامهم .