من هم الراسخون في العلم
ولزوم أن يُؤوَّل القرآن ، وشرائط التأويل :
الراسخون في العلم بصدد التأويل ، هم أمام ثلاثة عناصر :
1= الشرط الإلـاـهي .
2= أمر الله بتحققه(1) في خلقه ( تدريجياً أو دفعياً ) .
3= اكتمال التحقق علمياً في الآفاق وفي الأنفس .
فقوله تعالى : ” وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقوُلوُنَ آمَنَّا بهِ ” (أي بالقرآن ) ” كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ” (2) أي :
1ـ الشرط الإلـاـهي .
2ـ أمر الله بتحققه ، ثم .
3ـ تحققه في الآفاق وفي الأنفس .
مثال ذلك ، قوله تعالى :
” وإذا النجوم انكدرت ” (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تحقق الشرط القرآني في الكون الخارجي المرئي أو المُدرَك .
(2) سورة آل عمران الآية 7 .
(3) سورة التكوير الاية 2 .
ففي مواجهة هذا الشرط الإلـاـهي ، وقبل أمر الله بتحقيقه ، يقول الراسخون في العلم : هذا { مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }(1)، ويقول معهم عامة المؤمنين كذلك .
ثم يجد الراسخون في العلم أنفسهم في فضل الله ورحمته، غرباء عن جميع الناس في مواجهة العنصرين الباقيين : أمر الله بتحقيق شروطه ، ثم تحقق هذه الشروط . ملزمين أنفسهم بالتأويل الواجب عليهم لما علمهم الله وهيأهم له . ولولا ذلك لبقي القرآن الكريم دون تأويل إلى قيام الساعة ، وهذا يتناقض مع ما أراد الله له وللناس ، من حيث عدله ورحمته وواسـع علمه .
وهكذا فإن الراسخين في العلم ، إذا علموا عبر تتبعهم واهتمامهم وجوباً ـ بهذه الأشراط ، أن انكدار النجوم مثلا ً ، أمر آخذ علمياً بالتحقق ، وأن ذلك ماثل في الآفاق ، علموا أن أمر الله صدر بشأنه ، فقالوا : { كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }(1) أمر الله بتحقيقه ، وتحققه التدريجي في الآفاق . وعلى هذه فقس ما سواها ، قياساً علمياً مع البينات .
ولذلك يحمِّلهم الله مسؤولية التبليغ ، ويحمل الناس مسؤولية الإستنفار لُجُوءاً إلى الله وتقرباً إليه سبحانه ، وحذراً من المفاجآت التي أخطرها مباغتة الساعة عبر تحقق أشراطها .
من هنا نعلم لماذا أعطـى الله سبحانـه وتعـالى ، صفـة ( الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ ) لبعض العلمـاء الذين اختصهم برحمته ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران الآية 7 .
وتفضل عليهم بأنوار من العلم والهداية والكتاب المنير . ذلك لأنهم ـ ولا قوة إلا به سبحانه ـ يتميزون عن جميع الناس ـ غير المؤمنين ـ بالأركان الأربعة التي ذكرنا : 1) ـ الإيمان بالقرآن ، قولهم :”آمَنَّا بهِ”(1) وفي القرآن التوحيد الذي هو أصل الدين وأصل الكون وأصل الوجود ، وفيه أصول الدين وفروعه ، ثم الأركان الثلاثة التي ذكرناها تحت إسم عناصر التأويل .
وكما أنه سبحانه ميزهم عن عامة الناس بالأركان الأربعة ، التي هي سر رسوخهم ظاهراً وباطناً ، كذلك ميزهم عن عامة المؤمنين ، بإشتغالهم بركنين ، غير الإيمان بالقرآن والتسليم بأشراطه ، مراقبة أمر الله بتحريك الأشراط ، ثم التتبع العلمي كما أسلفنا لتحركاتها ومساراتها وآثارها في الآفاق وفي الأنفس ، إضافة إلى تحميلهم مسؤولية إبلاغها للناس ، بقدر ما يمكِّنهم وييسر لهم سبحانه من مجالات .