فوق الجمال

فوق الجمال

رحت للبحر أرى سرَّ الجمالْ

في المدى الرحب وبعدِ الأفُقِ

ونداءِ الشفقِ

ووقوفِ الشمس حمراءَ على حدِّ الهنيههْ

والغروبْ

وأراني في السؤالْ

أين يا بحر أرى فيك الكمالْ؟!

          *****

وتراءى البدر في الليل ملَكْ

حوله تلك الجواري الفاتناتْ

وهو يختال على صدر الحلَكْ

ضاحكاً للنَجماتْ

هكذا ..

يولد الشعر وبعضُ الحبِّ

في ظل الفلكْ

إنما عاد السؤالْ

أين يا ليلُ ويا حبُّ ويا بدرُ الكمالْ؟!

          *****

عدت للنهر بأنفاس الصباحْ

والطيورْ

نازلاتٌ صاعداتْ

ذا على الغصن يغني

أم ترى يسأل عني

آخرٌ يغطسُ يلهو مرحاً

بالقرب مني

وانحدار الماء أم شلال نورْ

هابطاً فوق الصخورْ

كالُّلجينْ

آتياً من ألف عينْ

إنما في البال قد ظل السؤالْ؟!

أين يا نهر الكمالْ

          *****
ثُم في قصرٍ كبيرٍ وغرفْ

بالمئاتْ

ودواوين التحفْ

عشراتْ

خدمٌ أم حشمٌ فوقَ

عناوين التَّرَفْ

وعيونُ الحَرَسِ

وبقاع خُضِّرت بالسندسِ

وبساتينُ الكنارِ

واللآلي حول أعناق الجواري

إنما صوتٌ وجيعٌ من عميق القصرِ

يهتفْ

مثلما طير بسجنٍ قفصٍ راح يرفرفْ

ويقولْ:

“وبيتٍ تعصف الأرياح فيه

  أحبُّ إلـيَّ من قصرٍ منيـفِ

ولبـس عباءَة وتَقَرُّ عيني

  أحبُّ إليَّ من لبس الشفـوف

وأكل كُسَيْرة في ركنِ بيتي

  أحبُّ إليَّ من أكل الرغيـفِ”

ولذا يبقى السؤالْ

أين يا قصر الكمالْ؟!

          *****
رحت للصحراء أستذكر ليلى العامريَّهْ

وأرى الغزلان تعدو

في البراري

والخيول العربيهْ

وهي تجتاز الصحاري

تفتح العالم

حتى نوَّرت في الغرب

هاتيك القرون

المعتمات البربريةْ.

ثم أغراني الحنينْ

لحداءِ الإبلِ

حيث في عقليَ منهُ

بعض إيقاعٍ وشجوٍ ورنينْ

ورجوع للخيام البدويهْ

والنعاج البيض ترعى

الغيثَ في مدِّ البصرْ

وفصيحُ الشعر في أذكى

وأصفى من شَعَرْ

وذرى النخوة والجودِ

وآلافُ العِبَرْ

وابتهالاتٌ إلى الرحمان

بالأوتار والمزمارِ

في ظل الليالي القمريهْ

إنما ظلَّ السؤالْ

أين يا ليلى ويا قيسُ

ويا صحراءُ

أيَّان الكمالْ.؟!

          *****

قلت مهما جُلتُ في الأرض

وجنَّحت خيالي

في بحورٍ ونهورٍ

وخصيباتِ سهولٍ

ورياضٍ فاتناتٍ وجبالِ

ووعورٍ لم يزرها بشرٌ

في الشرق والغربِ

وفي كل جنوبِ وشمالِ

وكنوزٍ ذهَبُ الدنيا بها

والجوهر الصافي:

يواقيتٌ ودرٌ ولآلي

سوف يبقى

مع هذا كلِهِ

الهاجسُ عندي في سؤالي

أين فوق الأرض مفهوم الكمالِ؟!

          *****

ربما يبدو لهذا

ــــــــــ غير أسرار لهُ ــــــــــ

أصعدني ربي لأدنى الدرجاتْ

في الفراديس وجنات النعيمْ

علَّني ألقى جواباً لسؤالي.

قلت أعلنت له سبحانه

قلت يا ربيَ لم الق سوى

ظلِ الكمالِ

فسما بي ثم أعلاني وأعلاني

محطاتٍ من الروعة في كل صعيدْ

بينها غير قياس الناس

كل جنَّهْ

تبعد عما تحتها ما بين أرض وسماءْ

وفروقٌ هائلات في الجمالِ

إنما .. ما بلغَتْ واحدةٌ عنديَ

أشراط الكمالِ

فسما بي ــــــــــ ربما أسرعَ

مما قاله العلم عن الضوء ــــــــــ تماماً ويقيناً

ألفَ عامْ

ثم دلاّني لساح العزَّة العظمى إلى

أعلى مقامْ

ها هنا، استقبلني

يغمرني في نوره الأسمى

بودٍّ وأمانٍ وسلامْ

عند باب العرشِ … !

أم تحسبني يا قارئي أحلمُ

أو أهذي أو اْني في منامْ

لا تعجَّلْ فتلامْ

أنا في اليقظة: عقلي

وفؤادي وعيوني

بل هو الحق وربي

ربِّ هذا العرش

والآي الكريمات العظامْ

صرت شخصاً آخراً قدْ

غاب مفهوم السؤالِ

هكذا كل كياني

بات مملوءاً بما

فوق الكمالِ

فوق آيات التمني والسنى

فوق الجمالِ:

حبَـبْـتُكَ

لو كتبتُ معلَّـقاتٍ

بنور سناكَ

تخلدُ في الزمانِ

محـبَّرةً

بعشقٍ عبقريٍّ

مرصَّعةً

بأنوار المـثاني

ولو أني

جعلتُ الكون قلباً

بحبكَ طافحاً

فوق الجِنانِ

ومِلءَ الخافقينِ

جعلتُ حبي

لوجهكَ

ما كفاني الخافقانِ

وظِلتُ كطائر البجعِ

اشتياقاً

لسرِّ الحسنِ

يعلو الجانحانِ

ولكنْ..

حين أنزلني بعزٍّ

لساحِ العرشِ

حبُّكَ واجتباني

ونوركَ

ضمَّ روحي في سلامٍ

بقربكَ خالداً

فلقد كفاني.