كتابان في كتاب الله : القرآن والفلك

 

نموذج عن الفلك في العقل الإسلامي  :

  وللدلالة  على تصدّي الأئمة لهذا العلم الخطير ، نذكر هنا نصـاً واحداً، نموذجاً ـ من مئات النصوص المثبوتة في مجاميع الروايات  ـ ورد في بحار الأنوار للمجلسي ،  وفي كتاب التوحيد للشيخ الصدوق محمـد بن بابويه المتوفي سنة  381 هجرية . بسنده عن جابر الأنصاري الصحابي ، أن الإمام الباقر محمـد بن علي عليهمـا السلام ، قال له : ولعلك ترى أن الله تعـالى إنَّما خلق هذا العالم الواحد  ، أو ترى أن الله  تعـالى لم يخلـق بشـراً غيركم ، بلى والله ، لقد خلق تبارك وتعالى  ألـف ألـف عالم ، وألـف ألـف آدم،  وأنتم في آخر تلك العوالم  وأولئك الآدميين .

               ونستنتج من هذا الخبر المقدّس ثلاثة أمور :

أولاً    : حكاية الرقم ( ألف ألف ) التي تتناسب مع وصول الناس آنذاك في علم الحساب، ولذلك نلاحظ اختلاف الأرقام  في مختلف الروايات .

ثانياً   : سبق العقل الإسلامي في معرفة تعدّد العوالم ، فهذا الخبر المأثور ورد عنه عليه السلام في وقت كان الناس فيه ما زالوا يدرسون أوضاع مجموعتنا الكوكبية ، اعتماداً على النظريات الخاطئة ، وعلى أن ليس بعدها عوالم .

ثالثاً   : تأكيد ما يظنّه العلم في هذا القرن الخامس عشر الهجري ، العشرين الميلادي من وجود بشرٍ أو مخلوقات ، في بقية العوالم الموجودة  تحت سبع سماوات . فهذا الخبر تقرير علمي  ، يستطيع العلماء الإستنارة به ، والخروج من الظنّ إلى اليقين ، فيستعملون وسائلهم على هذا الأساس . ومع اليقين يكون الحافز أقوى بما لا يقاس ، ويكون الإصرار على الوصول إلى الهدف .

أول الغيث مع كوبرنيكوس :

   منذ أربعة قرون ونصف ، من كتابنا هذا ، وبالتحديد في سنة 1543 م ، ظهر العالم الكبير  ، نيقولاي كوبرنيكوس ،  ونادى بخطأ نظرية سلفه بطليموس وأكّد عكسها . فقد بيّن أن مركز العالم ، إنّما تشغله الشمس  على أنها ـ حسب نظريته ـ ثابتة لا تتحرك  ، وأن الأرض والقمر وخمسة ( فقط) من الكواكب الأخرى تدور حولها في مدارات دائرية ، وفوق كل هذه المدارات ، يوجد فلك النجوم الثابتة ، وهو فلك ثابت يشتمل على العالم بأكمله ، ويؤثر على كافة الكواكب التي تدور أسفله . هذا موجز نظرية كوبرنيكوس .

        وهنا كذلك ، كان القرآن العظيم ، يخبر عن كوبرنيكوس فيما أصاب فيه :

        { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنـَا فِي الْآفَاقِ } . صدق الله العظيم .

        وكذلك عمَّا أخطأ فيه :

       {.. وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }(سورة الجاثية ،  الآية   24  ).

        وفي القرآن صواب ما أخطأ فيه كوبرنيكوس ، أولاً ـ من حيث عدد الكواكب قول الله تعالى :

       { ..أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا .. }(سورة يوسف ، الآية 4) .

        وكذلك من حيث عدد طبقات الكون ،  فهو ظنّ حدود الكون ، هذه السماء المرئية وفي القرآن الكريم قوله تعالى :

       { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.. }(سورة الطلاق ، الآية  12).

        فكوبرنيكوس ظلّت نظريته محدودة ، قاصرة في مدى ما توصّل إلى رصده تحت السماء الدنيا . فمن أين له أن يتعرض هو والأعظم منه في مستويـات البشر ، لعوالم ما فوق هذه السماء ، إذا لم يكن العلم قرآنياً .

ثانياً   : زعم كوبرنيكوس ، أن فوق مدارات مجموعتنا ، فلكاً ثابتاً يشتمل على العالم بأكمله.  وفي القرآن قبله بعشرة قرون قول الله عزّ وجلّ :

       { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ }(سورة الطور ، الآية 49).

       إن لفظة إدبار ، هي عكس إقبال ومعناهما الذهاب والمجيء  ولا يمكن إقبال ولا إدبار بدون حركة . قوله تعالى :

       { فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا }(سورة الذاريات ، الآية 3) .

       فهي في وجه من وجوه الظاهر  فضلاً عن وجوه الباطن تعني نجوماً وكواكب ، حيث لا قرينة للتخصيص ، ولا قرينـة  في السّياق  تُبعدها عمّا نقول . وما أغنى القرآن العظيم  في تعدّد وجوه الآيات ومراميها ، وليس هنا مكان بحثه . وكذلك قوله تعالى :

       { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ  الْجَوَارِ الْكُنَّسِ }(سورة التكوير ، الآيات ( 15 ـ 16 ) ) .

نقول فيها كذلك ، ما قلناه في سابقتها .  وبتعبير آخر لنفس المعنى ولنفس الموضوع  قوله تعالى  :

       {.. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }(سورة الانبياء الآية 33) .

       وقوله تعالى :

       { وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا }(سورة النازعات الآية 3) .

       وأخيراً وليس آخراً ، قوله عزّ وجلّ :

       { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى، يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }(سورة الرعد الآية 2) .

       وهذه الآية هي من أوضح الدلالات  على عدم ثبات الشمس وغيرها من الكواكب ، كما أن هذه الآية  من أعظم الآيات في مجال الفلك  حيث تحسم القول ، في قضية الجاذبية الكونية ، وكذلك في جري الشموس والكواكب والأقمار  ، لأن العبارة  ” كل يجري إلى أجل مسمّى ” عائدة إلى الشمس والقمر والسماوات ، وهي لغة كل سامٍ مرتفعٍ  ، ولفظ   “الشمس والقمر ” دلالة على النوع  وليس على الجنس ، والمقصود في الآية  على هذا الأساس  ما فـي الكون من شموس وأقمار ، وكذلك القول  في لفظة أرض ، فهي تعني النوع والماهية  في أكثر الآيات . ولذلك لا نجد في القرآن لغة جمع للأرض ولا للشمس ولا للقمر (يعني أرضون وشموس وأقمار) . وقارىء القرآن اللبيب يفهم القصد، حيث يكون المقصود هو الجمع أو النوع أو الجنس ، من السياق والقرائن .

القرآن يخبر عن حركة الشمس قبل أن يعرف ذلك بشر:

  بعد كوبرنيكوس ، أذن الله عزّ وجلّ  ، بخطوات جبارة ، قطعـها علم الفلك . كذلك سدّد فيها ثلاثة من العلماء  كيبلر  Kepler  ثم بعده غاليلو   Galileoثم بعده نيوتن الذي توفي حوالي 1727 م . وكان غاليلو أول من استعمل التلسكوب واكتشف أن الشمس تدور حول نفسها كما تدور الأرض ، وكما تدور بقية الكواكب . هذا  والقرآن المجيد يعلن  هذه الحقيقة ، طيلة  حوالي إثني عشرَ قرناً ، قبل هذا الكشف .

        فإذن  أقفل الله تعالى على المسلمين أبواب العلم ، وفتح على الآخرين أبواب كل شيء. ويبدو أن الجميع اليوم  ، أصبحوا يستدعـون غضـب الله  المنتقم الجبّار . فباسم الدين  ، شيعةً تسفك دماء الشيعة ، وسنّةً تسفـك دماء السنّة . والسنّة والشيعة لبعضهما بالمرصاد الدموي ، أفلأجل هذا كان الإسلام وكان إرسال الله سبحانه لمحمّد صلى الله عليه وآله؟ ومثل ذلك فعل اليهود بأنفسهم وبالمسيحيين من قبل ، ومثل ذلك فعل المسيحيين  بأنفسهم في الحروب الدينية ، وما زالوا يفعلون بأنفسهم وبالآخرين .

        لذلك يعتبر معظم أهل الأرض ، في هذه الأيام  ، وخاصة أصحاب  الحضارة الزنديقة،  من مصاديق قول الله عزّ وجل ّ :

       { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(سورة الأنعام  ، الآيات  (44 ـ45 )) .

       معظمهم اليوم  مصاديق للقسم الأول ، لِمِهْلَةِ  ما قبل الأخذ بغتةً . وترقب الباقي أمر طبيعي ، فإن وعد الله حق . ثم بعض التأمّل في قوله سبحانه يجب أن يفزع الأعراب وأهل النفاق من أدعياء الإسلام . والإسلام في الحقيقة غدا غريباً بالنسبة إليهم ، وغدوا هم عنه غرباء :

       { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ، انظُرْ كَيـْفَ  نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ  }(سورة الأنعام ، الآية 65 ) .

        فهل أكثر من هذا الواقع  انطباقاً على الناس ، قصف من فوقهم  واهتزاز الأرض  بالدواهي من تحت أرجلهم  ، والآتي أعظم ، وإنهم تمزّقوا  شيعاً يذيق بعضهم  بأس بعض ، ويسفك بعضهم دماء بعض ، ويروّع بعضهم بعضاً أعراباً ومنافقين ، ومسلمين زائفين .  وأسوأ من ذلك كله ، اليهود والنصارى ، وبقية أهل الأرض  ما بين  القطبين .

        ألا وإن فرصة الجميع  ، جميع أهل الأرض ،  الفـرار إلى الله ، بالإسلام والقرآن  . وأمامهم قيامتان  : أرضية وكونية ، وليرتقب أعداء موسى  والمسيح ومحمّد  عليهم  السلام ، إنّا مرتقبون . أو فليطيعوا الله في أمره تعالى حيث قال :

       { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }(سورة أل عمران ، الآية  133) .

       {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }(سورة الزمر ،  الآيات ( 54 ـ 55 ) ) .

*  *  *

        ثم نعود  إلى حركة  الشمس والقمر والأرض وتتابع الليل والنهار ،  وعدم طغيان  الأكبر على الأصغر في ناموس التجاذب والمدارات ، متأملين قول الله تبارك وتعالى :

       { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ . لَا  الشَّمْسُ  يَنبَغِـي لَهَا  أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }( سورة يس ، الآيات ( 38 ـ 40 )).

        وهكذا نجد أن الله عزّ شأنه ، رفع ( غاليلو ) درجات عالية وغالية ، في سلّم الفلك ، الذي يبدو أنه غير متناهٍ في السموات السّبع وما بعدهنّ ، ثم علّم وهيّأ  سبحانه من يتابع عنه.  وحيث أن ( غاليلو )  ترك للعلماء  القانون  الذي يقول : ( إن حركة الجسم تستمر إلى ما لا نهاية ما لم يطرأ عليها ما يعدّلها أو يوقفها ) هذا القانون استوقف نيوتن ، وجعله يتساءل ، لماذا  لا تستمر حركة الكواكب في اتجاه مستقيم ، بدلاً من أن تدور حول الشمس  وكأنها مشدودة بحبل غير منظور ؟ وبفضل من الله على البشرية  وأيضاً لتعزيز  قرآنـه المجيد ، وزيادة في إلقـاء  الحجة على الماديين والطبيعيين ، ألقى التفاحة أمام نيوتن وألهمه أنها الجاذبية،  وأن ما يرفع السماوات ، ويربط الكواكب بالشمس إنّما هي عمد لا ترونها ، أي أنها قوى جذب توجد بين هذه الأجرام  ، وتشدّ بعضها إلى بعض دون أن يطغى فيها الأعظم  حجماً على ما دونه . وهي التي أسموها بلغتهم  Attractionأي التجاذب وهي صريحة في كتـاب الله المجيد :

       { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى، يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }(سورة الرعد ،  الآية 2) .

       وهكذا أتى تفسير هذه الآيات وبعض تأويلها بعد أكثر من ( 1200 ) سنة من إعلان القرآن لهذه الحقائق الكونية العجيبة . أفما يستحي الذين لم يسلموا بعد ، إلى الله إسلاماً كلياً،  ولم يذعنوا لقرآنه العظيم ، لا سيما عندما يقرأون فيما يقرأون ، هذه الآية ، التي  تدمغ الذين اتهموا محمّداً صلى الله عليه وآله بأنه افترى القرآن  وأتى به من عنده ومن عند أقوام آخرين بعدما تبيّن لهم من النواميس والدقائق العلميـة المذهلة التي أشرق  بها  القرآن على البشرية في وقت كانت فيه ظلاماً دامساً من الجهالة والأميّة العلمية :

       { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِـن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}(سورة يس الآية 38-39) .

        العلم المعاصر ما زال في رقعة تحت سماء من سبع سموات ، وهذه السموات السبع في كرسي العرش كحلقة في فلاة ، والكرسي على شاسع اتساعه وشموله هو في العرش كحلقة في فلاة : هذه  مواد كونية ، للأدمغـة والأرقام والمراصد ويبقى كلام عن الملكوت واللاهوت والجبروت ، وهذا لغير النظر المادي ، ويبقى اللاّكلام .

        أما ما دمنا في الكلام ، فنعود إلى الفلك ، وبالتحديد إلى الشمس بين القرآن وبين الكشوف العلمية .

العلم المعاصر ما زال في رقعة تحت سماء من سبع سموات

العلم المعاصر ما زال في رقعة تحت سماء من سبع سموات ، وهذه السموات السبع في كرسي العرش كحلقة في فلاة ، والكرسي على شاسع اتساعه وشموله هو في العرش كحلقة في فلاة : هذه  مواد كونية ، للأدمغـة والأرقام والمراصد ويبقى كلام عن الملكوت واللاهوت والجبروت ، وهذا لغير النظر المادي ، ويبقى اللاّكلام .

        أما ما دمنا في الكلام ، فنعود إلى الفلك ، وبالتحديد إلى الشمس بين القرآن وبين الكشوف العلمية .

الشمس ليست مركزاً للكون :

  من كل ما تقدم من الآيات الكريمة  ، نفهم بجلاء ، أن الشمس ليست مركزاً للكون ، وإنـّما هي مجرد نجم من ملايين النجوم ، التي لها في الفضاء الرحب إقبال وإدبار  . بينما  كان أهل الأرض ،  منذ القدم ، يعتقدون أن الشمس هي مركز الكون كلِّه ، وبقي هذا الاعتقاد سائداً ، حتى بعد القرن الخامس عشر الميلادي ، التاسع  الهجري ، وبعد كوبرنيكوس وكيبلر ، وغاليلو، وكذلك نيوتن ، بينما القرآن الكريم يقرّر عبر كل هذه الحقب من الزمان وبأوضح عبارات ، أنَّ الشموس كلها هي سراج في السماء الدنيا من السموات السبع . وهو ما يراه الإنسان العادي من الضوء في ليل سمائنا الدنيا هذه . قوله عزّ وجلّ :

       { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا  وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا }(سورة نوح ، الآيات ( 15 ـ 16 )).

       كما قرّر أنها غير ثابتة في مكانها :

       { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }(سورة يس ،  الآية  38) .

       كما قرّر أن ما زاد عن السموات السبع والأرضين السبع هو الكرسي :

       { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ …وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }(سورة البقرة ، الآية 255) .

        وما زاد عن الكرسي هو ( العرش العظيـم ) و ( العرش المجيـد )  و ( العرش الكريـم )  .

        ولفهم تقريبي لنسبة  السموات والأرض إلى الكرسي ونسبة الكرسي إلى العرش ، نذكر هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله  فعن الصادق عليه السلام ، قال ،  قال أبو ذر  : ” يا رسول الله ما أفضل ما أنزل عليك ؟ قال : آية الكرسي ، ما السموات السبع في الكرسي إلاَّ كحلقة ملقاة ، بأرض فلاة . ثم قـال : وإنَّ فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ” .

        المهم أن الناس ـ مسلمين وغير مسلمين ـ ظلّوا هكذا ، منصرفين عن كتاب الله الكريم ، زاعمين أنَّ الشمس ثابتة في موقع واحـد من السماء  لا تبرحه ، حتى كان القرن الثامن عشر الميلادي ، فظهـر العالـم الفلكـي هاللي  Halley  1758 م  وهو صديق لنيوتن ، وصاحب نظرية المذنب المُسمّى باسمه ، وقرّر أن الشمس تغّير مكانها . وهنا بطل الإعتقاد بأن الشمس هي مركز الكون كلّه ولم تعد سوى مجرد نجم عادي  في مجرة درب التبّانة ، حيث يوجد شموس أصغر وأكبر منهـا بالملايين . وقـد كانـت هذه الحقيقـة   التي اكتشفها هاللي مقرّرة ـ كما رأينا ـ في القرآن الكريم  قبله بحوالي  إثني عشر قرنـاً.

علم الفلك في القرآن يفتح العقل على مصراعيه :

  إنّ علم الفلك في القرآن ـ فضلاً عن بقية العلوم فيه ـ يشهد أولاً أنَّ لا إلـه إلاَّ الله ، ويشهد ثانياً أن محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله  ويشهد ثالثاً أن القرآن الكريم هو من لدن الله جلّت عظمته . وعلم الفلك ، وحده ، في القرآن ، يكفي لأن يجعل العقل الإسلامي عقل عالم ، فكيف ببقية وجوه الشهادة ، ووجوه الإثبات ، ووجوه الإعجاز ، التي إذا اجتمعت لإنسان أسلم لربّ العالمين إسلاماً حقيقياً كاملاً ، جعلته أعلم العلماء على مستوى البشر ، وفي شتى المجالات ، شرطه أن يأتمر بما أمر الله به محمّداً صلى الله عليه وآله وكل مسلمٍ لله تبارك وتعالى إسلاماً صادقاً :

       {.. َقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }(سورة طـه ، الآية  114 ).

       قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }(سورة الأنعام ، الآية  ( 162 ـ 163 )) .

       ففي عصر محمّد صلى الله عليه وآله لو كنت أنت وسألت أعلم أهل الأرض  في أرقى الحضارات آنذاك من اليونان إلى الفرس إلى الرومان : ماذا في السماء ؟ فسيكون الجواب : نجوم ثابتة ، أو بتعبير آخر ( علمي ) عندهم آنذاك: مسامير ضوئية .

        وإذا سألت كم سماء فوق هذه ؟ فسيكون هذا السؤال من العجب .  أيوجد أكثر من سماء ؟ هكذا كان حال أعلم العلماء في بقاع الأرض قاطبة أيام رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله . فما بالك إذا سألت الأعراب والبدو الذين كانوا حول محمّد صلى الله عليه وآله وليس عندهم أي لـون من ألـوان الحضارة .

 وهم لولا الإسلام العظيم لكانوا ظلّوا إلى يومنا هذا عيّنةً من عيّنات القرون الوسطى، إلاَّ أنّهم بالإسلام فيما بعد، سادوا حضارات الماضي ، ووضعوا الأسس الإيجابية لحضارات اليوم.  وهم إذا رجعوا إلى الله متمسكين بكتابه الكريم وبسنّة محمّد وآل بيت محمّد صلى الله عليه وآله ، فسيبنون حضارة المستقبل ، بدون سلبيات . فيسعدون سعادة الدارين ويسعدون معهم البشرية  .

        ثم من أين لرسول الله صلى الله عليه وآله ، أن يعلم آنذاك ، مفاد الآيات التي في القرآن ، والتي تكشّف منها جانب بعد تطوير التلسكوب الذي استعمل أول مرة في القرن السابع عشر ، أي بعد ( 1200) سنة حوالي إثني عشر قرناً من نزول القرآن العظيم .

        من أين لرسول الله محمّد صلى الله عليه وآله أن يعلم ، لولا القرآن أولاً، ولولا المعراج ثانياً ، إلى السماء السابعة  :

       { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى }(سورة النجم ، الآيات ( 8 ـ 9 ) 

        والقاب ،  هو المعروف في الهندسةRayon   بشعاع الدائرة . فإذن انطلق محمّد صلى الله عليه وآله من مركز دائرة السماء الدنيا ، خارجاً من أحد أقواسها ( وذاك هو القاب الأول ) ثم ارتفع مسافة القاب الثاني ، مقارباً قوس الدائرة الثانية  “وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلّى ” فكان أدنى قليلاً من قاب قوسين ، غير مرتكز على شيء مادي ، حتى ولا على نظام الجاذبية . كذلك ممـّا يجب أن يستفيده علم الفلك الحديث ، أن جميع الفتوحات العلمية الباهرة في عالم الكواكب والنجوم والمجّرات والأبعاد الهائلة التي تقاس بملايين السنين الضوئية ، كل ذلك ، إنّما يقع تحت السماء الدنيا ، التي فوقها ستّ سموات ، فوقهنّ العرش العظيم .

        ثم إنّ رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله كان همّه الأول والأكبر ، أن يقنع بدعوته العرب أولاً وبشكل خاص ، لأنهم على عنفوانهم ، ونزعتهم المتميزة إلى الحرية والفردية ، سيكونون كما أراد لهم وعلّمهم الله سبحانه ، قاعدة الدعوة ، وأساسها،وركيزتها .

        إذ أن القرآن هو لبّ الدعوة وعقلها ، وهو عربي ،  ولا يمكن أن يستسيغه ، ولا حتى أن يقبله ، بالبداهة ، والتفاعل السريع ، غير العرب .

        ومعلوم تاريخياً ، أنّ العرب آنذاك ، زمن محمّد صلى الله عليه وآله لم يكونوا أهل حضارة وعلوم ، بل كان أبرز شأنهم ، التجارة في العواصم ، والرعي والبداوة ، على امتداد شبه الجزيرة العربية ، إضافةً إلى اللغة الصافية التي كانت الطابع المميّز ، لهؤلاء وهؤلاء ، من أهل حضر وأهل وبرّ .

        فلو كان الفكر هو فكر محمّد صلى الله عليه وآله ، والتخطيط لنجاح الدعوة هو تخطيطه ، فأول ما كان يجب أن يتعامل مع هؤلاء القوم ، بما يفهمونه،ويستجيبون له . فلماذا جاءهم ومن أين ، بهذه الآيات العلمية ، التي كانت ربمـا ، متعبة لهؤلاء القوم ، وهو لا يريد أن يتعب أفكارهم . هو يريد أن يقنعهم . وواضح أن هذه الآيات العلمية ، لم تساهم أيّة مساهمة في إقناعهم . فلماذا الآيات العلمية الكثيرة والمعقدة ؟

        إذن لا شك البتة ، في أن محمّداً صلى الله عليه وآله  لم يكن المخطط ، وأن محمداً صلى الله عليه وآله  لم يكن المفكّر بما ينفع ، وبما لا ينفع من الآيات ، وإنما كان محمّد صلى الله عليه وآله  السامع ، المتلقي ، ثم المبلّغ حرفياً لما يتنـزل عليه من ربّه ربّ العالمين .

        ولولا أن القرآن الكريم  هو وحي من الله سبحانه ما كان محمّد صلى الله عليه وآله يستطيع أن يتحف مستقبل البشرية بهذه الآيات الباهرة  ، في مجال الفلك والنفس والإنسان والطبيعة والكون كلّه ، ثم لم يكن منها فائدة ما دام لا  يفهمها أحد من الناس إلاَّ من رحم ربّك . فمن أين أتى محمّد صلى الله عليه وآله بهذه الأسرار ؟ وهي لم تفده ولم ترفده في دعوته آنذاك  لا من قريب ولا من بعيد . وإنما ظلّت  مئات السنين أسراراً ورموزاً ، حتى قيّض الله سبحانه كشف مصاديقها للعلماء . فمن أين لرسول الله محمّد صلى الله عليه وآله كل ذلك ،

إذا لم يكن نبياً مرسلاً من لدن الله تبارك وتعالى ، والقرآن وحياً يوحى :

{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }(سورة النجم ، الآيات ( 3 ـ 5  ) ) .

وهل كان لأي إنسان آنذاك ، مهما علا شأنه ، أن يلمّ بهذه العلوم العالية ، بدون مقدمات علمية ، وأدوات فكرية ومادية ، تساعده على معرفة هذه الأسرار . هذا مستحيل . فإذن وحده خالق هذا الكون ، هو الذي أخبر عنها في القرآن الكريم ، وهو الذي علّم رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله  وعلّم بعده أولياءه ، ثمّ البشرية . لأنه وحده تبارك وتعالى يحيط  بأسرار السموات والأرض وما بينهما ، وهو بكل خلق عليم .

من هنا يتّضح بشكل قطعي ، أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند غير الله سبحانه :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا . وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }(سورة الفرقان ،  الآيات  ( 4 ـ 6 )) .

{ ..وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا }(سورة الفرقان ،  الآية  8) .

بقي علينا أن ندرك  ، أنه  ما دامت آيات كثيرة ، فيها مثل هذه الكنوز العلمية ، ولم يكن عند الماضين ، تمكين لسبر أغوارها وفكّ رموزها ، بل كانوا يمرّون بها مكتفين بما يحمله ظاهرها المريح لإفهامهم على قدر أفهامهم ، فكذلك ما زال الكثير أيضاً من الآيات في عصرنا هذا ، هو بالنسبة للمفسرين من المُغْلَقَـات المغلّفـات بالجمـال والإقنـاع علـى قـدر الحاجـة . ولكنهـا  يقيناً ستحمل فتوحـات ما بعـد الكشف عن مضامينها ، أو عن مصاديقها في كتاب الكون.

.. من هنا ….أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند غير الله

من هنا يتّضح بشكل قطعي ، أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند غير الله سبحانه :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا . وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }(سورة الفرقان ،  الآيات  ( 4 ـ 6 ).

{ ..وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا }(سورة الفرقان ،  الآية  8) .

بقي علينا أن ندرك  ، أنه  ما دامت آيات كثيرة ، فيها مثل هذه الكنوز العلمية ، ولم يكن عند الماضين ، تمكين لسبر أغوارها وفكّ رموزها ، بل كانوا يمرّون بها مكتفين بما يحمله ظاهرها المريح لإفهامهم على قدر أفهامهم ، فكذلك ما زال الكثير أيضاً من الآيات في عصرنا هذا ، هو بالنسبة للمفسرين من المُغْلَقَـات المغلّفـات بالجمـال والإقنـاع علـى قـدر الحاجـة . ولكنهـا  يقيناً ستحمل فتوحـات ما بعـد الكشف عن مضامينها ، أو عن مصاديقها في كتاب الكون.

كتابان لله يفسّر بعضهما بعضاً :

وختاماً لهذا البحث يجب أن نذكر دائماً أننا إنما نعرض هذه الحقائق ، ليقرّ في الأذهـان ، والعقول والقلوب ، أن القرآن معجز وأنه ـ رغـم كل ما قد يقال ، ظنّاً ، أو جدلاً ـ  من أعظـم الروافـد الظاهـرة ، للعقـل الإسلامـي المتفوق .

        وأنه ما كان لبشر ، أن يعلم هذه الأسرار ، وهذه الحقائق الفلكيـة قبل القرآن المجيد، ولا حتى في زمن القرآن ، ولا حتى بعد مئات السنيـن من القرآن ،  حتى يأذن الله عزّ وجل ّ بالكشـف تدريجياً عمّـا في القرآن وفي الكون :

       { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ..}(سورة يونس ،  الآية  39) .

       نعم ، حتى أذن الله تبارك وتعالى ، ببعض تأويله ، ببعض الكشف التدريجي عمّا في القرآن الكريم ربطاً بملكوته وملكه العظيم . وبنسب ، هي وإن كانت جليلة بالنسبة للإنسان، إلاَّ أنها ما زالت قليلة جداً في مجال  العلـم ، وفي المجالات اللانهائية لكلمات الله ، التي بها يكشف عن النواميس أو القوانين العلمية ، وبها يعلّم وبها يخلق ،  قوله تعالى :

       { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(سورة لقمان  ، الآية 27).

       وكذلك ، علينا أن نتذكر دائماً ، أن ما يكشف في شتى ميادين العلم من أعاجيب ومدهشات ، إنّما هو تحقيق لوعد الله عزّ وجلّ حيث قال :

       { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.. }(سورة فصلت ،  الآية  53).

       ومن هنا نرى أن الرافـد الثاني العظيم للعقل بعد القرآن هو كتاب الكون ، متضمناً منائره القادة الملهمين ، الذين اجتباهم الله عزّ وجلّ ، لكشف الأسرار وتعليم البشرية ،  حسب حاجة كل جيل ومستواه التحصيلي في مجال العلوم أو مستواه الفكري .

        والله عزّ وجلّ ، يعلّم خلقه الأرضي ، من جـن وإنـس  ، بهذين الكتابين  غير منفصلين ، رابطاً الثاني بالأول الذي هو القرآن المجيد ، هادياً ومعلماً ومرشداً ومسدّداً .

       { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ، الآية  89).

مهمة العلم  :

        كما أنه ينبغي ألا ننسى كذلك ، أن مهمة العلم هي التفكّر والخلق والإبداع … استنتاجاً واستقراءً إلى أقصى  الحدود التي يصل إليها الفكر أو  الخيال أو الظن . ومادته ( أي مادة العلم ) هي جميع ما خلق الله في السماوات والأرض وما بينهما . إلاَّ أن العلماء ينشعبون على هذا الأساس إلى شعبتين : شعبـة للنعيـم ، هم أهل طاعـة الله ، وشعبـة للجحيم هم أهـل معاصيه .

        ثم يشير القرآن المجيـد إلى الكون اللامتناهي متحدّيـاً أهل السموات والأرض بقول الله ، والله أكبر  :

       { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }(سورة لقمان ،  الآية  11 ) .