بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الكتاب
الحمد لله وحده
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ،
الحمد لله حمداً خالداً بخلوده ، وصلى الله على الذين اتبعوا الله حق اتباعه ، من محمد (ص) خاتم النبيين إلى آل بيته الطيبين الأبرار ، إلى صحبه أنصار الله ، إلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون . وبعد ,
غاية واحدة ، استهدفتها مفردة ، عندما شرعت في كتابة هذه البحوث كما سابقاتها بفضل من الله فيما كتبت ونشرت ، وكما لاحقاتها ، إن شاء الحبيب الأعظم ، ربي ، عليه توكلت ، وإليه وحده لجأت بعقلي ونفسي وبدني ، وكل كياني ، وإليه أنبت وإليه المصير .
هذه الغاية هي دعوة الأمة إلى الله ، جل جلاله .
فإذا استفاقت الأمة بقادتها ، وعزّت بعد ذلِّها ، غفر لها بعد سخطه العزيز الغفار ، ووجدت نفسها هي تدعو كذلك إلى الله .
فإذا فعلت وصدقت ، استجابت لها بقية الأمم ، ناجية من دمدمة ترصد بالغضب والمحق ، جنون أهل هذا الكوكب وعربدة مترفيه .
وأصبح المجتمع البشري مجتمعاً أخوياً واحداً مؤمناً . وأحب أهل المشرق أهل المغرب . أهي دعوة أفلاطونية أم شيوعية فاشلة أخرى ، أم أحلام شاعر ؟ لا ليس الأمر كذلك . إنما هو أمر عملي جاهز ناجز . يكفي لكي يغدو حضارة مباركة على الأرض ، شرط واحد عالمي بسيط : اليقين بحاكمية الله الذي لا إلـه إلا هو .
فالدستور الإلـهي العالمي الذي هو القرآن المصدق للتوراة والإنجيل والمهيمن عليهما بقرار من الله العظيم ، لم يطبق بعد ولا مرَّة في التاريخ ، إلا بضع سنوات محت معالمها الردَّات الجاهلية بزوابع النفاق وأعاصير الكفر والزندقة من تحت عمائم الخلفاء والمتكالبين على الدنيا من أتباعهم .
إذن لم يتح للدستور الإلـهي بعد أن يطبق .
والقرآن ليس للعرب ، ولا لأيِّ عرق من أعراق أهل الأرض .
الدستور الإلـهي الذي هو القرآن المجيد ، هو لجميع أهل الأرض بجميع أجناسهم وألوانهم ولغاتهم . وهو كذلك لجميع ما تحت السماء الدنيا بما في ذلك الكواكب وسكانها .
زَعْمُ التوراة كتاباً إلـهياً بعد السبي البابلي زَعْمٌ كاذب .
وَزَعْمُ إنجيل واحـد ، تردُّه مزاعم ثلاثة أناجيل مختلفة في المقابل ، فأيها الإلـهي ؟ والرد واضح . إذن أراد الله سبحانه أن يكون له دستور واحد ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، فعطَّل بإذنه التوراة ، حيث سمح بأن يداخلها ما هو غير إلـهي .
وعطَّل بإذنه الإنجيل ، حيث سمح بتعدده ، فمحال أن يقال عن أحدها أنه إلـهي خالص .
لا أريد أن أثير يهودياً واحداً ، ولا نصرانياً واحداً ، من منطلق دينونتي لله ودعوتي له سبحانه ، ناهيك بيهود الأرض ونصاراها . بالعكس ، أريد بهم خيراً ، ولو كانوا يريدون بنا كمسلمين شراً مستطيرا . وليس أعظم خيراً وصدق نصيحة وتحسساً بالإخاء الإنساني ، من أن أدعوهم إلى الله وكتابه ، لأني موقن بوحدانيته سبحانه وبحاكميته ، وبأنه ليس في الأرض كتاب إلـهي صرف غير هذا القرآن المجيد .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى وهي الأساس ، أريد أن أكون في طاعة ربِّيَ الله ، رب العالمين ، مستجيباً لإرادته ، موقناً أن من إراداته الدعوة إلى الحق والخير والروحانية ، ودعوة جميع العقلاء تحت السماء الدنيا ، ولا سيما أرضنا هذه ، التي أصبحت كريّة صغيرة ، كمدينة واحدة ، بفعل الدفع الإلـهي لتكنولوجيا التواصل ، وفتوحات العلم في شتى الحقول الإنسانية ، في الأنفس والآفاق .
من هذا المنطلق ، كتاب ( الحكمة الإسلامية ) هذا ببحوثه ومواضيعه ، التي جسست لها مواطن الداء في أمة الإسلام والمجتمع العالمي عامة ، وبفضل من الله سبحانه اهتديت إلى ما اهتديت إليه من مرض هنا ووجع هناك وآفة هنالك ، فأشرت إليها إشارة المحب الذي يعز عليه أن يشقى إخوته في الإنسانية دنيا وآخرة ، بينما في متناولهم ، وبقليل من التضحيات ، ويسير من الطاعات رضى الله ورضوانه وحبه ، يعني سعادة الدارين ، بدلاً من هذا الغرق في وحول الحضارة هذه الشقية اللاهثة ، التي يرقص أهلها سكارى على جثث الأطفال وأشلاء المعذبين ، وكرامات الشعوب ، وأَحْكَمُ الحاكمين يغضـب من ذلك ، ويعذب عليه عذاب الأبدية .
فإن لم يكن رجوعك إلى الله حباً بالله فِعْلَ الأحرار الأبرار والشهداء الصديقين ، فرحمة بنفسك يا أخي الإنسان وحرصاً على خلاصها .
هذا ، والله ولي الأمر من قبل ومن بعد وعلى كل حال ، عليه توكلت وإليه أنبت وإليه المصير .
اللهم أنت ربي وأنت حبي وأنت حسبي ، بك وحدك أستعين وما توفيقي إلا بك يا ذا الجلال والإكرام .
لك الحمد ولك الشكر يا رباه يا حبيباه ، كما حمدت نفسك وكما شكرت نفسك وكما ينبغي لكرم وجهك .
عبد الكريم شمس الدين
عربصاليم ـ لبنان الجنوبي