الخطر الداهم ، أشراط الساعة أوعلامات القيامة إعتماداً على ما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم

 بسم الله الرحمن الرحيم
 الخطر الداهم ، أشراط الساعة أوعلامات القيامة إعتماداً على ما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم
 
 الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله حتى يرضى الله ، وصلوات الله وسلامه على خاتم  النبيين وأعز المرسلين محمّد وعلى آله  الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، وبعد ، فحديثنا في هذه المحاضرة إن شاء الله للكلام عن موضوع الساعة وأشراط الساعة . ولعل هذا الموضوع هو أخطر موضوع في هذا العصـر يهم الناس ، ويجب أن يهم الناس ولا سيما المؤمنين منهم ، وهو موضوع أشراط الساعة  ، وهو موضوع مجهول عالمياً ومن المؤسف أكثر أن يكون مجهولاً إسلامياً .
 الحقيقة  أن الله تبارك وتعالى له الحمد وله الشكر أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً  قد اختصنا بهذا الموضوع وبعلم هذا الموضوع وبأسرار هذا الموضوع : { إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِـعٌ عَلِيمٌ . يَخْتَصُّ بِرَحْمَتـِهِ مَن يَشـَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . صدق الله  العلي العظيم . آل عمران الآيات 73 ـ 74 } .
 ثم إني بفضل من الله تبارك وتعالى وقد هداني لدقائق ما في هذا الموضوع  وجدت نفسي مدفوعاً للكتابة فيه تحت وطأة الآية الكريمة :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ . سورة البقرة الآية 159 } . فحفاظاً على مضمون الآية وحتى لا نكون من الذين يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فنحن بإذنه تعالى وبتوفيق منه نبلِّغ محاولين أن نَجمع أكثر الأفكار المتعلقة بأشراط الساعة في هذه المحاضرة .
 فأبدأ ولا قوة إلاَّ بالله  بشرح كلمة الأشراط ومن أين أتت كلمة الأشراط ولماذا الكلام عنها في هذا العصر ولماذا لم يكن هناك كلام عنها في كتب التفسير. فكتب التفسير جميعها ، القديم منها والحديث ليس فيها أي كلام عن أشراط الساعة وعن تحرك أشراط الساعة فمن أين أتت هذه التسمية ، أتت من قول الله تبارك وتعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا .. سورة محمّد الآية 18 } . فهل ينظرون  بمعنى هل ينتظرون هل يتوقعون إلاَّ الساعة ، القيامة ، أن تأتيهم بغتة ، أي مفاجأة وقد جاء أشراطها ، الآية أنزلت على محمّد صلى الله عليه وآله .
 الله عز وجل يستعمل صيغة الفعل الماضي لكل أمر يريده من الأمور على أساس أن الموضوع من المحققات  وأن الموضوع واقع لا مُحالة . وقد جاء  اشرطها يعني لا بد أن أشراطها آتية  لا مُحالة  وهو سبحانه استعمل كان بصيغة الماضي حيث يقول سبحانه : {  وَكانَ اللهُ عزيزاً حكيما } . وعندما أنزلت الآية على محمّد رسـول الله صلى الله عليه وآله ، ما اهتم الناس آنذاك بأشراط الساعة ولا حرَّكهم محمّد (ص) للإهتمام بأشراطها ، لأن أشراطها لم تكن متحركة بعد ، ولو كانت تحركت أشراط الساعة في الكون على زمن محمّد (ص) لكان من البديهيات جداً ومن الأولويات أن يُلفتهم  ويشرح لهم أشراط الساعة .
 وأشراط الساعة كما هو واضح ، علاماتها ، مقدماتها  ، الأمور التي تتم قبل وقوعها بغتة وهذا فضل عظيم من الله عزت عظمته أن يرحم الناس قبل  أن تأتيهم الساعة بغتة ، هو سبحانه يمهد لها بعلامات يستفيد منها أهل التقوى ويستفيد منها أهل الله ويستفيد منها القرآنيون ويستفيد منها العلماء  ويستفيد منها عامة الناس .
 ثم بعد أن كتبنا أخذنا نتتبع ما يُكتب عالمياً وما يُكتب محلياً فما وجدنا أحداً إهتم بهذا الأمر . وأهل العلم فريقان في هذا الصدد ، الفريق العلمي الذي لا يعرف القـرآن وليس عندهم إستعداد أن يعرفوا القرآن ، والفريق الثاني الذي يقرأ القرآن فقط للتعبد والبركة فلا يربط العلم الذي فيه بالعلوم الكونية ، ولا بد من القول إنَّ هناك علماء أجِّلاء ، أقطاب ، لهم إهتمامات عالية في القرآن الكريم ، ولكنهم لسبب أو لآخر ، لم يلتفتوا أو لم يتوقفوا أمام هذا الأمر الخطير الذي هو أشراط الساعة . أو أنهم لم يوفقهم الله أمام هذا الأمر. فالله عز وجل قيَّض لنا هذه المهمة ويسر لنا أن نربط بين هذين الكتابين : القرآن الكريم والكون ، ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم في معزل عن مجريات الكون ويستحيل للناس ، لجميع الناس أن يفهموا الكون ومجريات الكون وحقائقه كما سنرى إلاَّ من خلال القرآن الكريم ، وبعد قليل سنعطي أمثلة واضحة عن هذا الأمر .
إذن نفهم هذه الحقائق ، معظم الحقائق ، من الربط بين هذين الكتابين العظيمين . فلنبدأ بسرد أشراط الساعة . ولا بد هنا من ملاحظة ، كل آية أمامها إذا ، توحي بأنها شرط من الأشراط ، فهي شرط من أشراط الساعة . لنتوقف قليلاً ، طبعاً كمذكرين عند سورة التكوير: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ . وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ . وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ …. } ،  إلى آخر الأشراط الموجودة  في السورة .
وأعظم شرط من الأشراط , هو مائل أمام أعيننا اليوم . هو في قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } .السحـاب في قولـه تعالى :{ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ }  هو الغيم ، والكسف ، السحـاب المتلبد بعضه فوق بعض ، { فذرهم } ، دعهـم يلاقوا يومـهم الذي فيه يصعقون ، بالقيامة ، بالساعة ، الكـلام  يشمل جميع الخلق ، وليس فقط البشر , فبقية المخلوقات ليس هناك من شك أنها معنية في هذا الأمر ومقصودة  فيه  ، هذا في القرآن ، فماذا في الكون اليوم   ، ما من أحد من الناس  ، أقلّه من البالغين ، ما من أحد  ممن يقـرأ الصحـف  أو ممن يسـمع الأخـبار المتلفزة ، أو ممن يسمع الإذاعات ، إلاَّ أن يكون  قد سمع  بما يُعرِّض الأرض  ، بما  يتفاعل سلبياً  مع الأرض ومع أهل الأرض في هذه الأيام  ، مما  يسمى  بالغيـوم الحراريـة ، أو يسمـى بإحتباس الحرارة حول الأرض ، أو يسمى بإنفتاحات  الأوزون  ، هذه العبارات يعرفها الناس ،  الناس العاديون جداً  ، وسنة بعد سنة  ، يتفاقم خطر الغيوم الحرارية حول الأرض ، ويتفاقـم إحتبـاس الحرارة ، كل الناس يعلمون هذا  ، ولكن لا يعلمون أن الدول الكبرى قد عقـدت  ما ينوف عن ثلاثين  مؤتمراً ،  فقط لعلاج هذه  الغيوم  التي سمَّـوها حرارية ، وعلاج  ما أسموه  فتحات الأوزون ، ولماذا هذا الإهتمام العالمي ، إنَّ  هنـاك أسـراراً كثيرة ، عرفت وعرضت في هذه المؤتمرات لم  تذع على الناس  لكي لا يضطـرب  النـاس .
 في هولندا  أعظم  وأكبر مؤسسة  للمناخ في العالم ، قال مديرهـا منـذ أكثر من عشرين سنة ، قال أعدوا القوارب ، لسكان هولندا وما جـاور هولنـدا ، الدول السكندنافية  ، لماذا أعدوا القوارب ، لأن هذه البلاد  تقـع  تحت مستوى سطح البحـر ، أعدوا القوارب  لأن البحار ترتفع  حسب رصد  أكبر مؤسسـة مناخ في العالم ، المؤسسة رصدت أن البحار ترتفع  ، فإذا ارتفعت متـراً عمودياً واحداً  ، غرقت هولندا وغرقـت البلدان التي حولها . المؤسسة  الثانية  في بـاريس والتـي هـي  ثاني أكبر مؤسسـة  في العالم قالت نفس الكلام  ، الهولندي  قال أن الغيوم الحرارية  تشكل درعاً حول الأرض  ، درع قابـض على الأرض  والكـلام آتٍ إن  شاء  الله .
 مؤسسـة المنـاخ  في فرنسا كذلك منذ أكثر من عشرين سنة  وفي  مجلة اسمها مجلة الصفر ، وردت فيها تقارير عن هذه المؤسسة  أنه من أراد من أولادكم  أن يرى باريس  قبل أن تغـرق  فليـأت إليها في هذه الأيام  ، يعني الحكاية ضمن عقد أو عقدين من الزمن . فهل هذا يعني فقط أوروبا  الوسطى وفقط  أوروبا الغربية التي منها فرنسا ؟ لا ، الأمر  وصل إلى أن نيويورك ستكون مهددة بالغرق  . الأمـر  وصل إلى أن تكون كلكوتا في الشواطىء الهندية  ستكون مهددة ، شـواطىء الصيـن ، لنختصر ونقول إن القارة الجليدية الجنوبيـة السـادسة ، والتي أسماها العلماء ، أنتركتيكا  ، تقتـلع  منها الجبال  الجليديـة ، تسير اليوم هذه الجبال في البحار، بفعـل  ما  يلي  : فتحـات  الأوزون  تطلـق الأشعـة  فـوق البنفسجية ، الأشعة البنفسجية  تختزن بالغيوم الحرارية ، تحتبس بالغيوم الحرارية ، الغيوم الحرارية تسخن البحار ، البحار تسخن قواعد الجبال الجليدية في القطب  الجنوبي  وتقتلعهـا  من أساسها ، وتلقيها في البحار، وهي جبال هائلة ، سلاسل ، تبلغ السلسلـة آلاف الكيلومترات طولاً طبعاً مع  أوزان فائقة من الجليد .  العلم  يقول  هنا ،  إنه  إذا  اكتمـل ذوبان القارة  السادسة الجليدية في القطب الجنوبي سيرفع البحار  20 متراً عموديـاً ، بينما متـر واحد يغرق  هولندا والبلدان الواطئة  التي حولها .
هذه الأمـور تجـري في أيامنـا  وتجري تحـت أعين من كان له قلب وألقى السمـع  وهو شهيد . وهذه الآية  { وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا … } التي اختصرت كل هذا الموضوع عن الغيوم الحرارية . حتى في كتب التفسير , من الطبيعي أن لا تجد لها تفسيرا ،  لأن الأمر حدث جديدٌ  ، ومعاصر بينمـا في العصور السابقة لم يكن من همومهم ، أيٌّ من أشراط الساعة .
في 17 آب 2003 م الموافق 18 جمادي الثانية 1425 هـ قتل في فرنسا ما يزيد عن ثلاثـة آلاف من شدة الحر ثم في 2005 م هطل فيها أمطار جرفت الجسور المشيَّدة على أسس علمية عالية . ما يقال عن فرنسا من حيث إرتفاع درجة الحرارة يقال عن بقية بلدان أوروبا وقد سمعتم الخبر عن ألمانيا أن المراوح الكهربائية نفدت من السوق ، الناس يتهافتون على شراء المراوح ، وقبلها كانت المفارقة العجيبة ، الفيضانات إجتاحت أوروبا نفسها إلى درجة أن ألمانيا أعلنت نفسها دولة منكوبة هذا في صيف 2005 م  وأن النمسا أخلت عاصمتها فيينـا لمدة سبعـة أيام ، وغيرها وغيرها ، فهذه  حكاية الآية القرآنية التي أعيدها لعظيم أهميتها : { وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } .  وحتى لا أنسى أن العلماء يقررون أن هذه الغيوم الحرارية ناتجة عن زيادة ثاني أوكسيـد الكربـون في العالم ، يقولون إن في العالم ستة مليارات بشر اليوم ، طبعاً وهـذا رقـم كبيـر بالنسبة لأعدادٍ وإحصاءاتٍ ماضية ، ستـة مليـارات بشر يتنفسـون وأن هنـاك الدول الصناعيـة الكبرى ، والصنـاعات العظمـى  التي تبعث مداخنها الشيء العظيم من ثاني أوكسيد الكربون ، وأنَّ  الأشجار تقطع في الغابات ، والأشجـار تساعد على تصفية ثاني أوكسيد الكربون ، وأنَّ المهم  هل   نعتبر تقارير العلماء تفسيراً لما يقـول الله تبارك وتعالى عن أشراط الساعة ، وأنَّ الساعة آتية لا محالة بناءاً على هذه الوقائـع التي في الكون.
 ننتقل إلى شرط ثان ، { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ . } ، سورة القمر ، رجعنا للتفاسير بعد حادثة مهمة جداً في حياتنا وفي تاريخنا هي رؤيتنا لإنشقـاق القمـر بفضل من الله تبارك وتعالى ، سنأتي على ذكرها .
 فـي التفاسير وجدنا  أن هناك أقوالاً كثيرة منسوبة إلى بعض الصحابة  أن القمر إنشق على زمن  رسول الله محمّد (ص) ، بعد أن طلب منه كفار مكة آية فقال لهم  اطلبوا فقالوا أأمر القمر أن ينشق فاستجاب لرغبتهم  ودعا ربه فانشـق القمر ،  نحن نعلم أن كفار مكة وكل المؤرخيـن يعلمون وكـل الدارسين  يعـلمون أن كفـار مكـة طلبوا من محمّد (ص) أن يكون له جنة ، بستـان يأكل منـه ، وأن يكون له كنز ، فيؤمنون به ، وأن يـرقى إلى السماء ، وأنهم  لن يؤمنوا لرقيِّه إلاَّ إذا أنزل عليهم كتاباً في قرطاس ، لماذا لم يستجب محمّد (ص)  لشيء من كل هذه المطالب  ؟ واستجاب فقط لإنشقاق القمر ، ولماذا آنذاك فـي  بداية  الدعوة الميمونة  المباركة يكون هذا الشرط من أشراط الساعة ؟  وسيمضي من الزمـان لقيـام الساعة  كما نرى  فوق الألف وأربعمائة سنة منذ التاريخ الهجري .
 كانت  معجـزة محمّد (ص) الخالدة  ، التي  لم  تمت  ولن تموت  هذا القرآن العظيم ، الذي لا يوجد أعظم منـه  تحت  هذه  السماء ولا قياس عليه .
ننتقـل  إلى  بقية  الأشراط  ، فما دمنا  في  إنشقاق  القمر وقلنا  إنه  من  أعظم  الأحـداث التي  مرت  علينـا  في عمرنا حيث أرآنا الله  القمر ينشق  ذات يوم ٍعصراً ، ولقد كتبنـا  هذا  فـي  كتابنـا ” العقل الإسلامي ” .
 ونتابع عن  بقية الأشراط  :  { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر.ُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . سورة القيامة الآيات ( 7 ـ 9) } ، هذه الآيات الثلاث لم تفسر في الماضي كما ينبغي وكان مستحيلاً أن تفسر، لأن إكتشاف مليارت الشموس ومئات الأقمار تم فقط في هذا العصر وهي آيات مهمة جداً جداً  من حيث التفسير والتأويل ، وألفت من سيقرأ أو سيسمع هذا أن يتمعـن  فيما نقول عن بروق البصر ، وعن خسف القمر وعن جمـع الشمس والقمر لأنه في الحقيقـة  كلام جديـد ولن يكون  إلاَّ كما نقـول لأنه بفضل من الله وبتوجيه من الله  وبتسديد من الله تبارك وتعالى ، فقوله تعالى : {  فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر} هنا ، أهل اللغة أجمعوا على  أن  كلمــة  برق  البصر لا  يكـون  إلاَّ  من الخوف والخشية  ، والدهشة ،  فجميع الناس اليوم يسألون :  لمـاذا  إنشقاقات  الأوزون  ولماذا  الأشعة فوق البنفسجية ، وهذا الأمر الخطير الجديـد في سمائنـا ، الجديد على البشر ، الجديد في التاريخ ،  لماذا الحرارة الكونية ترتفع بهذا الشكل المدهش  ؟  لماذا  الصيف الماضي في أوروبا سنة 2003  فيضانات  ؟  ثم بعدها  حرائق وموت  من  إرتفـاع  الحـرارة  ،  لماذا هذا التفاوت والإضطراب  في المناخ ؟  هذه  الأمور غيـر معهـودة  فالناس  يتساءلون إذاً , إذا برق البصر من الأخطار الآتيـة  من الحـروب المحتملة والآتية بقوة  ولا بد أنها آتية  ، برق البصر من سقوط الإتحاد السوفياتي  ، أعظم ثاني دولة في العالم ولا بد أن يبرق البصر في سقوط دولة بني إسرائيل والدول الكبرى  الفاحشة ، الزنديقة  ، المتجبرة  على الله  ، المعادية لله ولدينه ، المعادية لموسى وللمسيح  ولمحمّد وللتوراة والإنجيل  وللقرآن  ولكـل المقدسات  التي هي مقدسات في أخبار السماء .
  فإذاً ,  أهـوال آتية  على النـاس ، إضطرابات  في السماء  ، إضطرابات في الكون ، إضطرابات في  المناخ  ، إضطرابات  حادة  ، تقتل الناس  وإضطرابات  في العالم السياسي  ، في العالم العسكري ، والكلام المعلوم  عما في الأرض اليوم من مخزون ذري ونيوتروني  وهيدروجيني  يدمر الأرض   فـوق  حجمـها عـدة  مرات  وكل هذا ، في أيدي مجرمي الحـرب ، إلاَّ  أنَّ  لنا  عزاءاً  في هذا الأمر قول الله تبارك وتعالـى : { ..كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ.. سورة المائدة الآية 64 } ، إذا أراد الله  الحرب سيشعلها ، ستشتعـل  كما  قضى للحرب العالمية الكونية الأولى والثانية أن تشتعلا ،  نعيـد ما  كنا قلنـاه عن برق البصر  وعن الأخطـار الآتية  في الحـروب وفي المتغيرات  الكونية وعن خصوصية مهمة في وعد الله وعناية الله بعبـاده الصالحين قوله تبارك وتعالى : كلما أوقدوا ناراً للحرب  أطفأها الله  فنستفيـد  من  هذا  أنه إذا وقعـت حرب ما  فهي  بإذن الله تعالى ، محلية كانت  ، أو إقليمية  أو عالمية ، فالحربان الأوليان ، الأولى والثانية حتما وقعتا  بإذن الله  ، أذن الله  بإشتعالها  وأذن  الله  بالكـوارث  التي  حصـلت ، وكانـت عقـوبات  على الناس  الذين  فسدوا وأفسدوا ، وفي كل حرب كذلك  ، الثالثـة  الآتية , وقد نوهنـا عن هذا الأمر في كتابنا ” العقل الإسلامي “.
الآية  الثانية وَخَسَفَ الْقَمَرُ أرجو الإنتباه  لهذا الكلام : خسف القمر وليس خسوفه ، هذا شرط كما هو واضح من أشراط الساعة  ، { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر.ُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ } ، إذا كان خسوفاً فالقمر كل سنة يخسف ، الخسوف  حتماً ليس المراد  هنا  الخسـوف الذي هو حيـلولة  الأرض بين الشمس والقمر ،  ويكون إمَّأ  خسـوفاً جزئيـاً وإمَّا خسـوفاً   كليَّاً ، فما معنى  إذا خسف القمر ، خَسَـفَ في اللغة بعد أن بحثنا  ودققنا   وجدنا  أن  معنى خسف  ذلَّ  ، يقول الإمام  زيد إبن عليّ  ممهداً لثورته المشهورة :
 
ولا يَنامُ على خسفٍ يُـرادُ به         إلاَّ الأذلاَّن عِيرُ  الحي والوتدُ
هذا على العَلْفِ مربوطٌ برمته         وذا  يُشجُ فلا يدري به أحـدُ
 
الرِّمه : حبل يربط به الجمل حتى لا يقوم .
الوتد  : شيءٌ يُدقُ في الأرض تثبت به الخيمة أو تربط به الدابة .
       
        فإذاً ماذا أصبح المعنى ، ولا ينام على خسف يراد به ؟ لا ينام على ذل .
 
ونعود إلى آية  وخسف القمر التي هي من أشراط الساعة ، فالقمر كان عزيزاً ، وجميلا ً ورائعاً وعالياً جداً في السماء حتى ذهب إليه الروس وأنزلوا عليه الكلبة ، لايكا ، فخسف القمر ، فلم يعد القمر قمر الشعراء ،  وقمر المسبحين ، وقمر المعجبين ، فقد ذهبت عنه تلك الهالة الجميلة ، وتلك الروعة ، وذلك  العز ثم تلا ، لايكا  ،أمريكا ، ونحن لا نقلل من أهمية الصعود إلى القمر ، أبداً ، هذا أمر رائع ، وما أحلى أن يصعـدوا إلى جميع الكواكب . وأن نعرف أسرار جميع الكواكب ، فبورك العلم الذي يكشف المجاهيل ، إنما نحن نستشهد بمعنى خسف القمر ، ذلَّ القمر ،  ولا يختلف إثنان  على أن القمر نـزل عن مقامه الذي كان عليه في أذهان الناس فذلَّ القمر ديس عليه بالأقدام ،  نبحت عليه الكلبة الروسية ، لا نقلل من  شأن العلم  ولا من شأن الكشوفات هذا أمر  آخر ، إنما نفسِّر أشراط الساعة ، كون القمر قد ذلّ فهو  شرط من أشراط الساعة ، وهو حدثَ كما تعلمون في هذا العصر .
 والآن آية { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } ، كذلك في  هذا العصر جُمع الشمسُ والقمرُ ! كيف هذا الجمع ، يقول الله تبارك وتعالى : { لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . سورة يس الآية 40 } . { لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ..} ,اي أن تلحقه أو تجذبه إليها ، أو يلتقيـان عملياً في السماء ، عند الله هذا ممنوع ،  هذا قرار من الله ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، ولا الليل  سابق النهار ، لأن الليل يأتي بعده النهار ، والنهار بعده الليل ، يقول  الله تبارك وتعالى : { … يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا . سورة الأعراف  الآية 54 } ، { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ } ، هما مفعولان ، الليل يغشى النهار، والنهار يَغشى الليل كما هو واضح في دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس ، فإذاً ما معنى أن يكون من أشراط الساعة { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} ، نعيد قراءة الآيات : { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر.ُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }  ، منذ بدء الخليقة  والناس لا يعرفون في السماء إلاَّ شمسنا هذه وقمرنا هذا . أما وأنَّ علم الفلك بمراصده الجبارة قد إكتشف أن مثل شمسنا مليارات الشموس ، في مجرتنا درب التبانة ، وفي غيرها من المجرات وأكبر منها بكثير . إضافة إلى أن هذه الآيات تنفي أن تطلع الشمس من المغرب كما يزعم أهل الروايات .
وأما عن القمر ، أول ما اكتشفوا  ديموس وفيبوس قمرين حول المريخ . ثم بدأ إكتشاف الأقمار حول المشتري إثني عشر قمراً ، وحول زحل أسرة مكونة من عشرة أقمار ، أكبرها غوتيتان وهو أكبر من قمرنا . فإذاً أصبح لدينا بدل القمرعشرات إن لم يكن مئات الأقمار ، فوق رؤوسنا في الكواكب السيارة التي حول شمسنا والتي هي من أخوات الأرض . وجُمع الشمس والقمر ، كنا نقول شمساً واحدة ، كنا نقول قمراً واحداً ، أصبحنا نقول شموساً وأقماراً ، فهذا شرط وقع من أشراط الساعة وهو شرط ماثلٌ أمام أعيننا . هذا في سورة القيامة.
 والآن ننتقل  إلى سورة التكوير ، طبعاً  يبدو أنَّ  الوقت لا يتسع لنا لأن نستعرض جميع الأشراط ،  وإنما بعضها كاف لأن جميع الأشراط تتحرك في الكون ، ويواكب بعضها بعضاً ، ولها أوج لا يعلمه إلاَّ الله  ، متى تصل إلى هذا الأوج ، أو متى يوصلها الله عزت عظمتـه إلى هذا الأوج ، تقع الساعة بغتـة بدون مقدمات .
 فالمقدمات الوحيدة  لقيام الساعة هي  هذه الأشراط التي ذكرها الله تعالى في قرآنه  المجيد رحمة بالعالمين ، والتي هي بين أيدينا , ومنها : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ . وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ . وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ . سورة التكوير الآيات (1 ـ 5 ) } .
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ، قبل أن اشرح هذه الآية أحذر مما يلي :  يقول العلم  إن الشمس فيها من الطاقـة ، الهيدروجين والهيليوم ما يكفيها ملايين السنين ، ويعتمدون هذا الأمر العلمي ليقولوا إن قيام الساعة بعيد ، والله يكذبهم  ، يقول إن الساعة تقوم وهم يخصِّمون ، سورة يس ، يعني الشراء والبيع في الأسواق ، ويقول : لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون  ، يكونون في الأسواق أو الأعمال . وهنا إذا كانت الشمس مستهلكة فلا أسواق ولا ناس ، ففي القرآن الكريم عندما تقوم القيامة  تكون الشمس  ماثلة للعيان وفي تمام  وظيفتها التي خلقها الله تبارك وتعالى ، وهي عنصر من عناصر الحياة البشرية والحيوانية والنباتية على الأرض . فإذاً ما معنى { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ، العلم كشف أن مجموعة الشموس التي هي في مجرة درب التبانة ، مجرتنا تدور وتلف  وهذا التكوير في اللغة ، نقول كوّر الشيخ عمامته ، أي لفها وجعلها مكورة  ، مستديرة بشكل أو بآخر ، أما إذا ظننا أن الشمس عينها تكور ، يعني تصبح فيها بؤرة أو تلف هي عينها فتخرج عن طبيعتها ، وتخرج عن وظيفتها ، فيتزلزل العالم ويتهدَّم . فإذاً إذا الشمس كورت هي حركة المجرة التي تلف بسرعة الضوء . وهذا أمرٌ قررناه نقلاً عن النظريات العلمية  الثابتة كذلك فيما كتبنا .
ننتقل إلى قوله تعالى : { وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } الآية التي بعدها ، الإنكدار السقوط ، يقول العرب  إذا أصيب الطائر ونزل على جناحه ، إنكدر الطائر يعني سقط . في السماء لا يتم سقوط  بالمعنى الذي نفهمه مثل سقوط الطائر .
 قبل أن أشرح فذلكة السقوط في السماء ، أريد أن أنبه إلى أن كتباً من التفسير ، كتب تفسير قيمة  ومحترمة ، ونحن نجل أصحابها ومؤلفيها فيما ألفوا وفيما كتبوا من تفسير القرآن وإنما لأنهم لم يكونوا من أهل هذا العصر أو من الذين كتبوا في هذا العصر ، لم يدركوا مجريات هذا العصر ، من الإكتشافات العلمية  الفلكية والكونية ، فالقدامى  كتبوا عن معنى إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، يعني إذا النجوم سقطت في البحر ، هذا موجود في “مجمع البيان “، الكتاب الجليل المحترم الذي هو مرجع لجميع العلماء ، كتب صاحب مجمع البيان السيد الطبرسي رضوان الله عليه ،  أن معنى إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، أنها إذا سقطت في البحر ، ومعلوم  أنَّ أصغر نجمة في السماء إذا  سقطت في البحر تدمر الأرض ومن عليها ، فكيف إذا كان نجماً من النجوم النيوترونية ، التي  هي أكبر من شمسنا بملايين المرات ، كيف هذا  يسقط في البحر ، طبعاً هذا مستحيل  ، ولقد قرر العلماء هذه الحقائق ، هذه معلومات  دقيقة ، الله عز وجل علمَّها للناس  ، علم الإنسان ما لم يعلم ، علمهم ليزداد المؤمن إيماناً ولتكون الحجة على الكافر أشد  ، بإعتبار أن العلم عند العقلاء هو من معمقات الإيمان . فإذاً : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، يقول في آية ثانية : { َإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } ، هو عين تفسير قوله  تبارك وتعالى : إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ  ، والتفسير الكامل  لقوله عز وجل : { إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } . إنتثار أو إنكدار النجوم ، لا يكون سقوطاً ، إذا أرادوا أن يحصروا  اللغة بكلمة إنكدر ، في السماء  لا يكون السقوط سقوطاً ، إذا نزل  علينا نجم أو مجموعة  من النجوم  ونحن في القطب الشمالي  من الكرة الأرضية ،  إذا تصورنا أن الكرة الأرضية  زجاجية  شفافة ، ونحن في القطب الشمالي ونزلت علينا نجوم  ، تصور أن نجوماً صغيرة نزلت علينا ، فهي تصيب أول ما تصيب رؤوسنا  لأننا واقفون في القطب الشمالي وهذه النجوم تخترق  الكرة الأرضية  الزجاجية حتى تصل إلى أقدام  الواقفين في القطب الجنوبي فيكون بالنسبة لنا سقوط من فوق إلى تحت ويكون بالنسبة إليهم صعود نحو أقدامهم . نفس الكلام نقوله إذا كنا نحن في المنطقة المعتدلة الشمالية . كموقعنا في لبنان مثلاً ، فإذا نزلت علينا النجوم من فوق رؤوسنا فسوف تصيب أقدام إخواننا الذين هم في مقابلنا من الأرض في المنطقة المعتدلة الشمالية في القسم الغربي كوننا نحن في القسم المشرقي. فإذاً إنتثار النجوم لا يكون سقوطاً ، لذلك فإن ، الله عز وجل لم يستعمل كلمة  سقوط  ، إستعمل كلمة إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، وفي الآية الثانية َإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ، تبارك وتعالى وجل وعلا .
 من الآيات الباقية : { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } الجبال تُسيَّر في حالتين ، في حالتها الجليدية ، وفي حالتها  الترابية الصخرية وكلها جبال . هذا منطق اللغة وهذا منطق واقع الحال ، فالجبال الهائلة في الكرة الجنوبية قارة الأنتركتيكا ، والحديث عن علو شاهق لها ، وعن مدى ضخامتها  وسلاسلها الطويلة والعريضة ، يحفرون  فيها الفنادق والأوتيلات والمنازل  للسياحة ، وفيها محطات فضائية كبيرة هائلة للرصد .
 فهذه الجبال في هذه الأيام تُسيَّر ، والدول  المعنية بالبحار أميركا وأوروبا ، شكلت مؤسسات خاصة مجهزة  بطائرات الهليكوبتر لمراقبة  تحركات هذه الجبال في البحار ، ولإعطاء إشارات للسفن حتى تتلافاها ولا ترتطم بها ، لأن كثيراً من الحوادث ، وإرتطام  السفن بالجبال الجليدية تحصل في المحيطات إذ أن  الجبل الجليدي  لا يرى منه إلاَّ عشره ، أي رأس الجبل الجليدي بينما التسعة أعشار تكون غاطسة في المياه إلى أن يذوب شيئاً فشيئاً ، هذه الجبال تُسيَّر . أما الجبال الصخرية والترابية تُسيَّر في بداية قيام القيامة حسب ما  رأينا وترون في بقية السور وبقية الآيات .
 أما قوله تعالى : { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } آية مهمة جداً جداً ، ينبغي التوقف عندها . كذلك في مجمع البيان وفي بقية  كتب التفسير القديمة ، تفسيرهم للآية وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، أيام كان عندهم العشار أي الإبل ، كان المال الذي يتداولون به غالباً هو الجِمال ، الإبل  ، لماذا العشار هي الإبل ؟ العشراء واحدة العشـار ، هي الناقة التي تحمل ، لأنها تحمل لعشرة أشهر ، فسميت عشراء ، وسمي مجموع النوق  العشار وأهم صنف في الجمال في الإبل هي العشراء ، تحمل وتلد مالاً وتعطي الحليب وهو الغذاء الأساسي عندهم . هذا لا يتم في الجمل لذلك أطلق على جميع الإبل العشار ، فماذا يقول العلامة الطبرسي صاحب مجمع البيان رضوان الله عليه في الآية ، وطبعاً هو غير ملام ، لأنه لم يكن بعد أتى عصر المتغيرات ، والمفاجاءات  وعصر أشراط الساعة . فيقول { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } يعني يكون الراعي يرعى العشار يرعى الجمال وهي أعز المال عنده ، فإذا قامت القيامة يذهل عن رعيها ويذهل عن الإهتمام بها . رضوان الله عليهم وجزاهم الله عنا خيراً  ، أما  وقد وصلنا إلى هذا العصر فنسأل أين الراعي وأين العشار ؟ أين الرعيـان وأين الجمـال ؟ فإذاً يقيناً  أصبح معنى الآية الكريمة إِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ  ، يعني عطلت عن التوالد ، يعني عطلت عن الإقتناء ، يعني عطلت عن التربية ، ورب أحد من  الناس يقول لنا إن في أبو ظبي عند الشيخ فلان جِمال  ، يتسابقـون بها ، فهذا كمعنى قولنا إذا إنقطع الشاي مثلاً من البلاد وعن العباد يقول واحد ” أنا بعد عندي نصف كيلو شاي ” ، فكيف إنقطع الشاي .  فإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، عطلت فعلاً ، عطلت تربيتها .
ثم قوله تعـالى :  وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، من منكم  لم ير على التلفاز ، الوحوش  محشورة  في مزارع ، في غابات مسيجة لها أبوابها ، والوحوش لها ارقامها ، أسـود لها أسماؤها وأرقامها ، كذلك الغزلان ، كذلك الطيور ، النسور ، العقبان ، كذلك الأرانب ، لا تستطيع الوحوش أن تتجاوز السياج الذي يحيط بهذه الغابات وهذه الأماكن  فلم تعد الوحوش حرة ، الكاميرا تلاحقها وتراقبها ، وتصور تزاوجها ،وكثير من الوحوش يرفض التزاوج أمام  أعين البشر وحتى أمام  أعين الحيوانات  مثل الجمال ، الكاميرا فضحت كل شيء ،  كشفت كل شيء فحشرت الوحوش . فهذا شرط من أشراط الساعة شرط قائم أمام أعين الناس وأسماعهم .  فمن اراد أن يكمل الآيات تفصيلاً فليراجع في كتابنا المتواضع ، العقل الإسلامي ،  الذي هو بفضل ومنَّة  من الله  تبـارك وتعالى والذي آتانا فيه أنه نبع لؤلؤ ، وميراث تقوى ، ولله الحمد أولاً وآخراً  وظاهراً وباطناً .
 آية أخرى في سورة الإنفطار، وسميت سورة الإنفطار باسم الآية الأولى ، { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ } ، ومعنى إنفطرت إنشقت ، الله فاطر السماوات والأرض  خالقها ، خالقها من العدم  ، والإنفطار بمعنى آخر في اللغة هو الإنشقاق ،  فيكفي العلم عن حكاية الأوزون ، إنشقاقات الأوزون  حتى نقول إن السماء إنفطرت ، أما أن يكون هناك إنفطارات أكبر فهذا صحيح ولكن هذه بدايات الإنفطار. { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ } وبعدها :{ َإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } ، تحدثنا عنها في تفسيرنا لآية : { إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } ، وتكلمنا عن الإنتثار ونعود إلى سورة التكوير قوله تعالى :  { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } ، سُجِّرت البحار ، أين يجربون القنابل الذرية ؟ القنبلة الذرية الصغيرة التي دمرت هيروشيما والتي دمرت ناكازاكي في اليابان قنبلتان صغيرتان . أين جربوا القنابل الضخمة ؟ جربوها  في البحار . أين جربوا القنابل الهيدروجينية التي هي أضخم من القنابل الذرية وتعتبر هذه الأخيرة أقزاماً أمامها ؟ أين جربوا هذه القنابل العملاقة ؟ جربوها في البحار ، جربوها وما زالوا يجرون تجارب أخرى  .  بين الحين والحين تنشر الصحف مجموعة من الحيتان إنتحرت على شاطىء البحر الفلاني ، ولماذا تنتحر الحيتان ؟ ألئنَّ رزقها قليل في البحار ؟  هذه التفجيرات تسخن البحار ، إضافة إلى تسخينها من الأشعة المنبثقة عن إنشقاقات الأوزون ،  الأشعة فوق البنفسجية . فالبحار فجرت ، والبحار بهذا المعنى سجرت ، لأن التسجير هو الإشعـال من جهة وهو الملء من جهـة ثانية  ، الإمتلاء زيادة المياه ، إرتفاع منسوب المياه في البحار . { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ .} . هذه ثلاث آيات في بداية سورة الإنفطار وينقلنا إلى معان أخرى سبحانه وتعـالى في سورة الإنشقاق : { إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ . وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ . وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }.، إِذَاُ السَّمَاء انشَقَّتْ  ، الإنشقاق هو عينه الإنفطار وهذا تأكيد بأن هذا الشرط من أشـراط الساعة ، إنشقت . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ، أذنت ، أصغت  ، من الأذن  ، خضعت  لربها ، خشعت لربها ، وحقت بمعنى أتى إستحقاق أن تقوم عليها القيامة . وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ، مدت ، مدت من المدد ، وليس من المد  ، هي في آيات أخرى مدت بسطت . وفي هذه الآية مدت من المدد ، كان عدد سكان الأرض أقل من مليار ثم  إرتفع إلى ثلاث مليارات عندما أجروا الإحصاء ثم هو في أيامنا ست مليارات ونصف من البشر يتحركون على الأرض  ، إذا أردتم أن تروا المدد ، فانظروا إلى أية قرية أو مدينة في لبنان والعالم . كم من السنين بقيت بحجمها ، القرية التي كان فيها مثلاً مئة بيت أو مئة وخمسون بيتاًً ، بقيت عشرات السنين في هذا الحجم، أما في عصرنا فالقرى والمدن تضخمت أصبحت عشرة أضعاف ما كانت عليه . في بلادنا وفي بلاد العالم . إِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ، فهي مدت ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ من مخزونات النفط  ، هذا الذي يشغل العالم اليوم ، ويشغل الإقتصاد ، ويشعل الحروب  وسيبقى يشغل الإقتصاد  ، وسيبقى يشعل الحروب  ، وسيكون محرقة للظالمين إن شاء الله رب العالمين  . وكذلك تلقي ما فيها من المياه ، لم يمض عصر قبل هذا العصر ، كانت فيه المياه شغل الناس  الشاغل  وسبباً لخوفهم ورعبهم  من شحِّها وإنقطاعها ، ولم يكن يوم من الأيام ، في بلاد العالم هذا التصحير ، بلاد كانت خصبة فأصبحت صحراوية  ، لجفافها ونضوب الماء فيها ، والدول اليوم تتسارع في الشرق كما في الغرب على مصادر المياه ، لماذا هذا  الخوف ، لأن الأرض تتخلى عما في أجوافها من المياه ، عما تختزنه من المياه ، والله  عز وجل يهدد الناس بهذا . في آية من الآيات .{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ . سورة الملك الآية 30 } ، صدق الله العلي العظيم  الحليم الكريم . فإذاً أَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ .
 هذه بعض من أشراط الساعة ، ولا بد أن نذكر أن هذه الأشراط ماثلة جميعها في الكون على الأرض وفي السماء  وهي تتحرك  مع بعضها البعض كأسنان المشط  بإتجاه أوج  لها لا بد هي واصلة إليه ، لا يعلمه إلاَّ الله .
        بقي عندنا شرطان من أشراط الساعة لم نذكرهما ، ووفرناهما لآخر الحديث  ، هما شرط  : { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ . } . والشرط الآخر : {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ }. . نبداْ بالشرط وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، كيف تزوج النفوس كمقدمات لقيام الساعة .  كلامٌ عجب ولا بد من التساؤل فيه ، ولولا فضل الله علينا لبقي الكلام مغلقاً  وغامضاً في جميع كتب التفسير وفي هذه أتاني الله البينة إن لكل إنسان نفساً ملكوتية في عالم الملكوت فوق عالمنا الأرضي , هذه النفس تنتظر وفاة صاحبها فهي إما أن تتعالى به في مدارج الملكوت إلى حيث يقضي الله له منزلته ، أو أن تتسافل به إلى حيث يقضي الله له درجته . هذا الأمر تكشف لنا في هذا العصر ولم يتكشف لأحد قبله , فإتحاد النفس الكلية بالنفس الملكوتية هو التزاوج المكنى عنه في قوله تعالى : إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، وهو شرط يقيني من أشراط الساعة . يبقى أن نقول إنه لا معنى لأية فرضية مما نراه في الكتب أو نسمعه في غيرها .
 والشرط الآخر الذي هو: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ . طبعاً أنتم قرأتم وستقرأون ويجب أن تقرؤا سورة التكوير مروراً  بكل هذه الأشراط وصولاً إلى قوله الذي يقرأه  الناس في القرآن وكنتم تقرأونه سابقاً هكذا : وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ . الموؤودة هي البنت الصغيرة عندما تولد أو بعد أن تولد بفترة زمنية كانوا يدفنونها حيَّة وتسمى الموؤودة .  الوأد هو دفن البنات وهن أحياء لأسباب مذكورة في التاريخ . ولم يكن يفعل هذا كل الناس بطبيعة الحال إلاَّ المجرمون وقد ذكر الله عنهم تفاصيل موجودة في القرآن  ، فهذه الجريمة النكراء التي كان يقوم بها الناس في الجاهلية قبل  البعثة النبوية الميمونة ، يعتقد الناس أن هي المقصودة بقوله تعالى : وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ . وهذا غير صحيح لأن الأشراط  تتحدث عما  يجري في الحياة الدنيا قبل قيام الساعة  فكيف تسأل الموؤودة في الحياة الدنيا قبل يوم القيامة ، هذا مستحيل  ، إذاً لا بد أن تكون مساءلة الموؤدة  بعد  قيام الساعة يعني يوم الحساب ، بطبيعة الحال بعد يوم القيامة . فإذاً  هذه القرآءة المشهورة  مردوده . إذاً فما هو المخرج  ، الله عز وجل تفضل علينا بأن أوقعنا على قراءتين  للإمام الباقر والإمام الصادق سلام الله عليهما  ، كل واحد منهما يقرأ على حدة  وَإِذَا الْمَوَدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ، من ود يود بمعنى أحب ، نفهم المودة هنا من المقارنة ، مع آيات أخر في القرآن أبرزها ولعلها هي الفريدة التي تحصر هذا الموضوع  : قول الله تبارك وتعالى : { قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . سورة الشورى الآية 23 } ، قل يا محمّد يارسول الله  ، لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المودة في القربى وظاهر القول في هذا الكلام  ، أن المودة في القربى هي قربى رسول الله محمّد (ص) . آل بيت رسول الله وعلى هذا إجماع على ظـاهر القول عند المسلمين . فقربى  رسول الله معروفون زمن رسول الله وكان هو سيدهم وكانوا علياً بن أبي طالب سلام الله عليه والزهراء فاطمة وولداهما الحسن والحسين  ، هؤلاء الخمسة ومن يسمونهم عادة بأهل الكساء ، لذلك  حكاية معروفة عند الناس ، وكذلك الذين يقولون إن من صلب الحسين أيضاً التسعة المعصومين عليهم السلام جميعاً . قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . هؤلاء هم قرابة رسول الله . قتل الناس ظلماً علياً بن أبي طالب ، وقتل الناس بغياً الحسن  سلام الله عليهما ، قتل الحسن مسموماً بإيعاز من معاوية لزوجة الحسن جعدة بنت الأشعث الكندي وقد ذكرنا هذا في كتبنا مفصلاً . ويبقى مقتل الحسين الذي ما زال  يهز التاريخ ويهز الأفئدة ، ويهز العقول والنفوس الشريفة بطريقة قتله وقتل أبنائه  وإخوانه وأصحابه .
 فبعد أن كان  محبوأ أهل البيت بيت النبوة ، يقيمون  ذكراهم منذ خمسين سنة تقريباً في الأقبية وفي معزل عن الناس وفي خوف من الحكام الطغاة ، ويضعون حراساً على الأبواب  لكي  لا يسمعهم أحد  تحت طائلة المسؤولية وتحت طائلة قتل  أو سجن  من يقيم هذه الشعائر عن ذكرى الحسين وآل بيت النبوة . اليوم ونحن في القرن الخامس عشر الهجري أصبح الأمر مختلفاً  جداً ، هذه الشعائر اليوم ، ذكرى مقتل علي وذكرى إستشهاد علي وذكرى إستشهاد الحسن وبخاصة ذكرى عاشوراء مقتل الحسين وصحبه , تقام في كل مكـان في الدنيا وفي بلادنا خاصة ، كانت تقام في الحسينيات حصراً ، أصبحت تقام في المدارس والشوارع  والخيم  والأمكنة العامة والأمكنة الخاصة وفي القارات وعلى المنابر وفي أجهزة الإعلام يستمع  إليها شيعة أهل البيت وغيرهم من أهل الملل والمذاهب ومن كل الناس . هذا معنى قوله تبارك وتعالى : وإذا المودَّة سئلت بأي ذنب قتلت فالناس في كل قطر وفي كل صقع يتساءلون مستنكرين : لماذا قتل الحسين سلام الله عليه ؟  لماذا قتل أهل بيت الحسين ؟ لماذا قتلوا طفله الرضيع ؟ لماذا هتكوا حرمه ؟ لماذا تجنوا ؟  لماذا غدر المسلمون بالحسين وأهله وأصحابه وهم صفوة المسلمين؟! .
 الحقيقة إن قتلة الحسين لم يكونوا مسلمين إلاَّ بالإسم بل كانوا في الحقيقة كفاراً وطواغيت  . هكذا أصبح إسم الحسين وأسماء أصحابه رموزاً للقداسة والفداء والثورة على الظلم وعلى كل أنواع الإستبداد والإستعمار والإنحراف . كذلك أصبح الذين أمروا بقتلهم وشاركوا فيه مثل يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد رموزاً للكفر والقسوة والظلم والطغيان والوحشية . فإذاً لا بد أن تكون القراءة كما قرأها الإمامان الباقر والصادق سلام الله عليهما ، لأنه لا يصح  كما قلنا أن تكون فإذا الموؤودة سئلت . فيجب أن تكون القراءة وإذا المودَّة سئلت بأي ذنب قتلت  كما هي تسأل اليوم على المنابر وفي الساحـات العالمية . هذا الشرط تحقق فقط في هذا العصر وأصبح كبقية الأشراط ماثلاً للعيان ويجري مجرى الشروط الباقية التي يواكب بعضها بعضاً حتى تصل كما قلنا إلى أوج ٍ لا يعلمه إلاَّ الله تبارك وتعالى . ولذلك يقول سبحانه  بعد أن يتحدث عن الأشراط ويحذرنا ويحذر الخلائق ويحذر البشر بأشراط الساعة يقول تأتيكم بغتة ، يعني إستعدوا لها . هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . سبحانك اللهم وبحمدك إغفر لنا وتب علينا وأنت خير الغافرين  .
 
إستدراك :
        قال الله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء  مِن  دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ . سورة آل عمران الآية 28} .
 
عجالة عن الإمام المهدي المنتظر (ع)
        زيادة عن أن الإمام المهدي المنتظر (ع) ليس له سند قرآني ولا نص قرآني كما قرَّر كبار المراجع وفي مقدمتهم السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه ، نقول إن أي وليٍّ من أولياء الله ، لا يضر ولا ينفع إلاَّ بعناية من الله ، وتوفيق من الله ، وإذن من الله ، وتسديد منه سبحانه ، وأنه لا يجوز أن ندعو مخلوقاً من دون الله ولا أن نناديه ولا أن نناجيه ، قوله تبارك وتعالى:
        { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا .وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا . قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا . قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا . سورة الجن الآيات ( 18 ـ 21 ) } .
        وواضح معنى الآية  الأخيرة ، قل يا محمّد ، انك لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ، فالله سبحانه هو المالك لك ولهم ، بيده ناصيتك ونواصيهم .
        وكذلك في وجوب أن لا يدعى مخلوق من دون الله ، قوله تبارك وتعالى :
        {… ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ . إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ . سورة فاطر الآيات ( 13 ـ 14 ) } .
        والتوجه بالدعاء لعباد الله ، أو طلب النجدة ، أو المساعدة منهم ، أو قضاء الحاجات ، نجده أكثر ما يكون  عند اليهود والنصارى .
        قال جلَّت عظمته :
        { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاَ . سورة الكهف الآية 102 } .
        وقوله عزَّ شأنه :
        {…مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا . سورة الكهف الآية 26 } .
 
        ليس هذا الكلام تنكراً أو إنكاراً للإمام المهدي المنتظر عجَّل الله فرجه الشريف ، فإن معظم كلامنا الذي دار حول وعود الله عزَّ وجلَّ بنصر الإسلام في هذا الزمان ، وبميراث الأرض ، وبالفتح المبين الذي تزول معه دولة  بني إسرائيل ، كان إشعاراً وإشارة إلى قرب موعد بعثه عليه السلام .
        ولكن الطامة الكبرى ، التي طُمَّ بها أكثر الذين ينتظرون بعثته الميمونة ، هي أنهم نسوا الله ، وتعبدوا لعبده المهدي  المنتظر ، الذي ناصيته بيد الله ، والذي لا حول له ولا طول ولا قوَّة إلاَّ بالله ، فأخذوا ينادونه ويدعونه ، ويسألونه حاجاتهم ، ويشكون له الزمان والأيام والأقوام الظلمة ، وهو إذا كان بعيداً لا يسمع ، وإذا كان قريباً لا يستجيب ، والدليل على ذلك كثرة دعائه وندائه من قِبلهم ، وعدم الإجابة من قِبله . ذلك عبر مئات السنين ، بمصائبها وملماتها وكوارثها ، وظلم الظالمين وغدر الغادرين ، وكثرة الوقعات التي شاب ويشيب لها الأطفال . ثم إذا هم قوَّموا الحصاد والمحاصيل ، رجعوا بخفَّي حنين . ومع ذلك ما يزدادون إلاَّ دعاءً ونداءً وكتابة لافتات : يا مهدي أدركنا ، ويا صاحب الزمان أدركنا ، ولا مجيب .
 
        فيا ألله ، يا ربَّنا وربَّهم ، ويا ربَّ العالمين ، أدركنا وأدركهم ولا تجازهم بأقوالهم وأعمالهم فإنهم لا يعلمون . ربنا  وأشرح صدر عبدك المهدي عليه السلام ، ويسِّر أمره ، وانصره على أعدائك وأعدائه نصراً عزيزاً ، وفرِّج به كربات هذه الأمة المسلمة لك ، وآتها ما وعدتها على رسلك ، فإن وعدك الحق ، وأنت العزيز الحكيم ، الحليم الكريم ، وأنت أرحم الراحمين ، وأنت صاحب الزمان والأزمنة والأمكنة  .
 
 
                                  الشيخ عبد الكريم آل شمس الدين
                                                  جنوب لبنان ـ عربصاليم