من هم الراسخون في العلم
ولزوم أن يُؤوَّل القرآن، وشرائط التأويل:
قال الله تبارك وتعالى: ( … وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللهُ وَاْلرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَرُ إِلاَّ أُوْلُوا الألْبَابِ. آل عمران الآية السابعة).
الراسخون في العلم بصدد التأويل ، هم أمام ثلاثة عناصر:
- الشرط الإلـٰـهي.
- أمر الله بتحققه(1) في خلقه ( تدريجياً أو دفعياً ).
- اكتمال التحقق علمياً في الآفاق وفي الأنفس
فقوله تعالى : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقوُلوُنَ آمَنَّا بهِ ) (أي بالقرآن ) ( كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا سورة آل عمران الآية 7) أي :
- الشرط الإلـٰـهي.
- أمر الله بتحققه ، ثم.
- تحققه في الآفاق وفي الأنفس
مثال ذلك ، قوله تعالى :
( وإذا النجوم انكدرت سورة التكوير الآية 2 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تحقق الشرط القرآني في الكون الخارجي المرئي أو المُدرَك .
ففي مواجهة هذا الشرط الإلـٰهي ، وقبل أمر الله بتحقيقه ، يقول الراسخون في العلم : هذا ( مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا سورة آل عمران الآية 7)، ويقول معهم عامة المؤمنين كذلك .
ثم يجد الراسخون في العلم أنفسهم في فضل الله ورحمته، غرباء عن جميع الناس في مواجهة العنصرين الباقيين : أمر الله بتحقيق شروطه ، ثم تحقق هذه الشروط . ملزمين أنفسهم بالتأويل الواجب عليهم لما علَّمهم الله وهيأهم له . ولولا ذلك لبقي القرآن الكريم دون تأويل إلى قيام الساعة ، وهذا يتناقض مع ما أراد الله له وللناس ، من حيث عدله ورحمته وواسع علمه .
وهكذا فإن الراسخين في العلم ، إذا علموا عبر تتبعهم واهتمامهم وجوباً ـ بهذه الأشراط ، أنَّ إنكدار النجوم مثلا ً، أمر آخذ علمياً بالتحقق ، وأن ذلك ماثل في الآفاق ، علموا أن أمر الله صدر بشأنه ، فقالوا : ( كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا سورة آل عمران الآية 7) أمر الله بتحقيقه ، وتحققه التدريجي في الآفاق . وعلى هذه فقس ما سواها ، قياساً علمياً مع البينات .
ولذلك يحمِّلهم الله مسؤولية التبليغ ، ويحمل الناس مسؤولية الإستنفار لُجُوءاً إلى الله وتقرباً إليه سبحانه ، وحذراً من المفاجآت التي أخطرها مباغتة الساعة عبر تحقق أشراطها .
من هنا نعلم لماذا أعطـى الله سبحانـه وتعـالى ، صفـة ( الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ ) لبعض العلمـاء الذين اختصهم برحمته ، وتفضل عليهم بأنوار من العلم والهداية والكتاب المنير . ذلك لأنهم ـ ولا قوة إلا به سبحانه ـ يتميزون عن جميع الناس ـ غير المؤمنين ـ بالأركان الأربعة التي ذكرنا :1) ـ الإيمان بالقرآن ، قولهم : (آمَنَّا بهِ سورة آل عمران الآية 7 ) وفي القرآن التوحيد الذي هو أصل الدين وأصل الكون وأصل الوجود، وفيه أصول الدين وفروعه، ثم الأركان الثلاثة التي ذكرناها تحت إسم عناصر التأويل .
وكما أنه سبحانه ميَّزهم عن عامة الناس بالأركان الأربعة ، التي هي سر رسوخهم ظاهراً وباطناً ، كذلك ميَّزهم عن عامة المؤمنين ، بإشتغالهم بركنين ، غير الإيمان بالقرآن والتسليم بأشراطه ، مراقبة أمر الله بتحريك الأشراط ، ثم التتبع العلمي كما أسلفنا لتحركاتها ومساراتها وآثارها في الآفاق وفي الأنفس ، إضافة إلى تحميلهم مسؤولية إبلاغها للناس ، بقدر ما يمكِّنهم وييسر لهم سبحانه من مجالات .
لماذا سميت الأحرف النورانية بـ ( المثاني ) :
قال الله تبارك وتعالى :
( اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَديث ِ كِتَاباً مُتَشَـٰبِهاً مَثَانيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إلىَ ذِكْر ِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادِ . سورة الزمر الآية 23 ) .
طبعاً ، بعد دراسة لغويـة ـ قرآنيـة ، تبيـن أن لفظـة ( المثاني ) القرآنية ، لها ثلاث معان ٍ :
المعنى الأول :
من الثناء على الله عزَّت عظمته ، والثناء ، هو المديح تسبيحاً وتعظيماً وحُبَّاً وحمداً له سبحانه وشكرا ، بلغة تتناسب مع التركيب الإنساني الدنيوي ، نفسياً ومادياً ، عند بلوغ هذا الإنسان درجة اليقين والأهلية لهذا الذكر .
والفهم النسبي ( للمثاني ) أثناء الذكر ـ قراءةً أو ترتيلا ـ أمر طبيعي بالنسبة للمخلوق مهما علا قدره عند الله ، فإنه يبقى بالنسبة للألوهـة ، ولعظمة الإلـاـه الذي لا إلـاـه إلا هو ، قليل العلم ، قاصراً عن إدراك عظمة الله كلها، ناهيك عن ألإحاطة بهذه العظمة . و بكلمة موجزة ، إن علم المخلوق مهما علا قدره عند ربه العظيم ، فإن علمه وإدراكه وإحاطاته لا تكاد تذكر ولا تقاس بعلم رب العالمين ، الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو بكل شيء محيط .
فلذلك ، إن الذكر بـ ( المثاني ) علـى فهـم نسبـي عند العربي(1) ، كما الذكر ، بكلمة ( سبحان الله ) عند غير العربي . فماذا نفهم من كلمة ( سبحان ) ؟ ما دام حتى العربي ، وبشكل يكاد إجماعياً ، يقول أن معناها التنزيه . يعني إن العربي عندما يقول سبحان الله ، يجب أن يقرن معها معنى ( أنني أنزه الله )، وهذا خطأ ، وعند العارفين خطيئة ، فليس لمخلوق أن يكون له شرف أن يُنَزِّهَ الله ، إذا كان هو سبحانه تنزه بذاته ، وهذا معنى ( سُبْحَانَ الله ) ، أي تَنَزَّهَ اللهُ ، أي نزَّه ذاته بذاته ، وهو غني عن مخلوقاته وفي ذلك : ( التنزيه عن التنزيه ) . تماماً ، كما أنه ليس لمخلوق أن يُبَاركَ اللهَ، بعد أن تَبَارَك هو سبحانه، أي بارك ذاته بذاته : ( فسُبْحَـٰنَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )(2) ، ( أمْ لَهُمْ إلـهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَـٰنَ اللهِ عَمَّا يُشْركُـونَ )(3)، ( هُوَ اللهُ الَّذي لا إلـهَ إلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَـٰـن اللهِ عَمَّـا يُشْركُونَ )(4)، (فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخـٰـلِقِينَ )(5)، ( ألاَ لهُ الخَلقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَـٰـلمين )(6) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من عظمة عدالة الله ورحمته سبحانه ومصداقية قوله عز وجل :
( يـأيها الناس إنا خلقناكم … إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) أن جعل أجْرَ الذكر بالأحرف النورانية ، ووحدة النظر عند العرب وغير العرب إلى أنها رموز يقرأها العربي كما يقرأها غير العربي ، وعند فهمها يشترك جميعهم فيه .
(2) سورة الأنبياء الآية 22 .
(3) سورة الطور الآية 43 .
(4) سورة الحشر الآية 23 .
(5) سورة المؤمنون الآية 14 .
(6) سورة الأعراف الآية 54 .
يبقى ضمن المعنى الأول ، أن كل شيء ، وكل مخلوق مؤمن في الحياة الدنيا ، من الناس وغير الناس ، يستجيب لهذا الذكر ، إذا سمعه ، ويشارك فيه ، على بركات ورعايـة وحب لله ومن الله تبارك وتعالى (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يبدو أن هناك لغة كونية مختصرة جداً ، تعرفها جميع المخلوقات ، غير الإنسان ، وتتخاطب بها . وإذا علّمها الله لأحد من الناس ، فإنه يستطيع بها أن يفهم لغة الخلائق . وقد علمها سبحانه لسليمان (ع) ففهم بها لغة النمل وخاطب الجن وحاور الهدهد . أما قوله تعالى : ( وَوَرثَ سُليْمَـانُ دَاوُدَ وَقالَ يـٰـأيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وأوُتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إنَّ هَذاَ لَهُوَ الفَضْلُ المُبينُ ). فقوله (عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) هو من باب التخصيص ما دام سبحانه قد ذكر له التخاطب مع غير الطير من البهائم ، وهو من قبيل قوله عز وجل، مخصصا : (… وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي العُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ ) بعد تعميمـه في قولـه تعالـى : ( قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ …) . ولا يمنع أن تكون هذه الرموز التي نحن بصددها داخلة في هذه اللغة الكونية، فيفهمها جميع الخلق بنعمة الله وكرمه وحمده .
المعنى الثاني :
المثاني جمع مثنى ، وهو الذي يلي الأول (1) قال تعالى :
( الحَمْدُ للهِ فَاطِر السَّمَـٰـوات والأَرض ِ جَاعِل المَلائكةِ رُسُلاً أولي أجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ .. سورة فاطر الآية 1 ) ، ( قُلْ إنَّمَا أعِظُكُمْ بواحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بصَاحِبكُمْ مِنْ جِنَّة إنْ هُوَ إلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَديد ٍ سورة سبأ الآية 45 )..
ثم إن الفارق بين اللغة العربية الأرضية ، وبين اللغة العربية السماوية ، ترمز إليه الآية الكريمة قوله تعالى :
( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديدٌ سورة ق الآية 22 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب لأبن منظور
فحتى أرقى الناس فِكْراً في الحياة الدنيا ـ خلا أولي العزم من الأنبياء والرسل ـ سينسحب على كل فرد منهم قوله تعالى : ( لقدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديدٌ ) .
وتبعاً لذلك ، تكون أرقى قراءاتِنا للكتاب الأعظم في الأرض ، القرآن الكريم ، هي كذلك في غفلة .. في غفلة عن لَمَحَانِ المعاني ، وعن سبر أغوار الكتاب مجملا ، وعن سبر أغوار كل سورة مجتمعة ، وعن سبر أغوار كل آية ثم كل كلمة ثم كل حرف.
فإذا كشف عنا الغطاء ، إذاً بصرنا يومذاك حديد . فنفهم يومئذ ، وباللغة العربية الأخصر والأروح والأجمل ، وبعمق شمولي إنساني ، ما معنى (الكتـٰـب) و ( أم الكتـٰـب ) وما معنى كل حرف من حروف النور ، تماماً وكمالاً وعلى بركات الله وحب الله ورحمة الله ذي الجلال والإكرام .
فإذا كانت عوالم الملكوت فما فوقها ، هي بالضرورة أرقى وأعلى من عالم الناس الأرضي الدنيوي . فلا بد أن يكون لها خصوصيات من ذكر الله ، تبعاً للفارق بين أهلها وأهل الأرض الدنيا ، لغةٌ أكثرُ تفوقاً . وقريباً من المعلوم ، عند أهل العلم ، أن القرآن الكريم ، حسب النصوص القرآنية ، أنه أُنزل مرتين : مرة دفعة واحدة إلى السماء الرابعة (1) ، ومرة نجوماً إلى الأرض الدنيا، على قلب رسول الله محمد (ص) وكلاهما بالعربية .
ومن هنا يتبين أن نزوله دفعياً كان بالعربية الأرقى، التي يحسب فيها حساب كل حرف ، كما نحسب في الدنيا حساب الجمل والفقرات وحتى حساب السورة الكاملة . وهذه اللغة بانتظارنا بعد البعث ، على أنها كونية ولجميع الناس، لأن القرآن هو الخاتم والمهيمن على ما بين يديه مما أنزل الله تعالى على أهل الدنيا . وبعد الإنعتاق ، سيتكلم كل إنسان بهذه ( الكونية ) بدون تعلم (2) . وطبيعي أن هذا الذكر الملائكي ـ قبل البعث ـ من حيث الدرجة ، هو الأول ، ومجموع الأسماء الحسنى ، التي يتشرف بها الذاكرون في العوالم العليا هي الأوائل . بينما يكون مجموع الأسماء الحسنى ، التي يتشرف بها الذاكرون الناجون من أهل الدنيا ، هي المثاني . حيث أنهم سيكرمهم الله سبحانه بأن يذكروه ويسبحون بأسمائه الحسنى ( الأوائل ) بعد الإنعتاق من مستلزمات العيش في مناخات هذه الحياة الدنيا (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يدل على أن القرآن الكريم أنزل دفعة واحدة ، النص القرآني قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر . سورة القدر الآية 1). وقوله سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . سورة الدخان الآية 3 ) . أما كونه أنزل إلى السماء الرابعة ، فذلك من روايات كثيرة عن النبي (ص) وعن أئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام .
(2) انظر ( كتاب ( العقل الإسلامي ) للمؤلف .
(3) إذا قيل ليس في الآخرة عبادة ، فهو صحيح. وإنما هناك ذكر يكنى به عن شكر الله وحبه . وما يدل على بقاء الذكر الذي هو حياة المحبين في الدنيا والآخرة ، كما يدل على سعادة العقل وشرف العقل والإستزادة من كل علم أو فن أو جمال ممتع للنفس وللعقل ، قوله تبارك وتعالى : ( وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أجْرُ العَـٰـمِلِين . وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وقُضيَ بَيْنَهُمْ بالحَقِّ وَقيلَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَـٰـلَمينَ. سورة الزمر الآيات 74 ـ 75 ).
المعنى الثالث: (1)
} (المثنى هو الزمام) ، والزمام ، ما يشد به رأس الدابة لقيادتها ، الزمام ما يزم به الشيء. وزمَّ زمَّاً الشيءَ : شَدَّهُ فانزم. وزمَّ البعير : خَطَمَهُ . ( وألقى في يده زمام الأمر ) جعل له الرأي فيه يقضي بما يشاء . والجمع أَزِمَّة ) (2) {.
فالذاكر بهذه الأحرف النورانية أو ( المثاني ) كما سماها تعالى في القرآن الكريم أو أسماء الله الحسنى ، كما تفضل الله سبحانه على من تفضل بشأنها ، إضافة إلى المعنيين السابقين ، إنما هي أزمّة يزم بها شياطين الجن والإنس ، ويقودهم بعيداً عن الإضرار بالمؤمنين ، ويَخْطُمُهُمْ ويضيِّق عليهم ، حتى يصبحوا معها لا حول لهم ولا قوة ، ويولوا منهزمين .
كل ذلك الذي ذكرناه من معاني المثاني ، يؤتي الله سبحانه منه بعضاً مِنْ كُلّ ٍ لمن يشاء من عباده الصالحين ، لكل حسب درجته وأهليته ، وقد اختص رسوله محمداً (ص) بسبع منها هي أعظمها شأناً إضافة إلى القرآن العظيم . قوله تبارك وتعالى :
( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ (3) المَثَاني وَالقُرآنَ العَظيمَ سورة الحجر الآية 87 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعاني الثلاثة هذه هي إنطباقية كلية على الأحرف النورانية .
(2) ( معجم عربي حديث ) ـ لسان العرب : ابن منظور .
(3) ( مِنْ ) في هذه الآية الكريمة هي للتبعيض . وهي تسقط كل المزاعم التي حددت سورة الحمد واعتبرتها ( السبع المثاني ) لأنها سبع آيات . كما تسقط بقية المزاعم عن اعتبار جميع الأحرف النورانية هي ( السبع المثاني ) .
القشعريرة من المثاني :
القشعريرة التي عنيناها هي التي في قوله تبارك وتعالى :
( اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَديثِ كِتَاباً مُتَشَـٰــبهاً مَثَانيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُم إلى ذِكْر ِ اللهِ ، ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِل ِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادِ سورة الزمر الآية 23 ).
فقوله تعالى : ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ إلَى ذِكْر ِ اللهِ ) دليل يفتقر إليه الباحث المتعبد ، أو قارىء القرآن ، لمعرفة حقيقة إيمانه ويقينه . وذلك يحصل غالباً مع كل آية من المتشابهات ، إلا أن القشعريرة تطول مدتها ويكون استشعارها أبلغ ، لدى معرفة أن الأحرف النورانية هي المثاني وهي أحسن الحديث ، وأن المعاني التي ذكرناها آنفاً هي بعض معانيها . فإذا وقع لقارىء القرآن ، أو الباحث في معانيه ، أن اقشعر جلده ، وشعر بذلك للحظات ، أو لدقائق ، أو دائماً ، بطريقة يقشعر معها الجلد ثم يلين مع كل نعمة من نعم الله التي في المثاني وغيرها من الآي ، فليطمئن إلى إيمانه وإلى يقينه وإلى فضل الله وكرمه ورحمته ونعمه . ثم عندما يلين جلده وقلبه إلى ذكر الله، فليوقننّ أنه هُدِيَ إلى أحسن الحديث ـ الآية: فـ ( ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادِ سورة الزمر الآية 23 ).
الحقيقة أنّ هذه الأحرف النورانية التي نسميها كذلك مفاتيح السور والتي تبيّن أن اسمها القرآني المثاني سنرى الآن بعض المعاني التي منها تقشعر الجلود، هذه المثاني من أسرارها أن الله تعالى قد يؤتي منها ما يشاء من يشاء من عباده.
فهذه المثاني التي هي رموز كما ترون، أحرف ليس لها معنى في الظاهر، ولكن بعد أن علّم الله تبارك وتعالى أسرار الإلكترون للبشر ونحن في القرن الخامس عشر الهجري والواحد والعشرين الميلادي، فبعد أن علّم الله عز وجل الإلكترونيات وأسرار الإلكترون للبشر، علّمهم في الجملة أنّ في الحروف في حروف اللغات عامةً طاقة، أسراراً من الطاقة، كل حرف ينطقه الإنسان فيه طاقة يعني إشعاع، وهذا الأمر يُمارس اليوم يُتداول كما تعلمون في التلفونات، التلفون الخليوي، أنت تُمسك بالجهاز وتنظر إليه وتسمي اسماً فيطلب لك رقم صاحب هذا الإسم، تقول يا علي يا محمد يا أحمد يا عمر يا جورج، فيعطيك رقم علي ومحمد وعمر وجورج كل واحد على حدة بطبيعة الحال فما الذي حصل؟ في الأساس أنت تطلب الأرقام التي تريدها الناس الذين تريد أن تتصل بهم بواسطة هذه الأزرار أو الملامس كما يسمونها الإسم الرسمي فماذا تفعل هذه الملامس؟ هذه الملامس تقتدح طاقة الكترونية، حالة من الإشعاع تتناسب مع الحرف الذي تطلبه، الملمس “واحد” تعطي اشعاع تسجل “الواحد”، الملمس “سبعة” تعطي اشعاع أقوى يعطي كذا، طبعاً سنصل إلى أنّ هذه المفاتيح مفاتيح السور القرآنية هذه الرموز لها فاعلية، الله عز وجل يريد بنا أن نعلم ممّا علم الناس في الإلكترونيات أن المستوى القرآني في هذه الأحرف أعلى بما لا يقاس وسنصل إليه إن شاء الله. أريد أن أقول هنا شيئاً لا بدّ منه هو أنك عندما تطلب بالصوت اسماً من الأسماء “علي” مثلاً فالعين واللام والياء كل واحدة كل حرف له اشعاع خاص إنما لا تستطيع أنت أن تطلب “علي” على تلفون غيرك، طبعاً أنت تطلب رمز معين محدد على تلفونك الذي برمجته لهذا الأساس، إلا إذا كان تلفون غيرك برمجه صاحبه أو بالاشتراك معك على نفس البرنامج، هذه النقطة جداً مهمة، مثل آخر هو أن اليوم الرجل الآلي “الروبوت” مشهور عالمياً، وهو متداول نسبياً عند الناس الذين يستطيعون أن يقتنوا مثل هذا في اليابان وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي بعض أوروبا، فجهاز في يد صاحبه وهو في عمله بعيداً عن بيته ربما عشرات الكيلومترات، فيتكلم على هذا الجهاز كلام حروف رموز فيتحرك الروبوت في المنزل يقوم بخدمات منها الطبخ على الغاز أو على الكهرباء، منها اعداد المائدة، طاولة السفرة، صحون أمور أشياء من هذا القبيل، ماذا فعل هذا الذي تكلم؟ تكلم بحروف، هذه الحروف أطلقت طاقات كذلك مبرمجة بالنسبة لهذا الروبوت. نحن هذه الحروف التي أسماها الله تبارك وتعالى وكشف لنا في هذا العصر المتأخر أنها المثاني وهذا الكشف هو فضل عظيم علينا من لدن الله تبارك وتعالى، فهو سبحانه علم الناس العلم وعلمنا هذا العلم الذي قلناه عن التلفون وعن الروبوت وعن غيره من الأجهزة الالكترونية حتى نفطن إلى هذه الحروف وإلى أمثالها في القرآن في هذا القرآن العظيم هذا القرآن المجيد.
أما ما بقي من أسراره وأسرار علمه التي لا يعطيها لأمثال اليابان وأمريكا أوروبا، إنما يعطيها لأوليائه الصديقين ولعامة عباده من أهل اليقين أهل الإيمان، فكما تحرك الأحرف أرقاماً في التلفون وتطلب شخصاً، وكما تحرك الأحرف الرمزية الروبوت في منزل من المنازل، هذه الأحرف المثاني التي أودع الله فيها شحنات من الطاقة تحرك أشياء عجيبة في الكون، على مستوى الكون، وبجملة ما تحركه في جملة ما يحصل عند قراءتها بالصوت المسموع وليس بالغمغمة ولا بما يقال تلاوة في القلب، يجب أن تقرأ بصوت يعني بين الجهر والإخفات لقاريء القرآن بطبيعة الحال، فيحدث تفاعل بين هذه التي هي أوائل عند الملائكة ومثانٍ عندنا في الأرض، تتحرك الملائكة بموجبها ايجابياً على القاريء وعلى عامة المؤمنين الأدنى فالأدنى وبحسب برمجة هذه الحروف على اللوحة الكونية، وبحسب برمجة هذه المثاني على اللوحة الكونية التي لها وجهان، الكتاب المبين الذي هو القرآن، والكتاب المبين الذي هو الكون، قال الله تبارك وتعالى: ( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ سورة يونس الآية 61 ) هو الكون، وقال الله تبارك وتعالى آيات مشابهة لهذه الآية تختلف ألفاظها وإنما تؤدي نفس المعنى ( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ ) وهذه المعلومات يتفضل بها الله سبحانه على من يريد بهم خيرا، أما من لا تصل إليه هذه المعلومات فقد قال الله تعالى فيهم: ( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ سورة الأنفال الآية 23 ) صدق الله العلي العظيم. فإذاً أعتقد هذا يكفي عن هذه الأحرف النورانية التي منها كما رأينا في سورة البقرة ( الم ) وفي غيرها من السور وكما رأينا ( كهيعص ) و(حمعسق) و( ق ) و( ص ) وكل هذه الحروف لها فاعلية ولماذا قلنا إنها مبرمجة بالضرورة لأن برمجتها من عجائبها التي هي بتدبير من الله تبارك وتعالى تنفع المؤمنين، تنفع القاريء المؤمن، القرآني المؤمن، وتنفع من حوله في دوائر الأدنى فالأدنى من المؤمنين، منافع جمة ومنافع جلّى، ولا تنفع بل قد تضر غير المؤمنين، وذلك في قول الله تبارك وتعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا سورة الإسراء الآية 82). هي تنفع المؤمنين وتضر بالظالمين وقال تبارك وتعالى: ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا سورة الإسراء الآية 45)هذا من عجائب القرآن ومن أسرار القرآن ومن جملة الأسرار التي نتكلم عنها. كيف يحصل هذا؟ أليست هي طاقات تصدر من الآيات؟ طاقات اشعاعية؟ هي قضية الكترونيات كلام مبرمج ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا، وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا سورة الإسراء الآيتان 45 ـ 46).
( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) شياطين إنس وجن يهربون منك ومن فاعلية ما تقرأ ومن مجرد ذكر الله تبارك وتعالى وعز شأنه وجلت عظمته.
الشيخ عبد الكريم آل شمس الدين
لبنان – جبل عامل – عربصاليم