الشذوذ الجنسي بين الفرضيات والمفهوم الديني

الشذوذ الجنسي بين الفرضيات والمفهوم الديني

 

أولاً : الشذوذ الجنسي في الفرضيات :

        أعني بالفرضيات  ، تلك التي تصدر عن الفلسفة في بعض فروعها ، مثل علم النفس والتربية ، وكذلك التي تصدر عن علم العضويات والتشريح ، أي السيكولوجي  والبيولوجي بشكل عام ، وهما المرجعان اللذان يستفتيان غالباً في المشاكل الناشزة والعادية.

 

         فبخصوص علم النفس ، فإنه ما زال يدعي نظريات وآراء ظنية ، موقعاً الناس عامة ، في كثير من الحيـرة والإرباك ، حيث أنه إلى الآن ، وبعد أكثر من مائة وخمسين سنة على نشوئه ، لم يقدم حلولاً ولا تفسيرات جذرية ،  لأبرز المشاكل والمخاطر التي تجتاح الأفراد والمجتمعات ، ولا سيما بلاد الرفاه والتقدم الحضاري المزعوم .

       ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر :  القلق والأرق  ، والأسباب  المؤدية للإنتحار ، ثم الجرائم بشتى وجوهها وأحجامها ، وأخيراً وليس آخراً ، إتساع موجات الشذوذ الجنسي ، وفظائع المخالفات الجنسية خاصة ، والأخلاقية عامة، والتي تكتسح بلاد الغرب وتتسرب من نوافذ العلمنة في الشرق ، تحت عنوان الديمقراطية  ، هذه الفظائع  التي تتسبب بالأمراض الفتاكة المفزعة  ، والتي أبرزها الإيدز أو السيدا .

       وفيما يتعلق  بموضوعنا الشذوذ الجنسي  ، قدّم علم النفس الكثير  من النظريات منذ نشأته حتى اليوم ، وكما هو معلوم  ـ شأنه في معظم المواضيع ـ فقد وقع في تناقضات ، نعرض عن تفاصيلها ، حتى لا نذهب وقتنا ولا أوقات العقلاء سدىً . ولكن لا بد من إيراد  ولو نموذج واحد على ذلك : فمثلاً عندما  يستفتى الطبيب النفسي ـ حتى ولو كان شرقياً ـ  عن أسباب  الشذوذ الجنسي في المجتمعات الشرقية ، فهو يجيب أن الأسباب هي الحرمان من الإختلاط بين الذكور والإناث وضغط الأهل وقسوتهم على الأولاد ، وإستعمال كلمة  (عيب) أو ما شاكلها عند كل ملاحظة ( جنسية ) وبذلك يتشكل عند الأولاد عقدة الخجل ، ثم يحرمون من جميع المعلومات الضرورية التي تتعلق بالجنس .. إلخ .. فيحصل الشذوذ عند الجنسين ..

       يقول هذا حتى ( النفسيون ) الشرقيون ، علما أنهم هم كانوا  نشأوا  في نفس الجو التربوي في البيئة الشرقية ، فإذن ينبغي ـ حسب قواعدهم ـ أن يكونوا هم شاذين .. وإلاّ ..  فهم ضالون عن الحقيقة ، فيتحتم  عليهم أن يراجعوا معلوماتهم ، ويحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب ..

       أما التناقض الذي أشرنا إليه في فرضيتهم هذه ، فهو أن الإختلاط بين الجنسين في بلاد الغرب ، معلوم أنه شأن عادي جداً ، ورغم ذلك فإن نسبة الشذوذ الجنسي تفوق بما لا يقاس ، ما هي عليه في البلاد الشرقية ، وكذلك  نسبة الجرائم  الجنسية بكل وجوهها ونعوتها وأوصافها .

      فكيف نتعامل مع علم النفس  ، ومع أي مذهب  من مذاهبه المتناقضة  وأية مدرسة من مدارسه التي بين الحين والحين يلغي بعضها بعضاً .

       هذا  بشكل عام ، وإن كان لعلم النفس بعض الإيجابيات ، والفتوحات المجدية ، التي نقدرها ، فإن أصحابها لا بد توصلوا  إليها بعناية من الله وحده لا شريك له . ويكون ذلك لصدق النية، والإستنارة بنور الله { ..اللهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسَالَتَهُ … سورة الأنعام الآية 124 } .

       أما فيما يتعلق بتعليم الجنس في المدارس والبيوت ، وهو أمر قائم  في أكثر الدول الواطئة  السكندينافية  ( البلاد الأغنى والأرقى والأعلى نسبة من الشذوذ والإنتحار ـ السويد مثلاً ) . كما انه ساري المفعول في الغرب ، ولدى كثير من المثقفين الشرقيين المتأثرين بالمناخ الحضاري الغربي ، فإن كثيرين منهم يدعون لتعليم الجنس في المدارس وفـي البيوت ، ولو عن طريق أشرطة الفيديو ، وكما أخبرنا أنها من مستدعيات غضب الله وسخطه ، ومن ثم تدميره البيوت التي تعرضها على رؤوس أصحابها ، ممن يراها ويتداولها.

 

       ونحن سألنا : ولماذا هذا التعليم  وهذه الإباحية ؟ وإلى هذه الدرجة ؟  يقولون لكي لا يقع الأولاد في العقد النفسية والشذوذ ، وليتعلموا كيفية ( المواقعة )  والإنجاب ، إنجاب أجيال قوية معافاة  ، من العقد والأمراض والشذوذ الجنسي …

ما شاء الله  وكيف توالد الناس في الماضي العريق ، ومن أين أتت مليارات الناس الذين توالوا على هذه الأرض ، وكذلك من أين جاؤوا بما اشتهروا به من القوة والعافية  والفروسية ، والبراءة من فيروس عدم المناعة ومرضه القاتل ؟ وهم لم يتعلموا الجنس لا في المدارس ولا في البيوت . ولا توصلوا إلى عشر ما توصلت إليه حضارة العشرين ، من الشذوذ ، والغرق في وحول المادية واللاأخلاقية ، والتمزق النفسـي والبدنـي تحـت وطأة ( السيدا ) ومشتقاتها . أفليس من الممكن أن يكون تعليم الجنس بدون مبرر ، وهذا الإنفلاش الجنسي  الرهيب ، من أسباب هذا الطوفان البشع من الشذوذ والتسافد البهيمي .

       أما بخصوص علم الأعضاء والتشريح والطب عامة هو علم حقيقي ، ليس ظنياً ولا نظرياً ، إضافة إلى أنه محترم وضروري . إلا أنه أحياناً يشطح بعيداً ، باحثاً في أعضاء الإنسان ، عن أمور وأسباب ، ليس لها أي صلة ، بالتركيب العضوي الإنساني ، من حيث أصل الخلقة الفطرية . ومع ذلك لا بأس  بالبحث والتنقيب ، لأن  هذا العلم في النتيجة ، أشبه ما يكون بعلم الرياضيات ، إذا لم يجد، يقول لم أجد . كما فعل إختصاصي الدماغ  العلامة (بنفيلد) ، في بحثه  عن العقل في الدماغ ، وكانت رحلته الشهيرة ، مع الألكترود  الكهربائي وخلايا الدماغ ، والتي استغرقت ثلاثين سنة ، ثبت له من خلالها أن الدماغ شيء والعقل شيء آخر ، ليس مادياً ، ولا هو في عضو  من أعضاء الإنسان .

       ولكن رغم ذلك كله ، لا بد من القول ، أن إختصاصيين في غير الدين ، يبحثون  في أمور هي وثيقة الإرتباط بالدين ، هذه البحوث هي تجاوز من حقل المختص إلى حقل غيره ، هي تحول عن منهجية إنسانية واضحة . ثم انه من حق كل مفكر، بل من واجبه أن يركن إلى الدين  يستفتيه في شتى القضايا ، ولكن كذلك ، إما عن طريق الإختصاص ، وإما عن طريق المختصين  من أولياء الله وعباده العلماء الصالحين .

       فإن لم يجد الباحثون ، إجابات شافية ، في الدين ، لشؤون تتعلق بحكمته سبحانه ، وجب أن يتحولوا إلى العلم المنهجي التجريبي، ومع ذلك سيظلون ضمن علم الله وهيمنته وتعليمه .

       ومثال على ذلك أيضاً ، فيما نحن بصدده ، أن بعض الباحثين من الأطباء العضويين ، يحتملون ، ـ والإحتمال كما واضح أمر ظني ـ أن سبب الشذوذ  الجنسي ، هو نقص في الدماغ ، في الجزء المسمى  ( تحت المهاد )  وهو الجزء الذي يتحكم بالسلوك الجنسي عند البشر .

       ونحن نقول من منطلق ديني ، أن الخطورة في ذلك أكبر من التصور  ، فإنهم بهذا ، ـ  إضافة إلى إباحة الشذوذ الجنسي  قانونياً في إنكلترا ، بالتزاوج بين الذكور ـ يجدِّفون على الخالق عز وجل ، وعلى خلقه ،  ويطعنون بعدالـة الله  وعلمه  وتشريعه ، لأن  قضية الشذوذ الجنسي على أساس هذا الإدعاء ستعتبر أمراً مفروضاً على صاحبه من أصل الخلقة .  وعلى ذلك سيقذفون إلى العمى  والسفالة والضياع بالكثير من الرعاع ، الذين ينعقون مع كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح ، لأن كل واحد منهم سيحدث نفسه بتجربة الشذوذ ، ليتأكد ممـا إذا كـان ( تحت مهاده )  كاملاً أو ناقصاً . والتجربة  هذه ـ ما  لم تمنع ولو بسلطان الضمير الأخلاقي ـ ستصبح بالضرورة عادة ، وبذلك يكونون قد خلقوا عذراً لجماعات الشذاذ ، سرعان ما ستأخذ به قوانين الغرب ، وحكامه وقضاته ،  بحكم عاداتهم وسلوكهم في وضع القوانين والتعامل معها .

       ولكن أين التشريع المسيحي ، وأين الكنيسة من تعاليم المسيح عليه السلام ؟ صحيح أن الكنيسة ، أخطأت أخطاء فظيعة بحق العلم والعلماء . وصحيح أنها سلكت في القرون الوسطى وما بعدها مسالك ، كان من حق الملوك والحكام وشعوبهم معها، أن ينتفضـوا عليها ، ويفصلوا تبعاً لذلك ، الدين عن الدولة .  هذا على أن  تتسلم الدولة وظيفة العدالة وتطبيق الشرائع . ولكن أن ينسف الدين كله  من جراء ذلك ، كما فعلت الشيوعية ، أو أن  تنسف الشرائع المسيحية  برمتها  كما  فعلت دول الغرب عامة ؟!

       وأكثر من ذلك  ، فإن أكثر القوانين التي  وضعها رجال القانون الغربيون ، تخالف  الشرع المسيحي بشكل خاص ،  مخالفة واضحة فاضحة ، كما تخالف الدين الإلـاـهي بشكل عام . وليس أدل على ذلك ، من القانون الإنكليزي الذي يسمح بتزاوج الذكور ، ومثله في أميركا وغيرها من دول الغرب  ، قانون توارث العشاق ، وكذلك توارث الشاذين ، المرأة من المرأة ، والرجل من الرجل ، إلى غير ذلك الكثير من المخالفات المنكرة .

       لذلك كله أصبح الكيان الكنسي ، والمضمون التشريعي للمسيحية ، في حالة  بائسة من الهوان والتردي . لدرجة أصبحت معها أكثر الكنائس  الإنجيلية في أميركا  تزحف بإتجاه اليهودية ، عدوتها الأساسية ، وعدوة المسيح عليه السلام  ،  وتقيم  معها  مداخلات  تعتبرها مصيرية مشتركة ، وكذلك جملة من الكنائس الأوروبية والعالمية ،  التي سيست ، وأصبح أكثرها بؤر مخابرات للأجهزة الحاكمة ، كما كان الأمر في الإتحاد السوفياتي ، وذلك الذي استدعى غضب الله عليه، وما زال لتاريخه في بداية العذاب .. الدنيوي إذ أن للآخرة عذاباً آخر . إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً ،  وقال إني من المسلمين لله رب العالمين .

       ثم هذا العجب الذي نجده  في القيمين على الإعلام ، بجميع أجهزته ، وأرباب  الأقلام فيه ، فهم  في بحثهم  عن حلول  للمشكلات ، والسؤال عن أسباب الكوارث الإجتماعية ، تراهم أول ما يتجهون إلى جميع أهل الفكر والإختصاص ، إلاّ الفكر الديني والإختصاص الديني .

       وأيضاً لا بأس بذلك ، بل هو المفروض إذا لم يستثن الدينيون . وإذا إندرج جميع هؤلاء تحت عنوان : أهل الفكر المؤمن الجاد الرصين . فهؤلاء جميعاً هم  أركان المجتمعات وركائزها . هم من أولي الأمر  الذين ترتكز على أمثالهم الدول والأمم ، لكن بشرط  السلامة والكرامة : السلامة من كل داء نفسي  ، بما فيه الشذوذ .. وما أكثر الأدواء النفسية ، وما أكثر الشاذين ( فرضوا قبول ترشيحهم لإنتخابات بلدية .. في أميركا، وقد أعلن المرشح على الملأ كونه من الشاذين .. ) ، هذا شرط  السلامة ، وأما شرط الكرامة ، فأن يكونوا نظيفي الأنفس ، وعلى الأقل خلوقين ، هذا إذا لم يستطيعوا أن يبلغوا الغاية الحقيقية والخلاص ، يعني إذا لم يستطيعوا أن يكونوا مؤمنين ربانيين . لأن الإنسان بدون إيمان بالله الواحـد الأحد ، ولو كان خلوقاً ، فإنه يبقى ناقصاً حابطاً عمله ، وبالنتيجة من الخاسرين .. مؤبداً .

ثانياً  : الشذوذ الجنسي في المفهوم الديني :

       وأقصد بالمفهوم الديني ، عامة الدين الذي أنزله الله سبحانه للناس ، قال تعالى مخاطباً الناس ورسوله محمدا (ص) :

{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّين ِ مَا وَصّىا بهِ نُوحاً وَالَّذِى~ أوْحَيْنَآ  إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بهِ إبْراهِيمَ وَمُوسىا وعِيسَىا أنْ أقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْركينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ  اللهُ يَجْتَبى~ إلَيْهِ  مَن  يَشَآءُ  وَيَهْدي إلَيْهِ  مَن يُنيبُ . سورة الشورى الآية 13} .

وقوله تعالى :

{ وَأنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَـاـبَ بالْحَقّ ِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَـاـب ِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.. . سورة المائدة الآية 48 } .

       وموضوع بحثنا ، الشذوذ الجنسي ، هو من أوضح الدلالة على ما نقول ، من حيث استنكاره وتحريمه في جميع الشرائع المنزلة من لدن الله تبارك وتعالى . إلاّ أن الإسلام الذي يمثل أصالة الدين المنزل ، والهيمنة على جميع ما  أنزل  من البداية إلى النهاية ، قد تصدى لهذا الأمر ، كما لغيره ، بإهتمام أكبر ، تشريعاً ، وتعليلاً للتشريع ، ورسم حدود وعقوبات . لذلك كانت المجتمعات الإسلامية ، أقل إبتلاءً كما هو واضح ، في جميع حالات الشذوذ والإنحرافات الجنسية وغير الجنسية .

       ولو أن المجتمعات غير الإسلامية ، تتعامل بأريحية مع هذا الدين العظيم ، لكانت تلافت أخطر الأمراض التي تفتك بمجتمعاتها ، كما وتلافت سخط الله  ..  وسوء العاقبة  ..  والغضب المدمر الآتي .. ومع ذلك فما زالت الفرصة متاحة مع هذه الكلمات .. وغيرها  كثير .

       من هذا المنطلق ، وفي ظل هذا المفهوم الديني ، نقسم قضية  الشذوذ الجنسي إلى تعريفين : خاص وعام .

       أما التعريف الخاص ، فيعني دينياً إتيان الذكور للذكور ، ويشير ضمناً ببلاغة الأدب الديني والأخلاق الدينية ، إلى ما يقابل  ذلك من علاقة المثلين الآخرين ، أي المرأة بالمرأة ، كما يرتب على هذه العلاقة ، نفس الغضب ونفس التحريم ، ونفس العقوبات ، أي جميع ما يرتبه إتيان الرجال للرجال .

       وهذا التعريف الخاص المتضمن العلاقات الشاذة ، بين المثلين ، يستفاد من القرآن الكريم ، وبالتحديد من قصة قوم لوط النبي عليه أزكى الصلاة والسلام .

       هذه القصة أوردها القرآن الكريم ، بين إجمال وتفصيل ، ذاكراً لوطاً وقومه في حوالي أربع عشرة سورة بالآيـات البينات ، وهذا يدل دلالة كبيرة ، على أهمية الحدث التاريخي ، الذي تورط فيه لأول مرة في تاريخ البشرية ، قوم هذا النبي الكريم ، وأن هذا التورط هو من أكبر الآثام ، وأنكر المنكرات ، مما استدعى  ـ  كما سنرى من الآيات الكريمة ـ إنزال العذاب الشديد بهؤلاء القوم، بأن خسف الله بهم ، وقلب مدنهم وبيوتهم رأساً على عقب ، وأرسل عليهم  قذائف من السماء ، جعلت ديارهم  قاعاً صفصفاً ، ليذوقوا عذاب هذا الأدنى متصلاً بعذاب الآخرة ، مخلدين فيه كما سنرى .

       ولأهمية هذه الكارثة التاريخية ، على مستوى  شعب آمِنٍ  ذي مدن عامرة  ومدنية ، ولأن في القصة دروساً بليغة مخيفة ، ولأن تفصيلها في الآيات البينات ما يهز النفس من أعماقها ، وما تقشعر له الجلود ، ولأن الله عز وجل ، أراد من إثبات القصة وآياتها أن يجعلها حجة على أعناق الناس ، بحيث أنهم إذا فعلـوا فعل قوم لوط خزاهم في الدنيا والآخرة ، وعاقبهم كما  عاقب أولئك القوم ، هادماً عليهم عمرانهم ومدنهم ومدنيتهم . لذلك كله ، قررنا بإذنه تعالى ، أن نعتمد  سبعاً من السور ذات العلاقة ، يتكامل فيها الخبر والصورة ، حيث يظهر الحدث جلياً بوجهيه : الإيجابي ، وهو  المتعلق بالرجل الصالح ومن آمن معه ، والسلبي ، وهو المتعلق  ببقية القوم  الفاسقين .

قال تعالى في سورة القمر :

{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَانَ لِلذِّكر ِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر ٍ . كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوط ٍ بالنُّذُر. إنَّا أرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ ءَالَ لُوط ٍ نَجَّيْنَـاـهُمْ بسَحَر ٍ . نِّعْمَةً مِّن عِندِنَا كَذَالِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ . وَلَقَدْ أنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَواْ باْلنُّذُر . وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيفِهِ فَطَمَسْنَا أعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابي وَنُذُر . وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ . فَذُوقُوا عَذَابي وَنُذُر . وَلَقَدْ  يَسَّرْنَا القُرْءَانَ لِلذِّكْر ِ فَهَلَ مِن مُّدَّكِر ٍ . سورة القمر الآيات  32 ــ 40 } .

        في هذه الفقرة من سورة القمر ، نرى الآيـة الأولـى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرْءَآنَ  لِلذِّكرِ فَهَلْ مِن مّدَّكِر } تحدُّ الفقرة في بدايتها ونهايتها ، كما تحدُّ كل فقرات السورة بشكل عام . هذه الآية تتطلب منا وقفة تؤدي  بعض حقها ، قبل الكلام  عن  بقية  الآيات . فقوله تعالى { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرْءَآنَ لِلذِّكْرِ .. } إشارة أولاً  إلى  الفارق  بين الله  وبين غير الله  من سائر ما خلق سبحانه . فالله هو الذي  لا إلـه إلا هو الملك القدوس  السلام المؤمن  المهيمن العزيز الجبار  المتكبر ، والذي له الأسماء الحسنى وله المثل الأعلى في السموات والأرض ، والذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار  ، والذي له  ملك السماوات والأرض وما بينهما وله العرش العظيم ، هذا في مجال ما تدركه طاقاتنا من المفاهيم  ومن العوالم المحسوسة ، ولكن الحقيقة أعظم  وأعظم في مجال غير المحسوس، ولا يعبر عنها ولا عن لا نهائيتها ، في ملكه أو في ذاته إلاّ كلمة التوحيد الأكبر  ” الله أكبر ” . وثانياً  إلى الفارق بين هذا الرب  العظيم ، وبين عامة خلقه . فبما أن القرآن من كلام الله ، وآياتـه كلـمات الله { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ  صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاـتِهِ وَهُوَ الْسَّميعُ العَليم ُ. سورة الأنعام الآية 115}.  وبما أن الفارق بين الخالق والمخلوق  ، هو فارق يستحيل قياسه ، هو فارق بلا قياس : فارق بين الحق المطلق والخير المطلق والجمال المطلق ، وبين المخلوق المحدود في جميع معطياته ، والفقير في جميع حاجاته . فكذلك الفارق بين كلامه عزّت عظمته ، وبين كلام المخلوقين ، هـو فارق بلا قياس ، فكما أنه سبحانه  في ذاته ، كذلك سبحانه في كلامه، أي كما تنزه بذاته عن المخلوقين ، كذلك تنزه بكلامه عن كل كلام غير كلامه . نعم ، هكذا ، فإن في جملة ما صدر عنه في عليائه ، هذا القرآن الذي هو الأعلى والأمثل والأجمل والأكمل وبدون تحديد ودون قياس ، في مقابل كل قول  وكل كلام من أقوال الملائكة والإنس والجن وبقية الخلق مما نعلم ومما لا نعلم .

       هذا القرآن الكريم ، وهذا القرآن المجيد ، وهذا الكتاب الذي لا ريب فيه تنزيل من رب العالمين ، الذي هو كلام الله، يسّره سبحانه لعباده الذين من لحم ودم ، وحركات وسكنات ، وطعام وشراب وشهوات ، يسره لهم ليقرأوه ، ويذكروا الله فيه ، ويتعلموا منه ، ويتحصنوا به ، ويحصلوا  بتوسل ما فيه على رضا الله جل وعلا ، فإن في رضاه سعادة الدارين .

       وليست نعمة عادية هذه ، من نعم الدنيا والآخرة ، نعمة أن يكون كلام الله في عزته وملكوته وجبروته ، ميسراً للإنسان أن يقرأه بحواسه المحدودة المعروفة . نقول هذا غير ناسين نعمة العقل ، فإن لنا فيه كلام آخر في مقام آخر .

        ثم ماذا ؟ ثم  ان في هذه الآية  { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَآنَ لِلذِّكْرِ .. } وخاصة في الكلمتين الأخيرتين منها { فَهَلْ مِنْ مُدّكِر }  نجد العجب : نجد التحضيض على القراءة ، والنصح بها ، والترغيب فيها ، والإغراء  بفوائد لا تحصى ، والعتاب على التراخي أو التخلي  عنها ،  والتوبيخ لغير الذاكر والنذير لغير المتعظ ، وتلويح  بالعلم ، والحكمة ، والفهم والنباهة ، والنجاة أو الخسران ، والنعيم أو العذاب إلخ .. كل ذلك ، كل هذه المعاني وفوقها مزيد ، يحسها عندما يصل إليها قارىء القرآن المستنير بربه ، يجدها في هذا المقطع من الآية  ، المؤلف فقط من كلمتين ، قوله تعالى : ” فهل من مدّكر ” .

ثم ماذا ؟

        ثم عرض سلوك أهل الحق ، وسلوك أهل الباطل ـ من جملة ما في القرآن الكريم ـ وما يترتب  على السلوكين  من ثواب وعقاب في الدارين .

       وهكذا ندخل برهبة وخشوع ، في معرض الحكاية  التي في الآيات الآنفة : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لوُطٍ بالنُّذُر } قوم أرسل الله عز وجل إليهم  نبياً منهم ، هو لوط عليه السلام ، أرسله إليهم ليتقوا الله وينتهوا عما هم فيه من كفر ومنكر وفجور ، ومخالفة لشرائع الله ، وليصدقوا  أن الله سيعذبهم  عذاباً شديداً إذا لم يصدقوا ولم ينتهوا . فكذبوا هذا الرجل الصالح الذي لم يكلفهم  لنفسه شيئاً ولا لأهله، ومضوا في غيِّهم  وفجورهم الأوسخ في التاريخ ، فأرسل  الله عليهم  { حَاصِباً } . لعلّها ريح عاتيه ترميهم بحجارة معدّة للسفلة والأوغاد الذين لا يهمهم  التفريق بين ما حلل الله ربهم وبين ما حرّم . من السماء رجموا رجماً بالصخور والحجارة ، وأية حجارة : حالة من حالات القصف الشديد ، قد يفهمها  أكثر جيل القرن العشرين ، الذي عانى من قصف الطائرات أو المدافع  أو الراجمات ، أو عاينها أثناء الحروب المحلية والعالمية ، وشتان بين راجمات عمالقة السماء وراجمات أقزام أهل الأرض .

       أهلك القوم جميعاً ، إلا لوطاً عليه السلام وأهـل بيتـه ـ عدا امرأته كما سنرى في الآيات الأخر ـ نجاهم الله  عز شأنه ، إذ أمرهم  الملائكة  بالخروج من بين القوم  في أواخر الليل ، نجاهم سبحانه  بنعمة من عنده ورحمة ، لأنهم كانوا مطيعين  لأوامره ، صابرين على ما ابتلاهم به ، شاكرين لنعمائه .

       ثم في الآيات ، يكرر سبحانه الحديث عن صفات القوم ، ومواقفهم المستدعية  لغضبه وعذابه  : { وَلَقَدْ أنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَواْ باْلنُّذُرْ } ، وأكثر من ذلك وأعظم : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أعْيُنَهُمْ فَذُوقوُا عَذَابِي وَنُذُرْ } وهكذا  إلى أن وصل بهم  الأمر إلى التصميم  على إغتصاب ضيوف  الرجل الصالح . مع ما هو معروف  عن حرمة  الضيف وحرمة الدار ، فضلا عن حرمة الفاحشة المنكرة ، فاستحقوا بذلك عذابين : عذاباً خاصاً هو  الذهاب بأبصارهم  طمساً على أعينهم ، وعذاباً عاماً ،  منه هذا العمى  الذي مسحهم به ، إذ هو أول مرحلة ولون من مراحل العذاب العام وألوانه: { فَذوُقوُاْ عَذاَبيِ وَنُذُرْ }  تذكيراً لهم بأنه سبحانه حذرهم من تماديهم ، ونصح لهم ، وأنذرهم هذه العاقبة  . إلا أنهم  لم يرعووا .. ثم ينتهي تقطع المراحل ، مراحل  العذاب : بين العمى ،  والخوف والرعب ومقدمات الدمار ، وإنقلاب المدن رأساً على عقب ، والقصف والرجم ، إلى أن يدخلوا في المرحلة النهائية ، وهي استمرارية العذاب :  عذاب الدنيا متصلاً بعذاب الآخرة ، وهذا معنى قوله سبحانه : { وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذاَبٌ مُسْتَقِرٌ } أي ثابت مستمر ودائم .

        ويكرر جلت عظمته القول : { فَذوُقوُاْ عَذاَبي وَنُذُرْ }  كتكرار قوله تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر } .

   والإنسان ببساطة ، عليه أن ينطلق من هذه الوقائع التاريخية ، والآيات والنذر المستمرة إلى قيام الساعة ، ليقول : يا أهل القرن العشرين ، في القارات الخمس ، ولا سيما قارات الفحش والفجـور ، والمجتمعات المخبّلة بالحرام ، السكرانة بالنعمة والتخمة .. والجنس ، حذار ! حذار !  وخاصة من هذا الذي أسميتموه الشذوذ الجنسي إنه من مستدعيات مقت الله لكم ، وسخطه عليكم . إن الله سبحانه يقرعكم بالتوبيخ ، وينذركم بالعذاب ، بنفس هذه العبارات  وهذه الآيات  التي أنذر بها قوم لوط عليه السلام ، هي لكم  فاعتبروا بقوله سبحانه : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَآنَ لِلذِّكْر فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر } .  فالقرآن ليس  حكراً على العرب ، ولا على المسلمين وحدهم ، هو رحمة للعالمين .. وهم به ملزمون ومطالبون ، ولا سيما بعد الترجمة ، وبعدما  صغرت الأرض ، وأصبح الإعلام بالأقمار والتلفزة في كل دار، فسارعوا  واعتبروا . وحذار ، حذار  ، من أن تكونوا  بعد أن ينزل العذاب  بكم ويدمركم ، مصاديق لقوله : { وَلَقَدْ أنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا  فَتَمَارَواْ  بالنُّذُر } { فَذوُقوُاْ عَذاَبي وَنُذُر } { وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ  بُكْرَةً  عَذاَبٌ مُسْتَقِرٌ  . فَذوُقوُاْ عَذاَبي وَنُذُر . وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر .. }

       يا دول العلمنة ، والإنفلات من شرائع الله ، يا شعوب  حضارة  الجنس .. والعربدة ، لكأني بعد سنوات  ،  بعد أن تصبح أنظمتكم  خبراً من  الأخبار ،  أقرأ في هذا القرآن المجيد قوله تعالى : { وَلَقَدْ صبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذاَبٌ مُسْتَقِرٌ }  فأتذكركم .. ولست أدري إن كنت سأبكي يومئذ ، وإذا فعلت فبأي دموع ؟ بدموع الأسى والأسف عليكم ، أم  دموع ِ الحمدِ  لِلّهِ ؟

يا وثنيي القرن العشرين :

{ أكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَـاـئِكُمْ  أمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزُّبُر ِ. أمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ . سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّـونَ الْدُّبُرَ . بَل ِ الْسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أدْهَىا وأمَرُّ . إنَّ المُجْرمينَ فِي ضَلَـاـلٍ  وَسُعُر ٍ . يَوْمَ يُسْحَبُونَ  فِي النَّار عَلَىا وُجُوهِهمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ. إنَّا  كُلَّ  شَـيءٍ خَلَقْنَـاـهُ بقَدَر. سورة القمر الآيات 43 ـ 49 } .

       ثم نعود إلى بقية الآيات في السور الست الباقية ، التي ذكرناها آنفاً ، ندرجها بدون أي تفسير منا ، فهي بحمد الله يفسر بعضها بعضاً ، وبها تستكمل الحكاية ، حكاية القاسم الوثني المشترك ، بين فجار الماضي وفجار الحاضر المعاصر ، الذي أكاد أسمع أصوات تشققه وتصدعه وإنهياره على أنوف أعداء الله ، الأنوف التي بلا أنفة ولا شهامة ولا كرامة ، كما تستكمل بها ، أي بالآيات ، العبرة .. لمن يعتبر .

       فإلى ومضات الآيات ، وروعة التبليغ ، وعظمة القرآن .. إلى شرف التقوى .. تقوى الله الأعز الأجل الأكرم .. إلى أشرف الكلام .

      { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدّكِر } .

1)    في سورة العنكبوت :

      {  وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآَ إبْرَاهِيمَ باْلْبُشْرَىا قَالُواْ إنَّا مُهْلِكواْ أهْلِ  هَـاذِهِ الْقَرْيَةِ إنَّ أهْلَهَا كَانُواْ ظَـاـلِمينَ . قَالَ إنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أعْلَمُ بمَن فِيهَا لَنُنَجَّيَنَّهُ وَأهْلَهُ إلاّ اْمْرَأتـَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـاـبرينَ . وَلَمَّآ أن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِى~ءَ بهمْ وَضَاقَ بهمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ  لاَ  تَخَفْ  وَلاَ تَحْزَنْ إنَّا مُنَجُّوكَ وَأهْلَكَ إلاَّ امْرَأتَكَ كَانَتْ مِنَ  الْغَـاـبرينَ . إنَّا مُنزلُونَ عَلَى أهْل ِ هَـاذِهِ الْقَرْيَةِ رجْزاً مِّنَ الْسَّمَآءِ بمـَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ . وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءَآيَة  بَيِّنَةً  لِقَوْم ٍ يَعْقِلُونَ . الآيات 31 ــ 35 } .

2)    في سورة النمل  :

{ وَلُوطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الْفَـاـحِشَةَ وَأنتُمْ تُبْصِروُنَ . أئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الْرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ الْنِّسَآءِ بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أن قَالُواْ أخْرجُواْ ءَالَ لُوط ٍ  مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ . فَأنْجَيْنَـاـهُ وَأهْلَهُ إلاَّ امْرَأتَهُ  قَدَّرْنَـاـهَا  مِنَ الْغَـاـبرينَ . وَأمْطَرْنَا عَلَيْهم  مَّطَراً فَسَاَءَ مَطَرُ المُنذَرينَ .  قُل ِ الْحَمْدُ  للهِ وَسَلَـاـمٌ  عَلَىا عِبَادِهِ  الّذينَ  اصْطَفَىا ءَآللهُ  خَيْرٌ أمَّا يُشْركُونَ . الآيات 54 ـ 59 }.

3)    في سورة الشعراء  :

{ وَإنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزيزُ الْرَّحِيمُ . كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلينَ . إذْ قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ لُوطٌ ألاَ تَتَّقُوُنَ . إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ . فَاْتَّقُوُاْ اللهَ وَأطِيعُون . وَمَاَ أسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر ٍ إنْ أجْريَ إلاَّ عَلَىا رَبِّ الْعَـاـلَمينَ . أتَأْتُوُنَ  الْذُّكْرَانَ مِنَ الْعَـاـلَمِينَ . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أزْوَاجِكُم بَلْ أنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ . قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ يـاـلُوطُ  لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجينَ . قَالَ إنِّي لِعَمَلِكُم مِنّ الْقَالِينَ . رَبِّ نَجِّنِي وَأهْلي مِمَّا يَعْمَلُونَ . فَنَجَّيْنَـاـهُ وَأهْلَهُ أجْمَعِينَ . إلاَّ عَجـُوزاً فِي الْغَـاـبرينَ . ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرينَ . وَأمْطَرْنَا عَلَيْهم مَّطَراً فَسَاَءَ مَطَرُ الْمُنذّرينَ . إنَّ فِي ذّالِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أكْثَرُهُم مُؤْمِنِينَ . وإنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحِيمُ . الآيات  159 ـ 175}.

4)    في سورة الحجر  :

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أيُّهَا الْمُرْسَلوُنَ . قَالوُاْ إنَّآ أُرْسِلْنَاَ إلىا قَوْم ٍ مُّجْرمِينَ . إلاّ ءَالَ لُوط ٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أجْمَعين . إلاَّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَآ إنَّهَا لَمِنَ الْغَـاـبرينَ . فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوط ٍ الْمُرْسَلُونَ . قَالَ  إنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . قَالُواْ بَلْ جئْنَـاـكَ بمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَروُنَ وَأَتَيْنَـَاكَ بالْحَقّ ِ وَإنَّا لَصََـاـدِقـُونَ . فَأسْر ِبأهْلِكَ بقِطْع ٍ مِّنَ الَّيْل ِ وَاْتَّبعْ أدْبَـاـرَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أحَدٌ وَاْمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ . وَقَضَيْنَآ إلَيْهِ ذَالِكَ الأمْرَ أنَّ دَابرَ هَـاـؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُصْبحِينَ . وَجَـآءَ أهْلُ الْمَدينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ . قَالَ إنَّ هَـاـؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ . وَاْتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ. قَالُواْ أوَ لَمْ  نَنْهَكَ عَن ِ الْعَـاـلَمِينَ . قَالَ هَـاـؤُلآءِ بَنَاتِيَ إن كُنتُمْ فـاـعِلينَ . لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهمْ يَعْمَهُونَ . فَأخَذَتْهُمُ الْصَّيْحَةُ مُشْرقِينَ . فَجَعَلْنَا عَـاـلِيَهَا سَافِلَهَا وَأمْطَرْنَا عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيل ٍ. إنَّ فِي ذّالِكَ لآيَـاـتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ . وَإنَّهَا لَبسَبيل ٍ مُّقِيم ٍ. إنَّ فِي ذَالِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنينَ . الآيات 57 ـ 77 } .

5)    في سورة هود  :

      فَلَمَّا  ذَهَبَ  عَـنْ  إبْرَاهيـمُ   الرَّوْعُ  وَجَــآءَتْهُ  الْبُشْرَىا يُجَـاـدِلُنَا فِي قَوْم ِ لُوط ٍ . إنَّ إبْرَاهِيمَ  لَحَليمٌ أوَّاهٌ مُّنِيبٌ . يَـاـإبْرَاهِيمُ أعْرضْ عَنْ هَـاذَآ إنَّهُ قَدْ جَـآءَ أمْرُ رَبِّكَ وَإنَّهُمْ ءَاتِيهمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود ٍ . وَلَمَّا جَـآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِى~ءَ بهمْ وَضَاقَ بهمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـاذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ . وَجَـآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيئَاتِ قَالَ يَـاـقَوْمِ هَـاـؤُلاَءِ بَنَاتِى هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ فَاْتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُون ِ فِي ضَيْفِى~ ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ . قًالوُاْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا  فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإنَّكَ  لَتَعْلَمُ مَا نُريدُ . قَالَ لَوْ أنَّ لِي بكُمْ قُوَّةً أوْ ءَاوى~ إلَىا رُكْنٍ  شَدِيد ٍ. قَالوُاْ يَـاـلُوطُ إنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوَاْ إلَيْكَ فَأسْر ِ بأهْلِكَ بقِطْع ٍ مِّنَ الَّيْل ِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاَّ امْرِأتَكَ إنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أصَابَهُمْ إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بقَريبٍ . فَلَمَّا جَآءَ أمْرُنَا جَعَلْنَا عَـاـلِيَهَا سَافِلَهَا وأمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجـَارَةً مِّن سِجِّيل ٍ مَّنضُود ٍ . مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّـاـلِمِينَ ببَعِيد ٍ . الآيات 74 ـ 83 } .

6)    في سورة الأعراف :

{ وَلُوطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الْفَـاـحِشَةَ  مَا سَبَقَكُم بهَا مِنْ أحَد ٍ مِّنَ الْعَـاـلَمِينَ . إنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُون ِ النِّسَآءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرفُونَ . وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أن قَالُواْ أخْرجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ .  فَأنجَيْنَـاـهُ وَأهْلَهُ إلاّ امْرَأتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـاـبرينَ . وَأمْطَرْنَا عَلَيْهم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاـقِبَةُ الْمُجْرمِينَ . الآيات 80 ـ 84 } .

       أما التعريف ، أو العنوان العام لشذاذ الجنس ، فهو أن كل نوع مـن أنـواع الإستمتاع الجنسي ، يخرج عن مضمون  التشريع  الإلـاـهي  الذي  فـي قولـه تعالـى :

{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ  فَأتُواْ حَرْثَكُمْ … . سورة البقرة الآية 223 } . هو عملية زنى ، والزنى معروف أنه من كبائر المحرمات ، فيما شرع الله من بدء الخليقة إلى قيام الساعة ، وعليه حدود وله عقوبات ،  تتناسب مع وصف الجريمة ودرجتها ، سواء كان بين المثلين ، أو ما يحصل بين عازب وعازبة ، أو بين أيم ومحصن ، أو ما يقع بين المحصنين (المتزوجين )  من الجنسين ، أو ما كان أفظع من كل ذلك، كالزنى بالأم أو بالبنت أو بالأخت أو بالعمة  أو بالخالة أو بزوجة الإبن أو بزوجة الأب أو بأم الزوجة أو بالربيبة ، أو بأية قريبة من المنصوص عليهن في القرآن المجيد (أنظر سورة النساء الآيات 22 ـ23 ـ 24 )  .

 وبديهي  أن  العقوبات والحدود ، في مثل هذه الحالات الأخيرة ، هي بالضرورة أبلغ وأشد نكالا :

      { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص ِ حَيَواةٌ يَـاـأُولِي الألْبَـاـبِ  لَعَلَّكـُمْ تَتَّقُونَ . سورة البقرة الآية 179 } .

       هنا قد ينتفض بعض الناعمين الناعسين ، وطالما انتفض أمثالهم من المتَمَيِّعين عند استعراض العقوبات في الإسـلام العظيم .

       ولن نناقش معهم الأمر مطولاً ، بل نكتفي بالقول أولاً وببساطة ، أنه ما  دام النص  في القصاص هو أمر إلـاـهي ، فإنا سننفذه ولو انشقت حناجر وحوصلات الضفادع والببغاوات . ثانياً ، انه لو قتل بالسيف أو بالحجارة أو بالرمي من شاهق ، سافلان فقط من جماعة الشذوذ الجنسي  ولو مرة في كل مجتمع أو كل جيل ، أو مرتيـن  أو ثلاث ـ إذ غالباً  لا يحتاج  الأمر لردع المجرمين أكثر من ذلك ـ لنظفت  المجتمعات دهراً ، ولما كنا سمعنا بالإيدز ولا السيدا ، ولا كانت عانت  المجتمعات  من  تأثير الهجمة  اليهودية  اللاأخلاقية ولا سقط الذين في قلوبهم مرض في هذه الوحول  الملعونة المتحركة ، من  أنواع الزنى  والسَّفاد الرهيبة.

 

       ولو أن الناس أدركوا ـ ويجب أن يدركوا ـ مدى سخط الله وغضبه من هذه الفظائع والفضائح والموبقات ، لرفعوا أيديهم جزعاً وغطوا بها رؤوسهم ، تحسباً لقرب الرجم من الأرض والسماء .

       إلاّ المتقين فإنه سبحانه ينجيهم قبل إنزال العذاب .

       أفما آن للناعمين الناعسين أن يخشوشنوا ويصبحوا .. رجالاً. فإن النعم لا تدوم ؟

       وثالثاً ، في مقابل  ما حكم الله وصنَّف من أنواع القصاص لأنواع الجرائم وهو أحكم الحاكمين ، لا نجد في تاريخ المسلمين ، الممتد ـ محكوماً بالشريعة الإسلامية ما ينوف  على سبعمائة سنة ـ  أكثر من بضع حالات من وضع الحدّ رجماً بالحجارة ، لبضع جرائم زنى ، ومثلها فيما لا  يتجاوز عدد الأصابع ، قطعاً ليد سارق أو سارقة ، يعني  بكلام آخر ، أن المجتمعات الإسلامية ، عاشت مئات السنين  ـ وما زالت بنسبة عالية ـ نظيفة من كل أنواع الموبقات ، من مثل ما نسمع اليوم ونرى ونقرأ في شتى أجهزة الإعلام العالمية ، عن طوفان الجنس والشذوذ الجنسي ، وجميع أنواع الجرائم التي تحدث في وضح النهار  وتحت عين الشمس ، وعيون حكام العالم وقضاته ونسائهم والرجال ، وعيون أطفال .. العالم .

       أما الأطفال فمبرأون حتى يبلغوا سن التكليف أو حتى يدركوا  . .  ويتحمل الكبار المسؤولية ، أدبياً ومادياً .

       وما النظافـة والأمـن والعافية ،  والأخلاق   والشهامة والكرامة والفروسية ، التي رافقت المجتمعات الإسلامية وبنسبة ممتازة حتى أيامنا هذه ، إلا بنعمة الشرائع الإلـاـهية ، حيث أن المسلمين الأسوياء يحتكمون ويتحصنون نفسياً بهذه الشرائع ، ولا رقيب إلاّ الله ، وكفى بالله رقيباً  ..  وكفى بالله حسيباً ..

       أما المجرمون والشذاذ ، والذين في قلوبهم مرض ، فلهم تنفيذ العقوبات كما في النص الإلـاـهي ، ما دام لا ينفعهم ولا يردعهم لا الوعظ بالحسنى ولا النذير ولا العلاج ، ولا حتى الشرف الشخصي ، ولا شرف الأسرة ، ولا شرف المجتمع ،  فماذا ينفعهم ويردعهم إذن ؟ أما أن السبب ما دام هو الشهوانية الشريرة  المتهورة والأنانية والسفالة ومشتقاتها ، فلا ينفع معهم إلاّ البتر  أو الكي . عند ذلك فقط  ، سنرى ببساطة ، كيف ستسقط الأعذار الوهمية التي اخترعها لهم المخترعون .

       ثم ان في القسوة الظاهرية في التشريع الإلـاـهي ، رأفة باطنـة  بالأفراد والمجتمعات ، ومنهجية تربوية ، لم يستطع بعد أن يدركها  لا علماء النفس ، ولا علماء التربية  ولا علماء  الإجتماع ، لأن الغربيين  منهم ، يتعاملون معها بعداء  مسبق ، بسبب عدائهم أصلاً للإسلام ، أما الشرقيون منهم فعداؤهم كذلك، لكنما  هو نتيجة ضعف  الشخصية ، والتبعية ، والتلقين .

       والحقيقة أن هذه القسوة  المظنونة ،  ما  هي بنتائجها  إلاّ  رحمة للجنس  البشري كله . فالمجتمع  الإنساني السوي ، إنما هو  بمجموع أعضائه الأسوياء  من الناس ، تماماً ، كما الإنسان الفرد السوّي ، فلماذا يقبل ويرضى الطب النفسي ، والعضوي ، والفلسفات وكل وجوه الفكر الحضاري ، أن تستأصل  الكلية  الفاسدة  من جسم إنسان ما ، أو تبتر يده أو ساقه ، أو تقلع عينه ، أو يزال  قلبه ويوضع مكانه قلب كلب أو خنزير ، إذا أمكن . إلخ .. وذلك كله حتى يسلم سائر بدنه ، إذ أن عضوه الفاسد ، إذا  أبقي على فساده ، يسمم الجسم كله ويدمر صاحبه .

       كذلك المجتمعات  إذا  أبقت على  أعضائها  الفاسدين  الذين  يسممون المجتمع كله . فلماذا يقبل الفكر الإنساني والقوانين الوضعية بإستئصال  العضو الفاسد من جسم الإنسان لتسلم بقية أعضائه ، ولا تقبل أن يستأصل العضو الفاسد من جسم المجتمع ليسلم سائر أعضائه ، هذا المجتمع الذي أكثر ما تكون مسؤوليته في أعنـاق أولي الأمر، أي الحكماء والحكام . سواء كان فساد العضو الإجتماعي  شذوذاً جنسياً خاصاً أو عاماً ، أو كان تحت أي عنوان من  عناوين الجريمة والأمراض الإجتماعية ومسبباتها .

       وهنا ينبغي أخذ العلم ، بأن التشريعات الإلـاـهية للعقوبات والحـدود ، لها مقدمات جليلة ، مهمتها العلاج والتربية ، قبل الوقوع في ضرورة  وضع الحدود ، وبكلمة أخرى ، ان هذه المقدمات تركز تركيزاً أساسياً على الوقاية ، تحصناً بالإيمان ، وتحصناً بدين الله ، وبذلك تكون الحيلولة دون الوقوع في المنزلقات والإنحرافات والآفات .

       تلك هي التربية الصحيحة في أساسها الوقائي . فإذا حصل خلل ما ، فيتدبر بالعلاج ، بمحاولات جاهدة  لتقويم المعوج وتسديد المنحرف بشتى الوسائل التي تجعل من ضميره محكمة فاضلة ، مع الإشعار بمعنى تقوى الله ، والشرف والمروءة ، إلى غير ذلك من آفاق التسامي فكراً وخلقاً وسلوكاً .  فإذا لم ينفع ، لا الوقاية ولا العلاج ، فلا بد عنـدها ، وبالضرورة ، من  البتر أو الكي ..

       ثم إن  التشريع الإلـاـهي  للعقوبات  ـ  كما  فسرته عمليــاً السنّة المطهرة ـ يعتمد غالباً التلويح  بها أكثر من التنفيذ . حتى إذا وقعت الواقعة ، إما بالإقرار ـ دون إكراه حتى ولا إستدراج ـ غالباً ـ  ، أو بالإثبات اليقيني .. وما أصعب الإثبات اليقيني الشرعي ، الذي هو دائماً إلى جانب المتهم ، الذي يبقى في نظر القضاء الإسلامي  بريئاً حتى تثبت إدانته .

       أما ما نجده من القمعية ، والإستبدادية ، في الملاحقة والتوقيف ، والمحاكمات وإصدار  الأحكام ، من منطلقات غير دينية ، في بعض الحكومات التي هي مسلمة فقط في الدساتير، فتلك حكومات كذّابة ، ليست من الإسلام في شيء . بل عدوة الله وعدوة دينه الحنيف .

       والحكومات الإسلامية حقاً ، هي التي تطبق شرائع الله عز وجل ، هي التي تحكم بما أنزل الله  { .. وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمَا أنْزَلَ اللهُ فَأولَـاـئِكَ هُمُ الْكَـاـفِرُونَ .. فاُولَـاـئِكَ هُمُ الظَّـاـلِمُونَ .. فأولَـاـئِكَ هُمُ الْفَـاـسِقُونَ . سورة المائدة الآيات 44 ، 45 ، 47 } .

       ومن يحكم بما أنزل الله يعرف عبر حكومته ، أن التشريعات الإلـاـهية ، إنما هي  منهجية تربوية ، لن يستطيع الناس ولو عاشوا دهوراً فوق دهور ، وفوق ما تقدموا في شتى المجالات ، أن يأتوا بمثلها  ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . لأنهم بشر مخلوقون . وهذه المنهجية وضعها لهم ربهم خالقهم ، رب العالمين .

       لذلك كانت المجتمعات الإسلامية ، وما زالت ـ رغم فجور الإذاعات والتلفزة وجميع أجهزة الإعلام المتداولة ـ يحكمها الإيمان بالله ، والأخلاق الدينية  ، أكثر مما يحكمها القهر الإعلامي  ، والتوجيه الرسمي  ، إلى التهتك والعلمنة  والتفلت .. ثم إلى الهاوية .

المهم أن تبقى بعيدة عن النار .. بعيدة عن الهاوية .

       تلك هـي الغاية التي أرادها الله سبحانـه للمجتمعات  الموحِّدة ـ أي غير  المشركة ـ  المطيعة لله عز وجل ، العاملة  بتعاليمه  وشرائعه ، الحامدة  لنعمه وتوفيقه ، وفضله وعطاياه ، وصدق الله الحبيب ، قوله عز شأنه :

{.. لَئِن شَكَـرْتُم لأزيدَنَّكُـمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إنَّ عَذَابى لَشَديدٌ . سورة إبراهيم الآية 7 } .

       والشكر إنما يكون عملياً بالطاعة والجهادين ، الأكبر والأصغر، وحسن الظن بالله ، وحبه الحب الأعظم  ، ثم حب ما يحب الله، ومن يحبهم الله  ، وبغض ما يبغضه الله ، ومن يبغضهم الله ، والحفاظ على الشرف والفضائل كلها ، إضافة إلى الطهارتين : طهارة الباطن والظاهر . وتلك هي أجنحـة السعادة ، سعادة الدارين ، بقوادمها وخوافيها .

{ فَلاَ  تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أعْيُن ٍ جَزَآءً  بمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . سورة السجدة  الآية 17 } .

       وأما الكفر بالنعم ، إنما يكون بعدم الشكر لله ، ويكون عملياً بالمعاصي ، وبما حرّم من الشهوات ، وبالتفلت من شرف الإنسانية ، الذي شرعه الله ، فأبى أكثر  الناس إلاّ كفورا ، وأبى  أكثر الناس إلاّ فجورا ، وذلك هو الشقاء  المتصل الأبدي ، شقاء الدارين :

       وما ظلمهم الله  ولكن كانوا هم الظالمين .

       وأخيراً ينبغي أن نلفت ، إلى أن بعض التبريرات الوهمية للشذوذ بين المثلين ، أو الشذوذ عامة ، قد تكون صادرة فعلاً ، عن  منظرين ذوي شخصيات سوية ، وحسن نية ، إلاّ أنّ مثل هؤلاء  ،  إنما  ينظّرون  تحت كابوس المدارس  التقليدية  للفكر التجريبي المنفلت ، المفتقر إلى الموازين الإلـاـهية . وخاصة لوقوعهم تحت تأثير إيحاءات فكرية ، خططت لها ـ في معظمها ـ عصابات وبؤر الصهيونية العالمية ، بماسونيتها الشهيرة ، سابقاً ولاحقاً ، عبر جميع حقول المعرفة ، والمنابر  والأجهزة التي تمكنت من السيطرة عليها أو الإسهام فيها .

       ثم إن هذا الأمر لم يعد سراً ، بعدما كشفت منهجيتهم القائلة بوجوب إجتثاث جميع الشعوب غير الصهيونية ، وتدميرها بجميع الوسائل التي يتمكن منها خيال الجريمـة اليهودي ، وأبرزها إغراق المجتمعات  في الفقر والخلل الإقتصادي ، والديون والأمراض  والآفات ، وفي مقدمتها  حمّيات الجنس والشذوذ الجنسي ، وكل ذلك نفذوه ، وقد وصلوا فيه إلى الغاية القصوى ، في أوروبا وأميركا ،  وأكثر المجتمعات المسيحية  في العالم ،  حيث أوقدوا فيها نيران الجنس  النجسة .

       وقد حاولوا ذلك جاهدين ، في البلاد الإسلامية ، إلاّ أنهم باؤوا بالفشل  الذريع ، حيث صدّتهم البقية الباقية من دين الله ، في ضمائر الناس الطيبين ، وكانت لهم بالمرصاد .

       صحيح أنه في الوقت الذي تحترق فيه المجتمعات الغربية في تلك النيران الشيطانية ، لم تسلم من الإكتواء بها أو على الأقل بوهجها مجتمعات هذا الشرق .

       الا أن فضل الله العظيم ، بأن  جعل توحيده واللجوء إليه أولاً ، وجعل الدين الإسلامي وقرآنه وتشريعاته حصناً حصيناً دون جميع المهلكات ثانياً ، وبلاد المشرق بلاداً مباركة ثالثاً ، وإلاّ لكان شرقنا منذ زمن قد تصهين وتعلمن ، وكفر بالشرائع الإلـاـهية ، كما  تصهين الغرب وكفر وتعلمن .

إلاّ أنّ شيئاً واحداً  سيقلب  موازين  الطغاة المفسدين في الأرض ، وسيجعلهم  يتجرعون الحسرة والمرارة والندامة إلى أبد الآبدين ، هو حقيقة أن طابخ السم آكله ، هذه الحقيقة الماثلة في قول الله عز وجل  ووعده ووعيده :

{ الَّذينَ طَغَواْ فِي الْبلَـاـدِ . فَأكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب ٍ . إنَّ رَبَّكَ لَبالْمِرْصاد ِ . سورة الفجر الآيات 11 ـ 14 }

       بلى ، إنّ ربك لبالمرصاد .. للأفراد والجماعات ، ومجتمعات الحضارة البهيمية ، والأنظمة الجائرة . والمخيف المفزع في الأمر، لمن يخشى ، أو لا يخشى ..  هو في قوله تعالى : { سوط عذاب } ، أي عذاباً متصلاً  لا ينقطع  ، كما السـوط  ، ما يرفـع إلاّ ليهوى به ، في تعذيب مستمر ، يصل الدنيا بالآخرة .  إلاّ المُتّقِين فِي جَنَّاتٍ وَنعِيم ٍ.. والآخرة ليس لها نهاية ..  و { قُلْ انْتَظِرُوا  إنّا مُنْتَظِرُون }