سورة البروج

تفسير سورة
البروج
تحميل الصوت

بسم الله الرحمن الرحيم

        أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم . ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم . وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9} ﴾ .

هذه عشر آيات من اثنتين وعشرين آية مجموع آيات سورة البروج .

نعود إلى قوله تبارك وتعالى  في الآية الأولى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ثلاث آيات يُقسم بها الله جلََّ شأنه الأولى ببروج بالسماء ذات البروج وهي اثنا عشر برجاً معروفاً في السماء الدنيا وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وهو بالإجماع يوم القيامة وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ هذه الآية هذا القَسم اختُلِفَ فيه وذُكِرَ له ثمانية أقوال منها أنَّ الشاهد هو يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة والثاني أنَّ الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة والثالث أنَّ الشاهد محمد (ص) والمشهود يوم القيامة إلى آخر الأقوال ولكن نحن نقول بالأعم أنَّ الشاهد هو الله تبارك وتعالى بعزته وجلاله وأنَّ المشهود هو الكون كلّه لقوله كذلك هنا في الآية التاسعة كما سنرى وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ولقوله تبارك وتعالى : ﴿ … وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ سورة يونس الآية 61 ﴾ هذا بشكل عام ولو كان بالتخصيص أنَّ المشهود هو يوم القيامة .

 وبعد هذه الأقسام قوله عز وجل : قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ والأخدود حفرة تحفر في الأرض تفسّرها الآية الخامسة بعدها النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ويتّضح لنا أنها حفرة كبيرة خُدَّتْ في الأرض أو حُفرت في الأرض ووُضع فيها حطب كثير وأُشعلت فيها النيران وعُرض عليها فُتن عليها المؤمنون كما سنرى في القصة تصف  الأخدود وأصحاب الأخدود . أمّا هذه القصة فنريد أن نذكرها نذكر الحديث عنها مفصّلاً مع رواته ، روى مسلم في الصحيح عن هدية بن خالد عن حمّاد بن سلمة عن ثابت بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صُهيب عن رسول الله (ص) قال : كان ملك في من كان قبلكم له ساحر فلمّا مرض الساحر قال إني قد حضر أجلي فادفع إليَّ غلاماً أعلّمه السحر فدفع إليه غلاماً فكان يختلف إليه ، وبين الساحر والملك راهب فمرَّ الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمْره ، وكان يطيل عنده القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه وإذا أبطأ عن أهله ضربوه فشكى ذلك إلى الراهب وقال يا بنيَّ إذا استبطأك الساحر فقل حبسني أهلي وإذا استبطأك أهله فقل حبسني السحر فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة فقال اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب فأخذ حجراً وقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك فاقتل هذه الدابة فرمى فقتلها ومضى الناس فأخبر بذلك الراهب فقال : إي بنيَّ إنّك ستُبتلى وإذا ابتُليت فلا تدلَّ عليَّ قال : وجعل يداوي الناس ويبرىء الأكمه والأبرص بينما هو كذلك إذ عَمِيَ جليس للملك فأتاه وحمل إليه مالاً كثيراً وقال: اشفني ولك ما ها هنا قال : إني لا أشفي أحداً ولكن الله يشفي فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك قال فآمن ودعا الله له فشفاه فذهب فجلس إلى الملك فقال يا فلان من شفاك قال ربي قال أنا قال لا ربي وربك الله قال أَوَ أنَّ لك ربّاً غيري  قال نعم ربي وربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دلّه على الغلام فبعث إلى الغلام وقال لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص قال ما أشفي أحداً ولكن الله ربي يشفي قال أَوَ إنَّ لك ربّاً غيري قال نعم ربي وربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دلّه على الراهب ووضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقّين وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى فأرسل معه نفراً وقال سأضرب به جبل كذا وكذا فإذا رجع عن دينه وإلا فدغدغوه منه قال فَعَلَوْ به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون وجاء إلى الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله أرسل به مرةً أخرى قال انطلقوا به فَـلَجِّجوه في البحر فإن رجع وإلا فغرّقوه فانطلقوا به في قرقور والقرقور السفينة الطويلة فلما توسّطوا به البحر قال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فانكفأت بهم السفينة وجاء حتى قام بين يدي الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله ثم قال إنّك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به اجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس ثم بسم ربِّ الغلام فإنّك ستقتلني قال فجمع الناس وصلبه ثم أخذ سهماً من كنانته ووضعه على كبد القوس وقال بسم ربَّ الغلام ورمى ووقع السهم في صدره ومات فقال الناس آمنّا بربِّ الغلام وقيل له أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك آمن الناس فأمر بالاخدود فخددت على أفواه السكك ثم أضرمها ناراً فقال من رجع عن دينه فدعوه  ، أما من أبا فأقسمه فيها فجعلوا يقتحمونها وجاءت امراة بابن لها فقال لها يا امها اصبري انك على الحق ، وقال ابن المسيب كنا عند عمر ابن الخطاب اذ وردوا عليه انهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدره كلما مدت يده عادت الى صدرهفكتب عمر  ” واروه حيث وجدتموه ” هذه القصة كما ذكرنا رواية هي مروية في صحيح مسلم  وبالاسناد الذي ذكرنا وفي التفاسير روايات اخرى تحدث عن واقعة مشابهة لهذه وقعت في فارس واخرى في مصر والثالثة في اليمن ونقول ان كل هذه الرويات جداً معقولة وهي تاريخية ونزيد على ذلك أن الأمر بعد أن ذكر الله عزذ وجل هذه الأحداث التي جرت في تاريخ البشر والصراع بين أهل الكفر وأهل الإيمان لن يحصرها كذلك في الماضي وفيما حدثت عنه هذه الروايات وأنما “…. ”  الآيات التي في الصورة ولا سيما في قوله سبحانه وتعالى في الآية السابعة ( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) عن أصحاب الأخدود (إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد ) فقوله إذ هم عليها قعود هم قعود على جوانبها على أطرافها يشاهدون الذين يفتنونهم عن دينهم ويدفعونهم عن هذه النار وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ولم نقل وهم على ما فعلوا على أساس ان الرواية حصلت في الماضي والكلام هو تأريخي للحادثة فلو كان تأريخياً  للحادثة لكان قال وهم على ما فعلوا بالمؤمنين شهود ولكن يبدو لنا وبقوة أن الله قصد ما جرى في الماضي وما يجري حتى في الحاضر وما يجري في المستقبل أما في الحاضر فنحن نرى و بكل بساطة  ونحن بالقرن خامس عشر الهجري ونحن في العام 1425 هجرية  وفي القرن 21 الميلادي في السنة 2004 ميلادية نرى ما يفعل في  هذه الأيام عيناً بالمسلمين في أقطار الأرض إذ تحاصرهم أمريكا وحليفتها الصهيونية العالمية.