سورة الملك

تفسير سورة
الملك
تحميل الصوت

بسم الله الرحمن الرحيم

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الرحمن الرحيم  لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا سورة النساء الآية 166.

الآن اليوم تفسير سورة الملك بإذن الله تبارك وتعالى ونبدأ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم:  تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ فإلى هذهِ الآية الرابعة ثم  ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.

نعود إلى الآية الأولى قولهُ تبارك وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

تَبَارَكَ مثل سبحان الله، تبارك الله، أي بارك ذاتهُ بذاتهِ، لأنهُ الغنيُّ عن مخلوقاتهِ، لا يجوز أن نقول بارك فلان الله، وكذلك في قولنا سبحان الله، وهي من التنزيه، والبعض بشكلٍ عام، يقولون في معنى سبحان الله، أنك إذا قلت سبحان الله، تقول أُنزّهُ الله، تعني معنى أنزّهُ  الله، وليس للإنسان مقاماً أو منزلةً، مهما علا ومهما قرب من الله تبارك وتعالى، ليس لهُ أن ينزّه الله ولا لمخلوق، الله ينزّه ذاتهُ بذاتهِ، وكذلك يبارك ذاتهُ بذاتهِ، فأنت تقول بورك فلان، بارك الله فلاناً، بارك الله لك بكذا، اللهم بارك لنا بكذا، اللهم اغفر لنا، وتب علينا، وارحمنا، وبارك لنا بكذا وكذا، أما بالنسبة لعزة الله فلا تُستَعمل إلا هذهِ الكلمة تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ومعنى تبارك، تنزَّه وطهر، من أصل الطهارة التي هي أعلى نسبة في الفكر، وأعلى نسبة في الوجود، والتي لا تتناهى هي لله عز ّوجلَّ، الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ملك الكون وما فيه، ملك السماوات والارض، كلُّ ما هو موجود في الكون هو ملك لله تبارك وتعالى، والله محيط بهذا الكون، ولأنهُ محيط كما قال بكل شيء، الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ بقدرتهِ يدير هذا الملك، ويهيمن عليه، ويسيطر عليه، ولا يفوتهُ منه شيء، وهو على كل ّ شيء قدير، أمّا ما يملكهُ الناس، فهو المالك لما ملكَّهم سبحانهُ، وهو القادر على ما أقدرهم عليه وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  هذهِ الآية، هذهِ الوصلة من الكلام، كثيراً ما تتردد في هذا القرآن الكريم بأن ّالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يعجزهُ شيءٌ في السماوات ولا في الأرض إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (سورة يس الآية 82) وهذهِ من أعظم الميزات في الألوهة، ولاتكون لمخلوق ٍ أبدا، أن يكون أيُّ مخلوق ٍعلى كلِّ شيء ٍ قدير، هذهِ القدرة لله في الألوهة، والله لا إله إلا هو وحدهُ لاشريك لهُ، فهو وحدهُ على كلَّ شيء قدير.

       الَّذِي خَلَقَ هذه الآية الثانية الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الذي خلق الموت والحياة، وهذهِ الأمور من القضايا التي أعجزت الإنسان في عمر البشرية، وستبقى تعجزهُ إلى ما لا نهاية، وليس فقط إلى يوم القيامة، لأنه لا يستطيع أن يتحكّم بحياته، لأنهُ الموت، ولا يستطيع أن يتحكم حتى بـموتهِ بدون إذنٍ من الله تبارك وتعالى، وبدون قدرٍ وقضاء من الله عزَّ وجلَّ، الله قهر عبادهُ بالموت، فسبحان الذي قهر عبادهُ بالموت وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ما زال الإنسان يحاول بعلمه، وبعلمهِ الذي أصبح متطوراً جداً في هذا العصر، في شتى مجالات الحياة، يحاول أن يكتشف سرَّ الموت ليمنعهُ، ليتخلص منه، وليكتشف في نفس الوقت سرَّ الحياة، وسر الحياة أو شرارة الحياة كما عبرَّ عنها “دارون” طبعاً وهو أحد كبار علماء الأحياء، الذي أشتُهِر بنظرية النشوء والتطور، ونسب الإنسان إلى أنهُ كان قرداً وتطور، كما بقية بعض الأشياء التي كانت بدأت من الخلية البسيطة ثم َّ تطورت في مجال الإنسان، وفي مجال الحيوان، وفي مجال النبات، وأكثر من الكلام في هذا، وفي بعض الحالات كان كلامهُ متماسكاً وجيداً، ولكن كانت مجمل نظرياتهِ، ينطبق عليها ما يقال في علم المنطق، أنه إذا انطلق الإنسان من نقطة خطأ، يمكن أن يمر في التفاصيل في كلام صحيح وفي بعض الحقائق، ولكن لا بدَّ أن ينتهي إلى نتيجة خطأ، وهكذا كانت قضية “دارون”. ونختصر فنقول، لأنه ُبدأ من نقطة خطأ، مرَّ بمراحل جيدة في الكلام، وفي النظريات، وفي التفاصيل، ولكنه إنتهى إلى نتيجةٍ خطأ، وهو أقرّ بذلك، حيث توقف عند شرارة الحياة، هذهِ التي تحدثنا عنها والتي هي سر ُّ الحياة في الناس وفي بقية المخلوقات، وبقي يتساءل إلى أن مات ، ولكن من أين أتت شرارة الحياة؟ فإذا ًالله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أيها الناس وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. لِيَبْلُوَكُمْ ليمتحنكم، لينظر في سلوككم ، كيف تتصرفون، وكيف تفكرون، وكيف تكون أعمالكم في هذهِ الدنيا، هل هي في رضا الله وعملاً بتعاليمه، أم لا أنتم تعرضون عن الله، وعن آياتهِ، وعن كتابهِ، وعن أوامرهِ، فتشطحون، وتخسرون، وتوقعون أنفسكم أنتم في العذاب، وفي العذاب الأبدي، ولهذا تفصيل نتعرض لهُ إن شاء الله في سياق الكلام في تفسير بقية السور.

       فإذا ًلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا خلاصة هذه الآية هذه العبارة أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أيكم أحسن عقلا، لأنكمُ من كان أحسنكم عقلا، سيكون أحسنكم عملا، ومن كان بالنتيجة أحسن عقلا،ً لا بد ّأن يتوصل في عقلهِ الـمُكَمَّل، في عقلهِ الجيد، إلى أنّ من كان أحسن عقلا ًوأحسن عملا كان أحسن قولاً. وخلاصة الكلام في هذا قولهُ تبارك وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (سورة فصلت الآية 33) صدق الله العظيم. فإذاً، طبعاً هذه الآية في سورة أخرى من القرآن. فإذاً باختصار لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أيكم أحسن عقلاً وأيكم أحسن قولاً. فإذاً أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الإجابة على هذه الآية في قمة تفسيرها أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا هم الذين يدعون إلى الله وحده لا شريك لهُ، هم الدعاة إلى الله في كلّ زمان ٍومكان وإلى قيام الساعة وَهُوَ بقية الآية الثانية وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ القادر الذي لا يعجزهُ شيء، الذي لهُ مقام العزة الذي لايدانيهِ مقام، العزهِّ التي لا تنتهي ولا تدرك من المخلوقين، ومع هذه العزة، ومع هذا المجد، ومع هذا الجبروت، ومع هذه ِالقدرة، التي لا تتناهى، ولا تُحاول، ولا تُطاول، فمع كل هذهِ العظائم التي هي لله، فهو غفور، وهو رحمان، وهو رحيم، يغفر الذنوب للعصاة من خلقهِ، إذا هم استغفروا، وما خلق الغفران وما خلق الله الغفران إلا ليغفر لكم، ليغفر للخَطَأة من عباده، إذا هم تابوا التوبة النصوح، أو إذا هم استغفروا الله تبارك وتعالى، نادمين، متراجعين عن خطئهم، لاجئين إليه وحده ُلاشريك لهُ.

       الآية الثالثة قولهُ تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ.

       فإذاً قولهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا يعني سماء فوق سماء فوق سماء، فبطبيعة الحال، تحت كل ّ سماء أرض، أو فوق كل أرض سماء، سماؤنا الدنيا هذهِ تظل ُّ أرضنا الدنيا، ثم السماء الثانية تظلُّ الأرض الثانية، ثم السماء الثالثة تظلُّ الأرض الثالثة، وهكذا، وفي النص القرآني: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (سورة الطلاق الآية 12) أي سبع أراضين. وهكذا، طبعاً في المنقول المعقول أنهُ سبع سماوات طباقاً، سماء فوق سماء وكذلك تحت سماء ٍ أرض، وينبغي عقلا وهندسة،ً وهو الذي علم الهندسة، علم الإنسان ما يعلم، واحتفظ لنفسه بالأجلّ الأعظم من العلم، الذي لا يستطيع أن يدركهُ بشر، ولا مخلوق من المخلوقين، فجعل السماء الدنيا، جعل الأرض الدنيا أصغر الأراضين، والسماء الدنيا أصغر السماوات، ثمَّ الأرض الثانية أكبر منها، فالسماء الثانية أكبر من السماء الأولى، وهكذا حتى السماء السابعة. فما أعظم اتساع هذا الكون! ومع ذلك، مع اتساع هذا الكون في مجال السماوات والأرض، يبقى العرش، ويبقى ما فوق العرش، ما هي امتدادات العرش؟ يبقى ما يحيّر العقول، ويحيّر الألباب وإذا كانت السماء الدنيا حيَّرت عقول العلماء، وأتعبت أرقامهم، حيث يقول علماء الفلك اليوم، وقد تقدم علم الفلك بشكل ٍ مدهش، وبشكل ٍمذهل، بناء ًعلى المراصد الهائلة الضخمة، التي يشترك فيها عدة دول، وليس دولة واحدة من الدول الكبرى، ومع ذلك يقولون أنهم لم يبلغوا حدود السماء الدنيا، ويقولون كلّما اكتشفوا شيئا ًفي السماء الدنيا: “هذه حدود الكون المرئي”. هذه العبارة يستعملها العلماء علماء الفلك، كلمَّا اكتشفوا شيئا ًجديداً، نوراً جديداً، أجساماً جديدة، مجراتٍ جديدة، يقولون اكتشفناها في حدود الكون المرئي، لأن بقية الكون عندهم غير مرئي وكل عملهم لا ننسَ هذه الملاحظة العلماء يعتبرون الكون المرئي هو ما تحت السماء الدنيا، هم لا يعرفون شيئا ًعما فوق السماء الدنيا، ولا عن السماء الثانية، ولا عن بقية السماوات والأراضين، فشغلهم رغم تقدمهم الهائل في علومهم شغلهم محصور،ٌ وعلومهم محصورة،ٌ ما تحت السماء الدنيا، وهم محتارون في حدود هذه السماء، هل لها حدود أم ليس لها حدود.

       فإذاً الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا طبق فوق طبق مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ هذه العبارة مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ما ترى فيه من زيادة ولا نقصان في هندسة الخلق، في هندسة السماوات والأرض، ولا ترى أي ثغرة من الثغرات فَارْجِعِ الْبَصَرَ حاول في ترجيع البصر، راقب، استعرض، ادرس بالأرقام، وبالعلم، وبالأجهزة، وبالأدمغة فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ هل ترى من إنشقاقات “الفطور” الإنشقاق فــــ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ طبعاً عن ارْجِعِ الْبَصَرَ ما زال الإنسان منذ بداية البشرية، ومنذ انفتاحها على العلم، يدرس في السماء، ويدرس في الفلك، ويدرس في عامة الكون المرئي، ما يصل إليه نظرهُ وعلمه من الكون، فما يجد في السماء من فطور، ما يجد فيها من ثغرات، ولا يجد فيها من انشقاقات ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ هذا الأمر، لا يجد فيها من فطور في عمر البشرية، وصولاً إلى عصرنا هذا، ونحن في العام 2003 للميلاد والقرن الخامس عشر الهجري، فظلَّت البشرية، ظلَّ الناس ينظرون إلى السماء، ويتعاملون معها بكل وسائلهم، فلا يجدون فيها من فطور، وهي حتماً كانت كذلك، حتى وقعت واقعة هذه الآية الرابعة قولهُ سبجانه ُوتعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ أما القول الآخر، فهو أن ّجملة هذه الإنشقاقات، النظر إلى جملة هذه الإنشقاقات، إنشقاقات الأوزون، في سمائنا هذه الدنيا، هي كرَّة واحدة للبصر، ينظر إليها الناس فينقلب بصرهم خاسئاً وهو حسير، كما تقول التقارير العلمية المتتالية، وقد عُقدت لهذه الإنشقاقات والغيوم الحرارية التي نتجت عنها بشكلٍ عام، وبشكل ٍأولي، بخلاف ما أُدّعِيَ من تراكم ثاني أوكسيد الكربون، ولو كان تراكم أوكسيد الكربون، يزيد في حرارة الغيوم الحرارية، ويزيد في إضطرابات المناخ، ولكن الأساس هذه الفتوحات أو الإنشقاقات، إنشقاقات الأوزون، فقلنا النظر إلى جملة هذه الإنشقاقات في المعنى الثاني هو كرة َّ واحدة، أما الكرّة الثانية فستكون إبّان قيام الساعة وذلك في قوله تبارك وتعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ وهذه الآيات في سورة الرحمن تبارك وتعالى وجلت عظمتهُ. فإذا أصبح واضحاً تأويل ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.

       ثمَّ يقول الله تبارك وتعالى في الآية الخامسة: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ، وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ،  تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ، كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ،  فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ، إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.

       هذه من الآية الخامسة حتى الآية الثانية عشرة فنعود إلى الآية الخامسة إلى قوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ قولهُ عزَّ وجلَّ :إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ واضح أنها هذه الكواكب، وهذه الشموس، والأقمار، ومعلوم أنَّهُ في عصرنا هذا لم تعد الشمس شمساً واحدة، وأصبحت لفظة شمس في القرآن إسم جنس، تشمل ملايين بل مليارات الشموس التي في المجرات، والتي تحت سمائنا هذه الدنيا، مجموع هذه الشموس، ومجموع الأقمار، وكذلك لم يعد القمر قمراً واحداً، وهناك عشرات من الأقمار، تُرى، وتُصور، وتُعرض في الأجهزة، وعلى التلفاز، وأعتقد أن أكثر الناس إن لم يكن جميعهم يرون ذلك ويعلمون ذلك، وبالضرورة أن يعلموا وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ فلهذهِ المصابيح التي في السماء، مهمتان إثنتان: المهمة الأولى هي الإضاءة، الوظيفة الأولى، لهذهِ المصابيح، الشموس، والأقمار، وجملة الكواكب، والنجوم، هي الإضاءة، طبعاً الإضاءة على درجات، قرب هذهِ النجوم وبعدها عنا، والمهمة الثانية أو الوظيفة الثانية، أنها رجومٌ للشياطين، تُقذف بها الشياطين، تُرجم بها الشياطين، من الذين يحاولون أن يسترقوا السمع من مقاعد في السماء الدنيا، كانوا يقعدون فيها قبل بعثة محمد (ص)، أما وقد بُعث محمد، فقد مُلِئَتْ  السماء حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، كما يقول الله عزَّ وجلَّ في مكان آخر في هذا القرآن الكريم، فإذا وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ للشياطين وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ هيأنا لهم، أعددنا لهم عذاب السعير، عذاب جهنمّ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كذلك عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وبئس ما يصيرون إليه، شياطين كانوا أو بشرا إِذَا أُلْقُوا فِيهَا الآية السابعة قولهُ تبارك وتعالى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا أي في جهنم سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ نعوذ بالله من هذا المشهد، ومن هذهِ المعاني، الشهيق في التنفس كما هو معلوم ضد الزفير، أنت تأخذ نفساً سريعاً، ترى مشهداً مفاجئاً فتشهق، وذلك أخذ النفس السريع فتشهق، ويسمى ذلك شهيقاً، فإذا ألقوا في جهنم سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ من الفوران، كما يفور الماء الغالي في القِدر على النار، يتقلب، وينفث الحرارة والبخار، فهذا المشهد المفزع وأكثر من هذا قولهُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ وأكثر من ذلك تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ تميَّز تكاد تتشقق، تكاد تتمزق من الغيظ، نار الجحيم، أو جحيم النار كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ تميزهم مِنَ الْغَيْظِ من الغضب، من الغضب من أهل الكفر، من الغضب من أهل الجحود، من الغضب من أهل الشرك، من الغضب من أهل النفاق. لماذا؟ لأنَّهُ حتى هذهِ النار تفهم، تدرك أنَّهُ من أوجب الواجبات، توحيد الله، وتوقير الله، وتعظيم الله، وعبادة الله، وطاعة الله عزَّ وجلَّ. فلذلك هذهِ النار تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى فأعود إلى جحيم النار، أنها تكاد تميز من الغيظ، النار تغضب، سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ واضح أما تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ هي مغتاظة، هي غاضبة، فإذا ًهي مدركة، فإذا هي تعقل، وقد قلنا في أكثر من مكان في تفسيرنا للقرآن المجيد هذا، في بعض ما فسرَّنا، أنّ الأشياء لاشكَّ أبداً أنها تدرك ذكر الله عزَّ وجلَّ، وفي أكثر من آية وأبرزها قولهُ تبارك وتعالى:”وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ في السماوات والأرض إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ والتسبيح، إنما يكون عن تعقل نسبي، وعن إدراك نسبي، كما يسبح الطير، كذلك يسبح الإنسان بإدراك أكبر، وكما يسبح الطير، كذلك يسبح النبات بإدراك أدنى، وهكذا، حتى الجمادات، لها نسبة من الإدراك تسبح بها الله تبارك وتعالى. وتسبيح الله ناتج ٌعن تعظيمه، وتعظيمهٌ ناتجٌ عن توحيده، وعن قدرته التي لا تحد. فإذا كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ألم يأتكم رسولٌ من عند الله؟ ألم يأتكم من يخوفكم بهذا العذاب الأبدي؟ وبنار الجحيم وبحريقها وبأهوالها؟ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ قد جاءنا من ينذرنا، قد جاءنا من يخبرنا، قد جاءنا من يخوفنا فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ أيها الـمُنذِرون إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ الآية التاسعة. فإذاً قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ وتقديرها يا أيها المرسلون أو يا أيها المنذرون وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ الآية العاشرة وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ قال هؤلاء الكفرة، وهؤلاء المشركون والمنافقون، قالوا لو كنّا نسمع كلام الله، لو كنّا نسمع آيات الله في كتابه الكريم، ووعده ووعيده، أو كنا نفكر بها، نعقل ونفكر بها، نتأمل في آيات الله في القرآن، وفي آيات الله في الكون، لو كنا نسمع الحق، ونداءات الحق، أو نعقل، نفكرُ في الحقائق الكبرى التي بين أيدينا مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ لما كنَّا من أهل النار.

       فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ الآية الحادية عشرة فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ اعترفوا في الآخرة، وواضحَ بقوة أن اعترافهم هذا لا ينفعهم في شيء فيقول الله عزَّ وجلَّ: فَسُحْقًا لهم “السحق” البعد، البعد الكبير تقول “في هوّة سحيقة” في هوَّة عميقة، تكاد تكون ليس لها قرار فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ لأصحاب النار.

       إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ الآية الثانية عشرة في مقابل هؤلاء، في مقابل أصحاب السعير، أصحاب النار، في مقابل عذابهم، في مقابل أبديتهم، في مقابل هذا العذاب، يقول عزَّ وجلَّ:  إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ تبارك الله لهُ الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، ما أكرمهُ! إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وهم لم يروه، ويخشون الآخرة، ونار الآخرة وعذاب الآخرة، يخشون كلَّ ذلك، وهم لم يروا شيئاً من الآخرة الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وعن وعده ووعيدهِ تبارك وتعالى، في كثير ممّا لا يراه البشر، وإنما هم على يقين ٍ بالله، وعلى تصديق ٍبما يقول الله عزَّ وجلّ، وعلى يقين من وعده ووعيده، فهؤلاء يخشون ربّـهم بالغيب، ولهم من ربـهم مغفرة على ذنوبـهم، ومن ينجو من الذنوب، حتى رسول الله (ص) أمره الله عزَّ وجلَّ أن إستغفر لذنبك وللمؤمنين، ووعدهُ أن يغفر لهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ أجر عظيم من عطاءات الله، ومن كرم الله في الدنيا والأخرة لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ في الدنيا، وفي الأخرة، وإن كانت عطاءات الآخرة أعظم وأجلُّ وأكبر من عطاءات الدنيا.

       وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ الآية الثالثة عشرة وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أيها الناس، أيها الخلق وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أُكتموا أقوالكم، أو أعلنوها، أسروها بالصوت الخافت الهامس أو بالصوت العالي الجهوري وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يعلم ما يخفى وما يعلن، ويعلم أكثر من هذا، يعلم كلّ فكرة تدور في صدوركم قبل أن تظهر في قولٍ أو عمل، وذلك معنى قوله تبارك وتعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

       أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ الآية الرابعة عشرة أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فيها قولان متداخلان ألا يعلم الله من خلق، ألا يعلم  الذين خلقهم الله، فهي في موقع المفعول به أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ألا يعلم الذين خلق، والقول الآخر ألا يعلم من خلق، وهي راجعة إلى الله عزَّ وجلَّ، ألا يعلم الذي خلق، ألا يعلم الخالق، والتضمين ألا يعلم الخالق ما خلق وهو اللطيف الخبير.

       هُوَ الَّذِي جَعَلَ لكم الآية الخامسة عشرة هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الله تبارك وتعالى جعل لكم هذه الأرض ذَلُولًا مطواعة فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا فامشوا في أنحائها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ من ما تنبت الأرض، ومما تعطيكم الأنعام، ومن كلِّ شيء خلقه الله عزّ وجل من الطيبات وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وإليه الرجوع،  وإليه البعث بعد الموت يوم القيامة.

       أَأَمِنْتُمْ الآية السادسة عشرة أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ الآية السابعة عشرة. وقوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ من في السماء، من يأمره الله عزَّ وجلَّ من ملائكته أن يخسف الأرض بالناس، كما فعل الملائكة يوم أمرهم الله بتدمير”سادوم” مدائن لوط(ع)، ولا يجوز أن نقول أنّ الله في السماء وحدها، الله في كلّ مكان، هو كما قال تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (سورة الزخرف الآية 84).

وقوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ.

تَمُورُ تهتز، تتموَّج كموج البحار أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا الحاصب: القاذف، تقول حصبت فلاناً بحصى أو بحصيَّة أي قذفتهُ بها، فالحصب: الرجم بالحجارة أو ما يشبه الحجارة، وما عند الله أشياء رهيبة، ذكرها في بعض آياتهِ عن من أبادهم من الأمم ومن الشعوب، ومن عذبـهم في الدنيا قبل تعذيبهم في الأخرة أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ كَيْفَ نَذِيرِ كيف وعيدي،كيف تخويفي، كيف تعذيبـي فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ الكلام لرسول الله محمد(ص)، والكلام لكل مسلم، والكلام لكل قارئ ٍ للقرآن، والكلام لكل إنسان وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من قبل هؤلاء الذين عذّبـهم الله فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فكيف كان نذيرِ قبلها تُحذف الياء للتخفيف وكذلك في قوله فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ حُذفت الياء لذلك فالنكير الإنكار.

       أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ الآية التاسعة عشره من سورة الملك، يعدّد آياته، ويذكّر الناس بعظمتهِ وقدرتهِ على الخلق أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ أنواع الطير التي تصفُّ أجنحتها بدون رفيف وَيَقْبِضْنَ فتارة ًيطرن بأجنحة مصفوفة دون تحريكها، وتارة ً يحـــــركنها وذلك يسمى رفيف الطير، فصفيف الطير ورفيفهُ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ والمعنى أنَّهُ علّم الطير الطيران بأجنحة، إما صفيفاً وإما دفيفاً ورفيفاً مَا يُمْسِكُهُنَّ في الأجواء العالية إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ إنهُ يرى ما تفعل الطير ويرى ما يفعل جميع خلقهِ.

       أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ الآية العشرون أَمَّنْ هَذَا الَّذِي من كان عندهم من الناس جند، ملوكا ً كانوا أو رؤساء، في حروب مع أعداء ٍلهم، فالفريقان المتحاربان إذا كانوا أولو جند، إذا كان لهم جند، إذا كان عندهم جيوش ٌفمن ينصرهم من دون الرحمن إذا أراد بهم الهزيمة، أو أذا أراد بهم الإبادة، إذا أراد أن يبيدهم، والمعنى الأخر هو في التحدي أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ ما هي القوة التي عندكم تجندونـها لتنتصروا بها من دون الرحمن؟ لا يستطيع أحدُ أن ينتصر بنفسه، ولا أن ينتصر بجنده، ولا أن ينتصر بقوة من القوى الموجودة في الأرض أو في السماء إذا لم ينصرهُ الله عزَّ وجلَّ، ولا يستطيع بقوة من هذه القوى أن يتحصّن من الله جلتَّ عظمتهُ.

إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ إن هنا النافية ما الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ إذا أمسك الله غيث السماء، إذا أمسك الله المطر، هذا غير الرزق في العلم، وغير الرزق في مجال الأنفس، وغير الرزق في الهداية، وفي أنواع  الهداية، وفي النصر، وفي أنواع النصر، إذا أمسك الله مطر السماء عن أهل الأرض فتجف الأنهار، فتجف الينابيع، وتتبخر مياه البحار، ويـــــيـــــبس الزرع، ويجف الضرع في الحيوان، ولا يبقى شيء قابلا ً للحياة على وجه الأرض، وكل شيء ييبس، وكل شيء يعطش، وكل شيء بالنهاية  يموت بما فيه الإنسان والحيوان أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ إن أمسك الله رزقه، أمسك مطر السماء وغير مطر السماء بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ لجوا: ألحّوا وتجاوزوا حدودهم، وزادوا في كفرهم، وزادوا في انفلاتـهم، وزادوا في نفاقهم، وزادوا في لعبهم، زادوا في لهوهم ، وعتوهم وتشددٍ ونفورٍ من آيات الله ونفور من تعاليم الله.

       أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى يا أيها الناس، هؤلاء يمشون مكبّون على وجوهم، لا يتطلعون إلى ما فوقهم من آيات الله، ومن السماء التي جعل فيها الله الأعاجيب، أعاجيب الآيات، فلا يتفكرون في ما حولهم، ولا يتأملون، فيمشون مكبين على وجوههم. فيقول جلت عظمته: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ على صراط الله الذي هو الخط المستقيم الذي لاعوج فيه، والذي يوصل إلى هداية الله وإلى رحمته ِ ورضاه ورضوانه.

       قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ تصوروا، ليتصور أحدكم أن يكون بلا سمع، لا يسمع، وأن يكون بلا بصر، لا يرى، أن يكون بلا قلب، لا يفقه، ولا يحس، ولا يشعر، فمن الذي أعطاه السمع؟ وخلق لهُ البصر؟ وخلق له القلب الذي به يفهم وبه يحس ويشعر وبه تدور دورتهُ الدموية منه ويخفق في صدره؟ ِألا ينبغي على جميع هذهِ النعم الشكر لله، والحمد لله على نعمةٍ واحدة منها، على نعمة السمع وحدها، وعلى نعمة البصر وحدها، وعلى القلب وحدهُ، وعلى بقية الجوارح، كلَّ جارحة بمفردها ينبغي الشكر لله عزَّ وجلَّ وتبارك وتعالى. وينبغي له الحمد الذي لا ينقطع فكيف على جميع هذه العطاءات وعلى جميع هذه النعم قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الله هو الَّذي ذَرَأَكُم فِي الأرض، خلقكم ونشركم فيها، ثم َّ يـميتكم، ثم َّ إليه تحشرون، تبعثون يوم القيامة يوم الحساب.

       وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ متى هذا الحساب ومتى القيامة؟ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ الآية الخامسة والعشرين قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ قل يا رسول الله يا محمد، وقل يا قارئ القرآن، يا أيها الموقن بالله وبرسوله وبكتابه وباليوم الأخر قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أصل الكلام لرسول الله، الخطاب لرسول الله  محمد (ص)، ثم َّ لكل داعيةٍ إلى الله تبارك وتعالى يدعوا إلى الله ذاكراً وعدهُ ووعيدهُ فهو نذيرٌ من المنذِرين.

       فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً  زُلْفَةً قريباً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا سيئت وجوههم، ظهر في وجوهم الإستياء والكراهية والخوف سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ هذا الذي كنتم به تنكرون كنتم تنكرونهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً الآية السابعة والعشرين.

       ثم ّالآية الثامنة والعشرين قولهُ عز َّوجلَّ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قل يا محمد يا رسول الله صلوات الله عليك، وقل يا قارىء القرآن، يا أيها الموقن بالله وبكتابه وبما أنزل قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ من الأتباع، ومن المؤمنين بما آمنت به، أهلكنا الله إن أماتنا أو رحمنا، أماتنا بالإهلاك، أو رحمنا بأن مدَّ لنا من العمر على رضى ورضوان منه ومصيرنا في كل الحالين إلى رحمة الله وإلى رضوانه، فإذا أماتنا الله أو رحمنا بأن مدَّ لنا العمر فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ من يحميهم من عذاب الله ومن قضاء الله عليهم بالعذاب في الدنيا والأخرة قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا هو الله الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا آمنا من أعماقنا، وآمنا بعقولنا، وآمنا بقلوبنا، وآمنا بأبصارنا، وآمنا بسمعنا، وآمنا بكل جوارحنا وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وعلى الله توكلنا، جعلناه واتخذناه وكيلا ًعنا في أمورنا.

       فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الآية التاسعة والعشرين فَسَتَعْلَمُونَ يوم القيامة ويوم الحساب ويوم الكشف فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ واضح وفي انحراف ٍوفي كفر ٍوفي بعد عن الله وعن تعاليم الله واضح.

       قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا الآية الأخيرة الآية الثلاثون قُلْ أَرَأَيْتُمْ أيها الناس إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا أيها الكفار أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ وهذه الآية من الآيات المهمة جداً بالنسبة لهذا العصر، من الآيات التي تؤول ربطاً بهذا العصر، وقد أصبح الحديث عن المياه حديثاً كثيراً في حاجات الدول إلى المياه، وفي صراعها القريب الذي سيكون من أجل المياه، لشح المياه من جهة، ولزيادة الخلق في الأرض من جهة ثانية، وكثرة استهلاك المياه، ولحكمة عند الله عزَّ وجلَّ بأن يبتلي البشرية في هذا العصر وبهذا البلاء، فقل يا رسول الله وقل أيها المؤمن الموقن أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا إن نضُبَ هذا الماء، إن جفَّ هذا الماء، إن غوّرهُ الله في الأرض فلا تستطيعون لهُ طلبا ًولا تستطيعون لهُ إدراكا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ بماءٍ عذب ٍظاهرٍ على الأرض، ظاهر ٍللعيان، فمن يستطيع أن يأتي بهذا غير الله جلَّت عظمتهُ وعزَّت قدرتهُ ولهُ الحمد على نعمه ما ظهر منها وما بطن، لهُ الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. اللهم سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت اغفر لنا وتب علينا وارحمنا إنك أنت التواب الغفور الرحيم .