رسالة إلى قرَّاء العزاء وخطباء عاشوراء * :
إيـاكــم…
بسم الله الرحمن الرحيم .
بسم الله وبالله و { .. الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ . سورة النمل الآية 59 } { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَءِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ . سورة النمل الآية 62}
وبعد ، أخي في الله قارىء العزاء ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قبل أن أبدأ بجوهر الموضوع ، أحب أن أنبه إلى أني بعد حرصي على توحيد الله وحرصي على مضامين كتابه ، تراني ولعلي أشد حرصاً من أي إنسان في الدنيا على إقامة المجالس الحسينية وعلى إحياء ذكرى عاشوراء وما فيها من الوقائع الكربلائية . لأسباب كثيرة قد لا يتسع لها كتاب واحد . من أبرزها قناعتي بأن عاشوراء هي من نعم الله العظمى على الإنسانية جمعاء ، لتتعلم منها رفض الظلم والانفة والعنفوان ودروس البطولة والفداء والتضحيات في سبيل الله ، فتكون بعد التوحيد واللجوء إلى الله والتوكل عليه وحده سبحانه ، من أسرار ثبات المؤمنين المظلومين وانتصاراتهم على جميع أنواع الطواغيت ، فيما تبقى من عمر البشرية وإلى قيام الساعة ، والآن نبدأ بجوهر الموضوع وحسبنا الله ونعم الوكيل :
كنت أسعى ـ منذ صباي ـ في العشر الأول من كل محرم ، لأستمع إليكم وإلى أمثالكم ، تدفعني محبة ما زالت تكبر معي، أختزنها للبطولات الرائعة التي أستعرضها بين كتاب أقرأه أو خطيب أسمعه ، ولا سيما بطولة سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) وأخيه العباس ، وكذلك بقية أفذاذ الفدائيين الكربلائيين . ولكنني في هذه الأيام ، بعد أن كبرت وعقلت ، وآتاني الله سبحانه من لدنه علماً ، أسعى لسماعكم ويدي على قلبي ، شأني مع أكثر قراء العزاء ، خشية أن يكون القارىء غير خالص لله ، فيكون خطراً أو مرضاً من جملة الأخطار والأمراض و مسببي الدمار لهذه الأمة ، ويرتفع على أكتاف الجهلة، ويرتفع سعيداً ، إنما كلاحس المبرد .
ففي هذه الأيام ، أستمع إليكم ، وأنظر إلى الجمهور ، فتبرز أمامي ، وبقوة الواقع ، هذه الصورة الحية : خطيب متخصص بإقامة العزاء ، متعمم أو غير متعمم ، رشيق الحركة ، ساحر الكلمة ، يتحدث بصوت شجي ، عن أغلى وأحب وأهم ما في نفوس وقلوب الجماهير ، ليس هو الله كما هو مفروض ، إنما هو الحسين بن علي وعامة أهل بيت النبوة عليهم السلام . فهم الأحب على الإطلاق ، وذلك بخلاف قول الله عز وجل : { .. وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ .. . سورة البقرة الآية 165} . بل هم قد جاوزوا قوله تبارك وتعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ .. . سورة البقرة الآية 165 } . فسبحانه يقول: { .. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ .. } وقومنا يحبونهم أكثر مما يحبون الله ، هذا إذا كانوا يحبون الله أو يفكرون بحبه أو يعرفون كيف يحب سبحانه وتعالى عما يشركون .
أنا أحب الحسين (ع) حباً عظيماً ، ولكني أحب الله الحب الأعظم . فهل أنتم أيها القراء الأعزاء هكذا ؟ وهل تقولون للناس هذه الضرورة وتنبهونهم إلى هذا الأساس ؟ وأنت أيها المستمع الكريم ، وبشرفك هل تفطن إلى وجوب هذا التفريق بين الحب الأعظم لله سبحانه ، الذي لا إلـٰه إلاَّ هو ، وبين حب الحسين وغير الحسين (ع) ؟
أما من جهة ثانية ، أي بخصوص الجمهور ، فتراه أبداً كأنما هو مشدود إلى ساحر أو إلى إلـٰه صغير ، يتحدث إليهم عن إلـٰه كبير ، عن إلـٰه ليس بشراً كمحمَّد (ص) الذي ركز القرآن على بشريته ، وإنما عن إلـٰه نوراني ، غدوا لا يستطيعون أن يقلدوه في بطولته ولا في فدائه ، ولا في حبه لربه ، ولا في جهاده في سبيل الله سبحانه . فكان الذي ارتسم في أذهانهم وتربيتهم هو خلاف المطلوب ، والمطلوب ، هو العمل بقول الله عز وجل : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ .. . سورة الكهف الآية 110 } قل يا محمَّد، وطبعاً يا آل بيت محمَّد ، صلوات الله عليهم . ثم قوله سبحانه : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .. . سورة آل عمران الآية 31 } يعني من البديهيات أن يكون حبكم الأعظم هو لله عز وجل ـ ومع ذلك ، أي مع كونكم تحبون الله ، فليس بالضرورة أن يحبكم الله ، فلكي يحبكم سبحانه ، فاتبعوا محمَّداً (ص) في حبه لربه وتفانيه في سبيله . وهذا خطاب هو كذلك لأهل البيت ، كما هو لعامة الناس .
أما أهل البيت عليهم السلام فقد اتبعوا محمَّداً في حبه لربه وتفانيه في سبيله ، فبقي علينا نحن أن نتبع محمَّداً وأهل البيت في حبهم لربهم وتفانيهم في سبيله ، فأين نحن ـ عبر مجالس العزاء ـ من هذه الحقيقة ؟!
إذا أردنا الإجابة مختصرة مع الحجة الدامغة ، فلنستعرض كلمات ( اللطميات ) التي نسمعها منكم ـ وضمن إهتمامي بما وهبكم الله ، وإنطلاقاً من خالص محبتي ـ فإني لأربأ بكم أن تقفوا على المنابر بعد مجالسكم الوقورة ، لتقودوا صبية في ( لطمية ) دائماً أو غالباً لا يكون فيها أي ذكر لله تبارك وتعالى . والمطلوب ، كما عن القرآن وكما عن محمَّد وآل بيته ، أن يكون محور الذكر كله هو الله سبحانه . قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. . سورة آل عمران الآيات ( 190 ـ 191 ) } .
ثم تصعد المواقف ، حيث يأخذ الشباب ، وبحكم التقليد والتوارث ، يضربون أنفسهم أمامكم ضرباً شديداً ، كأنما هو إنتقام من أنفسهم ، لا أدري لماذا ينتقمون من أنفسهم ، ولا أحد يدري ، إذ المعروف أن يكون الإنتقام من أعداء الله المتربصين كما في أيام الحسين (ع) كذلك في هذه الأيام ، وفي ذلك حجة بالغة على من عاين أوضاعنا أو ألقى السمع وهو شهيد ـ ونحن من الشهداء غداً امام الله ـ سواء كان في جنوب لبنان أو جنوب العراق . فإلى أين نحن ماضون في التعامل مع غير الله ، ونحن الذين يجب أن يقرع سمعنا أكثر من غيرنا قوله تبارك وتعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ .. . سورة آل عمران الآية 160 } . فالنبي والإمام وجبرائيل ، لا ينصرون أحداً ولا يخذلون أحداً ، إذ أن الخطاب في الآية يعمهم كما يعم جميع خلق الله . بدلالة أن محمَّداً (ص) جرح جرحاً بليغاً في ( أحد ) وكسرت رباعيته . وعلي عليه السلام ناله كثيراً من الجراح ، وكانت الفتنة التي أمضته لدرجة تكاد تساوي بوطأتها علينا وطأة كربلاء أو تزيد ، والحسين عليه السلام ، ما رأينا في وقائع الطف المفجعة : فلا الحسين (ع) أحب أو اراد لنفسه ولصحبه تلك الفجيعة ، ولا علي (ع) إستطاع أن يضبط مسار الحرب في ( صفين ) كما يتمنى هو ويحب . ولا محمَّد (ص) تمكن أن يدفع عن نفسه الجـراح أو الأذى الشديد الذي لحقه في ( أُحد) وفي غير أُحد ، يعني بإختصار ، أن هؤلاء الأخيار الأبرار الملهمين ، الذين جعلهم الله للناس قادة وقدوات ، ما داموا لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم ما يكرهون . فهم من البديهي لا يستطيعون أن يدفعوا عن غيرهم شراً ولا ضراً ، ولا أن يؤمنوا لغيرهم كفاية ولا نصراً . بل الله عز وجل هو القاهر فوق عباده ، فوق جميع عباده ، وهو المهيمن وهو المرجع وهو الملجأ ، قوله تعالى لرسوله محمَّد (ص) : {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا .. . سورة الجن الآية 22 } . والملتحد في اللغة هو الملجأ ، فلا ملجأ إلاَّ الله . ووجب على محمَّد (ص) أن يلجأ إليه سبحانه فلجأ ، ووجب على علي (ع) أن يلجأ إليه عز وجل فلجأ ، ووجب على الحسين (ع) أن يلجأ إليه عزت عظمته فلجأ ، وغيرهم وغيرهم من الأنبياء والأئمة وأولياء الله الصالحين . فألجأهم جميعاً إليه لا إلـٰه إلاَّ هو ، ونصرهم جميعاً ، كلاً بطريقة أو بمعنى من المعاني العالية السامية التي لا يجادل فيها من أوتي إيماناً راسخاً وفهماً وعلماً . وبقي علينا نحن أن نلجأ إليه سبحانه لا أن نلجأ إلى غيره ، أن نلجأ إليه وحده لا شريك له . لأننا إذا لجأنا إليه نأمن البوائق . هكذا علمنا سبحانه ، وبذلك أمرنا : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ .. سورة الذاريات ( 50 ـ 51) } .
ولذلك نلفت نظركم إلى المقدمة التي تقولونها متوارثة قارئاً عن قارىء ، وأظن أنكم لا تلتفتون إلى معانيها ـ ولقد تفاداها بعض النيرين الورعين منكم بعد أن أُلفتوا إليها ـ وهي عبارة ” فاز من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم ” . أما القسم الأول : فاز من تمسك بكم ، فكلام صحيح ، لا سيما إذا أكملت بناء على الحديث المشهور : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) . فتكمل العبارة : فاز من تمسك بكتاب الله وبكم . أما مقولة : وأمن من لجأ إليكم ، فمردودة بالنصوص القرآنية ، إذ لا ملجأ إلاَّ إلى الله : { .. وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا … سورة الجن 22 } وقوله تعالى : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ .. . سورة التوبة الآية 118 } وظنوا هنا بمعنى أيقنوا .
وهذه الآية نزلت وكان محمَّد (ص) بين ظهرانيهم ، فلم يلجأوا إلى محمَّد (ص) ، لأنه علمهم أن يلجأوا إلى الله وحده، ولم يكن بإستطاعة محمَّد (ص) أن يفعل لهم شيئاً بل انتظروا وانتظروا حتى تاب الله عليهم ليتوبوا ..
ولقد رأينا على الأرض ، وكأنما هي إنذارات وتحديات لنا من الله عز وجل : في جنوب لبنان ، وفي العراق ، وأخيراً في إيران. ففي لبنان ترى الشيعة لو أنهم أطاعوا الله مؤمنين ، موحدين ، متقين ، متخلصين من رواسب الشرك ، لما طال إبتلاؤهم الذي هم فيه تحت القصف وعبر الفتن فيما بينهم ، وفي مواجهة لؤم وشراسة أعدائهم في إسرائيل وغير إسرائيل وذلك كله بعد أن أعطاهم الله سبحانه معجزة أن يهزموا إسرائيل بين سنة 82 و85 ويجبروها على الإنسحاب تحت ضرباتهم الموجعة ، ثم زادهم ما لم يكن في الحسبان ومما أدهش العالم القريب والبعيد بأن نصرهم نصراً مؤزراً عل الجيش الذي قيل بأنه لا يقهر ، جيش الصهاينة ، فأزالوهم واقتلعوهم من جنوبهم الحبيب ، من جبل عامل ذلك لأن يومها كان تعاملهم مع الله وحده ـ والله أكبر ـ إذ كان حصادهم في سبيل الله وحده كما أمر هو سبحانه في قرآنه الكريم ] .
وفي العراق ، هل نقف أمام حكاية غزالة لجأت إلى قبر أمير المؤمنين (ع) فعصيت على هارون الرشيد ، ولا نقف أمام شعب كامل في جنوب العراق ، هم الشيعة ، إذ لجأوا إلى المقامات الشريفة ، بما فيها مقام أمير المؤمنين (ع) ، فكانت النتيجة أن وقعوا بين قصف صدام وقصف أميركا وأحلافها ، وتوافق الفريقان على سحق هؤلاء الذين إسمهم الشيعة ، وما زالوا ـ أي الشيعة ـ ممزقين ومشتتين وملاحقين بالكلاب الآدمية والبوليسية . فهل يا ترى إذا كان اللجوء إلى رب العالمين وحده ، كما أمر هو سبحانه ، هل كنا وصلنا إلى هذه النتائج وهذه الأحوال ؟ حتى ولو كانت الصورة الجديدة اليوم في نجاحهم بالإنتخابات صورة خداعة إلاَّ أنه من الواضح جداً أنهم ما زالوا تحت مظلة عدوهم المستعمر وفي قبضته وتحت رحمته بدون سيادة ولا حرية ولا إستقلال . الأمل بالله عز وجل أن يهدي قلوبهم إلى توحيده والى التنكر لعدوهم وإقتلاعه من بلادهم كما فعل أبطال جبل عامل بعدوهم الإسرائيلي الذي كان جاثماً على بلادهم .
وفي إيران الحبيبة حيث تعقد عليها آمال المسلمين الحقيقيين ، الخبر الذي كان بمناسبة من مناسبات عاشوراء ، من أن قنبلة فجرت في مشهد الإمام الرضا عليه السلام ، فقتلت وجرحت العشرات ، وروعت الزائرين واللاجئين إلى المقام الشريف .
فهل يتفضل قراء العزاء ، ويسردون هذه الحقائق على الناس ، فينالوا بذلك رضا الله سبحانه ، ويرفعوا العوام من المنزلة التي قالها فيهم أمير المؤمنين (ع) فيكون ذلك بديلاً عن السحر الأسود والإثارة وموسيقى اللطميات .
وعلى هذا كله ـ أين نحن من قول الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . سورة الأعراف الآية 96 } فأما أن يكون هؤلاء الناس مؤمنين متقين، ومع ذلك يقصفون ويقتلون وتدمر عليهم قراهم ومنازلهم كما في العراق ولبنان والمقامات التي في العراق وإيران ، ويكون على هذا الأساس في القرآن خطأ ، ومعاذ الله من ذلك : { .. وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ . سورة فصلت الآيات (41 ـ 42 ) } ، واما ، وهي الحقيقة ، أن في إيمان الناس خلل ، وفي تقواهم مطاعن ، وفي لجوئهم لغير الله ، وذكرهم لغير الله ، وتوجهاتهم لغير الله إشكالات . فلذلك هم مصاديق سلبية لقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا ءَالِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُون. سورة الأحقاف الآيات ( 27 ـ 28 ) } وفي هذه الاية زلزال يكفي لإيقاظ الغافلين ، والذين جنحوا أو يجنحون بعيداً عن التعبد لرب العزَّة وحده لا شريك له . هو سبحانه إستخرج في هذه الاية زعم فريق كبير من الناس ، عندما يواجهون بحقيقة أنهم يتعبدون للأنبياء أو للأئمة أو للأولياء ، فينكرون تأليههم ويزعمون أنهم عندما يدعونهم ويستغيثون بهم ويستنصرونهم وينادونهم ، إنما يتقربون بذلك إلى الله ، فكانت النتيجة أنهم ضلوا عن أئمتهم وأوليائهم واستحقوا غضب الله فدمر عليهم تدميراً .
خصصتكم بهذه الكتابة ، لما رأيت من تأثير قراء العزاء على العوام من الجماهير ، ولما رأيته من قدرة مشاهير هؤلاء القراء على بسطاء الناس الذين يأخذون كلام القارىء وكأنه وحي منزل من لدن الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولما لمسته من تأثيركم أنتم بشكل أخص على شريحة عريضة من هذا المجتمع ، للأسباب التي ذكرتها آنفاً ، ولأسباب أخرى فيها طبيعة المحازبة ومزاجية المحازبين ، مما يزيد الأمر تعلقاً بكم وبطريقتكم وبأسمائكم وأشكالكم ، وتأثراً تصبح معه مضامين كلامكم عقيدة ، أخشى ما يخشى منها أن تصبح يوماً تحت عنوان تعدد الآلهـٰة .
وإياكم أن تستغربوا هذا التقدير ، لأن أقواماً سبقونا في هذا المضمار ، بعد أن مروا مع بعض أنبيائهم عليهم السلام ، بما مررنا به وما زلنا نمر فيه مع الأئمة الأطهارعليهم السلام . فهم أجمعوا على ألوهة في بعض أنبيائهم هؤلاء ، وإن كانوا يختلفون على نسبة ومقدار هذه الألوهة . إذ أن منهم من يقول أنها كلية ، ومنهم من يقول أنها جزئية . واعتقاد الألوهة في بشر أو أي مخلوق مما خلق الله ، هو عندنا دخول في الشرك : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء … سورة النساء الآيات 48 و 116 } ونحن نقترب جداً من هذه ( البيزنطيات ) ، والعدو محدق بنا من كل جانب ، وكتاب الله يدوي في آذاننا : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ .. . سورة المائدة الآية 55 } فنحذف كلمة ( الله) ونحذف ( رسوله) ، ويبقى الولاء عندنا فقط للذين آمنوا . وتدوي الآية الثانية : { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ .. . سورة الحشر الآية 19 } والثالثة : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ . سورة آل عمران الآية 160 } . وتدوي كذلك الآية الرابعة … والسابعة … والسبعون… هذا إذا كنتم تقرأون القرآن وتتدبرونه والحقيقة أنكم تهتمون بالرواية أكثر من الآية ، ولو كان واضع الرواية ابن المغيرة ، الذي لعنه الإمام جعفر الصادق (ع) لأنه أدخل في حديثنا خمسة الآف حديث ونيف . هذا عدا ألوف الأحاديث التي أدخلها غيره على مدى التاريخ من اليهود والزنادقة وعامة الوضاعين .
وعلى سبيل المثال ، فإنكم مثلاً تتناقلون تفسير قوله لآية : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . سورة التوبة الآية 32 } إعتماداً على الرواية أكثر من الإعتماد على القرآن الكريم ، وهو الأوجب كمصدر أول للإستنباط ، وكذلك تتناقلون معتمدين على غير القرآن في حكاية النور الذي قبل الخليقة . فتقعون في المحظور والمحظور جداً حيث تعتبرون أهل البيت (ع) هم وحدهم نور الله المراد في الآية : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ .. } وفي النص القرآني الصريح أن القرآن نور : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا . سورة النساء الآية 174 } وقد تذكرون بعض أقوال المفسرين ، وهذا حسن ، وإنما ترجحون وبدون مرجح ، أن تكون الحقيقة هي التي قالها سعيد بن جبير وحدها ، من أن المقصود بنور الله في الآية الكريمة هم محمَّد وآل بيته (ع) . وعندما تبلغون إلى هذا الحد من التفسير ، ينفجر الجمهور فرحاً بما يريد الله ، فمجموع تلك الإعتبارات ، وفي مقدمتها القرآن وهو الثقل الأكبر ، وآل بيت محمَّد عليهم السلام هم الثقل الأصغر . ثم إذا كان محمَّد وآل بيته (ع) خلقوا قبل الخليقة من نور الله ، فما شأن إبراهيم وآل بيت إبراهيم ، ومن أي شيء خلقوا ، ومتى خلقوا ، وماذا نفعل بقول الله عز وجل لمحمَّد (ص) : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . سورة الأنعام الآية 161 } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جزء من نص طويل حول الموضوع .