عِلمُ الله  تعالى … بين المشيئة والتقدير والقضاء.

بسم الله الرحمن الرحيم

عِلمُ الله  تعالى … بين المشيئة والتقدير والقضاء.

قال الله تبارك وتعالى :

   ﴿ مَّا أَصَابَكَ  مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا  أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِـكَ وَأَرْسَلْنَـاكَ  لِلنَّاسِ رَسُولاً … سورة النساء الآية 79

      شاء الله  … ثم قدَّر … ثم قضى .

وبين المشيئة والتقدير والقضاء تداخل ، فإذا سبقت المشيئة والتقدير ، لم يقع القضاء إلا متلبساً بالعلم  والعكس صحيح. فالعلم لا يكون جزماً وحسماً اذا لم يكن مشفوعاً بالقدر والمشيئة ، والقضاء لا يقع إلا بعد حصول العلم . يعني لا يقع القضاء بعد المشيئة ولا يقع بعد التقدير . لذلك لا  يجوز القول أن الله تعالى علم منذ الأزل  من هم أهل الجنة ومن هم أهل النار .

فالله جل شأنه شاء لآدم القوم جميعاً أن يكونوا من أهل الجنة . بدليل قوله تعالى : ﴿ … يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ… سورة البقرة ، الآية 35 ﴾ فعصى الذين عصَوا في النشأة الأولى هذه ، فلم  يحكم عليهم بعذاب النار . بل قدّر  لهم التوبة وأعطاهم حرية الإختيار بقوله تعالى : ﴿  قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى . سورة طه الآيات (123 – 126 )   فهذه الآيات لم تحسم أمر من يكون من الناس من أهل الجنة  ومن يكون من أهل النار ، وهذا بعكس ما يدّعي بعض الأدعياء أن الله جل شأنه  خلق خلقاً للنار مهما عبدوه وأطاعوه سيدخلهم النار وخلق خلقاً للجنة حتى لو كفروا وفجروا سيدخلهم الجنة ، وهذا مخالفٌ للعقل ومخالفٌ للعدل ، والله الحليم الكريم لا يُـتّهَم بحكمته  ولا برحمته ولا بعدله  : ﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيد . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ … سورة البروج ـ الآيات ( 12 – 16) ، ﴿.. صَدَقَ اللّهُ ..﴾،  ﴿ .. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً . سورة النساء الآية 122 ﴾ .

قال أحد الائمة الأطهار : من ضبط هذا الكلام عن حكم الله تعالى في الناس كان من أحسن الناس عقلاً .

” الله تعالى خلق الناس وهو المالك لما ملّكهم ، وهو القادر على ما أقدرهم عليه ، فمن ائتمر بطاعته سعد في الدارين ، ومن أوشك  أن يعصيه وشاء الله  أن يحول بينه  وبين المعصية فعل، لعلم الله به ،  وإن لم يشأ سبحانه  وقع العبد في المعصية ﴿… وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ . سورة فصلت الآية 62 ﴾ ، ﴿ … وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ  . سورة الأنعام الآية 62 ﴾ . له المجد وله الحمد .”

     وعن المشيئة فالتقدير فالعلم فالقضاء على مستوى الناس  ، كذلك هو الأمر على مستوى الأكوان . فقد كان الله ولم يكن شيء فخلق الله كل شيء : شاء فقدّر فقضى .

     وقضى  فقدّر فشاء وقدّر فشاء فقضى . وتداخل عنده الأزل في الأبد ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . سورة الأنبياء الآية 23 وقد يكون قد تطاولَ كل عنصرٍ من عناصر الخلق : المشيئة والتقدير والقضاء ، ملايين السنين طرداً وعكساً ، كما في الإنسان كذلك في الأكوان : قال تبارك وتعالى :

     (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .  فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ  . سورة فصلت الآيات ( 9 – 12) ﴾ .