البدايات

ما شئت أن أتصوَّفا

بل شاء لي ربي اعتزالاً عجباً

عن البشرْ

ما كان لي رأيٌ ولا من خططٍ

ولا نظرْ

         *****

وجدت نفسي هارباً

من بلدةٍ كأنما تقصف بالحجارة

وآية تدفعني

وآية ترفعني

وآيةٌ .. وآيةٌ ..

أصبحت لا أختارُ

بل تمسكني

إرادة شفافةٌ

بعد امتحاناتٍ

بأن من قضائها المكنونِ

ما سوف يقالُ ويُرى …

ظاهره العرفان والتصوّفُ          

          *****

مخدَّرا في ظاهري كنتُ

فلا الأهلُ ولا الناسُ

ولا السؤال عن غدي

حتى ولا الماضي

ولا ما كان في يدي

جميع هذه الأشياءْ

في ظاهري وخاطري

كانت تطير في الهواءْ

أو ربما تسبح كالأسماك والمرجان

في أقصى عباب الماءْ

أما داخلي

فكان يمتدُّ ويمتدُّ ارتفاعاً

صاعداً فوق السماءْ

          *****

كنت أرى الحقائق الكبرى

بعينيَّ:

رأيت قلبي في البدايات

من الداخل مفتوحاً كبيراً

وأنا أتلو كمن يقرأ في داخله

السَّبع المثاني

وانجلت تبدو حروف النور

خطت كتبت في دفَّتيهِ

الله قد أكتبني من نورهِ

أولَ ما أكتبني السَّبعَ المثاني

ماذا يقول العلماءْ

لم يحسموا

بل زعموا

فاتحة الكتاب والسبعَ الطوالْ

وغير هذا زعموا …

هم جهلوا …

ولا أقول ضلوا أو عَموا

ففاقد الأشياء لن يعطيها

والله حين قالها:

﴿ سبعاً من المثاني ﴾

جعلها حكراً على

رسله والأنبيا

وقد يتيح بعضها لعالم رباني.

          *****

ذلك في اليقظة كان:

عن سطح ذاك البيت

وجدت نفسي صاعداً

نحو السماءْ

بقامتي (في حالة الوقوف)

وعِمتي وجبتي البيضاءْ

رأيت أني صرت

فوق الشمس والنجومِ

ثم في ذاك الفضاء الرحب ِ

قد زُوِّجتُ شيئا ما

بحجم إنسان سديميٍّ بلا أطرافْ

أو قلْ مبهم الأوصاف

بعدها عرفتُ

أنها نفسي التي

في الملكوتِ

كل إنسان له في

الملكوت نفس مثلها

لا يستطيع دونها الصعودُ

إذ بها يخلد في النعيمِ

أو بها يُخزى

ويستقر في الجحيم.

          *****

هذا صعودي المرة الأولى

ولا أذكر (إذ أستذكر الآياتِ)

أين كانت نقطة الوصولْ

          *****

ومرة ثانية لكنها

أعجب منها بكثيرْ

أوصلني ربي بها للذارياتِ

حول بيته المعمورِ

إذ أطلقني

أطوف حولَهُ

في كل دورةٍ يوقفني

دون إرادتي

يوقفني

عند مقام إبراهيمَ

ثم حينما أتممتُ

سبع دوراتٍ

وكنت ساجداً فيها على مصلاي

رأيت نفسي واقفاً

عند المقامِ

بل أوقفني

ولم أكن أدري ولا أعرفُ

ما يَفعلُ بي

وفجأة وجدتني (في حالة الوقوف)

صاعداً عبر السماواتِ

وفوق السابعهْ

أردت أن أسجد شاكراً ربي

فما أمهلني …

ومثلما ينطلق الشهاب عالياً

أطلقني نوراً

شهابا

كاشفا عني غطائي

هي هذي مرتي الأولى

التي فيها رأيت

مَلكيَّ التابعينِ

مثل طفلين جميلين

وكل منهما طول ذراع

حلَّقا خلفي

امتداداً للشهاب

وهنا كان لتهليلي

ارتفاعٌ وامتداد:

لا إله إلا الله

لا إله إلا الله …

وتسارعتُ ومثل البرق أصبحت

بذياك الفضاء

ثم آتانيَ ربي:

أنني صرت بعليين

عندها أدركتُ أين كانت

غاية الوصولْ

ذاك في اليقظة كان.