هـذا الكتـاب
هذا الكتاب ( دعوة إلى الله ) ليس موجهاً للمسلمين فقط ، وإنما كما هو ظاهر من عنوانه ، إلى جميع العقلاء من بني البشر ، بقطع النظر عن أديانهم ومللهم وأجناسهم وألوانهم .
ولأن الله سبحانه وتعالى ، وهو رب العالمين ، وخالق الخلق ، وباسـط الرزق ، والمحي المميت ، ومالك الملك بلا شريك ولا منازع ، ولا ظهير ولا مساعد ، فمن البديهي أن يكون المدعوون إليـه على الصعيـد الإنساني هم جميـع بني الإنسـان .
ولأن هذا الكتاب ( دعوة إلى الله ) ، هو موجّه لجميع الأخوة في الإنسانية بدون أي استثناء ، على اختلاف شرائعهم ونظمهم الحياتية وعاداتهم وتقاليدهم ، فهو لن يتعرض للتشريع ولا للشرائع لا من قريب ولا من بعيد ، وإنما هو سيكون دعوة إلى الإيمان بالله ، بقدرته وإحاطته وهيمنته على الكون جملة وتفصيلاً ، وإلى تعميق هذا الإيمان وصولاً إلى أعلـى درجـات اليقين ، وبذلك يعرف التوحيد ، وعظمة التوحيد ، وأزلية التوحيد وسرمديته .
فإذا فهم الإنسان كل ذلك ، بصفاء ويقينية ، أحبّ الله الحب الأعظم ، وإذا ملأ قلبه بهذا الحب لم يعد لأي مخلوق مكان يحتله في هذا القلب القدسي ،ولا لأي شأن من شؤون الدنيا وحتى من شؤون الآخرة ، يغدو القلب كله لله وبالله وفي الله ، لله مملوكاً ، وبالله قائماً ، وفي الله مملوءاً ومغموساً بنوره نور النور .
والمرء مجبـول على طاعة من يحـب ، ومجبول على أن يفدِّيه بأعـز ما يملك ، بروحه وبنفسـه وببدنـه ، فإذا فعل كان الله بعزتـه هو العوض وهل أعظم من ذلك وهل أروع ، وهل أبهـى وهل أجمـل ؟!
وهكذا يصل الإنسان مرتفعاً إلى منازل القرب من الله جلّ جلاله ، يرتقيها منـزلةً منـزلة ، مروراً لا بد منه ، مروراً اضطرارياً بالطاعات والإبتلاءَات ، طاعة من يحب وخضوعاً لامتحان بعد امتحان ودروس ودروس ، وعبر ، كل ذلك في رعاية وعنايـة من يحـب ، الحبيب الأعظم ، مالك الملك ، ذي الجلال والإكرام .
فإذا صلح المجتمع البشري ، المجتمع العالمي برمته ، كان هو المطلوب : استجابة جميع البشر حاكمين ومحكومين ، لأحكام الله وتعاليم الله ، التي هي أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً لمصلحة البشرية أفراداً ومجتمعات .
وإذا لم يستجب المجتمع العالمي ، نظاماً واحتكاماً ، لعـزة الله ، ولرحمتـه وحبـه ، فإن ذلك لن يضير المحبيـن ، الصالحين ، الأصفيـاء الأنقيـاء شيئـاً.
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } و {.. كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } .
والحمد لله رب العالمين ، عليه توكلت وإليه أنبت ، وهو حسبي وإليه المصـير .
عبد الكـريم آل شمس الدين
لبنان ـ جبل عامل ـ عربصاليم