مفهـوم الولايـة

 2

دعوة إلى الله

مفهـوم الولايـة

الإضاءات الكاشفة الثانية

من اختار الدنيا لن يفهم الله

 

أولاً : معنى الولاية في اللغة :

        كلمتا ( ولاية ) و ( ولاء )  بمعنى واحد ، وهما مصدران من ولي الشيء  يليه ، إذا لزمه ، أو توجه إليه ، أو تبعه فكان إلى جانبه ، قبله أو بعده ، وفي جملة  مشتقات هذا الفعل  ، ( والٍ ) وهو صاحب السلطان ، و ( مولى ) و ( وليّ ) بتشديد الياء  ، وهما كذلك بمعنىً واحد ، وكل واحدة منهما تحمل معنى التابع والمتبوع ، ولا يعرف معناها إلاَّ بالقرينة . فنقول  : الله عزّ وجل مولانا وولينا ، وفلان الذي من أولياء الله مولاك ووليك . وتقول أنا ولايتي  لله وولائي ، وأنا وليُّ الله  ، والعبد الرقيق مولى سيده وسيده مولاه ، وفلان وليّ الشيطان  أو مولاه ، والشيطان وليُّه أو مولاه … وولَّى وتولَّى  ومشتقاتـهما لهما معانٍ كثيرة غير ما ذكرنا تعرف بالقرائن .

        الوَلاية : مصدر وَلِيَ  . ـ  : النصرة  ” الناس عليه ولاية ”  مجتمعون لنصرته  في خير أو شر . ـ  :  القرابة  والنسب  .

        الوِلاية : مصدر وَلِيَ  . ـ  السلطة والإمارة . ـ : البلاد التي يحكمها الوالي . ـ  في القانون : إدارة شؤون القصر أو المحجور عليهم .

        والىَ موالاةً  وولاءً ( ولي ) بين الأمريـن : تابع . ـ الشيء تابعه . ـ فلاناً :  صادقه وصافاه وناصره وحاباه .

        الوالي : صـاحب السلطة . وكانت رتبة  إدارية  في  بعض  البلدان . هذا   بإيجاز عن ( لسان العرب ـ لابن منظور ) و ( الكافي ـ معجم عربي حديث ) .

ثانياً : معنى الولاية في القرآن :

        أن تفهم الله سبحانه ، يعني  أن تمشي  في الضوء  ، لا في عتمة  ، ولا في ليل بـهيم . وقد تترقى  في مطارح  النور درجة درجة ، تصل معها إلى سعادة متصلة بمناخات السماوات وما فوق السماوات .

        فكيف تتلافى الظلام ، وتبدأ  في فجر  ينتهي بك إلى نور النور  والجمال المطلق ؟ فمعنا في هذه الإضاءات  ، ولا قوة  إلاَّ بالله الحليم  الكريم .

        قال الله تبارك وتعالى :

       { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } . [ 41 : العنكبوت ] .

        لكي نفهم  مضمون الآية الكريمة هذه ، وبعد أن استعرضنا المعنى اللغوي للولاية ، ينبغي أن نحاول الإحاطة  بمعاني الولاء والولاية في القرآن الكريم ، وعلى هذا الأساس  ، نجد أن الولاية  في الحقيقة على ثلاث درجات :

الدرجة الأولى  :

       وهي العليا بداية ونهاية ، هي درجة الإختيار لله ، رباً ومالكاً مملكاً ، وهي  مرجع الأصول  والفروع ، حيث تصدر عنها لترجع إليها تكاليف الولاء  لأهل الحق من عباد الله الصالحين .

        ولإظهار  الأهمية المطلقة ، لهذه الدرجة  العليا والنهائية فقد أنزل الله سبحانه ،  وتحت طائلة الكفر والتخليد  في العذاب ، مؤكِّداً في سبعين (1) آية قرآنية ،  وجوب الرجوع  بالولاء ، في النهاية ،  إليه وحده سبحانه ، لإمكان التوصل  إلى الكمـال الإنساني ، والإنعتـاق ، وروعة الحرية في  أنوار قـربه ، وظلال رحمته ، وحده لا شريك له ، ولا مساعد ولا معاضـد ، ولا تمليـك ولا 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)رقم عربي _قرآني يدل على الكثرة .

تفويض من دونه لأحد من جميع خلقه . فالملك ملكه ، والحكم حكمه ،  وهو وحـده الحـي القيوم ، السميع البصير ، القاهر القادر المهيمن ، المتفـرد  بالكبرياء والعظمـة ،والجود والجبروت وهو وحده أهل التقوى والمغفرة ، وأهل العفو والرحمة ، وله وحده الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، في السماوات والأرض  وهو العزيز الحكيم .

        ولأن الموضوع  ، هو أخطر المواضيع ، إذ تترتب عليه ، مصائر  الأفراد والجماعات ، والأمم والشعوب ، وذلك في عمر البشرية ، والتاريخ الراهن  والآتي ، ويوميات الإنسان ، حتى ودقائقه وجزئيات ثوانيه ، رأينا لزاماً علينا حشد  هذه الآيات الكريمة ، الناصة على الولاء المطلق لرب العالمين . لنقارنها من حيث  مضامينها وعددها بالآيات التي تنص على الولاء  لأولياء الله بأمر الله ، فلم نجد إلاَّ آية  وحيدة فريدة ، هي المشهورة  في سورة المائدة ، قوله تبارك وتعالى  :

       { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . [ ( 55 ـ 56 ) : المائدة ] .

        أما الآيات التي توجب الولاء أو الولاية ، في النهاية ، لرب السماوات والأرض  ومن فيهما ومن بينهما ، وحده ، بدون  شرك ولا تفويض ولا التباس ، والتي أنزلها الله عزَّ وجل إلى عباده ، ليتدبروها ، وليتفكروا  بها  عميقاً ، وليلزموا بها أنفسهم  إلزاماً تعبدياً تحت طائلة  المسؤولية المصيرية ، حيث يقول سبحانه :

       { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . [ ( 82 ـ 84 ) : النمل ]  .

        وهذه هي آيات الولاية لله الذي لا إلـه إلاَّ هو وحده لا شريك له : قال سبحانه وتعالى :

       {.. قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ  كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ . إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ . وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }.[ (195ـ197) : الأعراف ].

        وقال سبحانه وتعالى :

       { .. وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } . [ 11 : الرعد ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } . [ 155 : الأعراف ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ . لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . [ (126 ـ

127) : الأنعام ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } . [ 122 : آل عمران ] .

        وقال سبحانه وتعالى على لسان يوسف عليه السلام :

       { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدّنُْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } . [ 101 : يوسف ] .

        وقال سبحانه وتعالى :{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } . [ 3 : الأعراف ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }. [ (62ـ65) : يونس ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } . [ (112 ـ 113) : هود ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } .[16 :الرعد[  

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا . الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا . أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا . قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا .الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } . [ ( 100 ـ 104 ) : الكهف ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن  نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا . فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . [ (17 ـ 19 ) : الفرقان ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار } . [ 3 :  الزمر ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ }] 6:الشورى[

       { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ }.[ 9 : الشورى ] .

       { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ . وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ . مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }.[ 6-11 الجاثية[  

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا . وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا . هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } . [ (42 ـ 44 ) : الكهف  ] .

        وقال سبحانه وتعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . [ 107 : البقرة ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } . [ 37 : الرعد ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } . [ 111 : الإسراء ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       {  قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } . [ 26 : الكهف ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } . [ 22 : العنكبوت ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } .

[ 4 : آلـم  السجدة  ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

        { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ . أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. [ (8ـ9) :

الشورى ] .

       { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } . [ 28 :  الشورى ] .

       { وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ .. } . [ 44 : الشورى ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { .. قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . [ 120 : البقرة ] .

       { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . [ 257 : البقرة ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين } . [ 68 : آل عمران ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . [ 51 : الأنعام ] .

       { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } . [ 70 : الأنعام ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

{ .. فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.[ 74: التوبة].

 

 

{ إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . [ 116 : التوبة ] .

وقال سبحانه وتعالى :

{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ  } . [ 19 : الجاثية ] .

وقال سبحانه وتعالى :

{ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا}.[ 45: النساء ] .

{ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا } . [ 123 : النساء ] .

{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} . [ 173 : النساء ] .

وقال سبحانه وتعالى :

{ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } . [ 14 : الأنعام ] .

        وقال سبحانه وتعالى :

       { ..  مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}  [ 17 : الكهف ] .

الدرجة الثانية :

      درجة الإئتمام أو الإنقياد أو الإقتداء ، ويكون الولاء فيها للقادة الكبار والزعماء على مستويي الحق والباطل ، وذلك كما يلي :

 

 

أولاً : الولاء على مستوى الحق :

       قال الله عزَّ وجل :

       { إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . [ ( 55 ـ 56 ) : المائدة ] .

        هذه الآية  دارت حولها معارك فكرية ، ربما كانت في زمن مضى أكثر من ضرورية . وذلك بين شيعة قالوا إن متعلق قوله تعالى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، هو الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ، وآخرين اجتهدوا في أن يحولوها عن هذه الخصوصية .

        وقد رافقت هذه الآية ساسة الأمة وسياستها طيلة ما يسمى بالعصر  الراشدي ، ثم العصر الأموي  ، ثم العباسي . ولا سيما  في عهود الشيعة الزيدية الذين يقولون بأئمة خمسة ، ثم الشيعة الإسماعيلية الذين يقولون بسبعة أئمة ، ثم الشيعة الإثني عشرية الذين يقولون بإثني عشر إماماً . يقابل هؤلاء جميعاً ، شطر الأمة الآخر ، الذين أنكروا على الشيعة  دعاواهم ، كما أنكر عليهم الشيعة أساس الخلافة منذ وفاة رسول الله (ص) ومشكلة السقيفة ، قائلين بحق الخلافة فقط لعلي بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعده . وقد ملأت احتجاجات الجانبين ، كتباً ومجلدات تزخر بها المكتبة الإسلامية  لتاريخه . كما أن أقلاماً كثيرة ما زالت بين الحين والحين تتصدى لهذا الموضوع  الحساس والتاريخي .

        إلاَّ أنه بعيد سقوط الأمة في هوة التراجع عن موقعها الحضاري والقيادي للعالم ، ولا سيما بعد انقراض الدولة العباسية ، ثم تشرذمها في دويلات ، ثم تباعد هذه الدويلات فيما بعد عن الدين  موزعةً في قوميات عرقية ما أنزل الله بها من سلطان  ، حصل الفراغ عند الفريقين المشكلين شطري الأمة .

        فالشيعة ، بعد انقضاء عصور أئمتهم ، ما زالوا ينتظرون المهدي المنتظر الذي يقولون بحياته وغيبته .

        والسنة  ما زالوا ينتظرون  المهدي المنتظر الذي يقولون بولادته في عصر ظهوره .

        وظاهر أن الإجماع على المبدأ هو دلالة قوية جداً على صحة  الوعد الذي وعد رسول الله (ص) به أمته .

        إلاَّ أن  هذه الآية الكريمة { إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..}

يمكن أن تشكل استقطاباً مستقبلياً لجميع المؤمنين ، إذا اعتبرناها منطلقاً لنظام إسلامي عام ، تتجمع على أساسه الأمة . فإن العلماء والعقلاء من جميع الأطراف الإسلامية ـ إذا كان هناك أكثر من طرفين ـ لا يمكن أن يجادلوا بحقيقة الفراغ الحاصل من جهة ، ولا يمكن أن يجمدوا الشريعة والنظام والأحكام عامة بانتظار مهديهم المجمع عليه من جهة ثانية ، لأن ذلك عين العجز وعين العمى عن اللجوء إلى الله وحده ، والتمسك بكتابه الأقدس ، قرآنهم الكريم . وبهذه الآية التي تستدعي جميع الأطراف لأن يجمعوا  اجتهاداتهم وبيِّناتهم  حولها ، حيث سيرون أن الخاص فيها لا يتنافى مع العام ، والعام لا يتناقض مع الخاص .

        والحقيقة المرة  هي في غلو الغلاة عند العامة من الفريقين ، وكذلك أشباه العلماء الذين لهم سمت العامة وعصبياتها .

        فغالباً ما كان جهل العوام في المراحل الماضية حائلاً دون إظهار قناعات كثير من أولياء الله وعلمائهم الكبار ، الغيارى على وحدة الأمة ، بعد بُعدها الزمني عن أيام الفتن وأسبابها وأعلامها . وعدم قناعاتهم بأن يكون الهدف الباقي عند بعض المسلمين ، هو الإنتقام من أحفاد أحفاد الذين أساؤوا  أو أجرموا أو غدروا ، وهم ، أي العلماء  في مواجهة قوله تعـالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ، وقوله عزّ وجل : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ . فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِين . أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . نُسَـارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْـرَاتِ  بل لا َّيَشْعُرُونَ } ، وقوله تبـارك وتعالى : { فَأَقِمْ  وَجْهَكَ لِلدِّينِ  حَنِيفًا  فِطْرَةَ  اللَّهِ

الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } .

وكذلك هذه الآية الكريمة : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهَ … } يمكن أن يتخذ منها حالياً ومستقبلاً ، مدرسة للجمع بين الأخوة في التوحيد ، والأخوة في الإسلام ، والأخوة في القرآن ، بعد أن كانت لأسباب قاهرة ، سبباً لحروب طاحنة ، حساب  الفئات الباغية فيها على الله . ومن الجهل الكافر أن نعبىء له الأجيال الإسلامية في القرن العشرين ، الأجيال المستضعفة المغلولة المقدمة للذبح بين السيف والنطع : سيف الصهيونية العالمية ونطع النظام الدولي الغادر. ولو كنا نعلم أن الله عزّ وجلّ، يريد منا الإستمرار في إشعال الحروب  بين المسلمين ، لصدعنا بأمر الله ، وأوقدنا لها كل وقود . ولكن  تعاليم الله  ورحمة الله  وعقولنا التي وهبنا الله ، ، وقلوبنا التي طهّرها الله ، كل ذلك يقضي بالعمل  الدائب على توحيد الأمة على كلمة التوحيد ، وبالتالي  توحيد العالم في ظلال لا إلـه إلاَّ الله .

وسنعقد لذلك بحثاً متصلاً بهذا الموضوع ، في سياق كلامنا عن مفهوم الولاية إن شاء الله .

ونكتفـي الآن بالإشارة  ،  إلى  إجماع  المفسرين  قاطبة ، على أن كلمـة

{ وَلِيُّكُم } في الآية  وهي في صيغة المفرد ، وبعدها عبارة  { وَالّذِينَ آمَنُوا } وهي جمع ، قد أُريدَ منها أن حقيقة الولاية هي لله وحده أصالة ، وهي لغيره سبحانه بالتبع .

        ثم إننا نذكر بأمور  ومعانٍ خيض فيها بصدد هذه الآية الكريمة ، منها تعداد أنواع الولاية ، بين ولاية نصرة وولاية مودة ومحبة ، وولاية رعاية وعناية ، وغير ذلك ، ثم قسمت هذه الأنواع إلى ولاية تكوينية وولاية تشريعية جعلتا لله عزّ وجلّ ، وجعل الباقي إلى غير الله من أوليائه ، بعد أن أشركوا الرسول والذين آمنوا ( ص ) بالولاية التشريعية .     

 والحقيقـة أن الولاية الحقيقيـة والعامـة الكاملة ، هي لله وحده سبحانه بالأصالة ، كما هو الإجماع الموفق .

        فحتى الدور التشريعي للرسول والذين آمنوا ( ص ) والدور الدعوتي إلى الله والتربوي للناس كافة ، والحكم والقضاء والقيادة العسكرية والمدنية وغير ذلك من المهام المجتمعية ، ظاهرها للرسول والذين آمنوا ( ص ) ، وحقيقتها لله المهيمن الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير .

        ففي قوله تعالى مثلاً لرسوله ( ص ) ” وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” فهو (ص) لا يهدي إلاَّ أن يهديه الله ، قوله سبحانه : {  قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى } والرسول والذين آمنوا  (ص) لا يهدوا إلاَّ أن يُهدوا ، وقولـه سبحانه : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } أو { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } أو { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  } أو { َ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } فيوضحها في كون الولاية الحقة العامة الشاملة والنهائية ، هي لله سبحانه ، مثل قوله عزّ وجلّ : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ } وقوله تعالى : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} وقوله جلّت عظمته{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ }وقوله   له الحمد : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } وقوله له العزّة : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى } ، إلى عشرات الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة .

        هنا يخطر ببال بعض المؤمنين الذين اعتادوا على التقليد ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث حتى والتفكر والتأمل ، هذا السؤال :

        إذن ، فما هو دور الرسول والذين آمنوا ، المنوّه عنه في الآية الكريمة حتى ولو كانت وحيدة مفردة مقابل عشرات الآيات التي تحصر الولاية أصالة بالله وحده بدون شرك ولا شريك ؟

        والجواب أن كل ما قام به الرسول والذين آمنوا (ص) ، في الماضي ، من قيادة مدنية وعسكرية على صراط الله المستقيم ، واتبـاع الناس لهم في سبيل الله

واستجابة لأمره سبحانه ، هو دورهم . وما يقوم به الذين آمنوا في الحاضر هو دورهم ، وما سيقوم به الذين  آمنوا في المستقبل هو دورهم ، وما يقوم به رسل الله من الملائكة في الماضي والحاضر والمستقبل هو كذلك دورهم .  والجميع على شتى مراتبهم  النبيلة عند ربهم الكريم  سبحانه ، في الماضي  والحاضر والمستقبل ، هم مأمورون مكلفون ، مرعيون برعايته ، وتسديده وهدايته ، وقيوميته وإحاطته ،

وهيمنته وعينه التي لا تنام ، لا يساعده مساعد ، ولا يعاضده معاضد ، وهو الغني الحميد ، والعزيز الحكيم  ، والسميع البصير ، والفعال لما يريد ، وله وحده الأسماء الحسنى والأمثال العليا .

        أما شأن من كان منهم ومات أو رفع ، فكشأن المسيح عليه السلام كما علمنا إياه الله سبحانه في الآيات الثلاث التالية ، قوله عزّ شأنه :

       { وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  . إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . [ (116 ـ 118) : المائدة ] .

        وجواب آخر على قول الذين قد يسألون : وما هو دور  الرسول والذين آمنوا ؟ هو ، إذا كنتم أوكلتم أموركم ووجهتم ووجوهكم  إلى أصحاب المقامات (ص) ، فما هو دور الله إذن في إدارة ملكه وخلقه؟ وماذا يعني قوله سبحانه : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } وغيره يموت. وقوله : { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وغيره ليس إلهاً ولا حياً ولا قيوماً ، بمعنى المشاركة والظهور، وبالمعنى الحقيقي الذي قاله الله سبحانه لرسوله (ص) وللناس : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }، وقوله : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وقوله : {  فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }وقوله{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وقوله :{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } وقوله :{ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } وقوله :{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } وقوله :{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ  } وقوله: { بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } وقوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وقوله : { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وقوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } … إلى مئات الآيات الحاسمة في إحاطته سبحانه ، بالكون جملته وتفاصيله ،والتي قد يلخّصها قوله عزّ وجل ّ: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وقوله تبارك وتعالى : {  وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وقوله : مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

        فهل هذا كله حقيقة أم مجاز ؟! بلى {  فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } .

        وأخيراً لا آخراً ، قوله عزّت عظمته : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } .

        فهل هو إلـه فاعل على مدار الساعة الكونية ، لا إلـه إلاّ هو ، أم هو سبحانه متوقف عن العمل ، حتى يظهـر الإمام المهدي المنتظر ؟ حيث ينتظره أناس ، كادوا يعطلون القرآن والعقل والمنطق بانتظار ظهوره أو إظهاره (ص) .

        والسؤال الأهم ، مع من يجب أن نتعامل ، في هذا العقد العشرين للميلاد المبارك ، والخامس عشر للهجرة الميمونة ، في ظروف زلزالية على مستوى الأرض وشعوب ساكنيها بشكل عام ، حيث يتقهقر دين التوحيد  في كل مكان ، لتحل محله العلمنة المؤلهة للعلم والشهوات الفتاكة ، من جانب الغرب والبدع الآخذة بالتجسيم والتجسيد ، من جوانب الشرق . و { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } : حروب وتشريد وعذاب ، ومجاعات ، وجهالة جهلاء بالأسباب التي جعلت الأرض كلها مهددة بغضب الله وسخطه ، يعني بالدمار الشامل .

 

 إلاَّ من شاء الله وما شاء الله . فمع من يجب أن نتعامل ، أفضل التعامل ، وأسلمه، وأرقاه وأعلاه ؟ وكيف ؟ ما دمنا بانتظار مخلِّص أو مهدي منتظر منذ بضعة عشر قرناً من الزمان ؟ قال الله تبارك وتعالى :

       { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ } . [ 12 :  الأحقاف ] .

        فهذه هي الإجابة . فإذا لم تستطع أن تتخذ القرآن إماماً ، وتتدبره ، وتفهم منه الدعوة إلى الله ، والحلال والحرام ، والإستقامة في الدين ، الذي هو سياسة حكم واجتماع  ، وسياسة حياة ، وتأخذ عن أنبياء الله وأئمة الحق الذين أمرهم سبحانه بالتبيين والتفصيل ، لما يجب تبيينه وتفصيله ، فابحث عن ثقة حي من الذين قال فيهم سبحانه : {  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } وقال : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وقال : { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } وقال : { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيـمُ } وقال : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } …  وغيرها من  الآيات التي تشير إلى صفات الثقات من أهل الحق ، ورضى الله سبحانه ورضوانه . إبحث عن ثقة حي حاضرٍ ظاهر ، ومن خلال ولائك له ، سله وتعلم منه كيف يكون الولاء الأعظم  والمطلق لذي الجلال والإكرام ، لله سبحانه وتعالى عما يشركون .

        أما إذا استطعت أن تكون موحداً  ، وفي طاعة الله وحبه ، متدبراً  القرآن  الكريم ، عاملاً ومحققاً ، بالضروري ، مما ترك الأنبياء وأئمة الحق ، فأنت على معراج الواصلين  ، من أولياء الله الصالحين .

        هناك حقيقة مؤلمة ، يعانيها بعض من جنبهم الله عبادة هواهم  وموروثاتهم ، هي أن الكثرة  من المؤمنين ، يذكرون ، ما دامـوا أحيـاء ، أولياءَهم من الناس، أكثر مما يذكـرون  الله ، ويدعون إليـهم أكثر مما يدعون إلى الله  ، ويدعون إلى أنفسهم  أكثـر مما يدعون إلى الله .  ولعـلَّ بعض الأئـمة  عليهم السَّلام يملأون عليهم السمع والأبصار ، والقلوب والأدمغة ، فينظرون إليهم على أنهم آلـهة ، ويتعاملون مع كل واحد من كبرائهم تعاملاً تعبدياً ، كأنه هو السميع وهو البصير وهو الرزاق والناصر والشافي والمعافي وهو على كل شيء قدير . فيسألونه ويخاطبونه كما يسألون ويخاطبون الله عزّ وجلّ . وكلما نسوا ذكر الله وابتعدوا عنه ، كلما ترسخ في ظنونهم  ، أن هذا الإمام  ، هو إلـه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .

        ومجاميع هؤلاء في أقطار الأرض  ، يمزقون سنة بعد سنة ، ويشردون من ديارهم ومن أوطانهم ، حتى غدوا هدفاً عالمياً للقصف والخسف والهوان . فقد سلَّط الله عليهم الظلمة والطواغيت الجبابرة ، عقاباً لهم على تأليه غيره ، وذكر سواه ، أكثر بكثير من ذكره ، وهو سبحانه غني عن جميع  خلقه ، وليس بحاجة لذكر من يذكره ، وإنما  يسخطه الخونة ، الذين يخونون  العهود والمواثيق  ، الذين بلا شرف وبلا خلق . وإضافة  إلى سقوطهم هذا يخزيهم  ويعذبهم بما يرتكبون من بدعٍ نافرة منفرة ما أنزل الله بها من سلطان .

        وإلاَّ فأين المعادلات الإلـهية التالية :

        قوله سبحانه  :

      { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }. [ 96: الأعراف] .

       فهل  إن القصف  والدمار والقتل بالجملة  والتهجير من جراء الحروب ، وهل أنواع  الحمم والقذائف التي تسقط على الناس وعلى بيوتهم وحقولهم والألغام التي تتفجر تحت أقدامهم ، هل كل ذلك بركات من السماء والأرض ؟ !

        وهل إن الزلازل والفياضانات التي تقتل  الألوف المؤلفة وتهدم وتشرد وتشغل الدول والحكومات ، وهل المجاعات المفزعة من جانب ، والتخمة والبطـر المخيف من جانب ، هل هي بركات من السماء والأرض ؟!

        

         بل هم مصاديق لقوله عزّ وجل ّ :

       { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا } . [ (8 ـ 10) : الطلاق ] .

        ولعل أفضل علاج منقذ لهم عامة ـ إذا لم يستطيعوا الصعود إلى فكر التوحيد ـ ، أن يجعل لهم علماؤهم ، ولا سيما في مواسمهم  التعليمية المباركة ، في تجمعاتهم وحلقاتهم ونواديهم ، لتجنيبهم الغلو والإنحراف ، ومداخلات الشرك والشيطان ، أن يجعلوا لهم في الدروس والمواعظ ، الآيات البينات التالية ، بمجموعها ، عسى أن تكفـي كمنطلق أوَّلي ، لفهم عظمة التوحيد ، وتلافي الشرك ، والإستجابة بفرح ، لإرادة الله وعنايته ، وحاكميته ورحمته ، وتجنباً لخزيه ونقمته ، وسخطه وعذابه في الدنيا قبل الآخرة : قال سبحانه وتعالى :

{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ .أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ  } . [ ( 59 ـ 66 ) : النمل ] .

     

من هم حزب الله  ؟

        ما دمنا بين يدي الآيتين  الكريمتين : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ … }  إلى قوله تعالى

في الآية الثانية : { وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . فحزب الله على هذا الأساس ،هم الذين يتولون { اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } حسب الآية الكريمة .

        أما حقيقة  الولاء ، ومفهومه ، وكيفيته بداية ونهاية ، فأمور تكلمنا فيها آنفاً ، ولله الحمد . وعرفنا من خلال ذلك كله ،  ما ينبغي أن يكون عليه المحازب لله جلّت عظمته ، من حيث الإعتقاد بوحدانيته ، والإعتصام بحبله ، والثبات على طاعته ، والجهاد في سبيله،والترقي في معراج عبادته ، تقرباً وحباً . وبقي أن نعرف في أي مكان وزمان نجد هؤلاء الذين هم حزب الله في الحقيقة . وبقيادة أي صنفٍ من أولياء الله ، وهل ينبغي أن يكون القياديون أحياءً أم أمواتاً ، حاضرين أم غائبين؟ ولعل هذه  هي الخطوط  العريضة ، التي إذا أوضحت معالمها ، يرتاح إليها كل مؤمن ، وينجو من كثير من حالات الإضطراب الفكري والحيرة والضياع ، فيما ينبغي أن يعمل ، ومع من ينبغي  أن يتعامل . وإلاَّ ضلَّ وغوى ، ووقع في محذور قوله عزّ شأنه :

       { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا . قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنـُونَ صُنْـعًا } . [ ( 102 ـ 104 ) : الكهف  ]  .

        أما في أي مكان وزمان ، كان ويكون حزب الله المعنيون في الآية الكريمة ؟ والكلام فيها موجّه للعقلاء  من أهل الأرض ، فالكوكب الأرضي هذا الذي نحن عليه ، هو كله مكان حزب الله المنوّه عنه ، وأما الزمان ، فمنذ وجود الناس والوحي والرسالات السماوية .

        فمضمون الآيتين الكريمتين ، له إنطباقان ، عام ،وخاص، أما الإنطباق العام فيستقطب كل عهد من عهود البشرية كان فيه رسول وناس ومؤمنون . فتخاطب الآيـة النـاس بمعنـى قولـه { بآيات أخر سابقات } أو بنفس قوله هذا سبحانه  : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ثم قوله سبحانه وتعالى:{وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . وهكذا  تبقى الولاية ، بحقيقتها وأصالتها ، وتستمر عبر العصور والعهود والأنبياء والرسل والأئمة أبدية سرمدية لله وحده،وحده وحده. وأما الإنطباق الخاص ، فهو عصر  نزول الآية الكريمة والمعنيِّين  بها في هذا العصر ، وإلى قيام الساعة .وكذلك تبقى الولاية بحقيقتها وأصالتها وتستمرعبر السنين والأولياء والأسماء ، والمنتظرين  وغير المنتظرين من الصالحين أبدية سرمدية لله وحده،وحده وحده . فهو وحده الحي القيوم ، وهو وحده السميع البصير ، وهو وحده على كل شيء قدير .

        ويساعد على فهم مضمون هذا التوجه قوله تبارك وتعالى :

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } . [ 14 : الصف ] .

        وأقواله في التاريخ والحاضر والمستقبل ، وهذا القرآن الكريم حوى هذه العناوين الثلاثة ومضامينها  ، مركزاً على هدف واحد هو :

عبادة الله وحده

     وأن توهب له القلوب :{ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } ، والحب الأعظم :{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } ، وحياة الإنسان ما بين بدئه ونهايته : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }، وحقيقة الإنسان{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }  .

        وفي التاريخ  : نوح عليه  السلام : {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .[الأعراف[

      وهود عليه السلام : {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} . [ 65 : الأعراف ] .

      وصالح عليه السلام :{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } . [ 73 : الأعراف ] .

     وشعيب عليه السلام :{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} . [ 85 : الأعراف ] .

        وموسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام، ومن قبلهم ومن بعدهم ، أنبياء كثير ورسل ، يدعون ذات الدعوة إلى الله ، ودائماً نفس الهدف : عبادة الله وحده.حتى أرسل سبحانه محمداً عليه السلام ، خاتم النبيين ، وزوَّده بزاد يكفي لحاضر الناس ومستقبلهم إلى قيام الساعة، توجُّهاَ وتوجيهاً وتعليماً ،وتشريعاً وتنظيماً.في إشرافه سبحانه ورقابته،وتسديده وترشيده،وعقوباتـه وبلاءاته، وعطاءاته ورحماته :

       {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

[ 50 : المائدة ] .

       أليس الله بـ { أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } . [ 45 : هود ] .

        الحاكم الشرعي فريضة على الأمة :

        إن آية : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … الآية } ، هي من أخصر الآيات وأغناها بالمعاني .

        هي آية للتعبد بأمر الله ، كما يريد الله ، تعبداً اجتماعياً وإجماعياً ، ينتهي بالولاء المطلق لله سبحانه .

        وهي آية  تستقطب أهل الأرض ، إن شاؤوا ، و{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . وإلاَّ فهي فريضة على الأمة إبتداءً ، إن صدَّقت بهاوصَدقَتْ،تحكم بالعدالة والرحمة أهل الملل،وتستغني بشريع شريعةالناس، والفرق بينهما كما هو الفرق بين النعيم والجحيم ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

        هي فريضة على الأمة ، فإذن  هي تستقطب المؤمنين فرداً فرداً . وإذن هي فريضة ولاءٍ لله ولمن نصَّ عليهم سبحانه إلى قيام الساعة .

        أما لعصور الفراغ  ، ففيها وجهان  متداخلان متراكبان : نظام حكم ،  وشورى ، أي اختيار للحاكم . فنظام الحكم ينبغي أن يكون على سنّة الله التي سنَّها الرسول ( ص ) ، وذلك بفهم من قوله سبحانه : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ … الآية } . وطريقة الإختيار هي الشورى ، التي تظهر المؤمنين المميزين ، ليختاروا بأية وسيلة شرعية أو عقلية ، أميراً للمؤمنين ، يكـون زعيماً أوحداً للأمة . وذلك في قوله سبحانه : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } بعد قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ } .

        وولي الله الذي يجب أن يختار للحكم ، يبرزه  الإختصاص في قوله سبحانه :

{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } . وذلك ليس قياساً ، وإنما حجة  وبرهان وبينة . فإلى قيام الساعة ، يبقي الله في الناس أولياء ظاهرين هم ورثة للرسول (ص) من جهة ، بما ترك من شريعة وتراث . وورثة لـ  {  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ  } بما تركوا من نماذج للصدق الفذ ، مع الله ومع عباده من جهة ثانية  .

        أما الذين يتنكرون لهذا المنطق وهذا الإحتجاج ، فليست لديهم حجة  دامغة ولا بينة قاطعة ، إنما هم غالباً ما يتعصبون تعصباً ذميماً ، ويتبعون الظن كما قال  سبحانه وتعالى : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } . [ 36 : يونس ] .

        فإذن ، الحكم الشرعي  للأمة ، ولأهل الأرض إن شاؤوا ، هو ولي الله الذي يختاره المؤمنون المميزون ،  في الأمة .  ولا بأس بتحديد هؤلاء إما انتخاباً  أو تعييناً فيما بينهم . وهؤلاء  هم جميعاً أولو الأمر الذين أمر الله سبحانـه بطاعتهم :  { وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } . [ 59 : النساء ] . فالولاية  لولي الله  المنتخب  أو المعين  عن طريق الشورى استجابـةً لأمر الله تعالى ، هي ولاء لله عزّت  عظمتـه . وذلك إنطلاقـاً ، كما قـلنا آنفاً ، من آية : 

{  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … الآية } . فمن الذين آمنوا هؤلاء ، وفي كل عصر ، يتتابع أولياء الله الصالحون ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

حزب الله تنظيم خاص أم الأمة جمعاء ؟

      بقيت الآية الثانية  ، قوله سبحانه : { وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . وهي استمرار لقوله تعالى :   {  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … الآية } فكأنما  هما آية واحدة . وهي تنص على الشروط  والصفات التي نوهنا بها قبل هذا الكلام ، تحت عنوان  : ( من هم حزب الله  ) ، والتي بها يكون الإنسان حزباً لله في الحقيقة ، أي مقبولاً عند الله ، عبادته وعمله وجهاده ، وإلاَّ فهو دعيٌّ  متورط إما في جهله وإما في ضلاله وإما في كذبه ، ولو تغطى بهذا الإسم ، وليس لبوسه الظاهري دهراً طويلاً . فإن ذلك لا يغني من الحق شيئاً . ونجد أمثال ذلك في قوله سبحانه  : { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } .

        فحزب الله إذن ، أو المحازب  لله حقيقة ، هو ـ كما نصت عليه الآية ـ  من يتولى من أولي الأمر ، المنتخب أو المعين عن طريق الأمة ، ولياً لله ، بناء على هذه الآية ، أساساً ، أو على مضامينها ، اعتقاداً يوافق هذه المضامين . سواء كان منخرطاً في تنظيم ، يتوافق مع هذه المعاني ، أو لم يكن . وربما كان من هم  خارج تنظيم مؤطر محدد يحمل هذا الإسم ” حزب الله ” هم أولى وأقرب وأحب إلى الله سبحانه ، ولو كانوا في أقاصي المعمورة .

        وخلاصة القول ،  إن حزب الله  ، هم الأمة جمعاء ، إن تولت طاعة لله ، ولياً لله معاصـراً ، يباشـر سياسة الأمة ، بجهاز ـ  كذلك من أولياء الله الصالحين ـ  وكل ذلك ضمن عقد أو عهد ، تعقد فيه النية ، على أن الولاء  لهذا الرجل ، إنما القصد منه ـ ما دام أمراً من الله ـ  هو الولاء المطلق في النهاية ، لله وحـده ، وحـده ، وحـده ،  الذي نصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحـده .

متى المهدي المنتظر عليه السلام ؟

        لا متى  ، وكذب الوقاتون . 

        إنما حيث أن الأمة  ترتقب مهديها المنتظر ، فكل ما ذكرناه من لزوم نظام الأمة وانتظامها ، وارتفاعها من بؤر البؤس والذلة ، والتمزق والتشرد ، والتبعية والفساد ، هو فريضة تعبدية ، تأتي في سياقها ومن ركائزها فرائض  الصلاة والزكاة ، والصوم والحج … قلنا  كل الذي ذكرناه ، ينبغي أن يقام كواجب تعبدي لله ـ والعبادات كلها مصالح للبشر والله غني عن العالمين  ـ  لبينما يظهر الله عزّ وجلّ وليَّه المهدي الموعود المنتظر ، فرجاً للمؤمنين ، ورحمة للعالمين .

        أما الذين يريدون تجميد القرآن  وتعطيل الأحكام  بانتظاره عليه السلام  فأفضل تشبيه لهم بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال ، حتى لا يراها  الصياد ، ويستهدفها  … بناره .

        وإلاَّ فإلى من أنزل الله عزّت عظمته :

         { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .

        و{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } .

        و { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } .

        إلى عشرات الآيات التي تلزم وجوباً بالحكم  بشريعة الله وتعاليمه ، وبتهيئة المناخ المناسب لإظهار مهدِّيه المرتقب عليه السلام .

        وإلاَّ فإنه سبحانه يستحيل أن يرضى بالفوضى والتسيّب ، والتفكك  والضعف  والشتات والهوان  ، هذه الأمور التي تعاني منها الأمة ، التي قال فيها سبحانه : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … } .

        أربعة عشر قرناً من الإنتظار ، ولم يظهر مهدي الأمة المنتظر ، وما مضى  قرن من هذه القرون ، إلاَّ  وكان فيه محن وفتن وبلاءات ، كانت تشتد وتتفاقم ،  

 

حتى كان الناس يعلنون معها في كل جيل  ، قائلين: هذه أيام الظهور ، ظهور المهدي المنتظر ، جميع أجدادنا ، منذ توفى الله محمداً (ص) توقعوا ، كل منهم في جيله ، ظهور المهدي عليه السلام  . والله راءٍ ، والله سامع ، والله قادر ، والله فاعل . تُرى ، أهو ابتلاء دهري للناس ، لا سيما منهم أولو الألباب ، مضمونه هكذا  : إنه يا عقلاء ، برغم أنكم عقلاء ، وقد عرفتم أكثر فأكثر ، كل جيل يعرف أكثر من سابقه ، بحكم زيادة العلوم  والمعارف ، أن الله عزّ وجلّ معكم ، وأقرب إليكم من حبل الوريد ، وسامع بصير قادر ، بيده الخير ، كل خير ، وهو رب المهدي وربكم ، وهو سبحانه لو استقمتم على الطريقة لأسقاكم ماءً غدقا ، ومع ذلك كأنكم لا تريدون منه سبحانه وتبارك وتعالى ، وإنما تريدون فقط ، من المهدي المنتظر ! …

        صحيح  ، الله أعلم بعباده ، وهم لو كانوا جميعاً يستطيعون التعامل معه سبحانه تعامل العارفين ، وتعامل الواصلين ، وتعامل المصطفين المجتبين الأبرار ، لكان منذ البداية كفاهم مؤونة اتباع هؤلاء جميعاً ، وألزمهم الفطرة  التي فطرهم عليها ، والعقول التي جهزهم بها ، ولكن رحمته أوسع وأعظم ، حيث تفضل عليهم تفضلاً ، بإنباء الأنبياء ، وإرسال الرسل ، وإقامـة الأئمة والأولياء الصالحين ، واعداً إياهم قبل قيام الساعة ، بعودة رسوله المسيح وظهور وليه الموعود ، عليهما أزكى الصلاة والسلام .

        كل هذا صحيح ، وحقيقي ، ولكن  العقل يقضي بالحقيقة الأعظم ، وهي أن الله عزّ وجلّ ، هو الحي القيوم ، والسميع البصير ، وأنه بكل شيء محيط ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن فوق هذه الحقيقة ، الحق الذي يقضي به الله عزّ وجلّ وليس فوق هذا الحق فوق ، سوى الله جلّ  جلاله ، قوله تبارك وتعالى : { وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . [ 20 : غافر ] .

        والذي نريد أن نقوله ، هو الطعن بطريقة الإنتظار ، الطريقة ـ البلاء ، التي يمارسها أكثر الناس ويعيشون تحت وطأتها . فهم ينتظرون المهدي ناسين الله عزّ وجلّ ، المهدي عندهم مع هذا النسيان ، كأنما هو بديل عن الله عزّت عظمته . ينتظرونه  وكأنه سيحول الدنيا إلى جنة ، إلى أموال وثروات ، وكشف كنوز الذهب والياقوت … وتأمين الرفاه والبحبوحة والنعيم المقيم ، بعد أن يحصد أعداء المسلمين  وجميع الكفار حصدا . وهذا مستحيل ، لأن الدنيا هي الدنيا ، والجنة هي العليا .

        كان اليهود ينتظرون المسيح  بنفس هذا التصـور ،  وعندما جاءَهم المسيح  ، رسول سلام ومحبة ،  أنكروه ، وما اكتفوا ، بل آذوه أذىً منكراً ، وكذبوه وقذفوه بأشنع  التهم هو وأمه عليهما السلام ، وما زالوا ،  وادعوا صلبه فخورين بذلك . ومع ذلك نصره الله نصراً عزيزاً ، على طريقة الله بنصر رسله وأحبته وأوليائه . يعني نصر دعوته ، دعوته إلى الله  وإلى التسامح والمحبة  والتطلع إلى رضى الله ورضوانه ، فوق هذه الأرض  المحطة ، التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة .

        فما رأي منتظري المهدي عليه السلام ؟ أن يأتي بمثل هذه الوظيفة أصالة  وتفريعاً . وهو عليه السلام ، سيأتي بها أصالة ، وهي الدعوة إلى الله ، تجديد الدعوة  ، وإحياء مفهوم التوحيـد على أصالته . أما في التفريع ، فمن يعلم غير الله ، أبالسيف  سيأتي ، أم بالعلم  والعقل والمحبة  … وعلى هذا الأساس  قد ينكره ناس كثيرون ، من الذين ينتظرونه ، حيث أنهم ينتظرونه كما يحبونه هم ، لا كما يريده الله سبحانه .  وقد يلحقون به الأذى  الشديد ، ويحاولون قتله ، كما فعل اليهود ، مع من كان وعدهم الله به ، رسوله المسيح عليه السلام .

        ولقد أتى محمّد بعد المسيح سلام الله عليهما ، فما أتى بالأموال لأتباعه ، ولا بكنوز الذهب الإبريز ومناجم الياقوت  ، وإنما أتى بأعظـم من ذلك بدون قيـاس .

        أتى بمفهوم التوحيد ، وحقائق التوحيد .  أتى بشهادة أن لا إلـه إلاَّ الله ، وعلم الناس ، أن هذه الشهـادة  هي مفتاح السماوات والأرض ؟  والحق والحقيقة ، أن قوم محمّد الأصفياء (ص) من بعده ، فتحوا بهذا المفتاح الكوني  الأعظم  ، فتحوا الأرض  ، معظمها . وفتحوا جوانب كبيرة من السماء .

        فلو أن الناس انتظروا المهدي عليه السلام بهذا المفتاح  ، باقياً في قلوبهم  وأدمغتهم وأعمالهم ، لظلوا يفتحون بالعلم والعدل والرحمة ، جوانب الأرض ، وبالتقوى والخشوع والخضوع والحب لله تبارك وتعالى جوانب السماء .

        أفلا يمكن أن تكون وظيفة المهدي عليه السلام هي استكمال ما جاء به محمّد (ص) ، لا للإنتقام ولا للمال ولا للرفاه ، وإنما لإستكمال فتح ما لم يفتح من جوانب الأرض  ، بالتوحيد ، بالدعوة إلى الله وحده ، وفتح ما لم يفتح من جوانب السماء ، بالتقوى والخشوع والحب الأعظم للحبيب الأعظم ، رب السماوات والأرض وما بينهما رب العالمين ؟

        أوليس ممكناً ، بهذا التوجه إلى الله ، وهذه المفاهيم ، مفاهيم التوحيد والولاء الأصيل لله وحده ، أن نمهِّد للمسيح وللمهدي عليهما السلام ، قبل إظهارهما ، فنوفر عليهما مشقات ، ونوفر على أنفسنا انتظاراً معقداً ومحيراً في وقت واحد ، والله الرقيب ، والله الحسيب .

        أو لا يستحي المنتظرون ، الذين نسوا الله ، وهو الحي القيوم ، السميع البصير ، الأقرب إليهم من حبل الوريد ، أن يتوكلوا على عبد من عباده ، ولو كان من الصالحين الأبرار المنتجبين ، الذين ليس لهم من الأمر شيء ، إلاَّ أن يهديهم الله ، ويظهرهم الله ، وينصرهم الله سبحانـه وتبـارك وتعالى عما يشركون .

        ولعله يلاحظ تكرارنا لعبارة : وحده بدون شريك ، أو التأكيد على كلمـة ، وحده ، هكذا : وحده وحده وحده ، أو بما هو بمعناهما . والحقيقة أن ذلك مقصود عن سابق تصور وتصميم . فإن حقيقة التوحيد ، التي تقوم عليها السماوات والأرض  وما بينهما ، أصبحت  ضعيفة حتى عند الموحدين ، لـدرجة أنـه تـرتب على قلـة العنايـة والإهتمـام بها ، التصـدع والتفسـخ والإنهيـارات في الأفراد ، وجوانب واسعة  من أمة التوحيد أو شعوب التوحيد  في الأرض . وهذه البـلاءات والكوارث ناتجة عن هوى الأنفس ، في الميل إلى بديل أو أبدال عن الله جلّ جـلاله ، لا سيـما في صفوف الأنبيـاء والأئـمة ،

حتى الزعمـاء الدينيين المعاصرين ، أمواتاً وأحياء . أما الآيات التي تصدع  بالنهي عن عبادة المخلوقين  أو النظر إليهم  وكأنهم آلهـة ، فكثيرة جداً ، يكفي قليل من الفطنة  والتدبر  لأي قارىء عادي  للقرآن أن يطلع  عليها حيثما يفتح قرآنه باحثاً ومتأملاً . وهي آيات تناسب جميع الناس بجميـع درجات وصولهم العلمي  والثقافي ، حتى والإيماني ، لكل درجة منهم لغة . ونأخذ هنا مثلاً نموذجاً ، آية وسطية تخاطب عقل الجاهل كما وعقل العالم ، لنقول معها أن كفى بُعداً عن الله وعن توحيده ، وكفى معاذير ، فيها التعصب والعمى  أكثر مما فيها من الإخلاص لله والتقرب إليه بحق لا إلـه إلاَّ  هو . يقول سبحانه :

       { ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . [ 28 : الروم ] .

        أي انظروا إلى تعاملكم  فيما بينكم  { هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } من  عبيد وإماء ، شركاء  لكم  في أموالكم وأعمالكم  وتصرفاتكم  ، يساوونكم  في التسلط والتملك ؟ وتخافونهم كخيفة بعضكم بعضاً ، وأنتم الأسياد  المالكون  وهم العبيد الأرقاء المملوكون على شتى درجاتهم وقدراتهم ؟ فإن كنتم لا ترضون  مساواتهم ولا ترضـون مشاركتهم ولا ترضون معصيتهم لكم ،  وهذا بديهي منكم ، رغم أن حريتكم  كأحرار ، وسيادتكم كأسياد  ، وكذلك قواكم وغناكم وجميع معطياتكم هي أمور محدودة ولا تكاد تقاس بما لله عزّ وجلّ ، الذي { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . فكيف ترضون لربكم رب العالمين ، الذي لا إلـه  إلاَّ هو ، خالق الخلق ،  وخالق العباد من جن وإنس وملائكة وغير ذلك ، كيف ترضون له أن يتعبد عباده لغيره ، أو أن يكونوا له شركاء في ملكه وسلطانه وأرضه وسمائه ، وأمره  ونهيه ، وتقريره وتشريعه ، إلى غير ذلك من شؤونه في إدارة ملكه العظيم الذي  لا يحد ولا يطاول ولا يحاول ، وهو الله الذي لا إلـه إلاَّ هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر . فسبحان الله عما يشركون .

ثانياً : الولاء على مستوى الباطل :

        بعد أن تحدثنا عن الولاية  لأهل الحق ، في كلامنا على الدرجة الثانية  للولاية ،  بقي علينا أن نتكلم  عن الولاء  لأهل الباطل بشكل عام . فأقول وما توفيقي إلاَّ بالله الحليم الكريم  :

        إن الولاء لله سبحانه بالأصالة ، ولرسوله  والذين آمنوا (ص) بالتبع ، والمتمثل بلزوم الآية الكريمة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، هو واجب عيني فيه توسعة ، من جهة العلم والإعتقاد ، والعمل بهما بقدر التمكين . هذا  من وجه ، ومن وجه آخر ، هو  واجب كفائي من جهـة إقامة نظام حكم وتشريع ، أي نظام دولة ، وفي الحالين ، هو ملزم  ـ أي الولاء ـ  إلى قيام الساعة .

        هذا الولاء  ـ القضاء أصالة ً ، هو لله وحده بدون شريك  أو شركـاء ، { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } ، يقابله عداء لله  متمثل بمخالفته سبحانه إلى غير دينه وشريعته . ومعنى ذلك باختصار : الحكم بغير ما أنزل الله جلّت عظمته ، سواء على الصعيد الفردي أو الإجتماعي أو الدولي بشكل عام .

        ولذلك اعتبر ـ في الفقه عامة ـ النظام الذي لا يحكم بما أنزل الله ، نظاماً ظالماً ، أو حكماً ظالماً ، والمواقف التي لا تستوحى من الولاء لله عملاً بدينه وشريعته وسنّة رسوله ، مواقف ظالمة .

وكذلك اعتبر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ، طاغوتاً ، ومساعدوه طواغيت . والطاغوت  ، هو كل ما يعبد أو يطاع أو يتوجه إليه أو يقاتل في سبيله من دون الله . ولذلك كان الشيطان طاغوتاً  ، والنفس الأمارة بالسوء طاغوتاً ، وكذلك المخالف لشرائع الله حاكماً أو محكوماً . والطواغيت أعداء الله ، لهم خزي في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب . { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } . [ 19 : الأحقاف ] .

وهذه المعاني مستفادة من كتاب الله تبارك وتعالى ، ولا سيما الآيات التي تنص على أنواع الولاية .

        وربطاً بالمرحلة التي وصلنا إليها من بحثنا هذا ، نكتفي الآن بإدراج الآيات المتعلقة بالولاء لغير الله سبحانه، أي المتعلقة بالولاء للطواغيت بشتى أسمائهم ودرجاتهم،وبما أن هذه الآيات واضحة مفصلة،لذلك ندونها هنا، تاركين للقارىء تدبرها،كل بمقدار همته وصفائه ، ومدى حرصه على طاعة الله ورضاه،عزّ وجلّ ، وتبارك وتعالى :

        قال لا إلـه إلاَّ هو  :

       { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا . إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } . [ (115 ـ 116 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ . وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .[ (128 ـ 129 ) : الأنعام ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {وَمَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ .كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } . [ ( 3 ـ4 الحج]  

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًاشَدِيدًا…} [14 ـ 15 ) : المجادلة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . [  9 : الممتحنة  ] .

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَـاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } . [ 51 : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } . [ ( 98 ـ 100 ) : النحل ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } . [ 19 : الجاثية ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً . وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا } .  [ ( 88 ـ 89 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} . [ 119 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } . [ 45 : مريم ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . [ 63 : النحل ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُـواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} . [ 76 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيـعًا } . [( 138 ـ 139 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } . [ 144 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . [ 57 : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . [ (80 ـ 81 ) : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } . [ 27: الأعراف ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } . [ 30 : الأعراف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

        { وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ … } . [ 73 : الأنفال ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } .[ 16 :الرعد[  

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } . [ 50 : الكهف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا } . [102 : الكهف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا . فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . [ ( 17 ـ 19 ) : الفرقان ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } . [ ( 41 ـ 43 ) : العنكبوت ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } . [ 19 : الجاثية ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ.إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } . [ (1ـ2) : الممتحنة ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . [ 175 : آل عمران ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {… وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ …} . [ 257: البقرة ] .          وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمـُوهُمْ إِنَّكُـمْ لَمُشْرِكُونَ } . [ 121 : الأنعام ]  .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { ثُمَّ لَنَنـزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا .ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا } . [ (69 ـ 70 ) : مريم ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيـدُ . يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }. [ (12 ـ 13 ) : الحج ] .

        الدرجة الثالثة ، ولاء المؤمنين لبعضهم البعض :

        كما أن الدرجة الثانية ، من جهة الولاء لأهل الحق ، تتمثل بآية واحدة في القرآن ، هي قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }.كذلك الدرجة الثالثة ، التي هي ولاء  المؤمنين لبعضهم البعض ، تتمثل بآية واحدة ، في القرآن المجيد : هي قوله تبارك وتعالى :

       { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . [ 71 : التوبة ] .

            هذه الآية تعود إليها كل آية في القرآن الكريم تصف أي فريق من عامة الناس بصفة الإيمان،ومثال على ذلك الآيات 72و73و74 من سورة الأنفال.وكذلك تعود إليها كل آية فيها اشتقاق من(الولاء)واشتقاق من(الإيمان)،مثل الآية السادسة من سورة الأحزاب وغيرها .    

        وهذه الآية  { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ـ كما يشير مضمونها ـ ، تأتي فوقها آية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … } ، كما يأتي فوقهما الآيات السبعون التي تدعو لأصـالة الولاء أو الولاية لله وحده سبحانه ، أو تحذر من الولاء لغيره من دونه ، تمجد وتبارك وتعالى عما يشركون .

        الولاء لغير المؤمنين من الخلائق ممنوع :

        كذلك في الدرجة الثالثة،الشعبية،المؤمنون مأمورون بالولاء لبعضهم البعض،ومنهيون عن الولاء لغير المؤمنين من خلق الله ، وهكذا أصبحت صورة حزب الله واضحة المعالم على مستوى أهل الأرض : جميع المؤمنين على هذا الأساس الحقيقي الواضح هم حزب الله ، وجميع الباقين ، هم حزب لغير الله ، هم حزب الطاغوت أو أولياء الطاغوت .

        والإطار التنظيمي لأية حركة  دينية ، قد تفترض من الناحية الشرعية حزباً لله،ولو لم تأخذ نفس الإسم ( حزب الله ) . هذا إذا اكتملت فيها مضامين الآية الكريمة : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ …} لأنها تكون شريحة  من مجتمع المؤمنين، فتكون جزءاً من كل ،كما يكون ( حزب الله )  المؤطر المحدد  ضمن عامة المؤمنين جزءاً من كل .

        أما الحقيقة ، فهي أن حزب الله الحقيقي المتكامل ، هو الكل ، أي الأمة  المؤمنة  المتلبسة  بشروط الآيتين الكريمتين : آية الدرجة الثانية : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … }،وآية الدرجة الثالثة:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ …}،المؤديتين بالضرورة إلى الدرجة الأولى ، التي هي الولاء المطلق لله وحده ، سبحانه وتبارك وتعالى عما يشركون .

        وهكذا نرى أن البناء الإسلامي ـ الإيماني ، هو بناء أرضي ـ سماوي ، فيه الثلاث درجات المنوّه عنها:درجتان فيهما الحاكمون بأمرالله ، والمحكومون بشريعة الله،والدرجةالتي فوقهما هي المطلقة التي فيها الولاء المطلق لأحكم  الحاكمين{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } .  [ 15 : غافر ] .

        هذا إذا كان منجزاً النظام الشرعي الحاكم.أما إذا لم يكن منجزاً ـ وبذلك يأثم جميع المؤمنين كل بنسبة موقعه ـ فإن ولاء المؤمنين الحي والعملي ، ينبغي أن يكون لله وحده ، تمسكاً بمضمون الكتاب وضروريات الدين . ويسقط الإثم  النسبي عن المؤمنين في الأمة ، إذا كانوا عاملين ، كفاية ً ، وبما يرضي الله ، على إنجاز نظام يحفظ شرفهم وكرامتهم في الحياتين : الدنيا والآخرة . أو إذا كانوا في مناطق إختلاط مع ملل أخرى ، تساويهم أو تزيد عليهم ، مما يؤدي بهم ، إذا سعوا إلى إقامة النظام الشرعي الإلهي ، إلى إشعال الفتن والحروب التي تتنافى مع الحكمة والتعايش العادل المتراحم .

        أما الشريحة الثانية ، في مجتمع محلي ، أو في المجتمع العالمي ، التي تقابل عامة المؤمنين، أو عامة حزب الله العالمي، فهم كما قلنا حزب غير الله . أمثال اللادينيين أو الوثنيين،أوالعلمانيين أو أهل الشرك من أهل الكتاب ، أو أهل الشرك عامة ، أو العرقيين والعنصريين،فهؤلاء يكون التعايش معهم في حالي وجود نظام إسلامي شرعي،أو نظام غير إسلامي شرعي،على أساس الآية الكريمة ، قوله تبارك وتعالى:

       {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ.بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}[(19ـ20):الرحمن ]  

        وقوله سبحانه :

       { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا } . [ 53 : الفرقان ] .

        وظاهر الآيتين واضح على أساس العبارة،أما تأويلاً،منهما المجتمعان المتعايشان في الأرض : مجتمع المؤمنين العذب الفرات ، ومجتمع الآخرين الملح الأجاج.مرجهما الله سبحانه ،  خليطاً يتبادل المنافع والمصالح في حدود شرعه ومن يعمل بشرعه سبحانه ، جاعلاً بينهما برزخاً ، أي فاصلاً من قدرته ورحمته ،كما جعل بين الماء المالح والماء العذب في البحار،فلا يبغي أو يطغي أحدهما على الآخر، إلاَّإذا أخلَّ أحد الطرفين،فيكون عند ذلك لكل إخلال حكم،ولكل واقعة موقف من قبل المؤمنين،عاملين على إصلاح  الحال وإصلاح ذات البين،بما يحفظ شرفهم وكرامتهم وولاءَهم لرب العالمين.كما علمهم سبحانه في مجمل كتابه وسنّة رسوله وأوليائه(ص).

  وإذا دار الأمر على وجود حكومتين ، إحداهما إسلامية كما هو الحال في إيران ، والأخرى غير إسلامية كما هو الحال في أميركا مثلاً ، فالمقبول عقلاً من الآخرين ،

 والمفروض شرعاً من المسلمين ، حسب تأويل الآيتين { مَرَجَ …} و{ هُوَ الذِي مَرَجَ …}، في كل حكومة  أن تؤمِّن وتحترم الأحوال الشخصية لكل ملة من الملل الموجودة فيها،وأن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ، وأن لا يخل  المسلمون بقوانين الدولة غير الإسلامية ، التي هم فيها ، فإن أكرهوا على ما لا يوافق أمر الله تعالى ، وجب عليهم الخروج من تلك البلاد .

        كما وأن لا يخل غير المسلمـين بقوانين الدولة الإسلامية التي هي شريعة الله ، فإن أكرهوا على ما لا يوافق ملتهم أو توجهاتهم وأفكارهم ، خرجوا كذلك.

        على أن الحوار الفكري ، والمنطقي العادل ، والمفاهيم الأخلاقية المتقاربة ، ينبغي أن تعالج كل إشكال ، وتسبق كل خروج . وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك ، وقعت الفتن الدامية المدمرة،ووقع معها غضب الله ولعنته على الغادرين المعتدين ، والبغاة الظالمين،حيث يكون لهم من الله،خزي في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة عذاب عظيم .

     أي إن أي إخلال من الطرفين،تكون عاقبته فتنة ـ كما إذا أخل بتعكير الماءَين المتجاورين وخبط العذب بالمالح ـ يكون مردودها في حكم الله على مفتعليها ، نقمة وعذاباً ولو بعد حين .

        هذا في مجال التعامل الجماعي، بين المؤمنين من جهة،وغير المؤمنين من جهة ثانية .

        وشريطة الله عزّ وجلّ، على المؤمنين أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم.

        أما في مجالات العلاقات الفردية،أو الإجتماعية الضيقة،فهناك قواعد وضوابط قرآنية للسلوك،حتى القلبي منه،فضلاً عن العلاقات العملية مع غيرالمؤمنين بشكل عام. نذكر منها قوله تعالى : 

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } . [ 1 : الممتحنة ] .

        والآية أوضح من أن تفسر ، إلاَّ أنه ينبغي الإلفات فيها إلى عميق قوله سبحانه : { واللهُ أَعْلَمُ  بِمَا أَخْفَيْتُمْ  وَمَا أَعْلَنْتُمْ  } .

        وقوله سبحانه :

       {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. [ 67: الزخرف ].

        الأخلاء،أي الأصدقاء الذين يقيمون علاقات مودة دائمة يعامل فيها المؤمن وغير المؤمن على مستوى واحد ، أو أكثر من ذلك ، يكون لغير المؤمن فيها الأولوية في الولاء والصحبة والمودة ، أو أكثر من ذلك ، يستبعد منها المؤمنون ، ويكون التصافي فيها بين العلمانيين ، أو العرقيين ، أو اللادينيين ، أو حتى الزنادقة وغيرهم . هؤلاء تنقلب صداقاتهم الحميمة في الدنيا إلى عداوة ونفور شديد في الآخرة . بينما تستمر العلاقة بين الذين بنوا علاقاتهم على أساس الإيمان والتقوى والأخوة في الله، كما في الدنيا كذلك في الآخرة، مع فارق ما بين الدنيا والآخرة .

        وكذلك قوله تبارك وتعالى :

       { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } . [ 25 : العنكبوت ] .

        وفي هذه الآية الكريمة يبين الله حكمه في العلاقات الحميمية بين الأفراد والجماعات،والمبنية على المودة ، والتحالف في المصالح ، والأنس في المجالس ، والتفاخر والتباهي بها وبالمظاهر الدنيوية ، في مواجهة المؤمنين الأتقياء ، بعيداً عن الله وعن تقواه ، وعن دينه وتعاليمه . فإن حكمه سبحانه  في  هذه العلاقات ، هو

أنها وثنية ، كعابدي الأوثان والأصنام والأنصاب . وأن هؤلاء الأصدقاء والأصحاب في علاقاتهم الحميمة فيما بينهم ، غداً ، يوم يحشرون للحساب يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ، وأكثر من ذلك ، يلعن  ويشتم بعضهم بعضاً وكل ذلك يهون أمام مأواهم الذي هو النار وما لهم من ناصرين .

        وكذلك قوله عزّ وجلّ :

       { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ { . [ 16 : التوبة ] .

        أي أن المؤمنين ولو كانوا جاهدوا في سبيل الله ، وفي نفس الوقت استعانوا بمثل الحمية الجاهلية ، بغير الله ورسوله والمؤمنين ، وغرتهم في أصدقائهم من غير المؤمنين ، الكثرة ، أو القوة ، أو العرقية والعصبية ، ناسين الله وسنّة رسوله وأخوتهم في الله ، المؤمنين ، ولم يعقدوا النية على أن جهادهم هو في سبيل الله وحده ، هؤلاء عملهم حابط ، وحتى يكون مقبولاً ، يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ، وأن لا تكون وليجتهم ، أي بطانتهم وأصفيائهم ، من غير المؤمنين .

        وكذلك الآية التي يبتلي فيها سبحانه ، أهل الإيمان ، ويمحص بها قلوبهم ، وينقي نفوسهم ، ويشحذهم شحذاً ليكونوا في النتيجة سيوف صدق لله وحده لا شريك له ، فيكون لهم حظ الترقي في معارج الكمال والقرب من الله الحبيب والسعادة الأبدية . قوله تبارك وتعالى :

       { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .  [ 4 : الممتحنة ] .

        حتى إذا صدقوا الله ، وروَّضوا قلوبهم ونفوسهم وأفكارهم وتوجهاتهم على تصديق الآية قولاً عقلياً ، وعملاً قلبياً ، رفع عنهم الله سبحانه وطأة  هذه  الآيـة

العظيمة ، وبلاءَها العميق ، ونقلهم إلى بعض مصاديق ما بعدها ، قوله سبحانه وتعالى:

       { عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . [ 7 : الممتحنة ] .

        وذلك إما بهداية من عاديتم منهم ، وإما بالتخفيف عنكم بإدخالكم مداخل صدق ، في هذا الموضوع ، فيها الكثير من نعمه ورحمته الواسعة .

        ثم تضيق مساحة الإبتلاء على المؤمنين ، يريدهم ، أو يريد منهم ، أولياء ، أصفياء ، صديقين مقربين ، ليجعل منهم قادة ومعلمين دعاة إلى الله وحده كما ينبغي لكرم وجهه ، مجاهدين في سبيله وحده ، كما ينبغي لجلاله وعظمته وكبريائه، وعزته ووحدانيته ، يقول سبحانه :

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . [ (23 ـ 24 ) : التوبة ] .

        ففي الآية الأولى ، نهى الله سبحانه عن أن يتخذ المؤمنون ، أقرب الناس إليهم أولياء ، إن استحبوا الكفر على الإيمان ، وإن كانوا آباءَهم وإخوتهم فمن باب أولى ، ما دام الأمر كذلك أن يمتنعوا عن الولاء لأي إنسان آخر إذا كان من غير المؤمنين ، والملاحظة في الآية أنه سبحانه لم يذكر الأبناء ، لأنه من الشاذ اتخاذ الأبناء أولياء من قبل الآباء .

        فيكون ، على هذا الأساس ، أيما مؤمن عادي ، هو أقرب إلى مؤمن آخر ، من أبيه وأخوته وذويه ، إذا كان هذا الأب وهؤلاء الأخوة وهؤلاء الأقارب ، يستحبون الكفر على الإيمان ، مجانبين للمؤمنين متنكرين لهم أو زاهدين فيهم ، مفضلين عليهم غير المؤمنين .

        والحكم في ذلك كله ، لله تبارك وتعالى ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويعلم ما تسرون وما تعلنون ، ويحاسب على توجهات الإنسان في مشاعره وعواطفه وميوله ، وخطرات فكره ونبضات قلبه . والآية الثانية تشير إلى هذه المحاسبة الدقيقة ، على هذه الحركات والمعاني النفسية والقلبية البالغة الخفاء  :

{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ  … أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ  اللهِ … الآية } .

        فالأحب الأعظـم  ـ حسب مضمون الآية ـ هو الله سبحانه وتبارك وتعالى ، وله الولاء الأعظم والحب الأعظم ، وما يفيض من هذا الحب فهو للرسول (ص) وللجهاد في سبيل الله ، وهذا يعني أن الجهاد ، ينبغي الإقبال عليه بحب وبشوق وإقدام ، وليس بوجل وتكاسل وتردد . وبقية ما يفيض من هذا الحب ، هو لأئمة الحق ، وأعلام الصدق ، وبقية الأعيان والمعاني بنسبة قربها من الله تعالى وبنسبة حبه هو تعالى لها ، إذ من صفات المؤمن الأساسية ، أن يحب ما يحبه الله وأن يبغض ما يبغضه الله ، وتحصيل ذلك والفصل فيه ، هو بفضل منه سبحانه ، سهل وبسيط عند الصديقين والأولياء والأصفياء .

        بقيـت الخلاصة المفزعة ، في أواخر آية الحب هذه ، هي قوله سبحانه {فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . وهذا يعني أن أمراً من هذه الأمور التي ذكرها تعالى في الآية ، إذا كان أحب إلى إنسان  ما من الله … فهو فاسق . ومن يحب أباه ، أمه ، أبناءَه ، أطفاله ، إخوانه ، زوجه ، بعض أقاربه ، ماله … أكثر مما يحب الله …  فهو خارج من دين الله ، وذلك هو معنى الفسوق . والخروج من دين الله فيه معنى الردة والإرتداد ، ومن يخرج من دين الله

متراجعاً مرتداً ، فهو إلى جاهلية جهلاء أو ضلالة عمياء ، فيها الزيغان عن الحق  :

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } .[ 5 : الصف ]. وفيها عبادة الهوى :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } . [ 23 : الجاثية ] . وكذلك ، وفيهـا الإستجابة لشياطين الجن والإنس والتعامي عن الآخرة والحساب : { إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ …  فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى } . [ (15ـ16) : طه ] . وفيها السقوط الأبدي ،  نتيجة  الإخلاد  إلى

الأرض ، بسبب الإنسلاخ من آيات الله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا … وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ … } 176]: الأعراف ] .

وذلك كله ، وفوقه أنواع من خـزي الدنيا وعذاب الآخرة ، في ثنايا قوله سبحانه : { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

        وقد يظن القارىء في ذلك ، مخارج سهلة من تربص الله به ، ومن الإدعاء بالفسوق عليه ، ذلك بأن يصرح للناس لفظاً أو كتابة ، بأنه يحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله ، أكثر مما يحب أباه وأمه وأولاده ، ولا سيما الأطفال … وإخوته وماله و … و … إلى آخر المذكورات في الآية الكريمة .

        ولا بد هنا من الإشارة ، إلى أن هذه الأمور التي ذكرها سبحانه في الآية ، هي من متعلقات الحب الحلال . فأما متعلقات الحب الحرام فكثيرة ، ولا تجوز معها المفاضلة والترجيح ، كما هو الشأن في الآية الكريمة . فحب الحرام أصلاً من المهلكات . وعلى أي حال ، ففي المحاولة ، محاولة الخلوص من المطبات والبؤر السوداء ، جهاد ، إذا اغتسل له المتورط غسل التوبة إلى الله ، وهو غسل باطني ، تغسل وتطهر فيه النفس والقلب والجوارح . فإن في ذلك طموح شريف ، أو شرف طموح . والله المنتقم الجبار ، هو ذاته الغفور الرحيم . سبحانه وتعالى ، له المجد وله الحمد .

        قلنا قد يصرح الإنسان بأن الله سبحانه هو الأحب ، ولكن التصريح هذا ، قد يخدع الناس ، وقد يخدع أكثر المؤمنين ، ولكنه لن يخدع الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . فإذا كان الإنسان صادقاً ، فهو تعالى أعلم به من نفسه ، فيثيبه ويزيده من هداه ومن كل خير أحاط به علمه . وإن كان كاذباً ، فالله كذلك أعلم به من نفسه . 

قال سبحانه :

       {.. يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً  . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } .]142 ـ 143 : النساء ] .

        لذلك ، على المؤمن أن يحرص حرصـاً شديداً ، على ضبط عواطفه ، وميوله ، وتركيز حبه ، محاسباً نفسه بين الحين والحين ، متسائلاً باحثاً ، منقباً ، مجتهداً ، ليعلم إذا كان شيء من أشياء الدنيا والآخرة ، أحب إليه من الله … وإذا أمكن  أن يحاسب  نفسه كل يوم ، وكل لحظة ، يعني أن يحاسب أنفاسه ، فإذا فعل ذلك ، طيّب الله حتى أنفاسه ، وطيّب عمره ، وطيّب حياته وطيّب آخرته . وجعله سبحانه من { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .[ 32 : النحل ]. وليس من الذين قال فيهم سبحانه :

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }  ]26ـ27: محمّد ]. وقال تبارك وتعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيـقِ }  ] 50:الأنفال[