الرحمة هي الغاية من خلق الانسان .. وهو اختار نهايته
كما رأينا من بعض التأمل في فكر التوحيد ، أن الله عز وجل ، هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته . وأنه هو وحده الخير المحض ، الذي لا يصدر عنه إلاّ الخير والحق والجمال .
فلماذا إذاً خلق الله هذا الإنسان الشقي المتعب ، المعذب ، كما هو ظاهر حاله في تاريخه الطويل ؟
ثم يا نوح ويا إبراهيم ، ويا موسى ، ويا عيسى ، ويا محمد ، سلام الله عليكم ، وعلى من سبقكم وعلى من لحق بكم من أنصار الله وأحبائه وأوليائه ، هل كنتم أشقياء متعبين معذبين ؟
وهل الشقاء حالة عامة ، تلازم جميع الناس ، وفي جميع مراحل حياتهم ؟ يبدو أن الأمر ليس كذلك .
فهنالك الذين غنوا ورقصوا وضحكوا .. وما زالوا يغنون ويرقصون ويضحكون .. ولو كان ورد في كتاب الله قوله عز وجل :
{ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ .. }(سورة غافر ، الآية ( 75)) .
إلاّ أنه سبحانه لم يترك أهل الدنيا يهنأون كما يشاؤون بدنياهم . فلذلك كثيراً ما عبر الإنسان وما زال ، عن ضيقه وحزنه ومراراته ، شعراً ونثراً وما بين الشعر والنثر في حياته العملية ، بين زفرة وحنين ، وتوجع وأنين ، وكذلك عبَّر عن فرحه ومرحه ، بالكلمات والأصوات والحركات …
ولكن هناك حالة ثالثة ، بين هاتين الحالتين ، هي حال أهل الإعتدال ، الذين هم مصاديق قوله تبارك وتعالى : { لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ .. }(سورة الحديد ، الآية 23) .
إلا أن خلاصة القول التي تكاد تكون على كل لسان ، كلمة أبي العلاء المعري في داليته : تعب كلها الحياة …
وهل الله سبحانه أقر بعض هذه المعاني ؟ قوله تعالى :
{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى . فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى .وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى }(سورة الليل ، الآيات ( 4 ـ 11 )) .
وهي آيات واضحات المعاني ، إن سعي الإنسان مختلف بين السلب والإيجاب ، فأهل الشمائل الحسنة والصدق مع الله ، ميسورو الحال ، وأهل البخل والأنانية ، وعدم الثقة بالله ، وبوعد الله ، وصنيع الله ، يلزمون السبيل الذي اختاروه . وهل يؤدي إلاّ إلى الشقاء . وهل فيه ما يغني عن رحمة الله سبحانه ؟ .
وفهمنا لقوله عز وجل : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى .. } وما بعدها ، يحُلُّ لنا الغموضَ الذي في الآية الكريمة :
{ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }(سورة هود ، الآيه ( 118 )).
مختلفين في الدين ، مختلفين في السبل السلبية ، يتعرض لهم الله سبحانه برحمته ، يلاحقهم بها من البداية إلى النهاية ، فيعرضون عنها مستكبرين . إلاّ فريق أقام وجهه للدين حنيفاً ، فكان حقيقاً بهذه الرحمة ، يستقبلها بعقله ووجهه وقلبه وكل جوارحه .
فالغاية من خلق الله سبحانه وتعالى للناس ، هي الرحمة .
أما ما يقال أيضاً عن أن الغاية إنما هي العبادة ، استفادة من قوله عزّ وجل :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(سورة الذاريات ، الآية 56).
فبأيهما نأخذ ؟ بكون الغاية من خلق الله تعالى للناس ، هي الرحمة من قوله عز وجل :
{ … إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } .
أم بكون الغاية من خلقه تعالى للناس ، هي عبودية الناس له ؟
الواقع أن الغاية واحدة . كيف ؟
أساس العبادة الحقة ، التوحيد ، وهنا سر الرحمة :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }(سورة الزمر ، الآية 29) .
والمثل تصوير لطيف وبليغ لحالة رجل يتعامل مع مجموعة شركاء كلهم له عليه سلطان ، فهو مضطر لخدمة الجميع ، وإرضاء الجميع وطاعة الجميع ، وهذا محتمل نسبياً لو كان لهم مزاج واحد وشخصية واحدة ، إلاّ أن الواقـع غير ذلك ، فما دامـوا شـركاء ، فهـم على إختـلاف أمزجتهم وتطلعاتهـم ، سينـزع كل واحد منهم منـزعاً يؤدي بالضرورة إلى التشاكس ، وبالضرورة سيكون هذا الرجل بينهم ممزق النفس متحيراً فاقداً لحقيقة الحرية ، إذا أحبًّ واحداً غضب الباقون ، وإن أطاع واحداً ، اتهمه آخر بمعصيته ، وهكذا إلى حالات من التباين معهم لا تنتهي . فهل يستوي وضع هذا الرجل ، مع أخ له لا يتعامل مع مجموعة شركاء ، وإنما يتعامل مع رجل واحد ، تعاملاً فيه السلام والثقة والطمأنينة .. والأمن والأمان والمحبة ، والسعة مدى الحياة.. كذلك عبادة الله الحبيب الواحد الأحد .
فالإسلام لله وحده ، والعمل بتعاليمه وقوانينه ، يوصل الإنسان بقدر ما يؤمن ويجاهد ثم يوقن ويجاهد ، ثم يتقي ويجاهد ، ثم يحب ويجاهد ، ويجعل حبه خالصاً لله وحده له الحمد ، بقدر ما يحظى برضى الله ورضوانه . فلا غفلة ولا ألغاز ولا أسرار ، فإن بقي منها أشياء ، فإنها ستكشف له يوم القيامة ، يوم يقال له :
{ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }(سورة قَ ، الآية 22).
فإذا كانت العبوديـة للخلاق العظيم ، عملاً بتعاليمه وقوانينه وقرآنه المجيد ، واقتداء بمحمد صلى الله عليه وآله الذي هو رحمة للبشرية ، إذا كان كل ذلك الذي يوصل إلى الفوز المبين ، ليس رحمة ، فما هي الرحمة إذن ؟ هل الذلة والتمزق بين تحكم المخلوقين وأمزجتهم ، أم هي الفوضى والفلتان ، والإندفاع بدون كوابح نحو الهاوية .
{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ }(سورة الروم ، الآية 12).
مَنْ المهيمن على الكون وعالم أسراره ؟
مَنْ مالك الأرض وما ومن فيها ، من بحار وأنهار ، والحوت الأزرق من خلقه ، لا يموت إلى قيـام الساعة يعني يعمر ملايين السنين ، إلا إذا انتحر أو قتل ، ولا يكون انتحاره أو قتله إلاّ بإذن الله عزّ وجل .
من رفع ” أفرست ” من جوف المحيط ، وملأ مكانه بالأمواه ، وقال له كن أعلى جبل فكان . واسبحي يا أرض حول النور والنار دون ميدان ، فسبحت وسبَّحت طائعة .
مَنْ مالك السماوات السبع ، سماء فوق سماء فوق سماء … ومن يدير السبع الأرضين وملحقاتها ، أرضنا فوق أرض فوق أرض … تحت كل سماء مجموعة ، ويحيط بهذا الكون أكوان وأكوان هي العرش العظيم .
والسماوات والأرض في كرسي العرش كباقة زهر ، والعرش محيط بالكرسي ، إحاطة المملكة المجهولة الحدود بصحراء فيها باقة الزهر . ويكفي أن نعرف عن روعة المملكة، أنه هو سبحانه وتعالى سماها العرش العظيم ، والعرش المجيد ، والعرش الكريم .
ماذا يملك الإنسان من كل هذا ؟
لا شيء أصلاً … ولكن الله عزّ وجل كرّمه :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }(سورة الإسراء ، الآية 70 ) ..
والله عزّ وجل سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه وملّكه تفضلاً منه وتكرما ً وبدون مقابل ، فهو تعالى غني عنه وعن عبادته وعن طاعته ، ولكنه سبحانه لرحمتـه به ، يحـب لـه الإيمـان ولا يحـب لـه الكـفر . ملّكه في الأرض ملكـاً مؤقتـاً ، إذا أحسن إدارته كمـا علَّمـه الله جـل شأنه ، سعد فيه ، وكان جسراً لملك دائم باق هو دار السلام والأمن والهناءة الأبدية . أما إذا أساء الإنسان إدارة ملكه في الأرض ، أفسد هذا الجسر إلى النعيم الدائم وهدّمه ، فحرم نفسه مختاراً من النعيم الموعود ، وأوقع نفسه مختاراً في الجحيم الموعود :
{..وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(سورة آل عمران ، الآية 117).
{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ }(سورة سبأ ، الآية 32 ).
وإذا كان الأمر كذلك ، فهل نفهم أن الإنسان خلـق في الأصـل ليسعد ؟ وفي الدارين ؟
{ طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }(سورة طـه ، الآيات ( 1 ـ 2 )) . صَدَقَ الله العظيم
لمن الخطاب هنا ، صحيح أنه في خصوصه لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله على أساس أنه (طه) بوجـه من الوجوه من أسمائه صلى الله عليه وآله . ولكن الخطاب ليس حكراً على رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما هو لكل مؤمن ، إذ إن هذا اللفظ المبارك ، ويعتبر من جملة ما يسمى بالأحرف النورانية ، أو مفاتيح السـور ، كـذلك ( يَسَ ) ومثلهمـا مثـل ( الـم ) و (حـم) و(كهيعص) … ولهذه الأحرف الكثير من وجوه أسرار الظاهر والباطن.
المهم أننا نفهم من ذلك بوضوح ، أن الله عزّ وجل ما أنزل القرآن على الإنسان ليشقى ، وإنما أنزله عليه ليسعد ، وفي هذا القرآن قوله تبارك وتعالى :
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ، الآية 89 ).
وإذا كانت الهدايةُ رأسَ السعادة وبصَرها ، والرحمة ُ قلبَها وحياتهاَ ، والبشرى جناحيها وجوّها الرحب الفسيح ، فعند الله سبحانه ، أكثر من ذلك ، أكثر من الهداية والرحمة والبشرى . عنده الإنهاض من الكبوة ، والإنقاذ من المطبات ، والغطاء الكريم الشافي من الخطأ والزلل ، وعنده السِتْر والعافية ، يعني عنده المغفرة ، أسمعه أيضاً يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وكل عامل بكتابه الكريم ، بقوله سبحانه ما أعظمه وأكرمه وأرحمه :
{ نَبِّيءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(سورة الحجر،الآية 49).
لماذا يذل الإنسان نفسه بالمعصية ؟
أليس الله تبارك وتعالى هو أعلم بنفس الإنسان ، وبالتالي بمصلحة الإنسان ، فإذا نهاه عن أمر ما ، فهل يكون تحكماً منـه بدون طـائل ؟ حاشـى لله .
وهل إذا أمره سبحانه بفعل ما ، أو برياضة ما ، نفسية أو بدنية ، فهل يكون أمره عزّ وجل بدون علم النتائج ، وهو الله الذي لا إلـه إلاّ هو الحق المبين .
فعلام يتجبر الإنسان ، ويتكبر ، ويجادل بما لا يعلم ، بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير . ثم في مجال التجربة العملية :
متى كانت المعاصي مسعدة لفاعلها أو مفيدة له ؟ ألا نراها دائماً وأبداً تنكفىء على صاحبها بالندامة ، والخسارة ، والذلة ؟ أما المتعة التي يحصل عليها الإنسان أثناء سقوطه في المعصية ، أليس فضلاً عن كونها تنقطع بردة فعل موحشة ومنكرة ، تشعره بكونه كان معها تافهاً ورخيصاً ؟
والله عزّ وجل يحب لعبده العزة والكرامـة والشرف ، يرفعه بذلك ويرفعه ، ويجري له الامتحانات ، كلما نجح بواحد منهـا ، تحسنـت قابليتـه وكفاءته ، فيعرّضه سبحانه لامتحان آخر ، أرفعَ وأرقى ، دون أن يحمله فوق طاقته ، فهو تعالى أعلم بطاقته ، فإذا استقام ، وَاكَبَه سبحانَه بلطفه ، وعونه ورحمته ، حتى يوصله إلى درجة يصلح لها وتليق به .
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا .. }( سورة البقرة ، الآية 124 ) .( صدق الله العظيم )
{ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى }( سورة طَـه ، الآية 75). ( صدق الله العظيم )
هذه الآية الكريمة حتى لا يقولن أحد أنا لست نبيّاً ولست إماماً ، ولست معصوماً ، فقد جعل الله الدرجات العلى لجميع الناس ، كل إنسان يستطيع أن يتوصل إليها بزيادة الايمان وبعمل الصالحات كلها ، التي قد يعبر عنها بالدين الخالص ، أو الدين المخلص لله عز وجل .
الناس مروا بتجربة المعصية قبل هذه الدنيا :
المقصود بالدنيا ، هذه الأرض التي نحن عليها اليوم ، وهي بمعنى السُفلى ، إذ فوقها سبع سماوات وست أرضين ، وبتعبير آخر ، هي ( الأرض الدنيا ) ، وهي وجميع متعلقاتها من الكواكب السيارة حول شمسنا مع أقمار هذه الكواكب ( للمشتري وحده خمسة عشر قمراً) وملايين الشموس في مجـرة درب التبانة ، ومليارات الشموس فـي باقي المجـرات، يعني أن جميـع هـذه الكواكب والأقمـار والمجـرات الهائلـة بشموسها العظيمـة ، هـي تحـت السماء الدنيا ، وكذلك معهـن ما توصـل إليـه العلم مـن معارف وأسرار وكشوف وأجرام ، وما لم يتوصل إليه بعد ، لا يمكن إلا أن يكون تحـت سمائنـا الدنيا هذه. ولا يمكن إلاّ أن يكون من توابع أرضنـا هذه ، أو زينـة لسمائها ورجوماً لشياطينها وبالنجم هم يهتدون .
فحرصاً على فكر التوحيد ، وفيه الحرص عـلى فهـم عـدالة الله سبحانه ، وفوق عدالته رحمته ، كان بديهياً علاج مشكلة واسعة الانتشار ، وتشكل خللاً في صلب العقيدة ، حيث بدلاً من أن نعتقد برحمـة الله الواسعة ترانا نعتقد بظلمه وتحكمه ، سبحانه وتعالى عما يصفون .
وهذه المشكلة التي يرددها أكثر الناس ، تارة ببراءة ، وتارة بجهالة ، تتلخص بهذا التساؤل :
إذا كان أبوانا آدم وحواء ، أكلا من شجرة الخطيئة ، فما ذنبنا نحن حتى نتحمل وزرهما ، ونتيجة خطيئتهما ، حيث أُهْبِطَا من تلك الجنة التي فيها رغد العيش ، ولا يجوع الإنسان فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ ولا يضحى . فما ذنبنا نحن وما خطيئتنا ، حتى نعيش في كَدْح وكَبَدٍ ، وحتى تبدو لنا سوءاتنا ، ونجوع ونعرى ، ونظمأ ونضحى ، ونحيا في هذه الأرض بعضنا لبعض عدو ، ومن اتبع منا هدى الله تبارك وتعالى ، فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عنه ، فإن له معيشة ضنكاً ، ويحشره يوم القيامة أعمى … في وقت كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، وفي نفس الجنة التي أهبط منها أبوانا .
ومن ذا الذي يدعي بدون بينة ، أننا كنا سنخون عهد الله سبحانه ونعصي أمره ، وننخدع بكلام عدوّ واضح العداء ، هو إبليس المجرم . فضلاً عن أن ربنا الله عزّ وجل ، حذر أبوينا منه تحذيراً شديداً .
على أي حال ، كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، ونحن ندعي ، بل ونجزم ، أننا كنا تلافينا السقوط ، الذي سقط فيه أبوانا . ثم إنّ الله عزّ وجل يقول :
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }(سورة الإسراء ، الآية 15 . سورة الزمر ، الآية 7).
ويقول سبحانه :
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }(سورة المدثر ، الآية 38).
فكيف يحملنـا عز شأنـه وزر غيرنا ؟ وكذلك يرتهننا بما كسب ذلك الغير ؟ ..
هذا بإيجاز ، ما يُتَدَاوَل به عامةً بين الناس ، وهو كما نرى ، تحد للعقل الإسلامي الموّحد .
ولا بد من ملاحظة في السياق ، تلفت إلى أن كثيراً من الحبر أهريق في سبيل الدفاع عن خطيئة أبينا آدم المزعومة ، وملخصه أن أمر الله سبحانه لأبينا آدم كان تنـزيهياً ولم يكن مَوْلَوِيّاً (كأمر السيد لمولاه) ( مما لا يغير شيئاً في أصل المشكلة ) .. إلى كلام آخـر ، موجزه أيضاً أن الله عزّ وجل ، جرّب آدم وزوجه في تلك الجنة ، فوجد بعد التجربة ـ عبرهما ـ أن الإنسان لا يستطيع أن يتربى إلاّ في حجر الطاعة والتعاليم ، وأكثر ما تناسبه هذه الأرض الدنيا .
وبما أن الحقيقة أحق من ذلك كله ، فقد قررنا يإذن الله تبارك وتعالى ، أن نعقد بحثاً ، نجلو فيه ، ما يقيض لنا الله سبحانه من الحقائق .. وبه أستعين ، راجياً وجهه الكريم ولا شيء إلاّ وجهه الكريم .
أما ما قد يحمل عليّ بحثي هذا وبقية أبحاثي . من ردود فعل ، قد يكون أقلها الإطلالة العصبية من سجن التقليد ، والروايات الموضوعة ، والأحاديث الدخيلة ، والإسرائيليات .. أو حتى الرمي بهرطقات الفلاسفة ، أو شطحات الصوفية ، فإني بفضل ربي من ذلك كله بريء . والله حسبي ، هو نعم المولى ونعم النصير .
فإلى توضيح ذلك ، والله المستعان .
الناس مروا بتجربة المعصية قبل هذه الدنيا :
المقصود بالدنيا ، هذه الأرض التي نحن عليها اليوم ، وهي بمعنى السُفلى ، إذ فوقها سبع سماوات وست أرضين ، وبتعبير آخر ، هي ( الأرض الدنيا ) ، وهي وجميع متعلقاتها من الكواكب السيارة حول شمسنا مع أقمار هذه الكواكب ( للمشتري وحده خمسة عشر قمراً) وملايين الشموس في مجـرة درب التبانة ، ومليارات الشموس فـي باقي المجـرات، يعني أن جميـع هـذه الكواكب والأقمـار والمجـرات الهائلـة بشموسها العظيمـة ، هـي تحـت السماء الدنيا ، وكذلك معهـن ما توصـل إليـه العلم مـن معارف وأسرار وكشوف وأجرام ، وما لم يتوصل إليه بعد ، لا يمكن إلا أن يكون تحـت سمائنـا الدنيا هذه. ولا يمكن إلاّ أن يكون من توابع أرضنـا هذه ، أو زينـة لسمائها ورجوماً لشياطينها وبالنجم هم يهتدون .
فحرصاً على فكر التوحيد ، وفيه الحرص عـلى فهـم عـدالة الله سبحانه ، وفوق عدالته رحمته ، كان بديهياً علاج مشكلة واسعة الانتشار ، وتشكل خللاً في صلب العقيدة ، حيث بدلاً من أن نعتقد برحمـة الله الواسعة ترانا نعتقد بظلمه وتحكمه ، سبحانه وتعالى عما يصفون .
وهذه المشكلة التي يرددها أكثر الناس ، تارة ببراءة ، وتارة بجهالة ، تتلخص بهذا التساؤل :
إذا كان أبوانا آدم وحواء ، أكلا من شجرة الخطيئة ، فما ذنبنا نحن حتى نتحمل وزرهما ، ونتيجة خطيئتهما ، حيث أُهْبِطَا من تلك الجنة التي فيها رغد العيش ، ولا يجوع الإنسان فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ ولا يضحى . فما ذنبنا نحن وما خطيئتنا ، حتى نعيش في كَدْح وكَبَدٍ ، وحتى تبدو لنا سوءاتنا ، ونجوع ونعرى ، ونظمأ ونضحى ، ونحيا في هذه الأرض بعضنا لبعض عدو ، ومن اتبع منا هدى الله تبارك وتعالى ، فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عنه ، فإن له معيشة ضنكاً ، ويحشره يوم القيامة أعمى … في وقت كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، وفي نفس الجنة التي أهبط منها أبوانا .
ومن ذا الذي يدعي بدون بينة ، أننا كنا سنخون عهد الله سبحانه ونعصي أمره ، وننخدع بكلام عدوّ واضح العداء ، هو إبليس المجرم . فضلاً عن أن ربنا الله عزّ وجل ، حذر أبوينا منه تحذيراً شديداً .
على أي حال ، كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، ونحن ندعي ، بل ونجزم ، أننا كنا تلافينا السقوط ، الذي سقط فيه أبوانا . ثم إنّ الله عزّ وجل يقول :
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }( سورة الإسراء ، الآية 15 . سورة الزمر ، الآية 7).
ويقول سبحانه :
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }(سورة المدثر ، الآية 38).
فكيف يحملنـا عز شأنـه وزر غيرنا ؟ وكذلك يرتهننا بما كسب ذلك الغير ؟ ..
هذا بإيجاز ، ما يُتَدَاوَل به عامةً بين الناس ، وهو كما نرى ، تحد للعقل الإسلامي الموّحد .
ولا بد من ملاحظة في السياق ، تلفت إلى أن كثيراً من الحبر أهريق في سبيل الدفاع عن خطيئة أبينا آدم المزعومة ، وملخصه أن أمر الله سبحانه لأبينا آدم كان تنـزيهياً ولم يكن مَوْلَوِيّاً ( كأمر السيد لمولاه)( مما لا يغير شيئاً في أصل المشكلة ) .. إلى كلام آخـر ، موجزه أيضاً أن الله عزّ وجل ، جرّب آدم وزوجه في تلك الجنة ، فوجد بعد التجربة ـ عبرهما ـ أن الإنسان لا يستطيع أن يتربى إلاّ في حجر الطاعة والتعاليم ، وأكثر ما تناسبه هذه الأرض الدنيا .
وبما أن الحقيقة أحق من ذلك كله ، فقد قررنا يإذن الله تبارك وتعالى ، أن نعقد بحثاً ، نجلو فيه ، ما يقيض لنا الله سبحانه من الحقائق .. وبه أستعين ، راجياً وجهه الكريم ولا شيء إلاّ وجهه الكريم .
أما ما قد يحمل عليّ بحثي هذا وبقية أبحاثي . من ردود فعل ، قد يكون أقلها الإطلالة العصبية من سجن التقليد ، والروايات الموضوعة ، والأحاديث الدخيلة ، والإسرائيليات .. أو حتى الرمي بهرطقات الفلاسفة ، أو شطحات الصوفية ، فإني بفضل ربي من ذلك كله بريء . والله حسبي ، هو نعم المولى ونعم النصير .
فإلى توضيح ذلك ، والله المستعان .