الاسرائيليون: وافسادهم الثاني وعلوهم الكبير

     { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .  ( 160 ـ 161 : النساء )

إن إفساد بني إسرائيل في الأرض  ، أمر معروف عند القرآنيين المستنيرين بالله ، وهو أمر مراقب  عنـد الراسخين  القرآنيين . ومن وجـوه  علم الله سبحانه فيما يختص بخلقه :

       {.. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء.. }(سورة البقرة ، الآية  254).

       فهو سبحانه ، جلّت قدرته وعزَّ شأنه ، قد أخبر في كتابه الخبر اليقين ، الخبر العجيب، الذي نراه في عصرنا هذا ، ويوماً بعد يوم ، هو ينطبق  آيـةً آيـةً ، وكلمةً  كلمةً ، وحرفـاً حرفاً ، قوله تعالى :

       { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا . فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا }( سورة الإسراء ، الآيات ( 4 ـ 5 ـ 6 )) .

        فليس عبثاً هذا الإفساد الفظيع الرهيب ، الذي أفسـده بنو إسرائيل  في  عصرنا هذا في شعوب الأرض . فما من موبقةٍ على صعيد الأخلاق ، وما من فتنة على صعيـد الشعـوب والدول .وما من فاحشـة  على صعيد الربـا ،  ( مؤسسات وأفراد )، والتعبّـد للمـال ، للذهـب  والفضـة ، ولِما يسمّى ( الاقتصاد ) ، وما من سكّين مزّق في جسـم الإسلام وجسـم المسيحية ، أو سم ديف في كتبهم وتاريخهم ومعتقداتهم وأحاديثهم وأفكارهم إلاَّ وكـان الشريكَ الأكبَرَ في ذلك كلِّه أقلامٌ  أو مؤسسـاتٌ أو جمعياتٌ أو عصاباتٌ يهودية .

        ولا بدع منهم في ذلك . فهم شهدوا على أنفسهم  بما ذكرت وبأكثر  مـمّا ذكرت، وتاريخهم يشهد ،  وكتبهم  التي أصبحت بين أيدي الناس  تشهـد ، وكذبهم وافتراءاتهم  وادعاؤهم أن الله سبحانـه وعدهم …  ووعدهم … كل ذلك يشهد أنهم المفسدون في الأرض ، ولذلك باؤوا  بغضبٍ من الله تبارك وتعالى ، قوله عزّ شأنه فيهم :

       { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }(سورة آل عمران  ، الآية 112) .

       ولو أني  أردت أن أعطي أمثلة ، أو أقدم أدلة موثقة على ذلك ، لاقتضى الأمر مني مجلدات . على أن البدع الغريبة العجيبة في عقيدتهم لم تعد خافية على أحد من العقلاء والمفكرين . كذلك وضع الوضاعين والكتب التي كتبوها بأيديهم والتي غدت معتمدة أكثر من التوراة . حتى التحريـف الفظيـع لأخبـار التوراة زيادةً على النص وتشويهاً في التفسير ، لدرجـة أنّ هذا الكتـاب الذي كان مقدسـاً ككتـاب سماوي ، لم يعد كذلـك ، إذ أنه أختلـط فيه ما أنـزل الله سبحانـه على موسـى عليه السـلام  بما كتبـه الأحبار ، وبما افترضه عزرا كبير أحبارهم في العراق ـ  أثناء السبي  ـ  تعويضاً عن النقص الكبير الذي لحق بالتوراة  ، بعد مصادرة كتبها وحرقها من قبل الفاتح البابلي نبوخذ نصر . فحيث أن عزرا لم يجد نسخة كاملة للتوراة ، شـرع يأخذها من أفواه الحفاظ، ومن  وريقات مشتتة ، ثم رقَّع النقص الباقي بما أدخله إليه شياطينه . وفي ذلك ما يغني عن تقويم هـذا الكتـاب  الذي كان مقدساً ، بعد هذه العمليات التي ليست مقدسة .

        على أن ما جعلهم مستقبحين مكروهين من جميع الناس ،كـون أكثـرهم  يستحلّون مال غير اليهودي ، وحتى دمه ، هذا أولاً ، وثانياً نظرتهم لأنفسهم من جهة وللعالم من جهة ثانية ، وهي نظرة إبليسية  ، على أنهم من معدن فوق البشر ، والبشر من تراب ، وإلى قسوة في القلوب ، يشهد عليها  إضافةً  إلى حاضرهم الوحشي ،  تاريخهم الربوي حيث أجاز  بعض اليهود فيه الاقتطاع من لحم من لا يستطيع أن يسدّد إليهم الفائدة مالاً نقدياً . وقد كتب في هذا كثرة من كتّاب أوروبا قديماً وحديثاً . هذا وغيره من سلبياتهم الأخلاقية الكثيرة، جعل شعوب أوروبا المسيحية ، في كثير من الأحيان ، يثورون ويهاجمونهم في أحيائهم الخاصة ، بردّات فعل غاضبـة ، يمارس فيها ضدّهم القتل وإحراق المنازل . وهذه الأمور من المشهورات قبل ثلاثينات هذا القرن العشرين ، على مستوى الدول الأوروبية كلّها تقريباً ، من بروسيا إلى بولندة إلى إلمانيا وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا .

        أما الأعاجيب التي لم يسبقهم إليها شعب بدائي ولا أمّة همجية فهي التي مارسوها ضد العرب المسلمين والمسيحيين في فلسطين ، فإن تاريخ البشرية لم يشهد فظاعات ممهورة بالحقد الملوّن بألوان الحرباء  ، الحقـد الذي لم يشفـه حتى الآن ذبـح الأطفـال وبقـر بطـون الحوامـل في فلسطيـن ، طبعاً إضافة إلى قتل الشباب والشيوخ في مذابح جماعية ، تنفذهـا عصابـات إرهابية منظمة تنظيماً دقيقاً ومباركةً بلغة الحاخامات الشيطانية وموجهة بأفظع حركتين مفسدتين في تاريخ البشرية : الماسونية التي تتزيّا بكلّ أزياء العالم ومغرياته التي خدعت كثيـراً من رجـال العالـم حتى الأذكياء منهم ، وهي الحركة الأم ، ثم وليدتها الحركة الصهيونية .

       وهاتان المؤسستان ـ مع ما يرتبط بهما من حركات مشبوهة ، كثيراً ما تتخذ صفات عالمية وشعارات إنسانية ـ ما زالتا تفتكان بالبشرية وأمنها وسلامهـا وأخلاقهـا وقيمهـا فتكاً ذريعـاً .

         وهاتان الحركتان ، هما اللّتان أقامتـا دولة بني إسرائيل ، على أشلاء وجراح المسلمين والمسيحيين ، لا لشيء ، إلاَّ لأنَّهم مسلمون ومسيحيون .

        ثم أخذت هذه الدولة تطول أذرعهـا كما الأخطبوط ، حتى ليمكن القول ، إنه ما من كارثة سياسية أو اقتصادية  أو حتى اجتماعية أو أخلاقية ، تحلّ في بلد ما ، أو دولة ما ، إلاَّ ويكـون لذراع  من أذرع الأخطبوط الإسرائيلي شأن خبيث فيها لدرجة  أن هذه الأذرع اشتهرت بالاغتيالات والغدر ، وكانت وراء معظم الحروب الأهلية في أكثر دول العالـم  ، كما كانت وراء تأسيس حركـات الإلحـاد العالمية وعلى رأسها الفكر الإلحادي الشيوعي ، الذي  أقـام له دولة عظيمـة أصبـح اسمها الإتحـاد السوفياتي ، كادت  تبتلع  بعقيدتها الشّاذة الهدّامة أكثر من ثلثي العالم ، لولا أنّ لله سبحانه شأنٌ في تحجيمها وإرهاقها من الداخل حتى تكون سهلة المنـال أمام هجمـة أمريكية ـ أطلسية ـ تمزقهـا على جميـع الأصعـدة  السياسية والعسكرية والإقتصادية بعدما تكون قد هيّأت لها ـ في الظاهـر ـ  نفس دولة بني إسرائيل وحركة الصهيونية العالمية ، ليس حبّاً بأمريكا ودول الحلف الأطلسي وإنما محاولة جاهدة ، لزجّ الدولتين العظميين في آتون حرب تعتقد إسرائيل أنها ستكون القاضية على كلتيهما وكذلك على أكثر الدول وأقواها والتي لا بدّ أن تكون بشكل أو بآخر وقوداً لهذه الحرب ، فتبقى إسرائيل  هي الدولة الأقوى في العالم ، فتخضع الأرض ، وأهل الأرض لمشيئتها وأحلامهـا ، ولكـن مشيئة الله هـي التـي  تتحقـق وليس مشيئـة إسرائيـل ولا غير إسرائيل . فإن توقيت الحرب زماناً ومكانـاً وضيقـاً واتساعـاً إمّا بأمـره سبحانه وإمّـا بإذنـه ، فإنه يستحيل الخـروج  من سلطان الله . ولقد سبق قوله تعالى في بني إسرائيل ومحاولاتهم دائماً إشعال الحروب  :

       { .. كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ.. }(سورة المائدة ، الآية 64).

       فيبتليهم  ويخزيهم أو يأذن لهم أو لغيرهم ساعة يريد وكيف يريد ، مع حسابات متناهيـة في الدقة ، تتصل بجميع الفرقاء ، لا يقدر عليها غير ربّ العالمين  .

        فهذا إذن ، هو التصوّر اليهودي الذي لا يدركه في العالم إلاَّ من امتحن الله قلوبهم للإيمان واختصّهم برحمته الواسعة . ولأن أهل الغرب  عامـة أغلقوا قلوبهم دون رحمـة الله ، وبرأوا اليهود من كفرهم بالمسيح عليه السلام  ومن عدوانهم على المسيـح والمسيحيـة  في التاريخ قديماً وحديثـاً ، ولأنهم ارتضوا بذاءة اليهود في حقّ مريم  عليهـا السلام  ، ولأنهّم  سكتوا أذلّةً أمام تشنيع اليهود عليهم وعلى اعتقادهـم  بقداسـة المسيح وأمّه ، وأكثـر من ذلك ، لأنهم أداروا ظهورهم كلّياً للَّـه ولدينـه وتعاليمـه ، واتّبعوا الهـوى وفرحـوا  بما عندهم من العلم ، لذلك كلّه ختم الله علـى سمعهـم وقلوبهم وجعل على أبصارهم غشاوة  ، فتركهم ينخدعون بمزاعم اليهود من حيث صداقتهم للغرب عامة وللأمريكيين خاصة . والأكثر انخداعاً بذلك ، هم الكهنة الإنجيليون في الولايات المتحدة الأمريكية ، والذين يروّجون تبعاً لإيحاءات اليهود الكتابية والشفوية أن الحرب ستنتصر فيها أميركا وحلفاؤها ، وأنها حرب تعبّدية يتقرّبون بها إلى الله عزّ شأنه . وأن حرباً أخرى آتية اسمها  هرمجيدون ( سهل مجدو في فلسطين ) سيفنى فيها ملايين العرب …  هذا إلى آخر الادعـاءات والمزاعم الإسرائيلية المتداخلة بغباء الشعوب المادية التي كانت مسيحية ، والأمريكان وفي مقدمتهم الكهنـة الإنجيليون ومن ورائهم  ملايين شعبهم ولا سيما الحزب الجمهوري  وعلى رأسه عدة رؤساء للجمهورية وعلى رأسهم جميعاً  المخدوع الرئيس  بوش ،  كل أولئك  كانوا مقتنعين بوجوب شنّ حرب  على الإتحاد السوفياتي  ، وكانوا  يعملون  على ذلك ويمهدون لساعة  الصفر ، وواقع الحال أن ساعة الصفر ستقع ، ولكن ليس في الزمان والمكان اللّذين يريدهما الإسرائيليون والأمريكان .

        والذي نعلمه بفضل من الله  ولا يعلمه الأمريكان والحلفاء الذين انتصروا على الإتحاد السوفياتي وحلفائه ، هو أنهم سيشتبكون مع الصين في حـرب ضارية ، ويستمران يتغالبان… فكيف ستكون النهاية ، فهل حقّـاً سيقطف اليهود الثمرة العالمية  بحكم الأرض ؟ هكذا يعتقدون سرّاً ، ومن أجـل هـذا يعملون ليلَ نهار  ، ولكن  :

       { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }(سورة الفجر ،  الآية  14) .

       { .. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(سورة الأنفال  ، الآية 30) .

       نحن ـ بفضل من ربنا ـ نعلم ما لا يعلمون  :

       { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }(سورة الإسراء ،  الآية   9 ) .

       { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }(سورة النمل  ،  الآية  76) .

       وفي جملة ما يختلفون  فيه أن أكثرهم يعتقدون أن واقـع فسادهم وإفسادهـم  إنـما هو صـلاح وإصـلاح ، بينما بعضهم  وهم الذين رفضوا الانضمام إلى هـذه الدولة الإرهابية  إسرائيل ، ورفضوا المجيء إلى فلسطين  ،  يعتقدون ـ وهو الحق ـ  إن هذه الدولة في غضب الله  ، وإنهـا خلاصـة الإرهـاب العالمي المنظّم  ، وإنها بالنتيجة تسير نحـو الهاوية ، لتسقط فيـها من شاهق بعد بلوغها العلّو الكبير الموعود ، يتضح ذلك كله في القرآن المجيد ، حيث يقول سبحانه عن القلة القليلة الصالحة فيهم  :

       { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }(سورة البقرة ، الآية 62).

       فيجعلهم في جملة المسلمين والنصارى الناجين إلى نعيمه ورحمته والمحفوظين من غضبه وانتقامه في الدنيا والآخرة . وحيث يخاطب الباقين من بني إسرائيل بقوله :

       { .. لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا }(سورة الإسراء ، الآية  4).

       { .. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }(سورة النساء ، الآية  122) .

       فلقد تحقق إفسادهم في المـرة الأولى ، وصـبّ عليهم ربـك سوط عذاب في تلك المرحلة بسبـب خيانتهـم وإفسادهم وغدرهم عهـد رسول الله محمّد  صلى الله عليه وآله، عهد النبوة الميمونة ، إذ رغم الأدلة القاطعة عندهم في التوراة ، عن هذا النبي المرسل ، واسمه وصفاته ، وتصديـق ما بين يديه ، ممّا أنزل الله سبحانه على نبيهم وعلى رسول الله عيسى عليهما السلام ، فقد أنكروه وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ، وكادوا يفعلون به كما فعلوا بالمسيح عليه السلام ، من محاولة صلبه ، وقتل أصحابه  ذبحاً وصلباً وتشريداً . وهم إلى الآن يعتقدون أنهم إنما صلبوا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، كما يعتقد ذلك  وللأسف ، المسيحيون عامة. إلاَّ أن الله سبحانه ، رفع المسيح إلى السماء ثم ليرسله مرة أخرى بين يدي الساعة ، وهذا عصر إرساله إن شاء الله ـ وسلّط عليهم  محمّداً صلى الله عليه وآله وأصحابه، فجاسوا خلال ديارهم، وأخرجوهم من شبه الجزيرة كلها حيث حرّمها الله سبحانه عليهم إلى الأبد، وهو قوله تعالى:

       { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ..}(سورة  الحشر ،  الآية  2) .

       كما تعني هذه الآية ، إخراجهم  كذلك من فلسطين وإلى الأبد ،  يوم يتحقق وعده سبحانه في الآيات التي ذكرنا من سورة الإسراء  : وقد تحقق ولله الحمد ، إفسادهم الأول ، وَبَعْثُ مؤمنين أولي بأس شديد عليهم وإخراجهم من الجزيرة ، ثم إفسادهم الثاني وعلوّهم الكبير . ولم يبق إلاَّ أن يدخل عليهم المؤمنون دخولهم المظفر الموعود :

       { .. وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا }(سورة الإسراء ،  الآية  7) .

       أما كلمة ( أخرج ) وكونها هنا بصيغة المـاضي ، فكيف هي  تعنـي الماضي والمستقبل ؟  ففي القرآن  الكثير من هذه الصيغ ، تفهم بالقرائن . على أساس أن ما يعد الله بتحقّقه في المستقبل ، فهو متحقق لا محالة . والقرينة هنا وعده سبحانه في سورة الإسراء .

        فبعد أن توفَّى الله رسوله  محمّداً صلى الله عليه وآله ، يَسَّر للمسلمين فتح بلاد الشام، ومنها فلسطين . ونصر أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله والتابعين لهم بإحسان ، نصراً مبيناً، فجاسوا خلال الديار الشامية والفلسطينية ، ودخلوا المسجد الذي هو هيكل سليمان والقدس عامة ، وذلك قبل بناء مسجد الصخرة ، الذي أمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب ، بعد أن دخـل مدينة القدس ، ذلك الدخول التاريخي المظفر ، وهو قوله سبحانه :

       { .. لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً}(سورة الإسراء ، الآيات ( 4 ـ 5 ) ).

       جامعاً بهذه الآية الكريمـة بين الواقعتيـن  ، واقعة إخراج اليهـود: بني القينقاع وبني النضير وبني قريظة ، ويهود خيبر ، وبقية يهود شبه الجزيرة ، من ديارهم  لأول الحشر ، وواقعة دخول المسلمين  إلى فلسطين ، وجوسهم  خلال ديارها ،  وخاصة القدس الشريف ودخولهم المسجد الذي كان فيها .

        فالمقصود بقوله سبحانه : {..عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ..} هم محمّد صلى الله عليه وآله وأصحابه المجاهدون الأبطال  ، الذين قاتلوا اليهود وأخرجوهم من المدينة وغيرها عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم المسلمون الذين فتحوا بلاد الشام عامة . فتلك مرحلة واحدة ممتدة من حياته الشريفة صلى الله عليه وآله  إلى ما بعد وفاته ، معزّزة بدخول القدس الشريف ، وما تعلق  بذلك من الفتح المبين  .