القرآن بين العقل والكون

 

القرآن بين العقل والكون

         *عنيت العقل الإسلامي  .

        ولماذا العقل الإسلامي  ، وليس القرآني ؟ ـ بل هو كذلك  .

        ولماذا العقل الإسلامي وليس الإنساني  ؟

لأن أخذ العلم هنا سيكون من القرآن الكريم ،  ولا يمكن أن يفهم القرآن فهماً صحيحاً ، إلاَّ من آمن بكلية القرآن منـزلاً من لدن الله عزّ وجلّ ، وأنه ليس من تأليف بشر،  أو خلق مـمّا خلق الله ،  ومن آمن كذلك أن القرآن هو كتاب الله وكلام الله عزّ شأنه ، أصبح مسلماً يشهد بطمأنينة  الصديقين شهادة أن لا إلـه إلاَّ الله وأن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله .

        وهنا لا نريد أن نقول لعلماء الغرب والعالم  ، أننا سبقناكم بأكثر مـن ألف سنة في مجال الفلك ، وأسّسنا لكم به وبعلم الأرقام المساعد عليه . فهذا أصبح كلاماً تقليدياً مكروراً،  عندنا وعندكم ، لا سيّما وأنتم تملكون ـ ظاهرياًـ المبادرة والقوة ، وتقدمون الأعاجيب حقّـاً  عبر الأرقام والأجهزة  والتنفيذ .

        وإنما  ما نريد أن  نفعله هنا ، هو أن نلقي عليكم الحجـة لعلكـم  تهتدون وتسلمون لله بكتابه الكريم ، فنوفّر على أنفسنا وعلى البشريـة الكثير من الإبتزاز الذي تمارسونه ، ومدافعتكم عن أرضنا وأوطاننا وحقوقنـا التـي    تكلفنا هدر الأموال والطاقات ، حيث  تسببتم عبر ذلك بالمجاعات والفقر ، والكوارث ، وتسميم الأجواء بإفرازات المصانـع الحربية  والتكنولوجيـا المدمرة ،  وكذلك الإعتداء على الشّعوب الضعيفة  واستنـزافها ، وكل ذلك  نتيجة لعدائكم لرب العالمين . وللإسلام الذي أراده هو سبحانه دينـاً لصلاح البشرية  وإنقاذها ، في عمرها هذا القصير  ، قبيل اليوم الآخر ، اليوم الحق ،  يوم الفصل  .

        لذلك نقدم لكم في جملة ما نقدم  ، ثلاث ركائز ، لتكون محطات للتأمّل والتفكير  وتحمّل المسؤولية أمام الله ربنا وربكم ، رب العالمين .

أُولاها : أن يقرّ في أذهانكم أنه ليس لنا عندكم مصلحة ٌ ، ولا مطمح ٌ ، ولا مكسبٌ ، إلاَّ أن تلبّـوا  داعي الله سبحانـه ، فهمّ كـل مسلـم  حقيقي ، هو طاعة الله مولانا ومولاكم، وأداء ما حمّـل من الأمانة . حيـث إننا ندعوكـم إلى الله ، لا لأنفسنا ، ولا شيء أو لأحد مـمّا خلق سبحانه من إنس أو جن أو ملائكة  ، أو غير ذلك  .

        فلبيك اللهّم  ، طاعةً لك فيما أمرت ، حيث  تقول  :

       { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ..}(سورة النحل ،  الآية 125).

       وحيث تقول سبحانك  لا إلـه إلاَّ أنت  :

       { .. فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }(سورة الحج ،  الآية  67) .

       { .. وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }(سورة القصص ،  الآية 87) .

       { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا }(سورة مريم   ،  الآية    48) .

الثانية : نعرض عليكم من القـرآن الكـريم  ، نفحـات من رحمتـه سبحـانه ، تكون منطلقات للكشف ، أدرتم ظهوركم لأمثالهـا في الماضي ، فبقيتم في جهالة القرون الوسطى،  مئات السنين  .

       { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا…}(سورة الكهف  ،   الآية  57) .

       فافتحوا قلوبكم  ، وافتحوا آذانكم ، وخلّصوا أنفسكم من أوزارها وأوزار البشرية  التي في أعناقكم . وإلاَّ فأنتم على أي حال أمام القيامتين المتعاقبتين ، كما ذكرنا آنفاً ، الصغرى ، وهل ترضون أن تكونوا وقودها أو مـمّن سيصب عليهم عذابها ؟ ثم الكبرى ومن لكم بأهوالها وسوء الحساب ؟:

       { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ، وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }(سورة الأحزاب  ،  الآية  73) .

الثالثة : فيما يتعلق  بضمير الإنسان ووجدانه الداخلي ، قوله تعالى  :

       { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ،وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }(سورة الليل  ،  الآيات  ( 5 ـ 10 )) .

       وسواء كان هذا العطاء من ماله أو من جهده فكراً وعمـلاً ، فالمهم أن يكون خالصاً لوجه الله .

        وقبل أن نزوّدكم ، ببعض هذا الرصيد النافع ، ـ والنعمة نعمته سبحانه علينا فيما نكتب ونقول ، وعليكم في أن تقرأوا وتعوا ـ من الإيمان والعلـم ،  فمن المفيد تذكيركم  بما أهملتمـوه من قبل  ، فلزمكم  مـن ذلك العنـت والجهد في  تحصيله ، وشقيتم بـه علمـاً ومعرفةً  ، ودنيـاً وآخرةً ، في الوقت الذي سَعِدَ به من لزمـه ، علمـاً ومعرفـةً ، ودنياً وآخرة ً . ولا يفقه أبعاد هذا الأمر ، إلاَّ أولوا الألباب ، ومن رحم ربك ، قال تعالى :

       { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }(سورة الحج الآية 54-55) .

       فإلى  وقفة خاشعة أمام ومضات من علـم رب العالمين ، مـمّا نبّه إليه في كتابه المجيد…

القرآن تبيان لكل شيء

 

  ووجهان لحديث : ( قيّدوا العلم بالكتاب ) .

        ما أرمي إليه ، هنا ، ابتداءً ، هو  التنبيه إلى المصدر الأعظم  ، المدوّن ، في شتى مجالات العقـل والحياة ، عنيت القرآن الكريم ، لقول الله تعالى فيه ، عزّ من قائل :

       { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ،   الآية 89) .

       تبياناً لكل شيء في تشريع الكون وتشريع الحياة  : من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الدولة إلى الكون طرداً وعكساً وهذا الكلام ، لكل عاقل رصين ، أو متعقل ، وليس للذين طبع الله على قلوبهم  فهم لا يعلمون .

        ولذلك سيتأزم  ، عند قراءة هذه السطور  غير العارف بالقرآن  وبعظمة رب القرآن فينفر ويستكبر. وإذا كان خلوقاً ليّن الطباع ، فسيطالبنا  بما قلنـاه نحن عن القرآن ، من أنه ليس كتاب علم تفصيلي ، وإنّـّما هو كتاب دين فيه  ضوابط لمسارات  العلم من جهة ، ومن جهةٍ ثانية ٍ ، حقائق علمية تستدعي الكشف عنها حسب تطوّر البشرية ،فضلاً عن أسرار مستحيلة على البشر ،يفاجأ بها الإنسان حين كشفها ، منها على سبيل المثال ، استخـراج أسرار الذرة ، والتحوّل العلمي الألكتروني  الخطير الذي ترتّب على ذلك . ونحن عند قولنا ، فينبغي أن يدقّق المعترض ، ليتيقن أنه لولا العلامـات الضابطة ، والثوابـت العلمية في القرآن والمتعلّقـة بما ذكرنا من المـواد والموضوعـات  العلمية ، لكان انهار الإسلام كبرنـامج حضاري منقـذ للبشرية ، وكرسالة وكدين ، ولكان ترنـّح وسقط في فوضى ومفارقـات  الحضـارة الغاشمـة ، لا سيّما في مجالات الفكر  والتنظير والفلسفات المتضاربة ، فضلاً عن البحـوث الظنّية  والنظريـات  والاحتمالات التي لا يمضي على بعضها ردح من الزمان ، أو حتى  لا يحول على بعضها الحول ، حتى تسقط وتصبح باطـلاً ، بعد أن  كانت مظنونة حقّـاً اعتنقه ملايين البشر ، وما زال الأمر كذلك ، وما زال القرآن وسيبقى منارة الضبط والتوجيه والتصحيح ، وتقويم المعوج ، وتقديم  المنطلقات ، التي توفّر الجهد وتختصر الطرق ، وتقود إلى الطريق المستقيم . يعنـي إلى صراط الله عزّ اسمه .

        ولشدّة يقيننا بهذا الأمر ، ولو تميع دونه الغافلون ، الذين اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وخاضوا خوض الهِيْمِ ، فيما دون القرآن من المدونات المأجورة والمهجورة ، والموضوعة  والمستعارة ، والتي فيها التشدّق أكثـر مـمّا فيها وَرَعُ العلماء ويقين العلماء ورصانة العلماء ، نعم تركوا القرآن والعلـم والعقل ، وتنكّروا للعلوم العصريـة على خطورة  ولزوم ما يجب لزومه من معظمها ، هجروا كل ذلك ، إلى نبش قبور الفكر والتعبّد بهـا ، فوقعوا في  حيـرة  وأوقعوا الناس وما  زالوا .

         وتأكيداً على ما ذكرت من عظمة القرآن وشمولية القرآن ، يقينيّ بأنه ليس عبثاً قـول الله تبارك وتعالى عن القرآن ، أنه تبيـان لكل شيء ، الآية  آنفاً ، وكذلك قوله عزّ شأنه :

{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }(سورة الااسراء الآية 88) .

فمن يدعي أن هذا القول ، إنما قاله سبحانه وتعالى ، فقط للتدليل على بناء القرآن وأسرار  بنائه  وتركيبه وإعجازه ، من ادّعى ذلك فهو قصير النظر ، كليل الفؤاد واهي الجناح ، وما قدّروا الله حق قدره .

        والحقيقة أن هذه الآية إنّما تعني ذلك ضمن وجوه من المعارف  لا تكاد تحصى ، ولكن يتبين المقصود من مداها وأبعادها ، عند ربطها ، بقوله سبحانه :

       { .. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ .. }(سورة النحل الآية 89) .

       فتنجلي عندها البصائر والأبصار .

        وقد قدمنا في بحوث سابقة  ، أمثلة ، عن دلالات القرآن وإرشاداته ،  منها نظرية النشوء  والإرتقاء ، وكيف  أنقذنا  الله بالقرآن من السقوط في بهيميتها وإن الحقيقة هي عكسها فقلبها وجعلها وقوداً على أصحابها .

علم النفس الحديث شوّه الحقائق :

وكذلك في علم النفس ذكرنا أموراً هي خطيرة بمقدار ما يجهلها علماء النفس الحديثون من جهـة ، وخطيرة بما هو واقع الحال ، من حيث  هي من آثار عظمة الله في خلقه. فهم سدّوا على الناس طرق الوصول إلى حقائقها الرائعة ، وذلك بادعاءاتٍ وفرضياتٍ  هجينة ٍ ، كان من الطبيعي أن تتهافت وتنهار ، ما دامت متنكرة للحقائق الروحية والغيبية  التي كان بها الإنسان إنساناً.

        فعلم النفس اللاديني الحديث ، غرس في النفوس القلق ، والأرق ، وسدّ على الإنسان أبواب الرجاء ، وأبواب السماء  ، وحال بينـه وبـين أن يعـرف ربه الله الرحمن الرحيم ، فحرمه من الثروة  الروحية التي فيها كرامة  الإنسان ، وسعادة الإنسان وحقيقة الإنسان  .

        وبكلمة ، فإن علم  النفس  الحديث ، جعل الإنسان أسير الأرض ، وضيّقها عليه  ، حتى هو في حالة اختناق .

        بينما علم النفس القرآني ، أو الإسلامي ،  علّم الإنسان الحقيقة  ، وهي  أن ربه سبحانه وتعالى ، جعله سيدها وليس أسيرها ، وأفهمه أنه مسافر منها إلى ما هو أوسع وأجمل وأروع بما لا يقاس ، وعلّمه كيف يتسامى فيتعافى ، وواقع الحال ، أن حياة المسلم  العادي ، هكذا ، بسيطة هادئة مطمئنة ، لا خوف ولا تأزّم ،ولا انفصام ولا عقد ، ولا عقاقير ولا مخدرات . حتى في أشد حالات الحرب وحالات الرعب . كذلك لا ( سيدا ) ولا ( إيدز )  ولا أمراض مستعصية  أو مستحيلة الشفاء .

        لذلك عندما يخبر الله سبحانه ، عن أهوال يوم القيامة يتوجّه بالخطاب إلى الناس ، بينما العادة في طمأنته تبارك وتعالى للمؤمنين والمسلمين ، أن يخاطبهم بـ : { يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا} ومن ذلك قوله عزَّ شأنه موجهـاً لغير المؤمنين :

       { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ،وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }(سورة الحج ،   الآيات 1 ـ 2) .

       ومخبراً عن المؤمنين بقوله تبارك وتعالى :

       { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }(سورة الحج ، الايات  23 ـ 24) .

        وعن طمأنتهم بخصوص يوم القيامة ، قوله تعالى :

       { لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ،وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ،هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(سورة الانبياء الآية  103).

       لقد أرعب أميركا ومعظم دول الغرب التي كانت ما زالت تحتكم إلى نظريات فرويد في فهم النفس وتربيتها ، استيقاظها مؤخراً على كتابين  صدرا  في نفس أميركا وهَّزا  ملايين الناس ، حيث أثبتت مؤلفة أحدهما ، أن ( فرويد ) إنما كان يصدر بأقواله عن ( عقل هائج ) حسب التعبيرالحرفي للكاتبة ، ومن حـالة اضطـراب ناتجـة عـن إدمـان الكوكـاييـن،  وكذلك وثَّـق الكاتب الآخـر هذه الأقوال  ، ولقد نشرت الصحـف أخبـار هـذا الكشف الخطير عـن حقيقة هـذا الرجـل  المؤسّس  لعلـم النفس الحديث ، في شتاء 1989 .

من وجوه العظمة في القرآن  ضبط الحقائق العلمية :

ومن مقاصد قوله تبارك وتعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ } ، ضَبْطُ القرآن الكريم  ، للحقائق العلميـة  ، وليس الخـوض  في التفاصيل ،  وهـذا من أعظم النعم في حياتنا الدنيا . ومثالاً على ذلك : أن القرآن يقرّر بشكل حاسم ، وفي آيات  عديدة ، أن الإنسان إنما خلق في الأصل إنسانـاً سويـاً وفي أحسن تقويم ، ثم نفخ فيه العقل، وعلى هـذه الضابطة القرآنيـة وهـذا الأسـاس ، لو ظهر ، بعـد القرآن ، ألـف ( دارون ) يقرّرون  معه بطريقة الفرضيات ، أن مراحل الحياة المائية  ، ثم البرمائيـة ، ثم  المرحلة القردية ، هـي من مراحـل  نشـأة الإنسان ، فإن الإنسان المؤمن بالله وبكتاب الله  الذي لا يأتيه الباطل  من بين يديـه ولا من خلفـه  سيـرد هذا الزعم وهو مطمئن لعلمه ولضميره العلمي . وكذلك لو بقيت كتـب منطـق أرسطو  التي ما زالت تدّرس في الحوزات الدينيـة والتي تقرّر أن الإنسـان ، هو حيوان، ولكنه ناطق أو ضاحـك، أو ينـام على ظهره ـ ترى كيف يصنّفون الببغاء ـ فسيبقى الإنسان القرآني المؤمن المسلم ، أقل ردود فعله أن يشمئز من هذا القصور المنطقي، ومن هذا التقصير الفكري في تدبّر الثوابت التي في كتاب الله العزيز .

قيّدوا العلم بالكتاب  :

فهذا الحديث الشريف ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله  الذي يردّده الأساتذة في الحوزات ، وما زالوا يفعلون ، كلما أرادوا أن يلفتوا الطلبة إلى أهمية أن  يكتبوا المعلومات التي يتلقونهـا من صدور الرجـال ، على دفاترهـم وقراطيسهم ، صحيح أن هذا الوجه للحديث مقبول ، ولكن الحقيقة المرادة منـه أعمق وأهـم ، وهي ضبط العلم وربطه بكتاب الله عزّ وجلّ  ، فإن صدّقه الكتاب ، كان علماً حقّاً ، وإلاَّ سقط ، وكـان ظنّاً وفرضيـات،   شأنه في ذلك ، شأن كل حديث أو رواية ، للصحيح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أتاكم من حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن قبله فَبِهِ ، وإن لم يقبله فاطرحوه  (وعلى رواية )  فاضربوا به عرض الحائط .

        من هنا وجب علينا نصاً وعقلاً ، أن نعرض على القرآن المجيد ، ما يأتينا من علم ، محققين في ضوئه ، بصحة هذا العلم أو فساده ، لا أن نخضع القرآن أو نعرضه على ما يأتينا من علوم نقيد بها آيات نيّرات . في حين قد تكون  فرضياتٍ ما أنزل الله بها من سلطان  .

القرآن لا يخطىء وإنما قد يخطىء المفسرون :

صحيح أنه قد يبطل العلم اعتقاداً سائداً في قضية علمية قيل أن القرآن قبلها قبل ذلك. فإن حصل هذا الأمر ، فلا يتهم القرآن ، وإنما يتهم مُفسِّرو القرآن .

        الواجب أن ترفض النظرية ، ما دامت نظرية ، حتى تثبت بالبينة . ومن جملة البينات ، صريح القرآن  وإشاراته ، إلاَّ أن  يحصـل غالبـاً ، هو عكـس  ذلك ، فهناك من الباحثيـن المسلمين ، من  تبهرهم النظرية العلميـة بمجرد أن تعلـن ، فيعتبرونها من المسلمات ، ويحاولون فهم القرآن  على أساسـها ، لا فهمها في ضوء القرآن ، وهذا يجري حتى في مجال العقيدة . فعلى سبيل المثال : قضية البعث أو القيامة أو اليوم الآخر ، فقد أصبح هناك اتجاه ـ  حتى عند بعض من يكتبون إسلامياً ـ لاعتبار يوم القيامة ، أنه سيقع كما قررت القواعد العلمية ، مثل قاعدة فقدان الطاقة التدريجي. أو على أساس أن الأجرام السماوية  ستتصادم ويكون الدمار الكوني، ويقدّرون لهـذا الأمر ملايين أو بلايين السنين.

        ونحن لا نرد النظرية العلمية  المحققة ، نظرية ( فقدان الطاقة التدريجي ) فهـذا ناموس في جملـة النواميـس الإلـهـية  ، من مفرداته جميع الأجرام الكونيـة ، ومنها شمسـنا ، وعلى أساس هـذا الناموس ، يرشحها العلمـاء للخمود والإنطفاء . ونحن  نؤّيد  هـذا النامـوس وفاعليتـه حكماً ، إلاَّ أننا ننكر ادعـاء تعطيل الشمس عن فاعليتها كما ننكر ادعـاء أن القيامة مرهونة بنفاد الطاقة ، طاقة الشمس أو غيرها، لأن  صريح القرآن ينفي ذلك بوضوح ، ويقـول في الساعـة أو القيامـة  أنهـا { تأتيكم بغتـةً } وأنهـا من أسرار الله سبحانـه :

     { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي..}(سورة الأعراف ،  الآية 187).

     { .. وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. }(سورة الزخرف ، الآية 85 ).

     ثم من الدلالات  القرآنية الجليـة على أن السـاعة تقوم والحياة على الأرض عادية ، إذ لو كانت مرهونة بنفاد الطاقة  ما بقيت على الأرض الحياة لا الإنسان ولا غير الإنسان من الأحياء :

     { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ..}(سورة الزمر  ، الآية  68) .

       أو { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }(سورة الاعراف الآية 98).

       أو { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ . فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }(سورة يس الآية 48 -49) .

        فلذلك كله يجب على البشرية أن تتوقع قيـام الساعـة ـ عبر تحقق أشراطها القرآنية قياماً مباغتاً . وحيث أن  الأشراط  يواكب بعضها بعضاً من حيث التحقق ـ فنحن إذن في آخر الزمان ، والساعة على الأبواب .

الإسلام سلط الضوء على الأفلاك ، وما يرى إلاَّ الصدّيقون :

كان الأقدمون ، يضعون الأرض في منتصف العالم ، ويعتقدون أن الشمس والكواكب تدور حولها . وفي القرن الثاني بعد الميلاد ، زاد هذا الإعتقاد تأكيداً وتحديداً بفضل الطريقة  التي عرفت بنظرية بطليموس .

        وبطليموس ، هو فلكي يوناني ، ولد في الإسكندرية ، ووضع نظريته مشروحة في كتاب شهير اسمه ( المجسطي ) . وقد ظلّت نظرية بطليموس هذه معترفاً بها طيلة قرون عديدة. كما ظلّت أساساً لعلـم الفلك ، حتى القرن السادس عشر الميلادي العاشر الهجري، يعني بعد نزول القرآن بألف سنـة تقريباً ، والقرآن الكريم طيلة هذه القرون ، يعلن الحقائق الباهرة ، ولا من  يسمع .

        كذلك ظلّ الناس يجهلون كروية الأرض وسبحـانها في الفضاء ـ عدا بعض علماء الفرس واليونان والعرب في صدر الإسلام ـ حتى قام برحلته الشهيرة ماركو بولو في القرن الثالث عشر الميلادي ـ السابع الهجري  . ثم تلاه كريستوف كولومبوس ، في القرن الخامس عشر الميلادي ، إلاَّ أنّ الجميع ، الفرس واليونان والعـرب ، وماركو بولو وكريستوف كولومبس  ،  وإن كانوا  اكتشفوا كروية الأرض  ، إلاَّ أنهم ظلّوا يجهلـون انطلاقتهـا  في الفضاء ، وَدَوَرَانَهـا  حول الشمس ، والقرآن الكريم  أثناء ذلك ، أي خلال تسعماية أو ألف سنة يقرّر بصوت يصل إلى عنان السماء قوله عزّ وجلّ :

       {.. يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ..}(سورة الزمر ،  الآية  5) .

        وقوله تعالى :

       { وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }(سورة الشمس  ،  الآية  6) .

       { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }(سورة النازعات ، الآية 30) .

       وواضح جداً ، أن هذا التكوير ما دام على الأرض ، فيجب أن تكون كرة ، وهي مدحوّة  في هذا الفضاء  ، تسبح سبحاً ، حيث إن دحا وطحا لفظان عربيان رائعان للتعبير عن جعل الشيء كروياً ودفعه في آن ، وهما بمعنى واحد أو متقارب  ، والدحو هو الدفع والدحرجة ( راجع القاموس ومفردات الراغب )  . ثم من آية ( التكوير ) هذه ، وإضافة  إلى معرفة أنها كرة  هائلة ، نستنتج دورانها حول نفسها لتشكيل الليل والنهار ، كما نستنتج تبعيتها المستمرة للشمس ، ثم من آية ثانية قوله تعالى :

       { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ..}(سورة النمل ، الآية  88).

       نستنتج أن لهذه الأرض سيراًُ في الفضاء سريعـاً ، وربطاً بآية ( يكوّر الليل ) نوقن أن هذا السير هو في مدار حول الشمس لا تفارقه .

        وهنا يتبادر إلى الذهن  ، السؤال عن حال أولياء الله ، أئمة العلم  والديـن في تلك الفترة المتطاولـة ، قبل تطوير أجهزة الرصـد الفلكيـة ، وبدايات الكشـف عن أسـرار  الفلك بواسطتها . والحقيقة أن علماء الهيئـة  (علم الفلك ) يحصون لأئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام ، نصـوصاً كثيرة في هذا المضمار  إلاَّ أنها رمزية ، بموجب القاعدة النبوية الشهيرة ( أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم ) وفي لفظ آخر ( على قدر وصولهم ) حيث كانت الأحاديث  تستعمل عبارات مختلفة  ، تناسباً مع علوم كل عصر ، حتى إذا تزندقت الأمة ، وكثر الفسوق بين الناس والحكام ، وانتشر الترف والخمر والمجون ، وزاد الظلم والجور والفساد ، والتكالب على الدنيا ، ” فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب ” ، وأذهب عنهم هيبة السلطان وقوَّته ،  وَمَزَّق دولتهم شـرَّ ممزق ، وأرسل عليهم وعلى حضارتهم ، وعلى مدنهم وأمصارهم ، وعلى عاصمتهم بغداد ، موجـاتٍ عاتيـةٍ مدمـرةٍ ، من البربـر والتتـار ، فتبرتهـم تتبيراً .

         ثم أذن سبحانه لأقوام آخرين ، بالكشف في مجال الفلك ، وشتى المجالات ليكونوا مصاديق لقوله عزّ وجلّ :

       { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنـَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..}سورة فصلت  ،  الآية  53.