القرن العشرون الميلادي في مواجهة أشراط الساعة
بعدما استعرضنا بالآيات الكريمة مجريات ما سيحـدث بعد القيامة الصغرى ، أي الحرب العالمية ، من سقوط قوى الطغيان في العالم عامة ثم سقوط دولة بني إسرائيل في الشرق الأوسط بشكل خاص . ثم بعد هذين السقوطين قيام المجتمع الفاضل متمثلاً بالدولة الإسلامية المباركة من رب العالمين . نعرض لأشراط الساعة التي تتحرك بين ظهرانينا منذ أمد اقله بداية القرن العشرين الميلادي . وهي تتكاثف وتتواكب أكثر فأكثر كل ما مضت الأيام وصولاً إلى تجلّيها علمياً في العقد العاشر الذي نعيشه حالياً من هذا القرن . ومع ذلك ، مع أنها تقرع بقوة أبواب الساعة أو القيامة الكبرى على مستوى الكون ، مع ذلك كلّه فإن الناس لا يعون منها إلاَّ الوجه العلمي منفصلاً عن وعد الله ووعيده وعن الدين بشكل عام ، يتساوى في ذلك المسلمون في أقطار العالم مع غيرهم من أصحاب بقية الملل .
ومن الايات الكريمة الفذّة التي تربط بين الشأنين الكبيرين شأن القيامة الكبرى الكونية والقيامة الصغرى الأرضية ، قول الله عزّ من قائل :
{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ . فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.سورة الطور ، الآيات ( 44 ـ 47 ) .
وقبل أن نشرح الآية الأولى ربطاً بالحقائق العلمية التي هي الآن راهنة في السماء ، نوجز مجمل معاني الآيات الثلاث ، في نقاط ثلاث :
أولاً : ( إذا رأوا كسفاً ) ، والكِسْف ما يغطي الشيء أو يحجبه ، والمقصود هذا الذي أسموه بالغيوم الحرارية ، يقولون هذا سحاب متلبد متراكم ، والحقيقة أنه ليس كذلك ، بل هو ساقط من السماء وليس متشكلاً حسب ناموس تشكل الغيوم بمفاهيمنا الأرضية . وهو علامة للقيامتين : الكبرى كما هو واضح ، والصغرى كما سنرى في النقطة الثالثة .
ثانياً : في القيامة الكبرى يصعقون ، فلا يغني عنهم كيدهم في معاندتهم لله عزّ وجلّ ولا يجدون ناصراً ومن هنا يبدأ العذاب الأكبر، عذابهم في الآخرة .
ثالثاً : وفي الآية الثالثة إشارة للقيامة الصغرى ، والمآسي الناتجة عن الحرب التي سيعاني منها موقدوها الويلات ، بما قدمت أيديهم ، وهذا ما أسماه الله عزّ وجلّ بالعذاب الأدنى ، في إشارة إلى عذاب الدنيا ، كما أشار إلى عذاب الآخرة بالعذاب الأكبر :
{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ .. }.سورة السجدة ، الآية 21 .
وواضح أن هذا المعنى يوافق قوله عزّ وجلّ في آية الطور الثالثة المشار إليها آنفاً وهي قوله تعالى : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }P(1) Pكناية عن ويلات الحرب ومآسيها ، وما يرافقها من تغيرات سلبية في المحيطات والأرض والسماء ، كلّ ذلك مواكباً لهذا الشرط من أشراط القيامتين الصغرى والكبرى ، والذي هو الكسف الساقط من السماء .
ثم لنخشع الآن بكل جوارحنا ، مع آية ( الكسف ) هذه كما سنخشع حتى الفناء في فناء الله ، حبّاً له وخشية ًوتعظيماً ، يشعرنا بعده وبعد كلّ خشوع وخضوع ، وخشية وتعظيم ، بالأمن والسكينة ، ويؤيّدنا بحفظه ونصره وحبّه . جلّ شأنه وعزّت قدرته ولا حول ولا قوة إلاَّ به . وسبحانه وتعالى عمـّا يصفون وعمـّا يشركون .
فكلمة ( الكسف ) هذه فيها ثلاثة قراءات في ثلاثة معانٍ متقاربةٍ متداخلةٍ ، مقصودة في ما ترمي إليه الآية ، وليس ذلك بعجب ، لأنه من شأن القرآن الكريم ومن إعجازه فهو عند الله عليّ حكيم :
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }.سورة الزخرف ، الآية 4 .
وأحسن القراءات لكلمة الكسف هذه هي التي بفتح الكاف وتسكين السين لأنها تعني إلقاء حجاب على الشيء بما يسبب حجبه أو إظلامه نسبياً أو كليّاً ، وهذا أمر واقع اليوم ، وهو الذي أصبح معروفاً تحت اسم الغيوم الحرارية ، التي تلف الأرض ، وتشكل حولها درعاً حسب تعبير أحد علماء المناخ الهولنديين . فما هي هذه الغيوم الحرارية ، التي يقرع علماء المناخ بسببها نواقيس الخطر ، والتي عقدت لها الدول الكبرى والصناعية ومؤسسة الأمم بضعة عشر مؤتمراً دولياً لتاريخه ، وستبقى تعقد المؤتمرات ، وذلك لمنع أسبابها ، ـ حسب ما يظنون ـ ودرء أخطارها الجسيمة التي من جملة ما تهدّد به العالم هو إغراق عواصم ودول ، في أوروبا كما في أميركا كما في شواطىء شبه القارة الهندية ، وغيرها من بقاع الأرض ، كما بمياه البحار والمحيطات كذلك بمياه الأنهار الكبرى والأمطار الغزيرة والطويلة الأمد .
الغيوم الحرارية ( علميّاً ) هي الكسف ( قرآنياً ) :
بدأت الحكايـة تتصعّـد في مطلـع الثمانينات ، بعد أن كانت بيـن العلماء ، حديثاً هامسـاً متسائـلاً يتلوه مـطّ الشفاه الذي يرسم علامات الخوف والاستفهـام .
وفجأة ارتفع الصوت وبحدة آتياً من فرنسا ، وعلى لسان رئيس أكبر مؤسسة مناخ في أوروبا ، مركزها باريس . هذا الصوت جلجل منذراً بغرق باريس بعينها ، وكذلك بعدة عواصم أوروبية ، ودول أبرزها هولندا والبلدان الواطئة بشكل عام .
ثم ارتفع صوت آخر ، أكثرَ حدةً ، وأبلغَ تخويفاً ، وهذه المرة من نفس هولندا ، والصوت يقول بالحرف الواحد : ” أعدوا القوارب ” وفي نفس هذا الإنذار المرعب تفصيل نوجزه بأنه هذه الغيوم الحرارية ، تتكاثف أكثر فأكثر ، حتى أنها شكلت درعاً حول الكرة الأرضية ما زال يقترب شيئاً فشيئاً من هذه الكرة ، فيحبس الحرارة ، التي كان من شأنها الصعود بحرية إلى الأجواء العليا ، أما الآن وقد أصبحت حبيسة ، فهي تؤثر سلبياً في عدة اتجاهات منها ذوبان الجليد في أنحاء الأرض ، وخاصة في سيبيريا والقطب الشمالي وبصورة أخصّ في القطب الجنوبي في القارة الجليدية المعروفة باسم قارة ( الانتاركتيكا ) والذي إذا ذاب جليدها وحدها ، يرفع منسوب البحار في العالم إلى عشرين متراً عمودياً ، ممـّا يتسبب بغرق ما يزيد على 75 % من سكان الكرة الأرضية .
ومنها تدفئة مياه المحيطات التي تساعد أيضاً في إذابة الجبال الجليدية الهائلة الحجم ، واقتلاعها من أمكنتها ، وكذلك إذابة السابح منها في البحار والمحيطات ، والتي يظهر منها عادة فوق مستوى البحار ، حوالي العشر فقط لثقلها وكبر أحجامها .
وآيه ( الكسف ) هذه ، هي من الأشراط التي ستبقى ردحاً من الزمن ماثلـةً ، هكذا جهاراً ، ليلاً ونهاراً ، أمام المراصد ، والمختبرات وأمـام العلماء ، وبالتالي أمام جميـع الناس ، تذكرهم بدنـو القيامتين الصغـرى والكبرى ، حتى إذا مضت الحرب ، وبقي من أعـداء الله وأهل الشرك بقيـة،
ظل هذا الكسف إلى يوم الصعقة الكبرى ، وله باطن للمؤمنين فيه الرحمـة وظاهر فيه العذاب لأعداء دين الله . كذاك السور الذي يضرب يوم القيامـة بين المنافقين والمؤمنين ، يوم يحشرون جميعاً إلى الله العليّ القدير :
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }.سورة الحديد ، الآية 13.
عمياء هي علوم الحضارة الزنديقة ، وفي أحسن حالاتها هي عشواء أو قصيرة النظر . إذ أن علماءها لا يفكرون بقيام الساعة على أنها بأمر إلـهي ، وأنه سبحانه وتعالى جعلها حشراً للعالمين لحسابهم وبعدها إما إلى جنة وإما إلى نار .
علماء الحضارة ، حتى ولو استشعروا نهاية العالم ، فهم يقفون عند هذه النهاية ، وقوفاً فيه من البله والغباء ما يبعث على الدهشة ، لا سيّما إذا استعرض الإنسان نسبة وصولهم العلمي والتربوي والإقتصادي والسياسـي والصحّي والإنساني ، إلاَّ أن العاقل بعد التحقيق والتدقيق ، والنظر إلى هذه العناوين بنور الله تبارك وتعالى ، يجد أنها عناوين فارغة ، فالعلم عندهم والتربية والاقتصاد والسياسة والصحّة والإنسانية والفنون ، وكل شأن حياتي من شؤونهم ، إنّما هي أمور يوجهونها أفقياً ، فتأخذ خط الانحناء الذي يؤدي بالضرورة عندنا إلى الهاوية :
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ }.سورة القارعة ، الآيات ( 10 ـ 11 ).
فمثلاً هم يقولون إنَّ الغيوم الحرارية هذه ، ناتجة عن تزايد ثاني أكسيد الكربون ، المتصاعـد من احتراق الزيوت وجملة أنـواع الإحتـراق في المصانع والسيارات . وكذلك تزايد قطع الأشجار في الغابات ، وكذلك تزايد
السكان في الأرض ، مـمّا ينتج زيادة في التنفس ، وهم يبذلون جهوداً كبرى في هذه الأيام ، للخلاص بأية وسيلة من مداخن المصانع التي تلّوث البيئة ، حيث توجد ، وتلـحق الأضرار الفادحة ، بالإنسان والحيوان والنبات .
وهكذا يسهبون في ذكر الأسباب ، وتستغرق تقاريرهم ومؤتمراتهم ساعات طوالاً ، وأياماً وشهوراً من الدراسات . ومع كلّ ذلك ، وخلال كـلّ ذلك لا تجد في تقاريرهم ، ولا مؤتمراتـهم ، ولا عبقرياتهم أثراً للاعتقاد بحاكميـة الله ، وبوجوب الخشية من الله ، وبوجوب إلتـزام تعاليمه ، لكي يرفع هو سبحانه العذاب النازل ، والنذير الماثـل أمامهم مثول السيف الذي بعرض الآفاق على الأعناق .
وخلاصة موقفهم أنهم أخذوا بالعلم منقطعاً عن الله وعن دين الله . وذلك قول الله تبارك وتعالى فيهم ، وفي أمثالهم من الماضين والباقين ، في جميـع الملل والمجتمعـات والحضـارات ، حيث تكون مفاجأتهم بقيـام الساعـة ولات ساعـة مندم :
{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }.سورة الأنعام ، الآية 44 .
كان لزاماً عليهم أن يقيدوا العلم بما أنـزل الله ، فاكتفوا بالعلم فرحين به مزهوين ، وطرحوا ما أنزل الله عزّ شأنه .
ذلك أيضاً قوله تعالى فيهم وبأمثالهم :
{ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }.سورة غافر ، الآيات ( 83 ـ 84 ).
الإنشقاق … ماثل في السماء :
والانشقاق في السماء ، هو من الأشراط الكبيرة ، للقيامة الكبرى ، وهو في قول الله تعالى في سورة ( الانشقاق ) التي سمّيت باسمه لأهميته :
{ إِذَا السَّمَـاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ . وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ . وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }.سورة الانشقاق ، الآيات ( 1 ـ 5 ).
إلى أن يقول سبحانه جواباً للشرط .
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } .
وذلك يعنـي يومَ القيامـةِ ، أو الساعة ، أو يوم الحسـاب . وكل ذلك بمعنى واحد .
ومعظم الأشراط التي في القرآن الكريم ، والتي نحن في مواجهتها في عصرنا هذا ، تبدأ صغيـرة ، ثم تتـدرج في الكبـر إو الاتّسـاع ، حتى تبلغ أوجـاً لها يعلمه الله سبحانه ، تكون مباغتـة الساعـة رهنـاً بـه ، أي بهذا الأوج ، وطبيعي أن لا يكون اقتـران المباغتة ببلـوغ أوج واحـد من الأشراط ، وإنما أن تتساوق الأشراط وتتواكـب ، كما ألـمحنـا من قبل ، حتى يبلغ كل شرط أوجه الذي قدّره الله له ، فتكون عندئذ الصيحة والعياذ بالله وحده لا شريك له :
{ فَهَلْ يَنظُـرُونَ إِلَّا السَّـاعَةَ أَن تَأْتِيَهُـم بَغْتَـةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا …}( سورة محمد ، الآية 18).
أما إن هذا الانشقاق هو ماثل اليوم في السماء ، فهو الخبر الذي أيضاً ، يهزّ العلماء والمتتبّعين للتغيرات العجيبة ، هزّاً عنيفاً ، زاد من حدتّه ، كونه هو والغيوم الحرارية يشتركان في كثير من وظائفهما وتأثيراتهما .
فكما أن الغيوم الحرارية ( الكسف ) تعجل بإذابة الجليد والثلوج في أنحاء الأرض ، كذلك هذا الانشقاق الذي حصـل في طبقـة الأوزون ، والذي هزّت أخباره العلماء من أقاصي المغرب إلى أقاصي المشرق .
ومما يزيد من خطره ـ حسب تقارير العلماء ـ هو كونه فوق القطب الجنوبي مباشرة ، أي فوق القارة الجليدية ، التي كانت منسيةً نسبياً ، حتى ظهر هذا الانشقاق أو الانفطار ، أو الفتحة أو الثغرة ، في طبقة الأوزون ، فوقها تماماً، وهي القـارة التي يعنـي ذوبانـها تهديـداً مباشـراً لمعظـم أنحاء الأرض .
فما هو الأوزون ، ولماذا الخوف من انشقاقه ؟
الأوزون بمفاهيمنا الإسلامية ، هو سماء ، هو السماء المباشرة لنا ، لأرضنا هذه الدنيا، وهو بمفهوم العلماء ، طبقة في الأجـواء العليا ، من شأنها تغليف الأرض ، تغليفاً كاملاً ، للحيلولة دون تسرّب أشعة الشمس بشكل عمودي ومباشر ، وبتعبير آخر ، من وظائفه كسـر الأشعـة الشمسية وتصفيتها وعزل الضار منها للأرض ولأهل الأرض ، وبتعبير أكثر إيجازاً ، هو ميزان بحفظ الأرض وأجواءَها وجليد قطبيها ، من كل إخلال بنظام حياتها الطيبة والمباركة التي هكذا شاءها لها ربها الحليم الكريم والرحمن الرحيم مذ خلقها : قوله تعالى :
{ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ }(سورة الرحمن ، الآية 7 ) .
وعن الأرض قوله سبحانه :
{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ }.سورة فصلت ، الآية 10.
والدليلُ القرآني على أن هذه الفرجـة في السمـاء هي جديـدة ، قوله تعالـى :
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }.سورة ق ، الآية 6
وهكذا تأتي الأشراط وكأنها إخلالات بالطبيعة في الأرض وفي السماء : تغيير في بعض المعالـم الكبـرى ، أو تحويـل في بعض الثوابـت ، أو هـدم لبعـض الأنظمـة الكونيـة ، بطرق وأساليـب تصدم وتهزّ وتخيف ، وبالنتيجـة تكون هي النذر التي تسبق القيامة الكونية ، فتكون رحمـةً للمؤمنين بالله وبالسّاعة وبالحساب ، حيث يستعدّون ، ويتّعظون ، ويزدادون إيمانـاً وتصديقاً ، وتكون وبالاً علـى الكافرين بالله أو بالسّاعـة ، أو بالحسـاب ، وكذلك على المشركين والمنافقين والمرتابين بالله وبكتاب الله ، وبوعـده ووعيـده عزّ شأنه وجلّت قدرته . قوله تعالى :
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }.سورة الأنعام ، الآية 158.
وينبغي أن تلاحظ أن هذه الأشراط ، إضافةً إلى كونها يواكب بعضها بعضاً ، فكأنما هي تحركت جميعها في زمن واحـد ، وطبعاً إلى غاية واحدة ، هي تلبية أمر الله تبارك وتعالى الذي هو بالغه :
{ .. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }.سورة الطلاق ، الآية 3 .
{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } هندسة وحسابـاً في الزمان والمكان والأحجام والعلاقات بين خلقه :
{ .. وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }.سورة يونس ، الآية 61.
وكذلك ينبغي أن نلاحظ أمراً آخرَ هو بغاية الأهمية للمراقب الحريص على تتبّع آيات الله في كتابيه العظيمين : القرآن الكريم والكون العظيم ، هذا الأمر ، هو كون الأشراط يساعد بعضها بعضاً ويساند بعضها بعضاً ويرفد بعضها بعضاً ، تستقطبها قوانين ونواميس ، صحيح أن العلم أدرك منها الكثير بإذن رب العالمين ، إلاَّ أن أكثرها لم يدركه العلم بعد ولن يدركه . من ذلك ، الإنشقاق في الأوزون الذي يتواءم مع الغيوم الحرارية والأوزون والغيوم الحرارية يتواءمان في إذابة الجليد وتسجيـر البحـار أي ملئها ، والأرض بتخليها عن النفط في داخلهـا تساهم في تسجير البحار أي اشتعالها ، وهما أي الملء والاشتعال ، معنى قوله تعالى :
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } سورة التكوير ، الآية 6 .
وكذلك هذه في أشراط الساعة .
وقبل أن ننتقل إلى أهم وأبرز الأشراط ، نعود إلى الآيات التي ذكرنا من سورة (الإنشقاق ) لنذكر معانيها ، ولا قوة إلاَّ بالله الحبيب .
فمجمل القول في الآيات الخمس الأولى من السـورة المباركـة والتي أولها { إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ } أن هذا الأمر العظيم وقع ، وأن بداية هذا الإنشقاق ، هي الثغرة الحاصلة في طبقة الأوزون في القطب الجنوبي { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أذِنَتْ : أصبحت أذنـاً صاغية تتلقى الأوامر التي تحقق الأشراط الكونية للساعة ، وهذا أمر بدأ منذ بداية الإنشقاق ومنذ اكتشاف الغيوم الحرارية ونتائجها { وَحُقَّتْ } أصبحت كالحقّ بضم الحاء. وهو إناء مستدير يوضع عادةً فيه الطيب . { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } بالعدّة والعدد ، مثل ذلك قوله تعالى :
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . … }.سورة المؤمنون ، الآية 55 .
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } .
وألقت ما فيها من النفط وتخلّت أفرغت . ومعنى ذلك اكتمال الآية ووصول هذا الشرط إلى الأوج .
ولا يغيبن عن بالنا ، أنه للأهمية البالغة لشرط الإنشقاق هذا ، فقد سميّت في القرآن سورتان باسمه ، هما سورة الإنشقاق وسورة الإنفطار ، وهما كما هو معلوم ، بمعنى واحد ، وسنمر إن شاء الله تعالى على الأشراط التي في ( الإنفطار) عند تعرضنا لأهم الأشراط الباقية .
تكوير الشمس وانكدار النجوم شرطان ماثلان في الفلك :
لكي نفهم المعنى المراد من قوله تعالى في سورة التكوير { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ينبغي أن نُدْرِكَ أولاً أنَّ كلمة ( الشمس ) هنا ، هي إسم جنس وثانياً أن هذه الكلمة حيثما وردت في القرآن فهي تارةً اسم جنس يشمل كلّ الأجرام التي هي من جنسها ، وفي الكون منها المليارات ، وتارةً تعني اسم العَلَم الذي يعين شمسنا هذه المختصـة بأرضنا . وعلى المرء أن يميّز بين الأمرين بالقرينة ، هذا بالنسبة لظاهر الألفاظ ، على أن لكلمة ( الشمس ) مَعَانِيَ أُخَرْ تدخل في معاني الباطن والتأويل ، قلّما نحتاج إليها في بحثنا لأشراط الساعة في الظواهر الكونية .
ولأن كثـرة الأجرام التي هي مثل شمسنا ، وأكبر منها ـ سنخاً وحجماً ـ بملايين المرات ، ولأن هذه الأجرام اكتشفت حديثاً ، في بدايات هذا القرن العشرين الميلادي ، الخامس عشر الهجري ، لذلك بقي العلماء ومعهم الناس ، يفهمون من حقيقة ( الشمس ) فقط هذه التي نراها بالعين المجردة والتي تقود مجموعتنا الكوكبية إلى حيث لا يعلم إلاَّ الله . ومن البديهيّ أن يكون كذلك مفسّرو القرآن الكريم ، حيث إننا وجدناهم يتعاملون مع هذه اللفظة ، حسب المعطيات العلمية المعاصرة لهم .
وما قلناه في الشمس ، نقولـه أيضاً في القمر والأرض ، فقد أصبح من الثابت أن للمشتري خمسة عشر قمـراً ومثلها للمريخ وكذلك أقـل أو أكثر لكواكب أخرى .
وهكذا كان تعامل المفسّرين مع الشمس والقمـر والنجوم في كتـب التفسير ، على أن الشمـس والقمر مفردان ، وأن الشمـس هي أصغـر من الأرض حجماً ، وكذلك النجوم عامـةً . نرى ذلك في جميع كتـب التفسير دون استثناء فكانت المشكلة ليست مشكلة القرآن ، كما ذكرنا في بحـث سابق من هذا الكتاب ، وإنما هي مشكلة المفسّرين ، والقصـور العلمـي في كتابي الله العظيمين : الكون والقرآن .
وكما هو معلوم ، أنه من هفوات المفسّرين وأكثـر المشتغليـن في التراث الديني ، أخذهم عن السلـف ، وليس هذا فحسـب ، وإنما كذلك تقديسهم لما ترك السلف ، أو حتى لما يظن أنه مـمّا ترك السلف ، في وقت يكون بعض ما ترك السلف من المدسوسات الشيطانيـة فيحصل الإربـاك ، وتتعقد الأمور ، فقط لأنهم لم يحسنوا التعامل مع قوله تعالى :
{ .. قالوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }.سورة الزخرف ، الآية 23.
إذ ينبغي التحقّق ، والتيقّن ، تحت طائلة المسؤولية البالغة الأهمية ، والحساب الشديد، إذ أن الأمر يتجاوز ظلم النفس ، وهو أمر محدود ، إلى ظلم الآخرين وهؤلاء الآخرون قد يكونون الأمة بأسرها وقد تكون البشرية المبلغة كلّها .
ومن الأمثلة السّريعة والموجزة على ذلك ، والتي ما زلنا نقرأها في بعض كتب التفسير المحترمة ، وذلك في تفسير سورة التكوير : أن الشمس تسقط في البحر ـ طبعاً يعني البحر الذي في أرضنا هذه ـ { وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } كذلك الأمر تسقط في البحر أو المحيط.
ومثلاً آخر عن الأشراط عند المفسريـن ، وفي نفس سـورة التكوير ، مـمّا أربك الكثيرين ، وبعث بعضهم على احتمالات هجينه ، لا يقبلها من له أدنى حظ من العربية ، هذه اللغة الجميلة والفصيحة والتي باركهـا الله سبحانه بأن أنـزل بها هذا القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديـه ولا من خلفـه ، هذا الشرط هو قوله تعالى :
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } .سورة التكوير ، الآية 4.
لن أذكر هنا إلاَّ قولاً واحداً ، أحترمه رغم الخطأ البيّن الذي ثبت فيه ، أحترمه فقط لأنه لم يتجاوز مفهوم اللغة في { الْعِشَار } المفهوم المتداول والمتناقل في لغة العرب ، وتراث العرب ، وشعر العرب ، وكتاب الله المجيد . بهذه اللغة نزل وما زال وسيبقى إلى قيام الساعة.
{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }.سورة الزخرف ، الآية 3.
ومعنى العشار في لغة العرب ، وكذلك وبالضرورة في القرآن الكريم ، النياق ، ثم يسمّى الكلّ باسم الجزء ، فيعني ذلك الإبل ، وهذا القول الذي نحترمه مفاده أن العشار يذهل أهلها عن رعيها عند قيام الساعة ، لانشغالهم عنها بأهوال القيامة . وقد كان هذا القول معقولاً ، حين كانت العشار هي أموال الناس ، أما وأنها قد نفدت عن وجه الأرض أو كادت، فقد بات واضحاً الخطأ في هذا التفسير ، الذي ـ وللأسف ـ ما زال يتناقله ويصرّ عليه بعض المحدثين . والردّ البسيط على ذلك آتٍ مما تراه العين ، ويعرف بالبديهة . وبعد أن كانت البدن وهي من شعائر الله ، وأكثرها من العشار ، أصبح من المستصعبات أن يحصل المرء على بدنة ليضحيها يوم النحر ، بعد أن كانت تضحى بالألوف في موسم الحج .
وقد ذكر أنه يوم الحج الأكبر ، الذي حجّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، اقتاد عن نفسـه فقط ستين بدنة ، ثم التقى بعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قافلاً من اليمن ، موافياً إيّاه إلى مكة المكرمة ، فأضاف إليها أربعين بدنة لا غير , تأدّباً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وكان جيشه يسوق منهـا الألوف من إبـل الزكـاة . فبلـغ مجمـوع ما نحـراه وحدهما مائة ناقة . هذا غير الذي كان يسوقه ألوف الحجيـج من المسلميـن في ذلك العـام وفي كل عام :
{ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ .. }.سورة الحج ، الآية 36.
وشعائر الله بركات من الله على النـاس في الأرض . ومن هذه الشعـائر { العٍشَارُ} وقد عطلت ، أو كادت . فقد أصبح جليّاً وواضحاً أن قوله تعالى : { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} هو من الأشراط الماثلة أيضاً ، حيث أن هذا المال الذي هو العشار ، قد عطل عن التثمير والإنجاب والإنتاج عامةً ، لولا بضع مئات هنا وهناك في أنحاء الأرض ، وهو ، أي هذا الشرط ، بالغ غايته ، بعد أن تجاوز بدايته .
{ .. وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }.سورة هود ، الآية 12.
{ .. إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }.سورة الطلاق ، الآية 3 .
والآن بات حرياً بنا الرجوع إلى العنوان { تكوير الشمس وانكدار النجوم } وهما الآيتان الأوليان في سورة التكوير المباركة . منوّهين تنويهاً سريعاً بما بعدهما من آيات ، ما دمنا سنحصل على الفائدة بحمد الله ، من عرضنا للأشراط الكبيرة . قال الله تعالى :
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ . وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ . وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ . وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ . وَإِذَا الْمَوْءُوْدَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ . وَإِذَا الصُّحُفُ نُشـِرَتْ . وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ }.سورة التكوير ، الآيات ( 1 ـ 11 ).
تبدأ القيامة الكونية الكبرى .
ونحن إذا استعرضنـا أبرز ثلاث سـور مباركـات : ( الإنشقـاق ) و ( الإنفطار ) و ( التكوير ) نجدها الأكثر حشداً لأشراط الساعة من بقية السور القرآنية المباركة . ثم إذا قارنّا هذه السور الثلاث فيما بينها ، نجد سورة التكوير أكثرها تفصيلاً كما هو ظاهر ، ونجد سورة الإنفطار أكثرها إيجازاً ، فهي تختصر الأشراط في ثلاث آيات ، قوله تعالى :
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ }.سورة الإنفطار ، الآيات ( 1 ـ 3 ).
ثم تكون بعثرة القبور ، أي القيامة الكبرى .
ولذلك سنتشرف أولاً بما يفتح علينا سبحانه ، من تفصيـل لأشـراط ( سورة التكوير ) قوله تعالى :
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } .
ومعنى ( كوّرت ) كما جمعناه من مختلف التفاسير ، ولسان العرب ، هو : كورت : جمعت كالعمامة . لفّت وجمعت وألقيت . لفّت فرفعت وطوي ضوؤها المنبسط وألقيت . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يتعوّذ من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ ( بفتح الحاء والكاف) أي من النقصان بعد الزيادة وهو من تكوير العمامة . انتهى .
وواضح أن جميـع هذه المعاني لا تناسب شمسنا هذه المفردة . وإذا انطبق عليها معنى اللّف والجمع باعتبار حركتها ودورانها حول نفسـها ، فتلك حركة قديمة رافقتها منذ خلقتها كما رافقت جميع الأجـرام السماويـة وهي ما يسمّى بالحركة المغزلية ، فلا يناسبها ، في الآيـة الكريمـة ، الحرف { إذا } الذي يتضمن معنى الشرط .
ثم إنَّ بقية المعاني ، مثل : ألقيت . ورفعت وطوي ضوؤها المنبسط وألقيت ، كذلك تتنافى مع الحقائق القرآنية لأوصاف يوم القيامة . إذ أن أي واحد من هذه المعاني إذا أطبق على شمسنا هذه ، اضطرب نظـام مجموعتنـا الكوكبية كلّه ، ودمّر ودمّرت أرضنا معه . والآية هي شرط من أشراط القيامة ، وليست القيامة عينها . والأشراط وضعت تنبيهاً إلى يوم القيامة كما ذكرنا ، وأنها ، أي القيامـة تأتي بغتة ً ، وأكثر من ذلك ، أنها تأتي والسماء في عافية نسبية ، وكذلك الأرض وأهل الأرض : وهذه الحقيقة مستفـادة من قولـه تعالى :
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ . فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }. سورة يًس ، الآيات ( 48 ـ 51 ).
تبقى واحدة ، ربما خطرت في بعض الأذهان ، هي تصور أن يحصل في الشمس فجوة كما الفجوة التي في العمامة ، فنقول أن هذا أيضاً فكر بدائي ، يتبدّى قصوره عند من له أدنى معلومات عن حجم الشمس ، وأبعادها ومقاييسها ، ووظيفتها في ناموس التجاذب ، إذ أن الفجوة المتصورة لها كما في العمامة ، فيما لو حصلت ، كذلك يترتّب عليها اختلال النظام أو دماره في مجموعتنا الكوكبية كلّها .
فماذا يعني إذن ، قوله سبحانه { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } بعد أن بات مستحيلاً تطبيقه ، وحتى ارتقابه على شمسنا هذه المفردة ؟
هنا نعود إلى لغة اسم الجنس في الشمس ، وهي في مجرتنا درب التبّانة بأعـداد هائلـة ، ونعود فنذكـر ، أن الكلمـات التي تحمـل معنى الفـرد ومعنى الجمع في نفس اللفظة هي كثيرة ، فمثلاً كلمة { الإنسان } هي من هذا القبيل ، تارة ً نعني بها الفرد من الناس ، وتارةً نعني بها مجموع البشرية ، وكذلك كلمة { بشر } إنما أنت بشر ، وإنما هم بشر ، وكذلك ، كما ذكرنا قبلاً ، الأرض والقمر …
على أن الدليل الأقوى والبرهان الأسطع ، هو في مقـارنة قولـه سبحانه :
{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَفَ الْقَمَرُ . وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}.سورة القيامة ، الآيات ( 7 ـ 9 ).
بقوله تبارك وتعالى :
{ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }.سورة يَس ، الآية 40.
فنفهم أن الشمس والقمر لن يجتمعا. وإنما المراد ( بجمع الشمس والقمر ) هو أن يجمعهما الناس لفظاً قاصدين بكلمة الشمس كلّ شمس في الكـون ، وبلفظة القمر ، كلّ قمر، وما عرف ذلك إلاَّ في هذا القرن، الذي نعيشه ، فجعل الله سبحانه إطلاعه الناس على هذه الحقيقة ، شرطاً من أشراط الساعة .
ثم نقول في ” برق البصر ” إننا نتفق مع اللغويين على معنـاه ، وهـو حالة من الخوف والحيـرة والدهشـة ، وهو كذلك أمر حاصل هذه الأيام عند أكثر الناس ، يطّرد ويتزايـد كلّما سمعوا خبراً بعد خبر ، سواء عن الأوزون وفتحته ، أو عن الغيوم الحرارية وفاعلياتها ، أو عن الحروب الإقليمية ، من كان في وقودها ، أو من يصطلي بنارها ، أو من تحلّ القارعة قريباً من دارهم . وأكثر أسئلتهم ، مـمّا ينطقون به ، وما يتلجلج في صدورهم: كيف ولماذا ، وماذا ومتى ، إلى أين ومن أين … ويبرق البصر مع كل سؤال حيرةً ودهشاً .
والقول في ( خسف القمر ) : أما ادعاء خسوفـه العادي ، فهو من بدء الخليقة ، يخسف كل عام تقريباً . فلا يليق بعاقل أن يعتبر ذلك شرطاً من أشراط الساعة . ولا هو الإنشقاق ، في قوله تعالى :
{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }.سورة القمر ، الآية 1.
فهذا أمر حصل كذلك في خريف السنة 1989 م ، وشوهد ذلك في عدة مناطق من العالم ، وصوّر الحدث في الأرجنتين ، في مناسبة دينية مسيحية ، قيل فيه يومذاك أنه المسيح عليه السلام ، وقيل أنها العذراء مريم عليها السلام . وقد علّق على ذلك كثرة من الناس ، كلّ حسب ما يتصوّر ربطاً بما يعتقد . إلاَّ أن الحقيقة الباهرة ، هي التي رآها وفهمها بفضل من الله ، بعض أهل العرفان من أولياء الله ، مـمّن هداهم سبحانه واصطفاهم ( وقد صوّر الحدث في عدة لقطات صورتها الصحف العالمية ) .
والقول لغة في ( خسف ) أن الخسف هو الغياب في الأرض ، وهو الإنهدام : {وَخَسَفْنَا بِدَارِهِ الَأرْض َ} ، وهو ذهاب الضوء بمعنى الخسوف الكلّي العادي للقمر . وهذه المعاني استبعدناها كلّها ، لاستحالتها أن تكون مجتمعة أو منفردة شرطاً من أشراط الساعة .
فيبقى المعنى الأخير من معاني الكلمة ( خسف ) ، وهو أن الخسف هو الإذلال . وفي حديث علي عليه السلام : من ترك الجهاد ألبسه الله ثوب الذّلة وسيم الخسف … وفي معنى سيم : ألزم ، وفي معنى الخسف : الهوان . فأصبح عندنا في معاني ( الخسف ) أنه الذلّ والهوان. أو الإذلال والهوان . انتهى . ( من لسان العرب ـ ابن منظور ) .
وهكذا يكون قولنا الفصل بإذنه تعالى ، في هذا الشرط من أشراط الساعة ( وخسف القمر ) . أي إذا ألحق بالقمر الذلّ والهوان ، أو الإذلال والهوان ، يكون شرط من أشراط الساعة .
وقد حصل ذلك في سبعينات هذا القـرن ، فبعد علوّ ومنعـة وعـزّة ، وهيبة وجمال، هذه الصفات الكريمة التي كانت للقمر ، وطأه الإنسان ، واحتلّه فأذلّه ، وأظهر تُرَابِيَّتَهُ بعد أن ظلّ آماداً طوالاً مهيباً بنورانيته ، وغريب أسراره ، فألحق به الهوان ، (وخسف القمر ) وصدق الله الحبيب العظيم .
والآن بعد أن ألقينا أضواء حول شَرطَيِّ ( التكوير والإنكدار ) بمساندة أشراط أخرى كان من الضروري أيضاً إبرازها ، بات حرياً بنا الرجوع ـ ولو مراراً ـ إلى قول الله عزّ شأنه :
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ }.سورة التكوير ، الآيات ( 1 ـ 2 ).
وبعدما قلناه في معنى ( كوّرت ) نقول ما تقوله اللغة أيضاً في معنى انكدرت ، وهو أن الإنكدار ، هو الإنقضاض والسقوط .
فإذا كنّا نتوقّع من قوله تعالى { وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } أن تسقط على الأرض وتنقض على أهلها ، فإن الأرض كلّها لا تتسع لأصغر نجم في الكـون ، فكيف والآيات تعني جميع النجوم والكواكب ـ انكداراً وانتثاراً ـ علماً أن من النجوم ما يزيد عن شمسنا ( 90) تسعين مليون مرة ( هو قلب العقرب ) وعلماً أن شمسنا تكبر أرضنا بـ 333,430 مرة .
وهذا يكفي للقول أنّ تصوّر إنكدار النجوم أو سقوطها باتجاه الأرض ، هو أيضاً مستحيل ، ومضحك حتى للأطفال في الصفوف الإبتدائية .
فإذا كان معنى الإنكدار هو السقوط أو الإنقضاض وقد وافقنا على ذلك لأنها اللغة ، فذلك يعني بالضرورة السقوط والإنقضاض في شتى الإتجاهات في الكون ، وبعيداً عن أرضنا هذه . بهذا المعنى فقط تكون الآية { وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } شرطاً من أشراط الساعة .
والإنكدار والإنتثار هما أمران ماثلان أيضاً . أي ما عنتـه الآية الكريمـة { وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } وهو نفس المراد بقوله تعالى { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ }.سورة الإنفطار ، الآية 2.
وأخيراً ، وبعد هذا التمهيد والتحقيق في ما مرّ بنا من آيات وأشراط ، أصبح واجباً اعتماد الكشوف العلمية التي أرادها الله سبحانه تأويلاً لآياته والأشراط التي قرّرها لقيام الساعة . والتي هي مترابطة بين كتابيه العظيمين : القرآن والكون .
فماذا في العلم المحقّق اليوم عبر التلسكوبات العملاقة ؟ وأقول ، العلم المحقّق ، لأن فيه القول الفصل ، ( كما الصّعود على القمر ) ، تمييزاً له ، عن العلم النظري الذي ليس له صفة الحسم .
وسنحصر الكلام بما يكون مصاديق لقوله تعالى : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ .وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } وقوله تعالى :{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}:
جاء في ” كتاب المعرفة ـ الأرض والكون ” الصادر عن جنيف ـ سويسرا ، ما يلي: [ إذن ، فقد غيّرت تلك النجوم مواقعها . وإذا كان ذلك صحيحاً بالنسبة لبعض منها ، فلا بدّ أنه صحيح كذلك بالنسبة للباقي ، وكذلك بالنسبة للشمس . وهنا بطل الإعتقاد بأن الشمس هي مركز الكون ، ولم تعد سوى مجرد نجم من بين ملايين النجوم الأخرى ] ص 116 .
وتحت عنوان سباق مذهل :
[ إن الإعتقـاد اليوم هو أن الفضاء الكوني مليء بأعداد كبيرة من المجرّات ، وهي مجموعات من ملايين النجوم تتباعد عن بعضها بعضاً بسرعةٍ مذهلةٍ . ومجموعتنا الشمسية تكون جزءاً من المجرّة المعروفة بالطريـق اللبنـي ( سكة درب التبّانـة ) والتي تشمل مئات الملايين من المجموعات الشمسية الأخرى المشابهة ] .
وعلى هذا الأساس ، كل نجم في العرف العلمي هو شمس ، وكل شمس هي نجم . وعلى هذا الأساس أيضاً ، وهو قولهم [ هي مجموعات من ملايين النجوم تتباعد عن بعضها بعضاً بسرعةٍ مذهلةٍ ] . إنه الإنكدار في قوله تعالـى :
{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } والذي يعنـي الإنتثـار كذلك في قوله تعالى : {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} .
ثم أين ( التكوير ) من ذلك كلّه ؟
في نفس هذا الكتاب المنّوه عنه ، وفي الصفحة 111 جاء ما يلي :
[ وتلّف المجرة وتدور حول نفسها بمعدل قدره 140 ميلاً في الثانية … ولسوف يصيبك الدوار إذا أقدمت على التفكير في كلّ الإتجاهات المختلفة التي تدور فيها وتلّفّ في وقت واحد ] .
المجرّات مجاميع شموس بالمليارات ، هكذا يؤكد العلم برؤيا العين ، وبالأرقام التي لا تكذب ، لأن الله عزّ شأنه علَّمها للإنسان ، وعلّمه معها صناعة الوسيلة ، وبها أصعده إلى القمر وعليه أهبطه .
والسؤال ، لماذا مليارات الشموس هذه ، تغطش في ليل بهيم ، حتى لا يرى منها إلاَّ بصيص النور ، بينما العوالم التي حولها أنصافها في ليلٍ ذاتي وأنصافها في نهارٍ ذاتيّ فمن أين اللّيل الذي يلفّ الجميع ثم بعده يلبس الجميع حلّة النهار ، فمن أين النهار ؟
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.سورة النور ، الآية 35 .
فإذن تلفّ المجرّة وتدور .
فإذن ملايين المجاميع الشمسية ، تلفّ وتدور . وفيها ما هو بحجم شمسنا ، وما هو أكبر منها بملايين المرات .
وإذن ليست هي شمس واحدة في ما عناه الله سبحانه في قوله : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وإنه سبحانه لا يمكن أن يكون عَنَىْ شمسنا هذه ، عندما جعل الآية شرطاً من شروط الساعـة. لأنـه يستحيـل كما أسلفنـا أن تكـون
بمفردها موضوعـاً لهذا الشرط الكبير .
وإذن { الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } و { النُّجُومُ انكَدَرَتْ } .
وإذن { الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } الجبال الثلجية تقتلع وتسيّر في البحار ، ومن أوصافها في كتاب الله تعالى { وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ } أي القطن وأصله البياض في اللّون .
وإذن { الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } بعد أن كانت أنفَس المال المتداول بين الناس فقد عطلت تربيتها وعطل استعمالها . لولا بضع مئات في أقطار الأرض ، تدل على أن الآية لم تبلغ بعد أوجها .
وإذن { الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } وهو أمر طبيعي ، حيث هيمن الأنسان على بقاع الأرض ، استكشافاً واستثماراً ، واستعماراً ، وحروباً ، وقطع غابات ، هذا تفسيراً ، وأما تأويلاً ، فالوحوش الشيطانية حشرت ، وكذلك الوحوش البشرية تحشر حالياً في أماكن، لتدور عليها رحى الحرب العامة القادمـة ، وينجي الذين آمنوا ، قوله تعالى :
{ .. حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ }.سورة يونس ، الآية 103 .
وإذن { الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } بين احتراق وتفجيرات جزئية في بداية القرن نتيجة للتجارب النووية ، ثم حرق مواكب بحيرات النفط العائمة على مياه البحار نتيجةً لحرب الخليج والتي ستتزايد بنسب أعظم في الحرب القادمة ، وكذلك الوجه الآخر لمعنى التسجير، وهو امتلاؤها بالمياه ، وقد بدأ ذلك نتيجةً للغيوم الحرارية وفتحة الأوزون ، اللّتان في رأس تأثيراتهما إذابة الجليد في أقطار ، ودفعها أنهاراً وشلالات إلى البحار والمحيطات . وما زالت الأخبار كلّ يوم تقريباً توافينا ، بإعصار هنا وطوفان هناك ، وغرق ودمار وقتلى هنالك ، ومعظم هذه الأحداث على سواحل البحار .
وإذن { النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } وهو أمر غيبي حاصل أيضاً بتزويج النفوس العاديّة بالنفوس الملكوتيّة كما أشرنا في بحثنا : ( الدماغ بين علم العقل وعلم النفس ) . وهو أمر بديهي أيضاً . عند أهل العرفان ، عنيت تزويج النفوس بأمر منه سبحانه ، وذلك بعد أن أنهى سبحانه وظيفة الأبالسة ( إبليس وقبيله ). وعطل أعمالهم وحشرهم ، حيث يعلم الله ليوم الحساب ، وذلك تحقيقاً لوعده سبحانه لإبليس ، حين طلب من الله جلّت قدرته تأخيره إلى يوم يبعثون ، فلم يجبه الله عزّ شأنه إلى طلبه ، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم . والوقت المعلوم هو هذا العصر ، الذي تتواكب وتتواءم فيه أشراط القيامة العظمى . وذلك في كتاب الله المجيد ، قوله تعالى :
{ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ }.سورة ص ، الآيات ( 79 ـ 81 )
وتتضح حكمة الله تبارك وتعالى في تزويج النفوس بالنفوس الملكوتية ، بعد تغييب الشيطان وقبيله ، من معرفة وظائف النفوس الملكوتيـة وحقائقهـا ( راجع : الدماغ بين علم العقل وعلم النفس ) .
وإذن { المَوَدَّةُ سُئِلَتْ } في إحدى القراءات ، قرأها الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام : المودة وليست الموؤدة . وهي قتل علي والحسن والحسين ومن قُتل من أهل بيت النبوّة الميمونة ، التي جعلها الله رحمة للعالمين ، وحيث أمر الله الحبيب رسوله . الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله بقوله :
{ .. قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .. }.سورة الشورى ، الآية 23.
فهذه المودة ، قتلها أقوام وأقوام ، وبقي المخلصون لها طاعة لله تبارك وتعالى يسألونها في ردح من الزمان همساً ، ثم وسّع الله عليهم فأخذوا يسألونها جهاراً ، وعلى المنابر العالمية ، يسألونها بأي ذنب قتّلت ( بتشديد التاء ) .
وإلاَّ إذا كانت القراءة ( الموؤدة ) فلا يجوز أن تكون شرطاً ، إذ الشرط يتقدم الساعة، لا يتأخر عنها . ومساءَلة الموؤدة ، إنما بالبديهة تكون بعد قيام الساعة والوقوف للحساب : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }.سورة الصافات ، الآية 24.
هذا إذا كانت الموءُودة ستسأل . وإنما الحقيقة المسؤول سيكون الوائد والظالم وكل مجرم عمـّا أجرم .
وإذن { الصُّحُفُ نُشِرَتْ } وفي وجه من وجوهه أنه عمل فريق من الملائكة عليهم السلام ، قول الله تبارك وتعالى :
{ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا }. سورة المرسلات ، الآية 3.
يؤمرون فيبلغون . وكذلك ما يبلّغه أولياء الله تعالى للناس في هذا العصر ، ليكون حجّة في أعناقهم ، ومنه هذا الذي نكتب ، وبه نتحدث ، والله وليّنا سبحانه ، في نشره وتبليغه ، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير .
{ .. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }.سورة الطلاق ، الآية 3 .
وتبقى آخر آية في أشراط سورة التكوير ، قوله تعالى :
{ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ } .
وهو استكمال شرط الإنشقاق والإنفطار ، وهو انقشاع طبقة الأوزون كلها(*) ، مـمّا يجعل الحياة على الأرض لا تطاق ، أو شبه مستحيلة ، يرفع الله قبلها المؤمنين.
(*) بعد طباعة هذه الأوراق ، حملت الصحف وأجهزة الإعلام عامة ، خبرين أحدثا حالة رعب أكثر عند العلماء والمتتبعين .
الأول : انشقاق آخر في الأوزون في القطب الشمالي ، سيكون له نفس التأثيرات تقريباً التي ذكرناها عن أوزون القطب الجنوبي .
{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }.سورة الأنبياء ، الآية 103.
هذا لعامة المؤمنين .
وقوله تعالى عن جهنم :
{ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}.سورة الأنبياء ، الآية 102 .
وهذا للسّابقين :
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ . كِتَابٌ مَّرْقُومٌ . يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ . إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيـمٍ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ . وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ }. سورة المطففين ، الآيات ( 18 ـ 28 ).
صدق الله العليّ العظيم .
وهكذا يكون الإنشقاق الكلّي المباشر للقيامة العظمى ، وهذا بالضرورة يحصل بغتة ، لأن القيامة كذلك تأتي بغتة ، قوله تعالى :
{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ . وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}.سورة الحاقة ، ( الآيات 15 ـ 16).
وآخر دعوانا أنّ الحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
= والثاني : كذلك انشقاق مستطيل فوق أميركا والمحيط الأطلسي وصولاً إلى أوروبا .
وما زالت أخبار التأثيرات السلبية لهذه الإنشقاقات تتوالى من نيوزيلندة وأستراليا وأميركا الجنوبية وبقية المناطق ، من إصابات بسرطان الجلد إلى عمى الخرفان ، إلى تغيرات كبيرة في المناخ والطبيعة ، تنعكس سلباً على جميع الكائنات الحيّة بشكل لم يعرفه من قبل تاريخ البيئة .