بين يدي الديوان بقلم الدكتور علي مقلد

ميزات شعر الشيخ كريم شمس الدين

في هذا العصر الذي شاع فيه شعر “عفو الخاطر” قلما يجد المرء شعراً يرضي.

والرضا هنا ليس منّة ، انه الاعجاب المأخوذ غضباً ، وهذا نادر اليوم.

من علائم الشعر الجيد ،هو هذا الاحساس بالأسر ، يميله عليك شعر الشاعر ، سماعاً أو قراءة.

فالشعر الجيد لا بدّ له من الوصول باللغة الى درجة عالية من الاتقان ، مع جزالة وشدة أسر يأخذ بالنفَس.

والقارىء حين يقرأ أو يسمع شعر هذا الديوان مضطر إلى التريث ، ليدرك بلاغة اللغة . فكمال الاتصال حاصل ، ولو تململ القارىء من لغة أنيقة لم يألفها من التلاميذ الشعراء في هذا العصر .

إنه شهر تحس معه بالقشعريرة ، مناجاة وغناء ، وهو ترنم ودعاء وهو حث على مكارم الأخلاق.

فالشاعر يكاد يدعو الى القربان البشري حين يدوعوا الى التضحية ، والى الشهادة في سبيل الله والوطن.

ولعل هذا الشعر يذكر بالموت الدرامي الذي يحبُّه الشهداء ويتغنونه . فهم حين يحيط بهم الخطر ، لا يرفضون الفرار فقط ، بل تتألق في نفوسهم نورانية الاتصال ، فيسرحون في ميادين البذل والعطاء .

اذنفي هذا الشعر مزج شديد بين التضحية في سبيل الله ، وبين التضحية من أجل الوطن.

لا تغيب الذات الالهية والذات المحمدية والذات البشرية.

انه شعر يعتمد الصورة والترنيم والموسيقى بآن واحد.

وبحور هذا الشعر  ليست بعيدة عن البحور التي سبق الصوفيون الى استعمالها في مناجاتهم كالرمل والهزج والخبب …

انه يعبّر عن توتر منتهاه إيمان بالله العظيم .

ولم يخل هذا الشعر من رموز لا مغلقة ولا مستعصية .

ان قلق الشاعر باد عبر بحوره ذات التفعيلات المتوترة وان كانت الافكار تنفّس عن هذا التوتر ، والصور الريّانة تهدىء من حدته ، لتدور صعدا حول محور واحد ، في حركة دائمة ، وهذا المحور هو التوحيد. أما  التطيعات ففيها تقلب حاد.

ان جلال الفكرة يهيمن فيضفي الجمال على الشكل والمضمون ، بل على الكيان كله.

ان الحياة المعاشة القلقة ، المضطربة ، المهددة دائماً برشقات العدو ، التي تذكر دائماً به وبوجوده في الليل والنهار ، في الصبح والمساء ، في الشتاء والصيف والربيع والخريف – تفرض الانفعال ، وتوحي بالقلق الدائم . ولولا النبرة الايمانية لطغى اليأس المؤدي الى الانتحار فالكفر.

انه يقدم واقع الحال معكوساً في نفس شاعرية حساسة ، بلا مراعاة أو مداهنة .

ان الشاعر لا يعبر عن حالة نفسية خصوصية ، بل عن حالة يعيشها الطفل في لعبه ، والأم في بيتها ، والرجل في عمله أو حقله ، والمقاتل في ترقبه خلف صخرة أو شجرة أو كمين.

ان الشاعر يحمل الهم كله ، فينفس عن همه بالكلمات المؤثرة . اذ ليس كالإنفعال سبيل يؤدي الى الإبداع : فتتحرك الصور ، ويصدح الايقاع العنيف الصاخب ، لا المتماليل المتومج.

وفي كل الحوال ، تنبثق من هذا الشعر طاقة سخرية ، تسرّع الأحداث ، فتعبر عنها بالرمز حيناً ، أو بالرفض أو بالرفض أو بالتوله أحياناً.

ان الجانب التبتلي التوحيدي ، معتزاً بالرفض والجهاد في شبيل الله ، يبدو كأنه خشبة الخلاص من واقع مرير مرفوض وميؤس منه.

هذا الجانب التبتلي المشبع بالروح الابداعية ، يضفي على الشعر مسحة التفرد في العرض والمضمون .

ان طلاوة الشعر لا تخفي الشدة ، شدة المعاناة اليومية .

الطلاوة ربما مستمدة من طبيعة حلوة : جبال مكسوة بالخضرة الدائمة ، خضرة أشجار السنديان في جبال سجد ومليتا من جانب ، وخضرة الوادي الأخضر على مجرى الزهراني من جانب آخر ، الى خضرة هضاب الزيتون المحيطة .

والشدة تمليها القسوة المعاشة ، والخوف من النار ، والحقد على المعتدي المتربص المقيم منذ عقود وعقود.

وهكذا تظهر في الشعر شدة الجبال الصخرية وجمالها ، كما تظهر فيه أصوات شلال نهر الزهراني ( وكأنه جيش الفتح) وألوان ( قوس الغمام )  المنصوب فوقه ك ( قوس النصر) ، وذلك بفعل الاقتران والمقاربة ، و بفعل جثوم العدو فوقها دائماً .

ان الشاعر كانما يحمل على كتفيه همّ أمة ، ويبدو كَرْبُهُ في شعره وفي نفثاته الإيمانية .

والشعر ينم عن ثقافة إيمانية عميقة ، واطلاع على الثقافة غير الدينية ، وعلى الثقافة الاجنبية .

انه شعر مشبع بالاحساس الذي يولده القهر الدائم ، انه مرآة صادقة لمعاناة مريرة يعيشها كثيرون في الشريط المحتل المجاور ، لا يعرفها الناس في المدن الكبرى لأنهم بعيدون نسبياً .

ان روح الشعراء يجب أن تكون الروح المثالية للأمة هكذا : إيمان جهاد وتضحية وابداع في كل المجالات.

لقد وعى الشاعر روح أمته فعبر عنها بصدق وذكاء وشجاعة .

شعر النفس العميقة الصادقة .

نفس عميقة التجاوب مع مجتمع الشاعر واحداث وطنه.

ولهذا لا بد من تتبع سير الاحداث في الجنوب اللبناني حتى يتم الفهم .

قوة النسج وتحكام العبارة .

شعر ينبع من فيض القلب وصادق الاحساس . فالكلمة والصورة والموسيقى ، تلتقي لتبني شعراً متفرداً.

موسيقى هادرة وقرع مدو .

شعر انشاد وترنم .

شعر سياسي حماسي إيماني .

وقصائد هذا الديوان يكاد ينتظمها جو نفسي واحد ، تضيء جوانبه اشراقات الإيمان ، وتشيع فيه التربية الدينية. ودعوة واضحة الى القوة ، كل ذلك في لفظ مشرق ، وسبك محكم ومسيقى .

شعر منتزع من أعماق القلب ، قطعة من الذات ، تحمل طابع شخصية الشاعر .

الشاعر يعيش قضية الأمة .

القصيدة تجمع بين التأمل الروحي والإبتهال ، والمناجاة ، والإعتزاز ، ثم دعوة الى النهوض والى العزو ، في لفظ مشرق وسبك محكم وموسيقى منغمة .

شعر يتصل بالأحداث الجارية .

شعر التلازم بين الفن والعقيدة ، والتلازم بين الشعر ونقد الحياة ، وفي هذا سر قوته .

شعر الإيمان في جميع الأحوال ، ولذا يتميز بالصدق والإخلاص كما يتميز بالقوة.

لون الشعر ، زهدي ، ثوري جامح .

المحرك الداخلي فيه روح التقوى .

فهو شعر قوة : قوته مستمدة من التلازم بين الفن والصدق – صدق فني وصدق اجتماعي – وبين المثال والحياة.

أو كما قيل :” اذا أراد الله بعبد خيراً لم يعقه عن الشعر ولا غيره”.

( أحمد فارس الشدياق 1219/هـــــــــ 1804 م) .