{ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . سورة الغاشية ـ الآية 18}
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ..
{سورة فاطر الآية ۲۸ }
هذه الآية قالها عالم الكيمياء هبة الله المشرقي لزميله عالـم الفلك الإنكليزي ، فأسلم . وكان السبب في ذلك ما يلي :
” جيمس جونز ” وهو من أشهر علماء الفلك في القرن العشرين ، خارجاً من جامعة كمبردج حيث يدرِّس فيها هو والمشرقي ، وكان الجو ممطراً بغزارة ، فالتقاه زميله هبة الله على باب الجامعة والمطر يتقطر من وجهه وأذنيه ، بينما مظلته تحت إبطه مع كتاب ضخم ، فسأله المشرقي : إلى أين ، قال إلى الكنيسة ، قال ولماذا ولا أعلمك من المصلين ولا المتدينين . قال أصبحت منهم وأنا ذاهب لأسجد لله سجدة طويلة وأقول له ما أعظمك ! ما أعظمك يا رب ! . قال المشرقي والمطر ما زال ينهمر عليهما غزيراً ، وما هذا تحت إبطك قال الإنجيل ، قال وهذه ؟ فالتفت جيمس جونز فوجد أنها مظلته ، لم يفطن لاستعمالها وهو بأمس الحاجة إليها لأنه كان ما زال شارداً ذهنه في الفلك وتعقيداته وعجيب نظامه وعظمة خالقه ومبرمجه ومدبِّره وحافظه ، والذي هو الله تعالى لا شريك له ولا مساعد ، ومن يستطيع أن يساعد في حمل ثِقل واحد من أثقال هذه الغابات النارية ـ النورانية ـ أو أن يلمَّ بأسفارها واتجاهاتها وحركاتها ناهيك عن خلقها على عظائمها وعجائبها بين حرفين : الكاف والنون . ومن العدم ، فقد أثبت العلم أن المادة ليست أزلية ، لا سيما بعد اكتشاف ” القانـون الثانــي للحـرارة الدينـاميكيـــة ” . Second law of Thermo Dynamics ، هذا القانـون يبرهن أن الحرارة تنتقل دائماً من ( وجود حراري ) إلى ( عدم حراري ) والعكس مستحيل .
وبناءً على هذا الإكتشاف العلمي الرائع ثبت أن موجودات ما تحت السماء الدنيا من نجوم وكواكب وأجرام سماوية تتناقص كفاءَتها مع الزمن ، ولا بدَّ من أن تتساوى في وقت ما ـ إذا شاء الله ـ حرارة جميع الموجودات ، وعندئذ ، بعد استقراء هذا الوضع من الناحية العلمية ، تنتهي الحياة أو تتوقف علـى هـذه الأرض وتحت هذه السماء . نحن استطردنا .. وتركنا جيمس جونز يبتسم ، إذ انتبه لشروده عن مظلته حتى تبلل ولم يشعر ، ودعا صديقه ليشرح له في لقاء ٍ عصر ذلك اليوم ، سبب إيمانه العميق والفجائي .
ومع تناول الشاي أخذ عالم الفلك يتحدث عن بعض وجوه هذا النظام الإلـهي العظيم ، للسماء وكواكبها ونجومها ، وعالم الكيمياء القرآني ، يستمع ويوافق ، حتى وصل إلى درجة لم يعد رأسه يحتمل ، من عجائب تحركات الأجرام السماوية وتعقيداتها وأرقامها وأبعادها . فأشار إلى صديقه أن كفى ، ثم استأذنه بأن يتلو عليه آية من القرآن الكريم . قال :
قال الله تبارك وتعالى :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ . سورة فاطر الآيات ( 27 ـ 28) } .
فاستعادها جيمس جونـز وتمعَّن فيها ، وتداول مع هبة الله بشأن تاريخها وتفسيرها . إلى أن انتهى إلى القرار بأن هذا القرآن هو يقيناً من لدن الله تبارك وتعالى ، مقراً بأن محمَّداً (ص) هو رسول الله . فبادره المشرقي بقوله : على هذا الأساس أنت أسلمت يا صديقي . قال : إذا كان الإسلام هو الإقرار بوحدانية الله كما في كتابكم والإيمان بالقرآن منزلاً من لدن الله تبارك وتعالى وبمحمَّد ٍ رسولاً من عند الله ، فأنا أسلمت حقاً . فقال له : هل أكتب ما جرى بيننا وأنشره ؟ قال : اكتب وأنشر . وأنا شاكر لله وبذلك فخور .
لماذا { .. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. } ولا سيما الذين يتتبعون في الآفاق وفي الأنفس عجائب خلق الله وغرائب آياته ، وبالأخص منهم علماء الفلك ؟ ذلك لقوله تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ .. سورة غافر آية 57 } .
فماذا في السماء ؟
==========
في علم الفلك أن عدد نجوم السماء مثل عدد حبات الرمال الموجودة على سواحل البحار . من هذه النجوم ما هو أكبر من الأرض ، لدرجة أنه يمكن أن يوضع في واحد من النجوم العملاقة ملايين من حجم أرضنا هذه .
ورغم أن العلم بشكل عام وعلم الفلك خاصة لم يستطع أن يتوصل إلى معرفة حدود هذه السماء الدنيا ولا يعرف عن حدودها شيئاً . ولكن لا بأس أن نستأنس بنظرية أينشتين الرياضية ، فقط لنأخذ فكرة وعبرة عن عظمة هذا الكون الرحب الفسيح الذي يعجز الخيال والتصور عن رصده ، فضلاً عن عجز الأرصاد الضخمة والأجهزة المتقدمة .
يقول هذا العالم الفذ : لنتصور طائرة خيالية تسير بسرعة 186 ألف ميل في الثانية . وأن هذه الطائرة تطوف بنا حول هذا الكون الموجود الآن . إن هذه الرحلة ستستغرق ( …,…,…,1) سنة . يضاف إلى ذلك ، أن هذا الكون ليس جامداً ، وإنما هو يتسع ويتمـدد كل لحظـة ، حـتى أنـه بعـد ( …,…,..3 ,1) سنة تصير هذه المسافات الكونية ضعفين . وهكذا لن تستطيع هذه الطائرة الخارقة في سرعتها الخيالية ، أن تكمل دورتها حول هذا الكون أبداً . وإنما ستبقى تواصل رحلتها في نطاق هذا التوسع الدائم .
نستطيع أن نرى بالعين المجردة خمسة الاف نجم ، عندما تكون السماء صافية ، ولكن هذا العدد يتضاعف إلى أكثر من (…,…,2) أي مليوني نجم ، حين نستعمل تلسكوباً بسيطاً . واليوم ، أصبح لدى الدول المهتمة بمثل هذه العلوم ، تلسكوبات متقدمة ضخمة ، ترصد بلايين النجوم ، ومع ذلك فهي تعترف أنها ما تزال مقصرة عن إدراك ما في هذا الكون ، وعن معرفة حدود هذه السماء الدنيا .
إن أقرب جرم متحرك بالنسبة إلينا ، هو القمر إذ يبعد عنا (240) ألف ميلاً وهو يدور حول الأرض ، ويكمل دورته في مدة 29 يوماً ونصف يوم . وكذلك تبعد أرضنا هذه عن شمسنا (…,…,93) ميلاً ، وهي تدور حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة . وتستكمل هذه الدورة مرة واحدة في السنة . وكذلك توجد تسعة كواكب ، ضمنها الأرض ، تدور كلها حول الشمس بسرعة فائقة . وأبعد هذه الكواكب ، بلوتو ، الذي يدور في دائرة (…,…،..5,۷) ميلاً حول الشمس . وحول هذه الكواكب ، تدور عشرات الأقمار غير قمرنا .
بعض الحقائق عن شمسنا :
==============
ـ تبعـد عنا شمسنا هـذه التـي في السمـاء الـدنيـا 93 مليون ميل .
ـ لولا قبضتها الممسكة بالكواكب الدَّوارة ، لانطلقت هذه الكواكب في الفضاء الكوني .
ـ لولا حرارتها وضوؤها لعمَّ الأرض الظلام والجليد المقيم ، ولانعدمت الحياة على الأرض .
ـ قطرها صف من الكرات الأرضية عددها 109 .
ـ حرارة سطحها 6000 درجة مطلقة مما يجعل المعادن فيها إذا وجدت تنصهر وتتحول إلى غاز .
ـ حرارتها الداخلية …,…,14 مليون درجة مطلقة ( أي على مقياس الدرجات الذي يبدأ من الصفر المطلق وهو ـ 273 درجة مئوية ، أي نهاية ما تصل إليه برودة الأجسام ) .
ـ مثل شمسنا في السماء الدنيا مليارات ، وأكبر منها بملايين المرات ولكنها لأبعادها الهائلة ، ترى نجوماً ، أو نقاطاً ضوئية . وأقرب نجم أو شمس إلينا ، هو أبعد من شمسنا 30 ألف مرة .
ـ عناصرها 80 ٪ هيدروجين ، 18 ٪ هيليوم ، 2 ٪ عناصر اخرى .
ـ الهيدروجين المدَّخر في الشمس يكفي لـ 1500 مليون سنة قبل أن يتحول لهيليوم .
ـ تستغرق أشعتها لتصل إلينا 5,۸ دقائق .
ـ ٠٠٠‚٣٠٠‚١ مرة أكبر من الأرض ، يعني تستوعب إذا تصورناها مجوفة ٠٠٠‚٣٠٠‚١ كرة أرضية .
ـ إذا تصورناها في كفة ميزان عملاق ، فعلينا أن نضع في الكفة المقابلة …333 كرة أرضية حتى تتساوى الكفتان . وهذا ما يسمى بالوزن أو الكتلة .
ـ كثافتها( 1،41)هي قريبة من كثافة الماء التي هي (1)
ـ جاذبيتها أقوى 28 مرة من الأرض . بحيث أن ما يزن 7 كلغ على الأرض ، تزن 200 كلغ على الشمس . لذلك، لكي ينفلت الصاروخ من قبضتها ، يلزم أن تكون سرعته 386 ميل في الثانية ، أي أسرع 55 مرة من قوة انفلاته من الأرض .
وبعض الحقائق عن القمر :
=============
ـ متوسط بعده عن الأرض …،.24 ميلاً .
ـ سرعة دورانه في فلكه 287،2 ميلاً في الساعة .
ـ قطره يساوي 160،2 ميلاً .
ـ المساحة المرئية منه 59 في الماءة .
ـ أكثر الفوهات اتساعاً 100 ميلا .
ـ أعلى الجبال …،.2 قدم أي …،7 م . عمره نحو ..5،4 مليون سنة .
ـ درجة الحرارة على الجانب المضاء بالشمس 120 درجة سنتغراد .
ـ درجةالحرارة على الجانب المظلم ( – 150 ) درجة سنتغراد .
{ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . سورة الغاشية الآية 18 } :
============================
عندما كان الناس يظنون أن الأرض هي مركز الكون . كان المعتقد أن النجوم مجرد مصابيح أو فوانيس سماوية معلقة في قبة السماء من أجل أن تنير الأرض . وبالتدريج استطاع العلماء من أمثال غاليلو وكوبرنيكوس ونيوتن إقناع الناس أن الأرض ليست هي مركز الكون . ولكنها مجرد جزء صغير جداً في هذا الكون العملاق .
وهكذا تمكن الإنسان من أين يرى عبر أبعاد متزايدة من الفضاء بواسطة المناظير الفلكية المكبرة ، التي استعملها أول مرة في القرن السادس عشر الميلادي غاليلو بعد أن هداه الله إليها ، في الوقت الذي قدَّره وقضاه هو سبحانه .
شموس بعيدة عن كوكبنا الأرض ملايين السنين :
========================
الأبعاد التي بين النجوم أو الشموس كبيرة جداً إلى حد عندما نعبِّر عنها بالأميال أو الكيلومترات ، فينبغي أن نظل نردِّد ملايين الملايين أو المليارات . ولذلك وحتى لا يدوخ العلماء بهذه الأرقام أخذوا يقيسون المسافات والأبعاد بالسنين الضوئية . ومع ذلك ظلوا واقعين تحت وطأة الأرقام المليونية .
والقياس بالضوء ، يختصر المقاييس العادية اختصاراً شديداً . فالسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة من سنيِّ الأرض . علماً بأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة مسافة ( …،..3 كلم ) أو ( …، 186 ميل ) . بحيث تتمخض السنة الضوئية عن رقم خيالي من الأميال هو في الحقيقة ست ملايين ملايين ميل أو حوالي عشر ملايين ملايين كيلومتر . ويمكن باستخدام المراصد المتقدمة الحديثة التعرف على نجوم أو شموس تقع على بعد آلاف ملايين السنين الضوئية .
وكما هو معلوم ، شمسنا هي أقرب النجوم إلى الأرض . ورغم ذلك فإن ضوءَها يستغرق ۵،۸ دقائق ونصف حتى يصل إلينا . وخارج مجموعتنا الشمسية يسمى أقرب النجوم إلينا قنطورس ، وهو على بعد ٤،۵ سنوات ضوئية منا . ولو تخيلنا أننا نستطيع السفر بسرعة الضوء وأقلعنا وعمرنا عشر سنوات فلن نصل إلى ذلك النجم الجميل المسمى الدبران قبل أن نبلغ الثامنة والسبعين من العمر . وبعض النجوم التي يمكن أن تراها بعينك المجردة تقع على بعد آلاف السنين الضوئية . وعلى ذلك ، وبغض النظر عن السرعة التي تنطلق بها ، فإنك لن تستطيع أن تصل إليها في حياتك .
ومن الأهمية بمكان ، أن نقدر ما تعنيه هذه الأزمنة والمسافات بالنسبة إلى مواقع النجوم . فنحن نعلم أن مواقع النجوم تتغير طوال الوقت . وأن النجوم تتحرك بالنسبة لبعضها البعض . ولكن كيف نستطيع الحكم على موقع أي نجم ؟ هل عن طريق النظر إليه ؟ كلا . لأن ضوءَه الذي نراه إنما استغرق زمناً طويلاً حتى وصل إلينا . وخلال ذلك الوقت تحرك النجم وغيَّر موضعه . ولذلك فمن اللازم أن نحسب السرعة التي يتحرك بها ، ومن ثم نعود بموضع النجم إلى مكانه الحقيقي . وعلى ذلك يتبين لنا أن لكل نجم موضعين هما : الموضع الذي نراه فيه . ثم الموضع الذي يشغله حقيقة . فعندما ننظر إلى أكثر النجوم بعداً عنا في الفضاء ، نراها على الحالة التي كانت عليها خلال آماد سبقت بكثير تكامل تكوين الأرض . ( وليس خلقها ) .
ولنحاول أن نتخيل صورة مبسطة للسماء الدنيا بمصابيحها . فأصغر ما فيها من أشياء هي تلك الشهب ، والنيازك ، والمذنبات ، والقمر ، ثم الكواكب السيارة ( مثل الأرض والزهرة وعطارد ) وهذه الأشياء تلف وتدور حول نجم مركزي ( مثل الشمس في حالتنا ) . ويبدو أنه من اللازم ، أن يتبع كلَّ نجم كواكب سيارة ، وإنما هذه الكواكب لا ترى بالمراصد إلا بصعوبة كبيرة ، لأنها لا تشع الضوء ذاتياً . إلا أن بعض العلماء ، اكتشفوا وفي السنة 1999 كواكب سيارة تدور حول نجومها أو حول شموسها خارج مجموعتنا الشمسية .
ومعلوم أن النجوم ، تكون مع بعضهـا البعض ، مجموعات كبرى تسمى المجرات ، بينما تدخل كل المجرات معاًفي بناء السماء الدنيا .
الشموس أنواع عديدة :
=============
قبل أن نتحدث عن أنواع الشموس أو النجوم ، ينبغي أن نذكر شرطاً عظيماً من
أشراط الساعة ، وهو في قوله تعالى :
{ فَإِذَا بَـرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَـفَ الْقَمَرُ . وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . سورة القيامة الآيات
( ۷ ـ ۹ ) } والشرط الذي أعنيه بين هذه الثلاث شروط هو قوله سبحانه : { وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } إذ المعلوم من القرآن الكريم أنهما لن يجتمعا ، لقوله تعالى : { لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ . سورة يس الآية 40 } .
فالقصد إذن من قوله تعالى : { وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَر} هو جمعهما أو جمع كل ٍ منهما جمعاً لغوياً ، وذلك بعد إفراد كل ٍمنهما قبل الكشف العلمي الفلكي ، وهذا من إعجاز القرآن . فقبل هذا القرن العشريني ، كانت لفظة الشمس أو القمر تعني شمسنا وقمرنا بالنسبة لأرضنا هذه الدنيا . أما وقد تبين أن في السماء شموس وأقمار ، فأصبح لزاماً علينا ، أن نفهـم أن كلمة الشمس إنما هي إسم علَم ٍ لشمسنا ، وهي إسم جنس لبقية الشموس ، وكذلك القمر بعدما اتضح أن هناك كذلك أقمار عديدة لبعض الكواكب السيارة من أخوات كوكبنا هذا الذي بقمر واحد . وهذا الإيحاء اللغوي شائع في اللغة العربية ، فكلمة الإنسان تعني ـ إذا أردت بها جميع أفراد الإنسان ـ كما أنها تعني فرداً واحداً إذا أردت بها ذلك ، وكذلك كلمة صديق وعدو وآدم ، وسبأ وعاد وثمود .. ومثل ذلك شمس وقمر .
ونتابع في آيته الكريمة المعجزة :{ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ . } .
فالنجوم أو الشموس ، يمكن أن تقسم إلى أنواع مختلفة ، تبعاً لألوانها ودرجة حرارتها ، اللذين بدورهما كثيراً ما يتبعان أحجام الشموس . فالشمس ، شمسنا ، عبارة عن نجم أصغر ( وهو أكثر أنواع النجوم شيوعاً) . وتبلغ درجة حرارة هذا الخليط من النجوم المتوسطة الحجم نحو …،6 درجة سنتيغراد . وثمة فصيلة أخرى من النجوم ، وهي فصيلة النجوم الحمراء . درجة حرارتها أقـل ( …,3 درجة سنتيغراد ) وغالباً ما تكون عظيمة الحجم ، ومن ثم يطلق عليها إسم العمالقة الحمراء . وفي الطرف الآخر لمقياس الأحجام تأتي النجوم أو الشموس الزرقاء ، التي تميل إلى أن تكون أصغر حجماً وأكثر ارتفاعاً فـي الحـرارة ( نحو …،15 درجة سنتيغراد أو أكثر ) .
وكل الشموس تفصل بينها مسافات كبيرة جداً ، حتى إنه قد يمضي زمن مثل ..5 بليون سنة ، قبل أن يصطدم نجم بنجم آخر ، ولكنها مع ذلك ، فإنها تكون جزءاً من مجرتنا ، التي بدورها ما هي إلا واحدة من بين مجرات هذه السماء التي تقدر بالملايين .
ونحن نقع ـ أي مجموعتنا الشمسية ـ على وجه التقريب ، على بعد …،.3 سنة ضوئية من مركز المجرة . ومن السهل أن نرى كيف تزداد كثافة النجوم داخل المجرة بازدياد القرب من مركزها . والآن تصور أن عليك أن تنظر عبر المجرة إلى الجانب الآخر الأكثر بعداً ، عندها سوف ترى عدداً هائلاً من النجوم ، القريبة أو البعيدة ، وذلك في حزمة سعتها في مثل سمك المجرة .
والآن أخرج في ليلة صافية ، وحاول أن تستعرض مجرتنا هذه . فإنك سترى الطريق اللبني كما سماها الإغريق .
وأول من وصف حزمة الضوء العريضة التي تعرف باسم الطريق اللبني أو درب التبـانة هو ديموكريتس ( وهو نفس الإغريقي القديم الذي كان أول من صاغ النظرية الذرية ) وقد اقترح وذهب إلى أن الطريق اللبني إنما يتكون من عدد وفير من النجوم ( أو الشموس ) بحيث لا يمكن لأحد أن يميز بينها . ولقد أثبتت المناظير الفلكية الحديثة صحة ما ذهب إليه .
{ إذا الشمس كوِّرت . سورة التكوير الآية الأولى } :
========================
وتلف المجرة بشموسها كلها وتدور حول نفسها بمعدل قدره 140 ميلاً في الثانية . وتستغرق ما يقرب من 230 مليون سنة لكي تتم دورة كاملة . ولسوف يصيبك الدوار إذا أقدمت على التفكير في كل الاتجاهات التي تدور فيها وتلف في وقت واحد .
وفي هذا العصر يستطيع المرء باستخدام المناظير الكبرى الفلكية القوية أن ينفذ ببصره من مجرتنا ليرى مجرات أخرى . ولتلك المجرات مناظرها الرائعة فبعضها يشبه العجلات الكبرى بينما يشبه بعضها الآخر المغازل الجميلة .
{ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . }(سورة الإنفطار الآيات ( ۱ ـ ۲ )) :
=========================
{ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ } و { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } أي فتحة الأوزون ، وأصبح مفروغاً منها . وقد تلاها فتحات في أرجاء السماء ، كل فتحـة بمساحة قارة .
يبقى قوله تعالى : { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } .
فقد اكتشف علماء الفلك أن الكواكب لا حصر لها وهي تتناثر بسرعة خارقة متباعدة عن بعضها البعض . ولو أنك لاحظت ضوء الشمس الذي يدخل غرفتك من الشباك ، فسترى أن هناك ذرات كثيرة من الغبار متناثرة في الهواء . فلو استطعت أن تتخيل هذا في شكل أعظم ، لأمكنك أن تحظى من الفهم بشيء عن السيارات والكواكب في الكون ، مع الفرق الهائل المتمثل في أن ذرات الغبار تتناثر ويتصادم بعضها مع بعض . ولكن الكواكب مع كثرتها يواصل كل واحد منها سفره على بعد عظيم يفصله عن الكواكب الأخرى . ومثلها مثل بواخر عديدة تسير في أعالي البحار متباعدة ، حتى أن إحداها لا تعرف شيئاً عن الأخرى .
وكذلك في قوله تعالى :
{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . سورة التكوير الآية 2 }
الإنكدار في اللغة هو السقوط ، يقال انكدر الطائر إذا أصيب جناحه أو جرح فيجنح أو يسقط .
ومعلوم بالنسبة للسماء أنها كرة محيطة بنا ، وأن الناس هم المخاطبون بلغة القرآن إضافة إلى معشر الجن . وبما أن الناس منتشرون حول كوكب الأرض وهو كروي أيضاً فإن أي ذهاب في السماء إلى أية جهة من جهاتها هو سقوط بالضرورة بالنسبة لقسم من الناس . مثال ذلك : الصاروخ المنطلق صعداً من القطب الشمالي في الأرض ، هو في حالة سقوط بالنسبة للذين هم في منطقة القطب الجنوبي .. وهكذا ..
ومن بين الحقائق الهامة جداً المتعلقة بالمجرات أنها كلما ازداد بعدها عنا ، كلما تراءى لنا أنها منطلقة بسرعات أكبر . وفي الواقع نجد أن المجرات الأكثر بعداً عنا إنما تتحرك بسرعات تبلغ من الكبر الحد الذي يصل بها إلى سرعة الضوء ، بحيث لا نستطيع أن نراه قط . ويطلق العلماء على تلك المجرات اسم : ( حدود الكون المرئي ) . وهي تسمية لطيفة تعترف ببساطة بعجزهم عن معرفة حدود هذه السماء .. الدنيا .