وإلى السماء كيف رفعت

{ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . سورة الغاشية ـ الآية 18}

 

 إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ..

{سورة فاطر الآية ۲۸ }

          هذه الآية قالها عالم الكيمياء هبة الله المشرقي لزميله عالـم الفلك الإنكليزي ، فأسلم .  وكان السبب في ذلك ما يلي :

          ” جيمس جونز ” وهو من أشهر علماء الفلك في القرن العشرين ،  خارجاً من جامعة كمبردج  حيث يدرِّس فيها هو والمشرقي ، وكان الجو ممطراً بغزارة  ، فالتقاه زميله هبة الله على باب الجامعة  والمطر يتقطر من وجهه وأذنيه ،  بينما مظلته تحت إبطه مع كتاب ضخم ، فسأله المشرقي : إلى أين ، قال إلى الكنيسة ، قال ولماذا ولا أعلمك من المصلين ولا المتدينين . قال أصبحت منهم وأنا ذاهب لأسجد لله سجدة طويلة وأقول له ما أعظمك ! ما أعظمك يا رب ! . قال المشرقي والمطر ما زال ينهمر  عليهما غزيراً ، وما هذا تحت إبطك  قال الإنجيل ، قال وهذه ؟ فالتفت جيمس جونز  فوجد أنها مظلته ، لم  يفطن لاستعمالها  وهو بأمس الحاجة  إليها لأنه كان ما زال شارداً ذهنه في الفلك وتعقيداته  وعجيب نظامه وعظمة خالقه  ومبرمجه ومدبِّره وحافظه ، والذي هو الله تعالى لا شريك له ولا مساعد ، ومن يستطيع أن يساعد في حمل ثِقل واحد من أثقال هذه الغابات النارية ـ النورانية ـ  أو أن يلمَّ بأسفارها واتجاهاتها وحركاتها ناهيك عن خلقها على  عظائمها وعجائبها بين حرفين : الكاف والنون . ومن العدم ، فقد أثبت العلم أن المادة ليست أزلية ، لا سيما بعد اكتشاف ” القانـون الثانــي للحـرارة  الدينـاميكيـــة ” .  Second  law of Thermo Dynamics ، هذا القانـون يبرهن أن الحرارة  تنتقل دائماً من ( وجود حراري ) إلى ( عدم  حراري ) والعكس مستحيل .

          وبناءً على هذا الإكتشاف العلمي الرائع ثبت أن موجودات ما تحت السماء  الدنيا  من نجوم وكواكب وأجرام سماوية تتناقص كفاءَتها مع الزمن ، ولا بدَّ من أن تتساوى في وقت ما ـ إذا  شاء الله ـ  حرارة جميع الموجودات ، وعندئذ ، بعد استقراء هذا الوضع من الناحية  العلمية ، تنتهي الحياة أو تتوقف علـى  هـذه الأرض وتحت هذه السماء . نحن استطردنا .. وتركنا جيمس جونز يبتسم ، إذ انتبه لشروده عن مظلته حتى تبلل ولم يشعر ، ودعا صديقه ليشرح له في لقاء ٍ عصر ذلك اليوم ، سبب إيمانه العميق والفجائي .

          ومع تناول الشاي  أخذ عالم الفلك يتحدث عن بعض وجوه هذا النظام الإلـهي العظيم ، للسماء وكواكبها  ونجومها ، وعالم الكيمياء  القرآني ، يستمع ويوافق ، حتى وصل إلى درجة لم يعد رأسه يحتمل ، من عجائب تحركات الأجرام السماوية وتعقيداتها وأرقامها وأبعادها . فأشار إلى صديقه أن كفى ، ثم استأذنه بأن يتلو عليه آية من القرآن الكريم . قال :

          قال الله تبارك وتعالى :

          { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ . سورة فاطر الآيات ( 27 ـ 28) } .

          فاستعادها جيمس جونـز وتمعَّن فيها ، وتداول مع هبة الله بشأن تاريخها وتفسيرها . إلى  أن انتهى إلى القرار بأن هذا القرآن هو يقيناً من لدن الله تبارك وتعالى ، مقراً بأن محمَّداً (ص) هو رسول الله . فبادره المشرقي بقوله : على هذا الأساس أنت أسلمت  يا صديقي . قال : إذا كان الإسلام هو الإقرار  بوحدانية الله كما في كتابكم والإيمان بالقرآن منزلاً من لدن الله تبارك وتعالى وبمحمَّد ٍ رسولاً من عند الله ، فأنا أسلمت حقاً . فقال له : هل أكتب ما جرى بيننا وأنشره ؟ قال : اكتب وأنشر . وأنا شاكر لله  وبذلك فخور .

          لماذا { .. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. } ولا سيما الذين يتتبعون في الآفاق وفي الأنفس عجائب خلق الله وغرائب آياته ، وبالأخص منهم علماء الفلك ؟ ذلك لقوله تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ .. سورة غافر آية 57 } .

فماذا في السماء ؟

==========

          في علم الفلك أن عدد نجوم السماء  مثل عدد حبات الرمال الموجودة  على سواحل البحار . من هذه النجوم  ما هو أكبر من الأرض ، لدرجة أنه يمكن أن يوضع في واحد من النجوم العملاقة ملايين من حجم أرضنا هذه .

          ورغم أن العلم  بشكل عام  وعلم الفلك خاصة لم يستطع أن يتوصل إلى معرفة  حدود هذه السماء الدنيا  ولا يعرف عن حدودها شيئاً . ولكن  لا بأس أن نستأنس بنظرية  أينشتين الرياضية ، فقط لنأخذ فكرة  وعبرة عن عظمة هذا الكون الرحب الفسيح الذي يعجز الخيال  والتصور  عن رصده ، فضلاً عن عجز الأرصاد الضخمة والأجهزة المتقدمة .

          يقول هذا العالم  الفذ : لنتصور طائرة  خيالية تسير بسرعة 186 ألف ميل في الثانية . وأن هذه الطائرة تطوف بنا حول هذا الكون الموجود الآن .  إن هذه الرحلة  ستستغرق  ( …,…,…,1)  سنة . يضاف إلى ذلك ، أن هذا الكون ليس جامداً ، وإنما هو يتسع  ويتمـدد كل لحظـة ، حـتى أنـه  بعـد ( …,…,..3 ,1) سنة تصير هذه المسافات  الكونية ضعفين . وهكذا لن تستطيع هذه الطائرة الخارقة في سرعتها الخيالية ، أن تكمل دورتها  حول هذا الكون أبداً . وإنما ستبقى تواصل رحلتها في نطاق هذا التوسع الدائم .

          نستطيع أن نرى بالعين المجردة خمسة الاف نجم ، عندما تكون السماء  صافية  ،  ولكن  هذا  العدد  يتضاعف  إلى  أكثر  من (…,…,2) أي مليوني نجم ، حين نستعمل تلسكوباً بسيطاً . واليوم ، أصبح لدى الدول  المهتمة بمثل هذه العلوم ، تلسكوبات متقدمة ضخمة ، ترصد بلايين النجوم ، ومع ذلك فهي تعترف أنها ما تزال مقصرة عن إدراك ما في هذا الكون ، وعن معرفة حدود هذه السماء الدنيا .

          إن أقرب جرم متحرك بالنسبة إلينا ،  هو  القمر  إذ  يبعد  عنا (240) ألف ميلاً وهو يدور حول الأرض ، ويكمل دورته في مدة 29 يوماً ونصف يوم . وكذلك تبعد أرضنا هذه عن شمسنا (…,…,93) ميلاً ، وهي تدور حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة . وتستكمل  هذه الدورة مرة واحدة في السنة . وكذلك توجد تسعة كواكب ، ضمنها الأرض ، تدور كلها حول الشمس بسرعة فائقة . وأبعد هذه الكواكب ، بلوتو ، الذي يدور في دائرة (…,…،..5,۷) ميلاً حول الشمس . وحول هذه الكواكب ، تدور عشرات الأقمار غير قمرنا .

بعض الحقائق عن شمسنا :

==============

ـ         تبعـد عنا  شمسنا هـذه التـي في السمـاء الـدنيـا 93 مليون ميل .   

ـ         لولا قبضتها الممسكة بالكواكب  الدَّوارة ، لانطلقت هذه الكواكب في الفضاء الكوني .

ـ         لولا حرارتها وضوؤها  لعمَّ الأرض الظلام والجليد المقيم ، ولانعدمت  الحياة على الأرض .

ـ         قطرها صف من الكرات الأرضية عددها 109 .

ـ         حرارة سطحها  6000 درجة مطلقة مما يجعل المعادن فيها  إذا وجدت تنصهر وتتحول إلى غاز .

ـ         حرارتها الداخلية …,…,14 مليون درجة مطلقة ( أي على مقياس  الدرجات الذي يبدأ من الصفر المطلق وهو ـ 273 درجة مئوية ، أي نهاية ما تصل إليه برودة الأجسام ) .

ـ         مثل شمسنا في السماء الدنيا مليارات ، وأكبر منها  بملايين المرات ولكنها لأبعادها الهائلة ، ترى نجوماً ، أو نقاطاً ضوئية . وأقرب  نجم أو شمس إلينا ، هو أبعد من شمسنا  30 ألف مرة .

ـ         عناصرها 80 ٪ هيدروجين ، 18 ٪  هيليوم ، 2 ٪ عناصر اخرى .

ـ         الهيدروجين المدَّخر في الشمس يكفي لـ 1500 مليون سنة  قبل أن يتحول  لهيليوم .

ـ         تستغرق أشعتها لتصل إلينا  5,۸  دقائق .

ـ         ٠٠٠‚٣٠٠‚١ مرة أكبر من الأرض ، يعني تستوعب إذا تصورناها  مجوفة ٠٠٠‚٣٠٠‚١  كرة أرضية .

ـ         إذا تصورناها في كفة ميزان عملاق ، فعلينا أن نضع في الكفة المقابلة  …333 كرة أرضية حتى تتساوى الكفتان . وهذا ما يسمى بالوزن أو الكتلة .

ـ         كثافتها( 1،41)هي قريبة  من كثافة الماء التي هي (1)

ـ         جاذبيتها  أقوى 28 مرة من الأرض . بحيث أن ما  يزن 7 كلغ على الأرض ، تزن 200 كلغ على الشمس . لذلك، لكي  ينفلت الصاروخ من قبضتها ، يلزم أن تكون سرعته 386 ميل في الثانية ، أي أسرع 55 مرة من قوة انفلاته من الأرض .

وبعض الحقائق عن القمر :

=============

          ـ         متوسط بعده عن الأرض  …،.24  ميلاً .

          ـ         سرعة دورانه في فلكه 287،2 ميلاً في الساعة .

          ـ         قطره يساوي 160،2 ميلاً .

          ـ         المساحة المرئية منه 59 في الماءة .

          ـ         أكثر الفوهات اتساعاً 100 ميلا .

          ـ         أعلى الجبال …،.2 قدم  أي  …،7 م . عمره نحو ..5،4 مليون  سنة .

          ـ         درجة الحرارة على الجانب المضاء بالشمس 120 درجة سنتغراد .

          ـ         درجةالحرارة على الجانب المظلم ( – 150 ) درجة سنتغراد .

{ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . سورة الغاشية الآية 18 } :

============================

          عندما كان الناس يظنون أن الأرض هي مركز الكون . كان المعتقد  أن النجوم مجرد مصابيح أو فوانيس سماوية معلقة في قبة السماء  من أجل أن تنير الأرض . وبالتدريج استطاع العلماء من أمثال غاليلو وكوبرنيكوس ونيوتن إقناع الناس أن الأرض ليست هي مركز الكون . ولكنها مجرد جزء صغير جداً في هذا الكون العملاق .

          وهكذا تمكن الإنسان من أين يرى عبر أبعاد متزايدة من الفضاء بواسطة  المناظير الفلكية  المكبرة ، التي استعملها أول مرة في القرن السادس عشر الميلادي غاليلو بعد أن هداه الله إليها ، في الوقت الذي قدَّره وقضاه هو سبحانه .

شموس بعيدة عن كوكبنا الأرض ملايين السنين :

========================

          الأبعاد التي بين النجوم  أو الشموس كبيرة جداً إلى حد عندما نعبِّر عنها بالأميال أو الكيلومترات ، فينبغي أن نظل نردِّد ملايين  الملايين  أو المليارات . ولذلك وحتى لا يدوخ  العلماء بهذه الأرقام أخذوا يقيسون المسافات والأبعاد بالسنين الضوئية . ومع ذلك ظلوا واقعين تحت وطأة الأرقام المليونية .

          والقياس بالضوء ، يختصر المقاييس العادية اختصاراً شديداً . فالسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة من سنيِّ الأرض . علماً بأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة مسافة ( …،..3 كلم ) أو ( …، 186 ميل ) . بحيث تتمخض السنة الضوئية عن رقم خيالي من الأميال هو في الحقيقة ست ملايين ملايين ميل أو حوالي عشر ملايين ملايين كيلومتر . ويمكن باستخدام  المراصد المتقدمة الحديثة التعرف على نجوم أو شموس تقع على بعد آلاف ملايين  السنين الضوئية .

          وكما هو معلوم ،  شمسنا هي أقرب النجوم إلى الأرض . ورغم  ذلك فإن ضوءَها  يستغرق ۵،۸ دقائق ونصف حتى يصل إلينا . وخارج مجموعتنا  الشمسية  يسمى أقرب النجوم إلينا قنطورس ، وهو على بعد ٤،۵ سنوات ضوئية منا .  ولو تخيلنا أننا نستطيع السفر  بسرعة الضوء  وأقلعنا وعمرنا عشر سنوات  فلن نصل إلى ذلك النجم الجميل المسمى الدبران  قبل أن نبلغ الثامنة والسبعين  من العمر . وبعض النجوم التي يمكن  أن تراها بعينك المجردة  تقع على بعد آلاف السنين الضوئية . وعلى ذلك ،  وبغض النظر عن السرعة التي تنطلق بها ، فإنك لن تستطيع  أن تصل  إليها في حياتك .

          ومن الأهمية بمكان ، أن نقدر ما تعنيه هذه الأزمنة والمسافات  بالنسبة إلى مواقع النجوم . فنحن نعلم أن مواقع النجوم  تتغير طوال الوقت .  وأن النجوم تتحرك بالنسبة لبعضها البعض . ولكن كيف نستطيع الحكم  على موقع أي نجم ؟ هل عن طريق النظر إليه ؟ كلا . لأن ضوءَه الذي نراه إنما استغرق زمناً طويلاً حتى وصل إلينا . وخلال ذلك الوقت تحرك النجم وغيَّر موضعه  .  ولذلك فمن اللازم أن نحسب السرعة التي يتحرك بها ، ومن ثم نعود بموضع النجم إلى مكانه الحقيقي . وعلى ذلك يتبين لنا أن لكل نجم موضعين هما : الموضع الذي نراه فيه . ثم الموضع الذي يشغله حقيقة . فعندما ننظر إلى أكثر النجوم بعداً عنا في الفضاء ، نراها على الحالة التي كانت عليها خلال آماد سبقت بكثير تكامل تكوين الأرض . ( وليس خلقها ) .

          ولنحاول أن نتخيل صورة مبسطة للسماء الدنيا بمصابيحها . فأصغر  ما فيها من أشياء هي تلك الشهب ، والنيازك ، والمذنبات ، والقمر ، ثم الكواكب السيارة ( مثل الأرض والزهرة وعطارد )  وهذه الأشياء  تلف وتدور  حول نجم مركزي ( مثل الشمس في حالتنا ) . ويبدو  أنه من اللازم ، أن يتبع كلَّ نجم كواكب سيارة ، وإنما هذه الكواكب لا ترى بالمراصد إلا بصعوبة كبيرة ، لأنها لا تشع الضوء ذاتياً . إلا أن بعض العلماء ، اكتشفوا وفي السنة 1999 كواكب سيارة  تدور حول نجومها أو حول شموسها خارج مجموعتنا الشمسية .

          ومعلوم أن النجوم ، تكون مع بعضهـا البعض ، مجموعات كبرى تسمى المجرات ، بينما تدخل كل المجرات معاًفي بناء السماء الدنيا .

 الشموس أنواع عديدة :

=============

          قبل أن نتحدث عن أنواع الشموس  أو النجوم ، ينبغي أن نذكر شرطاً عظيماً  من

أشراط الساعة ، وهو في قوله تعالى :

{ فَإِذَا بَـرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَـفَ الْقَمَرُ . وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .  سورة القيامة الآيات

( ۷ ـ ۹ ) } والشرط الذي أعنيه بين هذه الثلاث شروط هو قوله سبحانه : { وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }  إذ المعلوم من القرآن الكريم أنهما لن يجتمعا ، لقوله تعالى : { لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ . سورة يس الآية 40 } .

          فالقصد إذن من قوله تعالى : { وَجُمِـعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَر} هو جمعهما أو جمع كل ٍ منهما جمعاً لغوياً ، وذلك بعد إفراد كل ٍمنهما قبل الكشف العلمي الفلكي ، وهذا من إعجاز القرآن . فقبل هذا القرن العشريني ، كانت  لفظة الشمس أو القمر تعني شمسنا وقمرنا  بالنسبة لأرضنا هذه الدنيا . أما وقد تبين أن في السماء شموس وأقمار ، فأصبح لزاماً علينا ، أن نفهـم أن كلمة الشمس إنما هي إسم علَم ٍ لشمسنا ، وهي إسم جنس لبقية الشموس ، وكذلك القمر بعدما اتضح أن هناك  كذلك أقمار عديدة لبعض الكواكب السيارة من أخوات كوكبنا هذا الذي بقمر واحد . وهذا الإيحاء اللغوي شائع في اللغة العربية  ، فكلمة الإنسان تعني ـ إذا أردت بها جميع أفراد الإنسان ـ  كما أنها تعني فرداً واحداً إذا أردت بها ذلك ، وكذلك كلمة صديق وعدو وآدم ، وسبأ وعاد وثمود .. ومثل ذلك شمس وقمر .

          ونتابع في آيته الكريمة المعجزة :{ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ . } .

          فالنجوم أو الشموس ، يمكن أن تقسم إلى أنواع  مختلفة ، تبعاً لألوانها ودرجة حرارتها ، اللذين بدورهما كثيراً ما يتبعان أحجام الشموس . فالشمس  ، شمسنا ، عبارة عن نجم أصغر ( وهو أكثر أنواع النجوم شيوعاً) . وتبلغ درجة حرارة  هذا  الخليط  من النجوم  المتوسطة الحجم نحو …،6 درجة سنتيغراد . وثمة فصيلة أخرى من النجوم ، وهي فصيلة النجوم الحمراء . درجة حرارتها  أقـل  ( …,3 درجة سنتيغراد ) وغالباً ما تكون عظيمة الحجم ، ومن ثم يطلق عليها إسم  العمالقة الحمراء . وفي الطرف الآخر لمقياس الأحجام تأتي النجوم أو الشموس الزرقاء ، التي تميل إلى أن تكون أصغر حجماً وأكثر ارتفاعاً  فـي الحـرارة ( نحو …،15 درجة سنتيغراد أو أكثر ) .

          وكل الشموس تفصل بينها مسافات كبيرة جداً ، حتى إنه قد يمضي  زمن مثل ..5 بليون سنة ، قبل أن يصطدم نجم بنجم آخر ، ولكنها  مع ذلك ، فإنها  تكون جزءاً من مجرتنا ، التي بدورها ما هي إلا واحدة من بين مجرات هذه السماء  التي تقدر بالملايين .

          ونحن نقع ـ أي مجموعتنا الشمسية ـ على وجه التقريب ، على بعد …،.3 سنة ضوئية من مركز المجرة . ومن السهل أن نرى كيف تزداد كثافة النجوم  داخل المجرة بازدياد القرب من مركزها . والآن تصور أن عليك أن تنظر عبر المجرة إلى الجانب الآخر الأكثر بعداً ، عندها سوف ترى عدداً هائلاً من النجوم ، القريبة أو البعيدة ، وذلك في حزمة سعتها في مثل سمك المجرة .

          والآن أخرج في ليلة صافية ، وحاول أن تستعرض مجرتنا هذه . فإنك سترى الطريق اللبني كما سماها الإغريق .

          وأول من وصف حزمة الضوء العريضة التي تعرف باسم الطريق اللبني أو درب التبـانة هو ديموكريتس (  وهو نفس الإغريقي القديم الذي كان  أول من صاغ  النظرية الذرية )  وقد اقترح وذهب إلى أن الطريق اللبني إنما يتكون من عدد وفير من النجوم    ( أو الشموس )  بحيث لا يمكن لأحد أن يميز بينها .  ولقد أثبتت المناظير الفلكية  الحديثة صحة ما ذهب إليه .

 

{ إذا الشمس كوِّرت . سورة التكوير الآية الأولى } :

========================

 

          وتلف المجرة بشموسها كلها وتدور حول نفسها بمعدل قدره 140 ميلاً في الثانية . وتستغرق ما يقرب من 230 مليون سنة لكي تتم  دورة كاملة . ولسوف يصيبك الدوار إذا أقدمت على التفكير في كل الاتجاهات التي تدور فيها وتلف في وقت واحد .

          وفي هذا العصر  يستطيع المرء باستخدام  المناظير الكبرى الفلكية القوية أن ينفذ ببصره من مجرتنا ليرى مجرات أخرى . ولتلك المجرات  مناظرها الرائعة فبعضها يشبه العجلات الكبرى  بينما يشبه بعضها الآخر  المغازل الجميلة .

{ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . }(سورة الإنفطار الآيات ( ۱ ـ ۲ )) :

=========================

          { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ } و { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } أي فتحة الأوزون ، وأصبح  مفروغاً منها . وقد تلاها فتحات في أرجاء السماء ، كل فتحـة بمساحة قارة .

          يبقى قوله تعالى : { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } .

          فقد اكتشف علماء الفلك أن الكواكب لا حصر لها وهي تتناثر بسرعة خارقة متباعدة عن بعضها البعض . ولو أنك لاحظت ضوء الشمس الذي يدخل غرفتك من الشباك ، فسترى أن هناك ذرات كثيرة من الغبار متناثرة في الهواء . فلو استطعت أن تتخيل هذا في شكل أعظم ،  لأمكنك أن تحظى من الفهم بشيء عن السيارات والكواكب في الكون  ، مع الفرق الهائل  المتمثل في أن ذرات الغبار  تتناثر ويتصادم  بعضها مع بعض . ولكن الكواكب مع كثرتها يواصل كل واحد منها سفره على بعد عظيم يفصله عن الكواكب الأخرى . ومثلها مثل بواخر عديدة تسير في أعالي البحار متباعدة  ،  حتى أن إحداها لا تعرف شيئاً عن الأخرى .

          وكذلك في قوله تعالى :

{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . سورة التكوير الآية 2 }

          الإنكدار في اللغة هو السقوط ، يقال انكدر الطائر إذا أصيب جناحه أو جرح فيجنح أو يسقط .

ومعلوم بالنسبة للسماء أنها كرة محيطة بنا ، وأن الناس هم المخاطبون بلغة القرآن  إضافة إلى معشر الجن . وبما أن الناس منتشرون  حول كوكب الأرض وهو كروي أيضاً فإن أي ذهاب في السماء إلى أية جهة من جهاتها هو سقوط  بالضرورة بالنسبة لقسم من الناس . مثال ذلك : الصاروخ  المنطلق صعداً من القطب الشمالي في الأرض  ، هو في حالة  سقوط بالنسبة  للذين هم في منطقة القطب الجنوبي .. وهكذا ..

          ومن بين الحقائق الهامة جداً المتعلقة بالمجرات أنها كلما ازداد بعدها عنا ، كلما تراءى لنا  أنها منطلقة بسرعات أكبر . وفي الواقع  نجد أن المجرات الأكثر بعداً  عنا  إنما تتحرك بسرعات  تبلغ من الكبر الحد الذي يصل بها إلى سرعة الضوء ، بحيث لا نستطيع أن نراه  قط . ويطلق العلماء على تلك المجرات اسم : ( حدود الكون المرئي ) .  وهي تسمية لطيفة  تعترف ببساطة بعجزهم عن معرفة حدود هذه السماء  ..  الدنيا .