أليس الله بكاف عبده

بسم الله الرحمن الرحيم
{ أليس الله بكاف عبده }
هذه الآية هي السادسة والثلاثون من سورة الزمر قوله جل وعلا  { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..} ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد .. هذا السؤال الذي هو في أول الآية السادسة والثلاثين من سورة الزمر والذي هو من أربع كلمات قوله تعالى { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ .. } يتحدى الله به الإنسان بكل أنواع  العتب والغضب والكرم والكفاية والتمنين أو  الإهلاك والإسعاد أو الإشقاء هذه الحقيقة  تجهلها الأكثرية الساحقة من البشر وهي أنه إذا أراد أحد من عباد الله أن يكتفي بالله يعني أن يكون الله وحده ربه ، وأن يكون الله وحده إلـٰهه ، وأن يكون الله وحده رازقه ، وأن يكون الله وحده حصنه ، وأن يكون الله وحده طبيبه ، وأن يكون الله وحده مدبره ومدبر من له بهم عناية ، وبإختصار شديد أن يكون الله  سبحانه وتعالى وليَّه في جميع شؤون حياته ومماته وآخرته ، فإن الله تعالى يكفيه كل ذلك بما يشاء وكيف يشاء ، بالأسباب وهو سبحانه مسبب الأسباب ، أو بكلمة كن فيكون ، بشرط حسن التوكل ، وعدم التواكل وبشرط الجهادين الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس تقرباً إلى الله وجهاد أعداء الله إذا اقتضت الضرورات ذلك. جاء في حديث قدسي : إذا اعتصم عبدي بي دون جميع خلقي فتحت له أبواب السماوات والأرض وإذا دعاني استجبت له وإذا استغفرني غفرت له ، وإذا إعتصم عبدي بأحد دوني من جميع خلقي أقفلت دونه أبواب السماوات والأرض وإذا دعاني ما استجبت له وإذا استغفرني ما غفرت له .
       ثم بعـد قولـه جـل وعـلا  { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ .. } قـال سبحـانـه { .. وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ .. } والمعنى يخوفك شياطين الجن والإنس ويخوفك المشركون والكافرون والمنافقون يخوفك كل هؤلاء يا أيها الإنسان لأنهم لم يعرفوا الله حق معرفته فلذلك هم ينظرون إلى جميع مراكز القوى الدنيوية ويتعبدون لها . وهذه القوى منها قوة السلطان ، قوة  النافذين في المجتمع مالية كانت أو عسكرية أوسياسية أو حتى نسوية أو حتى لا أخلاقية أو حتى قوى الجن  المزعومة إلى غير ذلك من قوى الشر التي تملأ الأرض ، ولا سيما في هذا العصر الذي هو آخر العصور ، نعم يخوفونك بكل ذلك وينسون أن الله هو الحي القيوم الحاكم المطلق ، القائم على كل نفس بما كسبت ، والذي هو بالمرصاد للأفراد ، وبالمرصاد للأمم بحكامها وعساكرها وشعوبها ، هذا كله والقرآن الكريم كتاب الله يصدح ويردد قول الله تعالى  { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ } .
فكم وكم من الناس الذين يلجأون لغير الله ويعتمدون على غير الله  ويستجيرون بغير الله ويدعون غير الله من البشر ، يدعون الأنبياء والأولياء أمواتاً وأحياءً وهم  يقرأون القرآن ويجودونه ويقرؤون في جملته قوله جل وعز { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ .. }  ولكن يخِرُّون عليها  صماً وعمياناً ، هؤلاء  يضلهم الله تعالى بضلالهم ، هم اختاروا الضلالة والغواية والتكذيب ولكي لا تسبق مشيئتُهم مشيئةَ الله سبحانه لأن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض لذلك  يكون له السبق دائماً في الفعل وفي الحكم وفي التنفيذ ، ولذلك قوله تعـالى { .. وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . }ومن يستطيع من خلق الله من الملائكة أو الأنبياء أو الأئمة أن يهدي من يضله الله  جلت عظمته أو أن يضل من هـداه الله  كما في الآيـة التاليـة  السابعة والثلاثين ، في  قوله تعالى { وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ } بلى إن الله عزيز ذو إنتقام ينتقم بعدله غير ظالم ، ينتقم  بعد أناته وصبره ووعده ووعيده ، حتى إذا لؤُمَ عبده وأصرَّ على لؤمه وعناده وتنكره لله ولآيات الله ، وجب عند الحق الإنتقام منه ، قال تعالى { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ. سورة البروج الآيات ( 12 ـ 16 ) }وقال  تبارك وتعالى في مكان آخر من القرآن { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ . سورة سبأ الآية الثانية والعشرون } وقال عز وجل { وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ . سورة النحل الاية السادسة والثمانون } .
ننتقل بإذن الله تعالى إلى الآية الثامنة والثلاثين قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .. } والمعنى أنك لو سألت الناس وأكثرهم مشركون يلجأون لغير الله ويدعون غيرَ الله ، لو سألتهم من خلق السماوات والأرض  ليقولن الله ، فحتما سيقولون  الله خلق السماوات والأرض وهذا أمر بديهي ولا يستطيعون إنكاره  ويتابع سبحانه { .. قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ..}هنا يلقي الحجة الدامغة عليهم ، ما دمتم أقررتم بأن الله خلق السماوات والأرض يعني  أن الله وحده هو القادر على ذلك وأنه على كل شيء قدير ويعني أن غير الله من خَلْقِ  الله لم يخلقوا شيئاً ولا يستطيعون فكيف تدعونهم ، تدعون من لا يخلق ولا يقدر، حيث أن القوة لله جميعاً كما قال سبحانه ، ثم يلقي سبحانه عليهم حجة دامغة ثانية متابعاً في الآية الكريمة قوله { .. إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ .. } أي إذا أراد الله تعالى أن يصيبني بضرر ما بمرض يطول أو يقصر أو يميت ، أو بضرر في النفس وأمراضها وأحوالها ، أو في المال أو في العيال ، فهل أحد من خَلْق ِ الله يستطيع أن يكشف الضرر الذي يريد الله أن يوقعه بعبده أو بمجموع ٍ من عباده ؟ هَل تستطيع كل دول العالم وجيوشُها أن تمنع ضرراً قضاه الله على عبدٍ أو على مجموع ٍ من عباده ؟ ثم إنه سبحانه يتابـع قائلاً { .. أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ  .. }  كذلك يعني إذا أرادني الله تعالى برحمة يرحم بها نفسي وبدني  كأن يشفيني من مرض ٍ نفسيّ ٍ أو مرض بدنيّ أو يغفر لي ذنباً أذنبته  قولاً أو عملا ً ، أو يتفضل علي تفضلا ًمن عنده دون  إستحقاق من قِبَلي ، أو ينعم  عليَّ نعماً أو يرد عني نقماً ، فمن من خلق الله يستطيع أن يمسك عني عطاءً من هذه العطاءات أو رحمة من هذه الرَحمات ، إذا كان الله تعالى أرادها وقضاها لي أو لعبد من عباده أو لمجموع من مجاميع عباده ، بديهي ؟ أنه لا أحد يستطيع أن يردَّ رحمة أراد الله  أن يوقعها حيث يشاء أو ينزلها على من يشاء ، ولا دولة ولا عصابة ، ولا جميع أهل السماوات والأرض من الملائكة أو الإنس أو الجن أو الحيوان أو النبات أو الجماد ، فإذاً لا أحد ولا شيء يستطيع أن يرد ضرراً أراد الله  إيقاعه بمن يشاء ، أو رحمة يتفضل الله بها على من يشاء ، وهذا المعنى هو خلاصة هذا القسم من الآية الشريفة، ثم ينقلنا الله سبحانه وتعالى إلى الفَرَج ، إلى التعليم العالي ، إلى التوحيد علماً وعملا { .. قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ . } قل حسبي الله يا رسول الله ، قل حسبي الله يا ولي الله ، قل حسبي الله يا أيَّ عبدٍ من عباد الله ، قل حسبي الله يعني يكفيني الله ، وحيث أن المتوكلَ على الله هو  في الحقيقة الذي يسلم أموره كلها لله صابراً مجاهداً مردداً { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . سورة التوبة الآية 51 .