وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ

العجب العجاب في قوله تعالى :
 
{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }
 
قال الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة ـ الآية 17 :
{ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }
ـــــــ معانـــي الآيـــة : ــــــــ
 
 
المَلَك : مفرد وجمع ، فالمَلَك أحد الملائكة ، والمَلَك هنا في الآية جموع الملائكة ، وعلى أرجائها ، أي على أرجاء السماء  يعني على أنحائها ، على أطرافها في صفوف ومعهم  أمر الله تعالى  في استقبال المؤمنين  وأهل اليقين بمعاملتهم باللطف  والحسنى ، واستقبال أهل الكفر بالفظاظة والقسوة { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهـُمْ يَوْمَئِـذٍ ثَمَانِيَةٌ } فوقهم ، فوق البشر ، فوق الخلائق ، { ثمانية }  قيل ثمانية من الملائكة عن أبي زيد ، وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلاَّ الله تعـالى ، عن ابن عباس ، كما ورد في مجمع البيان في تفسير القرآن للعلامة الطبرسي  رضوان الله عليه .
      نحن نقول بإذن الله تعالى ، لما تفضل علينا سبحانه  من رؤية الحقائق في ملكه وملكوته هذا العظيم : هذه الثمانية ، هي ثماني طبقات من نور الله ، هي بحار أنواره : الأول من أسفل إلى أعلى : بحر نور أحديته ، والثاني : بحـر نور وحدانيته والثالث : بحر نور رأفته ، والرابع : بحر نور رحمته ، والخامس: بحر نور فردانيته، والسادس: بحر نور سرمديته أوأبديته، والسابع : بحر نور أزليته ، والثامن : بحر نور هُوِّيته  تبارك وتعالى عما يشركون . وكل هذه الطبقات النورانية أو بحار النور ، هي دون عرشه سبحانه ، أي هي في كرسي العرش ، وهنا نذكر كلام  رسـول الله  محمَّدٍ (ص) عن تفسير قوله تعالـى في آية الكرسي : { وَسِـعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } أي أن السماوات السبع ، والأرضين السبع وما فيهن ، وما بينهن، كل ذلك بالنسبة للكرسي كحلقة في بيداء ( الحلقة مثل الخاتم  أو السوار ، والبيداء : المفازة التي لا شيء فيها .) فإذن هذه البحار الثمانية ، هي فوق السماوات والأرض . وكل بحر منها  سُمْكُهُ أو عمقه ، كما بين الأرض الدنيا والسماء السابعة .
      حتى نأخذ فكرة عن هذه المسافات النورانية الهائلة ،  نذكر ما يقوله العلم ، علمُ الفلك  ، المتقدم بأجهزته وبأرقامه وبمراصده وحواسبه العملاقة . هذا العلم المدهش  ، يقول  بإختصار  شديد ، إنه لم يستطع  التوصل بعد ، إلى معـرفة حدود السماء الدنيا ، سمائنا هذه التي نحن تحتها ، والتي هي أصغر سماء في السماوات السبع  ، ناهيك عن المسافات الهائلة بين كل سماء وسماء  ، ناهيك عن البحار الثمانية  التي ذكرنا وهي فوق السماوات والأرض . أما الكرسي الذي فيه السماوات  والأرض كحلقة في بيداء ، فهو ـ برغم  أن العقل البشري لا يستطيع تخيل مساحاته ومسافاته وأعماق بحـاره ـ  هذا الكرسي هو بالنسبة للعرش ، كذلك كحلقة في بيداء . فماذا يقول  العقل البشري هنا ، وماذا تقول الحواسب ، وماذا تستطيع أن تفعل ، وهي قد عجزت عن إدراك حدود أصغر قبة من قباب هذا الكون ، أو كرة أو كريّة سماوية في هذا الوجود اللانهائي ، عنيت بالكريّة ، السماء الدنيا . فسبحان الله! سبحانه! سبحانه! فأينما توصلت في هذا الكون  العملاق قاطعـاً مليـارات السنـوات الضوئية ، أينما تخيلت وصولك بالوهم أو بالحقيقة ، لا بدَّ أنك ستجد نفسك مضطراً للقول : الله أكبر ! في أية جهة سافرت بسرعة الضوء التي هي 000 300 كلم في الثانية ، في أي عمق دخلت .. صاعداً واقفـاً ، أو سابحاً أو طائراً .. في أي موقفٍ وقفت في هذا الوجود ، لا بدَّ أنك ستجد  نفسك خاشعاً خاضعاً لعظمة الله ، ضعيفاً مستكيناً مستسلماً لعزَّته ، مستعظماً خلقه ، ولا بدَّ أنك ستقول :
           
    الله أكبــــر  ! …..