إيضـاح

 

 

باسم الله وبالله وسلام على عباده الذين اصطفى ،

          هذه القصص ، لولا بعض أسمائهـا المرموزة ، كلها واقعيـة ، بأمكنتهـا وأزمنتهـا وأشخاصها .

          وهي إن كانت تصلح أن تكون مذكرات ، أو سيرة شخصية ، لبعض رموزها ، أو حتى تأريخاً لهم ولحقبات مروا بها تربوية وإجتماعية وسياسية تمحورت حول عقيدتهم الدينية وعرفانهم بالله سبحانه ، نعم ، إن كانت تصلح لكل ذلك ، إلا أن الغاية من كتابتها ونشرها كانت تعبدية لله جلَّ شأنه ، أرجو بها رضاه سبحانه وحبه .

          لذلك أصرِّح ، بأن بطلها ، المذكَّر ، هو واحد ، ولكن غيَّب إسمه الحقيقي خجلاً من ربه ، وزهداً في الشهـرة التي هي مطلب من مطالب أهل الدنيا ، وإكتفاءً بل وإغتناءً بما آتاه ربه من كرمه ، ومن عطاءاته ونعمه ، ما قد يصدَّق ، وما قد لا يصدَّق ، إلاَّ عند أهل العرفان بالله تعالى وجل شأنه . ولذلك ، ألبس صاحب هذه الأقاصيص الحقيقية ، إسمه الحقيقي ، أسماء يرمز بكل إسم منها ، إلى جوِّ القصة ذات العلاقة ، من حيث تعاطيه وتعاطي المؤمنات والمؤمنين الربانيين بربهم من جهة ، ومن جهة ثانية ، تعاطي البشر العاديين مع أندادهم من شياطين الجن والإنس ، ناسين الدين ورقابة رب العالمين ، وأنه سبحانه يجازي بجوده وكرمه ، ورأفته ورحمته . أو يعاقب بسخطه وإنتقامه ، وغضبه ونقمته ، وذلك – غالباً – في الدنيا قبل الآخرة .

          وما دامت الغاية من كتابة هذه القصص ، هي تعبدية لله عزَّ شأنه ، وما دام هو سبحانه المعلم الأول ، والمعلم الأعظم ، وبلا قياس . فهو الهادي إذاً ، أن جعل منها دروساً تربوية ، تحرك العقل والنفس في العمق من الداخل ، وتقود المطالع إلى المقارنة بين صفات أهل الحق ، وصفات أهل الباطل ، وبالتالي للإصطفاف مع أهل الحق ، ولو مع الإمتحانات ، أوالإبتلاءات الصعبة ، حتى مواجهة الموت وأخطار الموت ، الذي هو أصعب المواقف أو المواجهات التي تتعرض لها النفس البشرية .

          وهكذا ، ثم إن الإنسـان قد فطره الله أصلاً ، ومنذ النشأة الأولى على حب المناقب والشيم ، والشهامة والكرامة ، والنبل والتعفف ، والشجاعة في الحق ، والترفع عن سفاسف الدنيا وإغراءاتهـا ، وحب الجود والكرم ، حتى إنه سبحانه ألهم من قال : الجود بالنفس أقصى غاية ِ الجود ِ. على أن يكون ذلك في سبيل الله ، وعرفاناً له سبحانه ، وإعترافاً أنه منه وإليه .

          وترى بالبديهة ، أن أصحاب هذه الصفات ، بقدر ما يختارون منها ويتطبَّعون عليها ، ينالون نسبياً ، من غير قصد منهم ، مسحات بطولية ، فإذا هم صُنِّفوا من أولياء الله ، وتلك درجة عالية في معراج أهل اليقين ، سعدوا بربهم جل وعلا ، سعادة الدارين ، تلك السعادة التي لم يصدقها أساطين أهل الفكر الدنيوي ، طبعاً ولا الهمج الرعاع ، الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح . لذلك أجمع أهل الأرض – إلاَّ من رحم ربك – أجمعوا على فرضية أن السعادة من المستحيلات .

          الله قال في كتابه المجيد : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. سورة يونس الآيات ( 62 ـ 64 ) } .

          وكما أن الله تبارك وتعالى فطر عباده ، ومنذ النشأة الأولى ، على حب الصفات الإيجابية كالتي ذكرنا ، كذلك فطرهم سبحانه ، أي غرَّز فيهم غرائز أن يبغضوا أو يأنفوا من الصفات المضادة السلبية ، فإذا لاحظنا وتأملنا حتى بمشاعر الأطفال الذين ما زالوا على براءتهم لم تحولهم طرق التربية الهجينة ذات الطموح الدنيوي المنقطع عن تعاليم الله ، إلى أبالسة أو شياطين صغارٍ أو كبار ، نجد أن هؤلاء الأطفال الأبرياء ، في بداية سن الرشد ، والإنتقال من التجسيم إلى التجريد في المعاني والموضوعات والحقائق المجردة ، يبغضون الظلم والظالمين ، ويكرهون الإنسان البخيل ، رجلاً كان أو إمرأة ، ويحبون البطل الذي يقاتل دفاعاً عن عرضه ووطنه وتعاليم ربه ، ويبغضون الكذاب واللص الذي يسرق الأرض ، أو يسرق أقوات الناس وأرزاقهم وأموالهم … إلى آخر ما هنالك من الصفات المضادة للأخلاق الأصيلة من الشيم والقيم والمناقب ، والشهامة والكرامة ، وتحمل المسؤوليات …

          أما لماذا تغيرت الفطرة التي فطر الله الناس عليها ؟ فتجد الجواب على ذلك في الرحلة القصيرة أو الطويلة – حسب المراحل التي يمر بها إنسان ما – تجده في الفارق ما بين صفاء عيني هذا الإنسان وبراءتهما عندما كان طفلاً ، وبين ضلالاته وعدم الصفاء في نظراته ، عندما فقد براءته وشوَّش فطرته .

          وأما كيف يعاد إليه صفاء عينيه في الظاهر ، والأهم من ذلك صفاء داخله وروحه ، ونواياه وسجاياه ، وبإختصار صفاء فطرته ، فبالتربية وإثارته من الداخل ، وتحفيزه لكل ما يحبه الله ، وتنفيره من كل ما يبغضه الله ، وبذم المنكر ، وبالثناء على المعروف وعلى الشهامة ، وعلى الحث على حب الله وحب تعاليمه ، والتمرس بها ، حتى تصبح الشيم والقيم والمناقب عنده عادات ، ثم ملكات مزروعة فيه ، تُتَعَهَّد بالمثل ، والقدوة الصالحة ، والعبرة المؤثرة إيجابياً ، والقصص النظيفة الخالية من الفحش ، والكذب ، والخيال الرخيص ، وطلب الشهرة أو المال للكاتب ، ولو كان الثمن ذبح الأخلاق والتعاليم الإلـٰهية من الوريد إلى الوريد ، كما نرى ونسمع في أيامنا هذه ، بين الكتاب والمجلة والجريدة ، والسينما والتلفاز والأنترنت ، وجميع البؤر المليئة الغاصة بالرذيلة والفساد والإفساد ، والتي إجتاحت حتى بيوت الفضلاء وبالكاد يستطيعون كبح جماحها . حتى إن غضب الله تعالى يقترب من رؤوس الناس ، يوشك أن يسوِّيها بسخطه وإنتقامه ويجعلها قاعاً صفصفا ، بيوتاً عادية أو ناطحات سحاب . وأي بيت ليس على سطحه لاقط يلتقط جنون الفاحشين ، وإفسـاد المفسدين في الأرض ، ثم يصبه صباً في عيون ورؤوس المشاهدين من أهل الخبال . وكم هم في الأرض اليوم ، الذين ليسوا من أهل الخبال ؟ … اللهم إنه لا ملجأ ولا منجى منك إلاَّ إليك ، فألجئنا ونجنا إلى رضاك ورضوانك ، وأنفع بهذه القصص والحكايا من توفقه إلى الإطلاع عليها ، والإعتبار بما فيها ، من تشاء ، ومن تحب من عبادك ، إنك سميع بصير ، وإنك سميع مجيب ، وأنت خير الغافرين وأرحم الراحمين .